البَلاءُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُؤْمِنِ الصَّابِرِ نِعْمَة
الحَمْدُ للهِ والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ وعلى ءالِهِ وأَصْحَابِهِ الطَّيِبِينَ الطَّاهِرِينَ وَمَن وَالاه
هذه الحقيقة كثيرٌ مِنَ النَّاسِ يَجْهَلُونَها وهي أنَّ البَلاءَ بالنِّسْبَةِ للمُؤْمِنِ الصَّابِر خَيْرٌ إن كان هذا المؤْمِنُ مِنَ الأتقياءِ تَرْتَفِعُ دَرَجَتُهُ بِالبَلاءِ، وإن كان هذا المؤْمِنُ مِنَ العُصَاةِ فإنَّ اللهَ تعالى يَغْفِرُ له ذُنُوبًا بِسَبَبِ وُقُوعِ هذا البَلاء ما دَامَ صَابِرًا لَمْ يَعْتَرِضْ على اللهِ وَلَمْ يَتْرُكْ طَاعَةَ اللهِ إلى مَعْصِيَتِهِ بِسَبَبِ وُقُوعِ البَلاءِ، وليس صحيحًا ما يَقُولُوهُ بعضُ النَّاسِ إذا رَأَواْ إنسَانًا مُتَقَلِّبًا في النَّعِيمِ عِندَهُ المالُ الكثير، عِندَهُ الجَاه، عِندَهُ السُّلْطَة، يقولُ بعضُ الجهالِ (اللهُ يُحِبُّهُ) الرسولُ ﷺ قال: (إنَّ اللهَ يُعْطِي المالَ لِمَن يُحِبُّ ولمن لا يُحِبّ ولا يُعْطِي الإيمانَ إلا لِمَن يحِبُّ) عَلامَةُ مَحَبَّةِ اللهِ تَقْوَى الله، وقد وَرَدَ في الحديثِ (إنَّ البَلايَا أَسْرَعُ إلى مَن يُحِبُّنِي مِنَ السَّيْلِ إلى مُنتَهَاه) معناه الذي يحِبُّ الرسولَ مَحَبَّةً كاملة بَلاؤُهُ يكونُ شديدًا لِيُنَاسِبَ عُلُوَ دَرَجَتِهِ، المؤْمِنُ الذي يُحِبُّهُ الله يَحْفَظُ له دِينَه ويَبْتَلِيهِ في الدُّنْيَا كثيرًا، يَبْتَلِيهِ في مالِه يَأْتِي ظَالِمٌ يَتَسَلَّطُ على مالِه أحيانًا، يَبْتَلِيهِ في صِحَّتِهِ تُصِيبُهُ أمراض، سَيِّدُنا أَيُّوبُ عليه السلام مَرِضَ ثمانِيَةَ عَشَرَ عامًا لَزِمَ الفِرَاش ولم يَخْرُجْ منه الدُّود كما يقولُ بعضُ الجهالِ مِنَ المُفْتَرِين ولم يَعْتَرِضْ على اللهِ ولم تحْصُلْ منه مَعْصِيَةٌ بِسَبَبِ هذا البَلاء مع أنَّه نَبيُّ اللهِ، حَبِيبُ اللهِ، كريمٌ على اللهِ، سَيِّدُنَا زَكَرِيَا عليه السَّلامُ نَبِيُّ اللهِ نَشَرَهُ الكُفَّارُ بالمِنشَارِ، سَيِّدُنا يحيى عليه السَّلام نَبِيُّ اللهِ الكُفَّارُ ذَبَحُوهُ ذَبْحًا، وسَيِّدُنا يُوسُف عليه السَّلام حُبِسَ سَبْعَ سِنِينَ، وسَيِّدُنا نُوح عليه السَّلامُ كان مِن شِدَّةِ ما يُؤْذَى مِن قَوْمِهِ يُغْشَى عليه وهو نَبِيٌّ رَسُولٌ حَبِيبُ رَبِّ العَالمينَ
الأنبياءُ كُرَمَاءُ على اللهِ لَيْسُوا هَيِّنِينَ على اللهِ ومع ذلك اللهُ يَبْتَلِيهِمْ لِتَرْتَفِعَ دَرَجَاتُهُمْ عند اللهِ أكْثَرَ وأكْثَر
في الحديثِ الصحيحِ (أَشَدُّ النَّاسِ بَلاءً الأنبياء ثم الأَمْثَلُ فَالأَمْثَل يُبْتَلَى الرَّجُلُ على حَسَبِ دِينِهِ فإن كان في دِينِهِ صُلْبًا كان بَلاؤُهُ شديدًا وإن كان في دِينِهِ خِفَّة كان بَلاؤُه أَقَلّ) وقد وَرَدَ عَنِ الرسولِ ﷺ (إنَّ عِبَادَ اللهِ يُشَدَّدُ عليهِم) معناه عبادُ اللهِ الصَّالِحُونَ يُشَدَّدُ عليهِم في البَلاءِ لِتَرْتَفِعَ دَرَجَتُهُمْ عِندَ اللهِ
وفي الحديث (لا يَزَالُ البَلاءُ بالمُؤْمِنِ في نفسِه وأهلِه ومالِه حتى يَلْقَى الله – أيْ حتى يَمُوت – ليس عليه خَطِيئَة)
وقد قال رسولُ اللهِ ﷺ (ما يُصِيبُ المُسْلِمَ مِن نَصَبٍ ولا وَصَبٍ ولا هَمٍّ ولا حَزَنٍ حتى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا إلا كَفَّرَ اللهُ بها مِنْ خَطَايَاهُ)
(والنَّصَبُ) معناه التَّعَبُ، (والوَصَبُ) معناه المرَض
قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِن رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [سورة البقرة]
يَا رَبَّنَا اجْعَلْنَا مِنَ الصَّابِرِينَ وَأَكْرِمْنَا بِرُؤْيَةِ سَيِّدِ العَالمينَ سَيِّدِنَا محمَّد عليه الصَّلاةُ والسَّلام
والحمْدُ للهِ رَبِّ العَالمينَ
