(التوحيد والتنزيه)
الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين.
أما بعد، فاعلموا رحمكم الله أنّ علماء التوحيد يقولون: التوحيد إثبات ذات غير مشبه للذوات ولا مُعطَّلٍ عن الصفات.
الذات بالنسبة للمخلوق الحجم، المخلوق ذات حجم، ثم هذا الحجم إما كثيف كالإنسان وإما لطيف كالنور، الذات بالنسبة للمخلوقات هذان، إما حجم كثيف وإما حجم لطيف، أما الصفة فهو ما يقوم في الحجم بالنسبة للمخلوق هذا الحجم اللطيف والحجم الكثيف له صفات كالصِغر والكِبر واللون والحركة والسكوت، ذات المخلوق إن كان كثيفًا وإن كان لطيفًا له هذه الصفات وغيرها، يتغير من حال إلى حال لأنه حادث مخلوق وُجد بعد أن كان معدومًا، ومن جملة صفات الحجم الكثيف أو اللطيف سوى الحركة والسكون اللونُ والحرارةُ والبرودةُ، الإنسان ذات حجم كثيف له صفات حركات ولون ونحو ذلك، والنور أيضا ذات أي حجم لطيف له صفات لأنّه قد يكون لونه أبيض وقد يكون لونه أحمر وقد يكون لونه أصفر أو أخضر، فبعض الناس الذين قلوبهم نيرة لما يزورون الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة يرونَ في الفضاء أنوارا متلاطمة، نورا أخضر ونورا أبيض ونورا أصفر ونورا أحمر، نسأل الله أن يرزقنا مثل ذلك. ثم الحجم اللطيف كالضوء قد يكون حجمه مساحته قصيرة وقد يكون مساحته واسعة، نور الشمس مساحته واسعة، نور الكهرباء مساحته أقل، ونور الشمعة مساحته أقل، هذه من صفات الحجم اللطيف، أما الله تعالى ذاته ليس حجما لطيفا ولا حجما كثيفا، لا يمكن تصوره في النفس، لأننا تعوّدنا الحجم الكثيف والحجم اللطيف فنتصور الحجم اللطيف ونتصور الحجم الكثيف، لكنّ الله تبارك وتعالى لكونه ذاتا غير حجم لطيف وغير حجم كثيف نؤمن بأنّه موجود وإن كنا لا نستطيع أن نتصوره، الحجم الصغير يُتصور، والحجم الكبير أيضًا يُتصور، أما الذات الذي لا يوصف بالكِبر ولا بالصغر لا يمكننا أن نتصوره بأذهاننا، لذلك قال الله تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يُدرك الأبصار} لكن يجب علينا أن نؤمن بوجود ذات ليس حجما لطيفا وليس حجما كثيفا، ليس حجما كبيرا وليس حجما صغيرا، لذلك قال علماء التوحيد علماء الحق: التوحيد إثبات ذاتٍ غير مُشبه للذوات ولا معطّل عن الصفات.
أما المشبهة فيريدون أن يكون الله جسمًا ويعتقدون أنه حجم كبير قاعد على العرش، هؤلاء ما عرفوا الله ولا يعبدون الله، يعبدون شيئًا تخيلوه حجما كبيرا قاعدا على العرش ولا وجود له، يعبدون شيئا موهوما لا وجود له، فوق العرش لا يوجد إلا كتاب كتب فيه إنّ رحمتي سبقت غضبي، معناه الأشياء التي يحبها الله أكثر من الأشياء التي يكرهها، الملائكة كلّهم أولياء الله وهم أكثر خلق الله من حيث العدد، الملائكة أكثر كلهم يحبهم الله، أما البشر والجن فيهم الكفار وفيهم المؤمنون، والكفار فيهم أكثر، الجن الشياطين أكثر من المسلمين منهم، والإنس كذلك أكثر الجن وأكثر البشر الله تعالى يكرههم، وأقلهم يحبهم الله تعالى وهم المؤمنون، الكتاب الذي فوق العرش مكتوب فيه هذا إن رحمتي سبقت غضبي، ثم الملائكة الذين هناك يطوفون حول العرش كما نطوف نحن بالكعبة، فلا تصح معرفة الله تعالى مع اعتقاد أنّه حجم كبير أو حجم صغير، لا يكون عرف الله من اعتقد أنّ الله حجم كبير أو حجم صغير لا يكون عارفًا بالله، إن اعتقده حجما كبيرا وإن اعتقده حجما وسطا أو حجما صغيرا فهو غير عارف بالله بل هو جاهل بخالقه، وهذا معنى قول سيدنا علي رضي الله عنه: من زعم إن إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود كل شىء له حجم يقال له محدود، حبة الخردل لها حد حجم صغير، والعرش له حد حجم كبير، وكلاهما محدود، يقول سيدنا علي من اعتقد أن الله حجم ما عرف ربه، وكل هذا التنبيه الذي ذكر هنا داخل تحت هذه الآية: {ليس كمثله شىء}، فإن قال لكم المشبّه من أين أتيتم بقولكم إنّ الله ليس حجما كثيفا ولا حجما لطيفا ولا هو حجم كبير ولا هو حجم صغير، فقولوا له هذه الآية: {ليس كمثله شىء وهو السميع البصير} تدل على ذلك.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يتوفانا على عقيدة أهل السنة والجماعة وأن يحيينا على هذه العقيدة وأن يكرمنا برؤية الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم هذا وأسغفر الله لي ولكم.
