الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعد.
فإن الاحتفال بذكرى مولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله رحمة للعالمين بقراءة شىء من القرءان وذكر شىء من الشمائل النبوية الشريفة أمر فيه بركة وخير عظيم إذا خلا هذا الاحتفال عن أصناف البدع القبيحة التي لا يستحسنها الشرع الشريف .
وليعلم أن تحليل أمر أو تحريمه إنما هو وظيفة المجتهد كالإمام مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم وعن سائر السلف الصالح ، وليس لأي شخص ألّف مؤلفاً صغيراً أو كبيراً أن يأخذَ وظيفة الأئمة الكرام من السلف الصالح فيُحلل ويحرّم دون الرجوع إلى كلام الأئمة المجتهدين المشهود لهم بالخيرية من سَلف الأمة وخلَفها، فمَن حرم ذكر الله عز وجل وذكر شمائل النبي صلى الله عليه وسلم في يوم مولده عليه السلام بحجة أن النبي عليه السلام لم يفعله فنقول له : هل تحرّم المحاريب التي في المساجد وتعتقد أنها بدعة ضلالة ؟! وهل تحرّم جمع القرءان في المصحف ونقطه بدعوى أن النبي لم يفعله ؟! فإن كنتَ تُحرّم ذلك فقد ضيقتَ ما وسع الله على عباده من استحداث أعمال خير لم تكن على عهد الرسول، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” مَن سَنّ في الإسلام سُنةً حسَنَةً فلَهُ أجرُها وأجْرُ مَن عَملَ بها بعده من غير أنْ ينقُصَ من أُجورهم شىء ” رواه الإمام مسلم في صحيحه ، وقال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعدما جمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح : ” نِعْمَ البدعة هذه ” رواه الإمام البخاري في صحيحه.
ومن هنا قال الإمام الشافعي رضي الله عنه :”المُحدثـات من الأمور ضربان أحدُهما : ما أُحدث مما يُخالفُ كتابـاً أو سُنةً أو أثراً أو إجماعاً ، فهذه البدعة الضـلالة ، والثانيـة : ما أُحدثَ من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا ، وهذه مُحدثةٌ غير مذمومة “. رواه الحافظ البيهقي في كتاب ” مناقب الشافعي ” ج 1 ص 469. ومَن شاءَ فلينظُر ما ذكرَهُ الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله من ” أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بدعةٌ حسنة” ولا تصحُ فتوى من أفتى بأن الاحتفالَ بذكرى المولد بدعةٌ محرمةٌ لما تقدم من الأدلة ومثل ذلك ذكرَ العلماء الذين تُعْتَمَدُ فتواهم كالحافظ ابن دحية والحافظ العراقي والحافظ السخاوي والحافظ السيوطي والشيخ ابن حجر الهيتمي والشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية الأسبق والشيخ مصطفى نجا مفتى بيروت الأسبق وغيرهم كثير .
ولا عبرة بكلام من أفتى بخلاف قولهم لأنه ليس كلام مجتهد ، والعبرة إنما هي بما وافق كلام العلماء المعتبرين ، والأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد التحريم ، ودين الله يُسْرٌ وليسَ بعُسْرٍ
ذكرى المولد
من البدع الحسنة الاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا العمل لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا فيما يليه، إنما أحدث في أوائل القرن السابع للهجرة، وأول من أحدثه ملك إربل وكان عالمًا تقيًّا شجاعًا يقال له المظفر. جمع لهذا كثيرًا من العلماء فيهم من أهل الحديث والصوفية الصادقين. فاستحسن ذلك العمل العلماء في مشارق الأرض ومغاربها، منهم الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني، وتلميذه الحافظ السخاوي، وكذلك الحافظ السيوطي وغيرهم.
وذكر الحافظ السخاوي في فتاويه أن عمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة، ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار في المدن الكبار يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم.
وللحافظ السيوطي(1) رسالة سماها “حسن المقصد في عمل المولد”، قال: “فقد وقع السؤال عن عمل المولد النبوي في شهر ربيع الأول ما حكمه من حيث الشرع؟ وهل هو محمود أو مذموم؟ وهل يثاب فاعله أو لا؟ والجواب عندي: أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس، وقراءة ما تيسر من القرءان، ورواية الأخبار الواردة في مبدإ أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف. وأول من أحدث فعل ذلك صاحب إربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدّين علي بن بكتكين أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد، وكان له ءاثار حسنة، وهو الذي عمَّر الجامع المظفري بسفح قاسيون”.ا.هـ.
