بَيَانُ أَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ شَامِلَةٌ فِى الدُّنْيَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ Sirat 16

(بَيَانُ أَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ شَامِلَةٌ فِى الدُّنْيَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ

خَاصَّةٌ بِالْمُؤْمِنِينَ فِى الآخِرَةِ)

     (وَ)اعْلَمْ أَنَّ (اللَّهَ تَعَالَى يَرْحَمُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ فِى الدُّنْيَا وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلًّا) مِنْهُمْ (أَمَّا فِى الآخِرَةِ فَرَحْمَتُهُ خَاصَّةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ أَىْ وَسِعَتْ فِى الدُّنْيَا كُلَّ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ ﴿فَسَأَكْتُبُهَا﴾ أَىْ فِى الآخِرَةِ ﴿لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ أَىْ أَخُصُّهَا لِمَنِ اتَّقَى) أَىِ اجْتَنَبَ (الشِّرْكَ وَسَائِرَ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾) أَىْ أَهْلُ النَّارِ يُنَادُونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِمَّا يَرَوْنَهُمْ عِيَانًا مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فِى وَقْتٍ مِنَ الأَوْقَاتِ وَإِمَّا يَسْمَعُونَ صَوْتَهُمْ فَيَطْلُبُونَ مِنَ الضِّيقِ الَّذِى هُمْ فِيهِ (﴿أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ أَىْ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْكَافِرِينَ الرِّزْقَ النَّافِعَ وَالْمَاءَ الْمُرْوِىَ فِى الآخِرَةِ) فَلا يَجِدُونَ مَاءً بَارِدًا مُرْوِيًا إِنَّمَا يَشْرَبُونَ الْمَاءَ الْمُتَنَاهِىَ فِى الْحَرَارَةِ وَمَا يَسِيلُ مِنْ جُلُودِ أَهْلِ النَّارِ (وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَضَاعُوا أَعْظَمَ حُقُوقِ اللَّهِ الَّذِى لا بَدِيلَ لَهُ وَهُوَ الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) فَكَفَرُوا وَقَصَدُوا الْبَقَاءَ عَلَى الْكُفْرِ فَكَانَ جَزَاؤُهُمْ عَذَابًا لا يَنْقَطِعُ.

     (ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ) تَعَالَى (جَعَلَ الدُّخُولَ فِى الإِسْلامِ الَّذِى هُوَ أَفْضَلُ نِعَمِ اللَّهِ سَهْلًا وَذَلِكَ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجَعَلَ الْكُفْرَ سَهْلًا فَكَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ بِاللَّهِ) أَوْ كُتُبِهِ أَوْ رُسُلِهِ أَوْ مَلائِكَتِهِ أَوْ مَعَالِمِ دِينِهِ (أَوْ شَرِيعَتِهِ تُخْرِجُ قَائِلَهَا مِنَ الإِيمَانِ وَتُوقِعُهُ فِى الْكُفْرِ الَّذِى هُوَ أَسْوَأُ الأَحْوَالِ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ اللَّهِ أَحْقَرَ مِنَ الْحَشَرَاتِ وَالْوُحُوشِ) أَىِ الْبَهَائِمِ (سَوَاءٌ تَكَلَّمَ بِهَا جَادًّا أَوْ مَازِحًا أَوْ غَضْبَانَ وَقَدْ شُرِحَ ذَلِكَ فِى كُتُبِ الْفِقْهِ فِى الْمَذَاهِبِ) الأَرْبَعَةِ (الْمُعْتَبَرَةِ وَحَكَمُوا أَنَّ الْمُتَلَفِّظَ بِهَا يَكْفُرُ).

     فَالْكُفَّارُ هُمْ أَحْقَرُ وَأَخَسُّ خَلْقِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَتْ صُورَتُهُمْ صُورَةَ الْبَشَرِ لِأَنَّهُمْ أَعْرَضُوا عَنْ الإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَكَفَرُوا بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾) وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمُ الَّذِينَ مَاتُوا فِى الْجَاهِلِيَّةِ فَوَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ (أَىْ تَحْتَ مَشِيئَتِهِ وَتَصَرُّفِهِ) إِنَّ الَّذِى يُدَهْدِهُهُ (أَىْ يُدَحْرِجُهُ) الْجُعَلُ بِأَنْفِهِ خَيْرٌ مِنْ هَؤُلاءِ الْمُشْرِكِينَ. وَالْجُعَلُ يُدَحْرِجُ الْقَذَرَ الَّذِى يَخْرُجُ مِنْ بَنِى ءَادَمَ وَيَجْعَلُهُ حُبَيْبَاتٍ لِيَتَقَوَّتَ بِهِ.