كتاب الصراط 7 : الْكُفْرُ الْقَوْلِىُّ

وَ(الْكُفْرُ الْقَوْلِىُّ) يَحْصُلُ بِاللِّسَانِ (كَمَنْ يَشْتِمُ اللَّهَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ مِنَ الْكُفْرِ أُخْتَ رَبِّكَ أَوِ ابْنَ اللَّهِ) وَ(يَقَعُ الْكُفْرُ هُنَا وَلَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّ لِلَّهِ أُخْتًا أَوِ ابْنًا) وَكَذَلِكَ لَوْ زَعَمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ ابْنَ اللَّهِ الْمَحْبُوبَ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنَّ هَذَا لا يُنْجِيهِ مِنَ الْكُفْرِ لِأَنَّهُ كَذَّبَ الْقُرْءَانَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ﴾ وَقَدْ ثَبَتَ فِى الْحَدِيثِ الْقُدْسِىِّ أَنَّ نِسْبَةَ الْوَلَدِ إِلَى اللَّهِ شَتْمٌ لِلَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى شَتَمَنِى ابْنُ ءَادَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَفَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّاىَ فَقَوْلُهُ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ.

     (وَلَوْ نَادَى مُسْلِمٌ مُسْلِمًا ءَاخَرَ بِقَوْلِهِ يَا كَافِرُ بِلا تَأْوِيلٍ)

أَىْ أَرَادَ أَنَّ مَا عَلَيْهِ هَذَا الْمُسْلِمُ مِنَ الدِّينِ كُفْرٌ (كَفَرَ الْقَائِلُ لِأَنَّهُ سَمَّى الإِسْلامَ كُفْرًا) وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ، فَقَوْلُهُ ﷺ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا أَىْ كَانَ الْوِزْرُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ أَىْ إِنْ كَانَ كَافِرًا حَقِيقَةً خَارِجًا مِنَ الإِسْلامِ فَالْوِزْرُ عَلَيْهِ دُونَ مَنْ كَفَّرَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ أَىْ وَإِلَّا كَانَ الْوِزْرُ عَلَى مَنْ كَفَّرَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِمَّا أَنْ يَقَعَ فِى ذَنْبٍ كَبِيرٍ لِأَنَّهُ كَفَّرَهُ مُتَأَوِّلًا أَىِ اعْتَمَدَ عَلَى سَبَبٍ فِى ذَلِكَ الشَّخْصِ ظَنَّهُ مُخْرِجًا مِنَ الإِسْلامِ وَهُوَ فِى الْحَقِيقَةِ لَيْسَ مُخْرِجًا مِنَ الإِسْلامِ كَأَنْ كَفَّرَهُ لِقَتْلِهِ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ ظَنَّ لِجَهْلِهِ أَنَّ مُجَرَّدَ انْتِحَارِهِ كُفْرٌ فَكَفَّرَهُ وَإِمَّا أَنْ يَكْفُرَ بِهَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الإِسْلامَ الَّذِى عَلَيْهِ هَذَا الشَّخْصُ الْمُسْلِمُ كُفْرًا (وَ)كَذَلِكَ (يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ لِلْمُسْلِمِ يَا يَهُودِىُّ أَوْ أَمْثَالَهَا مِنَ الْعِبَارَاتِ بِنِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ إِلَّا إِذَا قَصَدَ أَنَّهُ يُشْبِهُ الْيَهُودَ) لِكَوْنِهِ مَثَلًا يُعَامِلُ النَّاسَ بِالرِّبَا (فَلا يَكْفُرُ) لَكِنْ عَلَيْهِ ذَنْبٌ كَبِيرٌ.

     (وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنَ اللَّهِ)

كَفَرَ الْقَائِلُ لِأَنَّهُ اسْتَخَفَّ بِاللَّهِ فَاللَّهُ تَعَالَى تَجِبُ مَحَبَّتُهُ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ (أَوْ) قَالَ لَهَا (أَعْبُدُكِ كَفَرَ) لِأَنَّهُ لا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ أَنْ يُعْبَدَ أَىْ أَنْ يُتَذَلَّلَ لَهُ نِهَايَةُ التَّذَلُّلِ إِلَّا اللَّهُ أَمَّا (إِنْ كَانَ) الْقَائِلُ لا (يَفْهَمُ مِنْهَا الْعِبَادَةَ الَّتِى هِىَ خَاصَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى) بَلْ يَظُنُّ مِنْ شِدَّةِ جَهْلِهِ أَنَّ مَعْنَاهَا أُحِبُّكِ مَحَبَّةً شَدِيدَةً فَلا يَكْفُرُ.

     (وَ)

كَذَلِكَ (لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ اللَّهُ يَظْلِمُكَ كَمَا ظَلَمْتَنِى كَفَرَ الْقَائِلُ لِأَنَّهُ نَسَبَ الظُّلْمَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى) وَالظُّلْمُ هُوَ مُخَالَفَةُ أَمْرِ وَنَهْىِ مَنْ لَهُ الأَمْرُ وَالنَّهْىُ وَاللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ ءَامِرٌ وَلا نَاهٍ فَهُوَ يَتَصَرَّفُ فِى مِلْكِهِ كَمَا يَشَاءُ لِأَنَّهُ خَالِقُ الأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَمَالِكُهَا الْحَقِيقِىُّ فَلا يَجُوزُ عَلَيْهِ الظُّلْمُ كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ فَمَنْ قَالَ اللَّهُ يَظْلِمُكَ كَمَا ظَلَمْتَنِى كَفَرَ (إِلَّا إِذَا كَانَ يَفْهَمُ) أَىْ يَعْتَقِدُ (أَنَّ مَعْنَى يَظْلِمُكَ) فِى هَذَا السِّيَاقِ (يَنْتَقِمُ مِنْكَ فَلا نُكَفِّرُهُ بَلْ نَنْهَاهُ) وُجُوبًا. أَمَّا إِذَا قَالَ لَهُ اللَّهُ يَظْلِمُكَ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ.

     (وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِشَخْصٍ ءَاخَرَ)

بِالْعَامِيَّةِ (وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ يِلْعَنْ رَبَّكَ) بِمَعْنَى أَلْعَنُ رَبَّكَ (كَفَرَ) الْقَائِلُ بِلا شَكٍّ (وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ لِلْمُسْلِمِ يِلْعَنْ دِينَكَ) بِمَعْنَى أَلْعَنُ دِينَكَ يَقْصِدُ بِذَلِكَ دِينَ الإِسْلامِ (قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِنْ قَصَدَ) لَعْنَ (سِيرَتِهِ) أَىْ عَادَاتِهِ وَأَخْلاقِهِ الْخَبِيثَةِ (فَلا يَكْفُرُ) لِأَنَّ لَفْظَ الدِّينِ يَأْتِى بِمَعْنَى السِّيرَةِ (قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ يَكْفُرُ إِنْ أَطْلَقَ أَىْ إِنْ لَمْ يَقْصِدْ سِيرَتَهُ وَلا قَصَدَ دِينَ الإِسْلامِ) لِأَنَّ الإِطْلاقَ يُحْمَلُ عِنْدَ فَقْدِ الْقَرِينَةِ أَىِ الدَّلِيلِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُتَبَادِرِ الأَكْثَرِ اسْتِعْمَالًا وَهُوَ الِاعْتِقَادُ.