سؤال : لماذا لا نحكم بالحرمة على أمر لمجرد ترك النبي صلى الله عليه وسلم لفعله؟


سؤال : لماذا لا نحكم بالحرمة على أمر لمجرد ترك النبي صلى الله عليه وسلم لفعله؟
الجواب: مجرد ترك النبي فِعل أمر معينٍ من الأمور، لا يعني ذلك بالضرورة أنه حرام، ولنا في ذلك شواهد كثيرة منها :
1- أن النبي ترك أكل الضب ومع ذلك لا يحرم أكله ، فقد قيل له:أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ” لا , وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي , فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ. “
2-والنبي ترك الخطبة على منبر في بادئ أمره حتى جاءته امرأة، فعن جابر بن عبد الله أن امرأة من الأنصار قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ألا أجعل لك شيئاً تقعد عليه فإن لي غلاماً نجاراً. فقال: إن شئت. فعمل له المنبر.
3-والنبي ترك إعادة بناء الكعبة على أسسها التي رفعها إبراهيم عليه السلام، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” يَا عَائِشَةُ ، لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ ، لَهَدَمْتُ الْكَعْبَةَ ، فَأَلْزَقْتُهَا بِالْأَرْضِ ، وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ : بَابًا شَرْقِيًّا ، وَبَابًا غَرْبِيًّا ، وَزِدْتُ فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ ، فَإِنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْهَا حَيْثُ بَنَتِ الْكَعْبَةَ “.
3-والنبي ترك جمع القرءان في مصحف واحد بحيث يسهل التلاوة منه، وهذا الأمر استحدث بعد وفاته ولا ينكر مشروعيته إلا سقيم الفهم.
4-والنبي لم يصل صلاة القيام في رمضان كله إماما بجميع الصحابة وإنما صلاها أحيانا في جماعة وأحيانا في بيته، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ليالٍ ، ولما كانت الثالثة أو الرابعة لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ : لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ.
5-والنبي ترك جمع أحاديثه ونهى في بادئ الأمر عن تدوينها خشية أن يخلط الصحابة بينها وبين القرءان ولا يعني ذلك أن كتابة الحديث والمسانيد التي ألفت بعده حرام، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن، ومن كتب عني شيئاً سوى القرآن ‏فليمحه” رواه مسلم.‏
6-والنبي ترك أمورا لأجل حرمتها ولم يتركها إلا بعد النهي عنها بشدة بذكر لفظ التحريم أو العذاب أو الويل أو الحد أو الآية القرآنية المحرمة و مُبينا أحيانا العلة من حرمتها وأحيانا من غير بيان للسبب.
الخلاصة : ما الذي ينبغي فهمه من كل هذه الوقائع: أن ترك فعل أمر معين, لا يُفيد مطلق التحريم فكيف إذا كان الفعل غير منهي عنه وإنما متروك من النبي لعلة ظاهرة أو خافية!!!!.
ثم إن النهي في حد ذاته قد يحتمل الكراهة التنزيهية دون الحرمة , فقد قال ابن المبارك : أخبرنا سلام بن أبي مطيع ، عن ابن أبي دخيلة ، عن أبيه قال : كنت عند ابن عمر ، فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الزبيب والتمر ، يعني : أن يخلطا ، فقال لي رجل من خلفي : ما قال ؟ فقلت : حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبيب والتمر ، فقال عبد الله بن عمر : كذبت ، فقلت : ألم تقل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ، فهو حرام ؟ فقال : أنت تشهد بذاك ؟ قال سلام : كأنه يقول : من نهي النبي صلى الله عليه وسلم ما هو أدب. والمراد الكراهة التنزيهية وليس الحرمة.
—فتأمل أخي المؤمن يإنصاف إلى كل هذه الاحتمالات التي تدور حول ترك النبي فعل شيء معين وأنها لا تفيد بالضرورة الحرمة، فلا معنى لتحريم أدعياء السلفية للاحتفال بالمولد أو ذكرى الإسراء أو ليلة النصف من شعبان بتلعة ترك النبي لها.
رزقني الله وإياكم حسن الاقتداء و سلامة الدين من الابتلاء.
قاعدة أصولية: “حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط منها الاستدلال”
وهذه القاعدة معناها أنه طالما تطرق إلى الحكم على العمل احتمالات كثيرة بسبب ترك النبي لفعله, فإن تعدد هذه الاحتمالات مع انتفاء وجود نص في التحريم أو النهي , يُسقط الاستدلال على حرمة العمل.

لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي