مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَرِىِّ الْكَافِلِ بِعِلْمِ الدِّينِ الضَّرُورِىِّ 1

حَلُّ أَلْفَاظِ

مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَرِىِّ الْكَافِلِ بِعِلْمِ الدِّينِ الضَّرُورِىِّ

لِفَضِيلَةِ الشَّيْخِ نَبِيل الشَّرِيف

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ)

     أَىْ أَبْتَدِئُ تَأْلِيفِى لِهَذَا الْكِتَابِ بِقَوْلِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ وَأُثْنِى عَلَى اللَّهِ بِقَوْلِ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أَىِ الْمَالِكِ لِكُلِّ مَا دَخَلَ فِى الْوُجُودِ (الْحَىِّ) بِلا رُوحٍ وَلا جَسَدٍ (الْقَيُّومِ) أَىِ الدَّائِمِ الَّذِى لا يَزُولُ (الْمُدَبِّرِ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقِينَ) أَىِ الَّذِى أَوْجَدَ جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى حَسَبِ عِلْمِهِ وَمَشِيئَتِهِ الأَزَلِيَّيْنِ (وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ الأَتَمَّانِ الأَكْمَلانِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ) رَسُولِ اللَّهِ أَىِ اللَّهُمَّ زِدْ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا شَرَفًا وَتَعْظِيمًا وَقَدْرًا وَسَلِّمْهُ مِمَّا يَخَافُ عَلَى أُمَّتِهِ (وَعَلَى ءَالِهِ) أَىْ أَزْوَاجِهِ وَأَقْرِبَائِهِ الْمُؤْمِنِينَ (وَصَحْبِهِ) الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَالصَّحَابِىُّ هُوَ مَنْ لَقِىَ النَّبِىَّ ﷺ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ مُؤْمِنًا بِهِ وَمَاتَ عَلَى الإِيمَانِ.