قال ابن كثير(2) في تاريخه: “كان يعمل المولد الشريف – يعني الملك المظفر – في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً، وكان شهمًا شجاعًا بطلاً عاقلاً عالمًا عادلاً رحمه الله وأكرم مثواه. قال: وقد صنف له الشيخ أبو الخطاب ابن دحية مجلدًا في المولد النبوي سماه “التنوير في مولد البشير النذير” فأجازه على ذلك بألف دينار، وقد طالت مدته في المُلك إلى أن مات وهو محاصر للفرنج بمدينة عكا سنة ثلاثين وستمائة محمود السيرة والسريرة”.ا.هـ.
ويذكر سبط ابن الجوزي في مرءاة الزمان أنه كان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية(3).
وقال ابن خلكان(3) في ترجمة الحافظ ابن دحية: “كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، قدم من المغرب فدخل الشام والعراق، واجتاز بإربل سنة أربع وستمائة فوجد ملكها المعظم مظفر الدين بن زين الدين يعتني بالمولد النبوي، فعمل له كتاب “التنوير في مولد البشير النذير”، وقرأه عليه بنفسه فأجازه بألف دينار”.ا.هـ.
قال الحافظ السيوطي: “وقد استخرج له – أي المولد – إمام الحفاظ أبو الفضل أحمد بن حجر أصلاً من السنة، واستخرجت له أنا أصلاً ثانيًا…”ا.هـ.
فتبين من هذا أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة حسنة فلا وجه لإنكاره، بل هو جدير بأن يسمى سنة حسنة لأنه من جملة ما شمله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شىء” وإن كان الحديث واردًا في سبب معين وهو أن جماعة أدقع بهم الفقر جاءوا إلى رسول الله وهم يلبسون النِّمار مجتبيها أي خارقي وسطها، فأمر الرسول بالصدقة فاجتمع لهم شىء كثير فسرّ رسول الله لذلك فقال: “من سنَّ في الإسلام …” الحديث.
وذلك لأن العبرة بعموم اللَّفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر عند الأصوليين، ومن أنكر ذلك فهو مكابر.
1 – الحاوي للفتاوي (1/189 – 197).
2 – البداية والنهاية (3/136).
3 – الحاوي للفتاوي (1/190).
4 – وفيات الأعيان (3/449)
الإحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من البدع الحسنة ، وأول من أحدثه ملك إربل وكان عالماً تقياً شجاعاً يقال له المظفر ، وذلك في أوائل القرن السابع للهجرة. جمع لهذا كثيراً من العلماء فيهم من أهل الحديث والصوفية الصادقين فاستحسن ذلك العمل العلماء في مشارق الأرض ومغاربها .
حتى إن الحافظ ابن دحية قدم من المغرب فدخل الشام والعراق واجتاز بإربل سنة أربع وستمائة فوجد ملكها يعتني بالمولد فعمل له كتاب : (( التنوير في مولد البشير النذير )) . وتوالى الحفاظ على التأليف في قصة المولد فألف شيخ الحفاظ العراقي كتاباً في المولد سماه (( المورد الهني في مولد النبي )).
فالعلماء والفقهاء والمحدثون والصوفية الصادقون كالحافظ العسقلاني والحافظ السخاوي والحافظ السيوطي وغيرهم كثير ، حتى علماء الأزهر كمفتي الديار المصرية الشيخ محمد بخيت المطيعي ، حتى علماء لبنان كمفتي بيروت السابق الشيخ مصطفى نجا رحمه الله استحسنوا هذا الأمر واعتبروه من البدع الحسنة فلا وجه لإنكاره بل هو جدير بأن يسمى سنة حسنة لأنه من جملة ما شمله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص من أجورهم شيء)) رواه مسلم .
هذا وقد استخرج الحافظ العسقلاني لعمل المولد أصلاً من السنة النبوية المطهرة واستخرج الحافظ السيوطي أصلاً ثانياً . ولا يجوز أن يقال : كل شيء لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء وافق شرعه أم خالفه فهو مردود ، لا ، بل لا بد من التفصيل لذا قال الإمام المجتهد مجدد القرن الثاني الهجري محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه : (( المحدثات من الأمور ضربان : احدهما ما أحدث مما يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو اجماعاً فهذه البدعة الضلالة ، والثانية ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا وهذه محدثة غير مذمومة )) .
معناه : إن هناك أموراً أحدثت توافق الكتاب أوالسنة أو الأثر أو الإجماع فهي بدعة حسنة ، كما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن جمع الناس على صلاة التراويح على إمام واحد : (( نعمت البدعة هذه )) . رواه البخاري
المولد النبوي الشريف : +90 مقالا – هل يجوز الإحتفال بالمولد النبوي الشريف ؟
https://alsunna.org/wp/page/4/?s=%D9%85%D9%88%D9%84%D8%AF
