(بَيَانُ أَقْسَامِ الْكُفْرِ)
(وَاعْلَمْ يَا أَخِى الْمُسْلِمَ أَنَّ هُنَاكَ اعْتِقَادَاتٍ وَأَفْعَالًا وَأَقْوَالًا تَنْقُضُ الشَّهَادَتَيْنِ)
أَىْ تُخَالِفُ مَعْنَى الشَّهَادَتَيْنِ (وَتُوقِعُ فِى الْكُفْرِ لِأَنَّ الْكُفْرَ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ كُفْرٌ اعْتِقَادِىٌّ) كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ أَىْ لَمْ يَشُكُّوا (وَكُفْرٌ فِعْلِىٌّ) كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ﴾ (وَكُفْرٌ لَفْظِىٌّ) كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ﴾ وَكُلٌّ مِنَ الأَنْوَاعِ الثَّلاثَةِ مُخْرِجٌ مِنَ الإِسْلامِ بِمُفْرَدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْضَمَّ إِلَيْهِ نَوْعٌ ءَاخَرُ (وَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ) الْعُلَمَاءِ مِنَ (الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ كَالنَّوَوِىِّ وَابْنِ الْمُقْرِئِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنِ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْبُهُوتِىِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّيْخِ مُحَمَّدِ عِلَّيْشٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ فَلْيَنْظُرْهَا مَنْ شَاءَ وَكَذَلِكَ غَيْرُ عُلَمَاءِ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ الْمَاضِينَ) قَاطِبَةً (كَالأَوْزَاعِىِّ فَإِنَّهُ كَانَ مُجْتَهِدًا لَهُ مَذْهَبٌ كَانَ يُعْمَلُ بِهِ ثُمَّ انْقَرَضَ أَتْبَاعُهُ).
وَ(الْكُفْرُ الِاعْتِقَادِىُّ مَكَانُهُ الْقَلْبُ كَنَفْىِ) أَىْ إِنْكَارِ (صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْوَاجِبَةِ لَهُ إِجْمَاعًا كَوُجُودِهِ وَكَوْنِهِ قَادِرًا وَكَوْنِهِ سَمِيعًا بَصِيرًا) فَمَنْ نَفَى وُجُودَ اللَّهِ بِقَلْبِهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَكَذَلِكَ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِىِّ مَنْ نَفَى قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ كَافِرٌ بِالِاتِّفَاقِ، أَىْ بِلا خِلافٍ فَلا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِى الْجَهْلِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ وَنَحْوِهَا مِنْ صِفَاتِهِ الْوَاجِبَةِ لَهُ إِجْمَاعًا مَهْمَا بَلَغَ الْجَهْلُ بِصَاحِبِهِ. وَمِنَ الْكُفْرِ اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ كَثِيفٌ يُجَسُّ بِالْيَدِ كَالإِنْسَانِ أَوْ جِسْمٌ لَطِيفٌ لا يُجَسُّ بِالْيَدِ كَالْهَوَاءِ (أَوِ اعْتِقَادُ أَنَّهُ) تَعَالَى (نُورٌ بِمَعْنَى الضَّوْءِ) لِأَنَّ الضَّوْءَ مَخْلُوقٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ أَمَّا إِذَا قَالَ قَائِلٌ اللَّهُ نُورٌ بِمَعْنَى الْهَادِى فَلا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى نَفْسَهُ بِهَذَا الِاسْمِ قَالَ تَعَالَى ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ وَوَرَدَ هَذَا الِاسْمُ فِى تَعْدَادِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى عِنْدَ الْبَيْهَقِىِّ وَغَيْرِهِ. وَمِنَ الْكُفْرِ اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ قَاعِدٌ فَوْقَ الْعَرْشِ (أَوْ أَنَّهُ رُوحٌ) أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُّوحِنَا﴾ فَمَعْنَاهُ أَمَرْنَا جِبْرِيلَ أَنْ يَنْفُخَ فِى مَرْيَمَ الرُّوحَ الَّتِى هِىَ مِلْكٌ لَنَا وَمُشَرَّفَةٌ عِنْدَنَا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ رُوحٌ لِأَنَّ الرُّوحَ جِسْمٌ لَطِيفٌ تَنَزَّهَ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ (قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْغَنِىِّ النَّابُلُسِىُّ) فِى كِتَابِهِ الْفَتْحِ الرَّبَانِىِّ (مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ مَلَأَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ) أَىْ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ مَلَأَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ (أَوْ أَنَّهُ جِسْمٌ قَاعِدٌ فَوْقَ الْعَرْشِ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ).
وَ(الْكُفْرُ الْفِعْلِىُّ) يَحْصُلُ بِالْجَوَارِحِ أَىِ الأَعْضَاءِ (كَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ) أَوْ أَوْرَاقِهِ (فِى الْقَاذُورَاتِ) فَإِنَّ رَمْيَهُ فِى الْقَاذُورَاتِ عَمْدًا كُفْرٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ (قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ) فِى رَدِّ الْمُحْتَارِ (وَلَوْ لَمْ يَقْصِدِ الِاسْتِخْفَافَ لِأَنَّ فِعْلَهُ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ). وَمِنَ الْكُفْرِ رَمْىُ كُتُبِ الْحَدِيثِ فِى الْقَاذُورَاتِ (أَوْ أَوْرَاقِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ أَىِّ وَرَقَةٍ عَلَيْهَا اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ الْعِلْمِ بِوُجُودِ الِاسْمِ فِيهَا) أَمَّا رَمْىُ الِاسْمِ الَّذِى يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ وَيُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ كَالرَّحِيمِ إِنْ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ اللَّهُ فَلا يَكُونُ كُفْرًا. (وَمَنْ عَلَّقَ شِعَارَ الْكُفْرِ عَلَى نَفْسِهِ) وَهُوَ مَا اتَّخَذَهُ الْكُفَّارُ عَلامَةً دِينِيَّةً خَاصَّةً بِهِمْ كَالصَّلِيبِ (فَإِنْ كَانَ بِنِيَّةِ التَّبَرُّكِ) أَىْ عَلَّقَهُ لِاعْتِقَادِ وُجُودِ الْبَرَكَةِ فِيهِ (أَوْ) بِنِيَّةِ (التَّعْظِيمِ) أَىْ عَلَّقَهُ تَعْظِيمًا لَهُ (أَوْ) بِنِيَّةِ (الِاسْتِحْلالِ) أَىْ جَوَّزَ تَعْلِيقَهُ (مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كَانَ) كَافِرًا (مُرْتَدًّا) أَمَّا إِنْ عَلَّقَهُ لا بِنِيَّةِ إِحْدَى هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فَلا يَكْفُرُ لَكِنَّهُ أَثِمَ إِثْمًا كَبِيرًا.