     (وَبَعْدُ فَهَذَا) كِتَابٌ (مُخْتَصَرٌ) أَىْ قَلِيلُ الأَلْفَاظِ كَثِيرُ الْمَعَانِى (جَامِعٌ لِأَغْلَبِ الضَّرُورِيَّاتِ) مِنْ عِلْمِ الدِّينِ وَهِىَ (الَّتِى) لا يُسْتَغْنَى عَنْهَا وَ(لا يَجُوزُ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ جَهْلُهَا مِنْ) أُمُورِ (الِاعْتِقَادِ) أَىِ الْعَقِيدَةِ كَمَعْرِفَةِ اللَّهِ وَمَعْرِفَةِ رَسُولِهِ ﷺ (وَمَسَائِلَ فِقْهِيَّةٍ) أَىْ أَحْكَامِ الْعِبَادَاتِ شُرُوطًا وَأَرْكَانًا وَمُبْطِلاتٍ (مِنَ الطَّهَارَةِ إِلَى الْحَجِّ) بِمَا يَشْمَلُ الصَّلاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصِّيامَ (وَشَىْءٍ) قَلِيلٍ (مِنْ أَحْكَامِ الْمُعَامَلاتِ) وَهِىَ مَا يَتَعَاطَاهُ النَّاسُ فِيمَا بَيْنَهُمْ كَالإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَنَحْوِهَا مَعَ بَيَانِ حُكْمِ الرِّبَا وَبَعْضِ الْبُيُوعِ الْمُحَرَّمَةِ (عَلَى مَذْهَبِ الإِمَامِ) مُحَمَّدِ بنِ إِدْرِيسَ (الشَّافِعِىِّ) الْمُتَوَفَّى سَنَةَ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعٍ هِجْرِيَّةً (ثُمَّ بَيَانِ) الْوَاجِبَاتِ الْقَلْبِيَّةِ وَهِىَ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَ(مَعَاصِى الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ) وَهِىَ أَعْضَاءُ الإِنْسَانِ (كَاللِّسَانِ وَغَيْرِهِ) وَخُتِمَ الْكِتَابُ بِفَصْلٍ فِى بَيَانِ أَحْكَامِ التَّوْبَةِ مِنَ الذُّنُوبِ. (الأَصْلُ) أَىْ أَصْلُ هَذَا الْكِتَابِ هُوَ كِتَابُ سُلَّمِ التَّوْفِيقِ إِلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ عَلَى التَّحْقِيقِ (لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ الْحَضْرَمِيِّينَ) مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ (وَهُوَ) الشَّيْخُ (عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ حُسَيْنِ بنِ طَاهِرٍ) الْمُتَوَفَّى سَنَةَ أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَاثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ. اخْتُصِرَ كِتَابُهُ (ثُمَّ ضُمِّنَ زِيَادَاتٍ كَثِيرَةً مِنْ نَفَائِسِ الْمَسَائِلِ) أَىْ زَادَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَصْلِ هَذَا الْكِتَابِ زِيَادَاتٍ كَثِيرَةً وَجَيِّدَةً زَادَتْهُ وُضُوحًا (مَعَ حَذْفِ مَا ذَكَرَهُ) الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ بنُ حُسَيْنٍ (فِى التَّصَوُّفِ) أَىْ تَرَكَ الْمُؤَلِّفُ مِنْ أَصْلِ هَذَا الْكِتَابِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّصَوُّفِ كَالزُّهْدِ وَهُوَ تَرْكُ التَّنَعُّمِ الَّذِى أَحَلَّهُ اللَّهُ (وَتَغْيِيرٍ لِبَعْضِ الْعِبَارَاتِ مِمَّا لا يُؤَدِّى إِلَى خِلافِ الْمَوْضُوعِ) أَىْ أَبْدَلَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْضَ عِبَارَاتِ الأَصْلِ بِعِبَارَاتٍ أَجْوَدَ وَأَوْضَحَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤَدِّىَ ذَلِكَ إِلَى تَغْيِيرٍ فِى مَوْضُوعِ الْكِتَابِ الَّذِى هُوَ بَيَانُ الْفَرْضِ الْعَيْنِىِّ أَىْ مَا يَجِبُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْهَرَرِىُّ (وَقَدْ نَذْكُرُ مَا رَجَّحَهُ بَعْضٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيِّينَ كَالْبُلْقِينِىِّ لِتَضْعِيفِ مَا فِى الأَصْلِ) أَىْ أَبْدَلَ رَحِمَهُ اللَّهُ الأَقْوَالَ الضَّعِيفَةَ الَّتِى ذَكَرَهَا الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ بنُ حُسَيْنٍ فِى كِتَابِهِ سُلَّمِ التَّوْفِيقِ بِأَقْوَالٍ أُخْرَى قَوِيَّةٍ ذَكَرَهَا الإِمَامُ الْبُلْقِينِىُّ الَّذِى كَانَ فِى عَصْرِهِ عَالِمَ الدُّنْيَا (فَيَنْبَغِى عِنَايَتُهُ بِهِ) أَىْ بِالْمُخْتَصَرِ أَىْ يَنْبَغِى لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَعْتَنِىَ بِتَحْصِيلِ مَا فِيهِ بِأَنْ يَتَلَقَّاهُ مُشَافَهَةً مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الثِّقَاتِ وَأَنْ يُخْلِصَ النِّيَّةَ لِلَّهِ تَعَالَى (لِيُقْبَلَ عَمَلُهُ) أَىْ لِيَكُونَ عَمَلُهُ مَقْبُولًا عِنْدَ اللَّهِ (أَسْمَيْنَاهُ مُخْتَصَرَ عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَرِىِّ الْكَافِلَ بِعِلْمِ الدِّينِ الضَّرُورِىِّ) أَىِ الْجَامِعَ لِأَغْلَبِ أُمُورِ الدِّينِ الضَّرُورِيَّةِ وَهِىَ الْقَدْرُ الَّذِى يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مَعْرِفَتُهُ أَىْ مَا يَحْتَاجُهُ لِتَصْحِيحِ عَقِيدَتِهِ وَحِفْظِ قَلْبِهِ وَجَوَارِحِهِ مِنَ الْمَعَاصِى وَتَصْحِيحِ عِبَادَاتِهِ مِنْ صَلاةٍ وَصِيَامٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَمَّا كَانَ الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ أَهَمَّ الْوَاجِبَاتِ وَأَفْضَلَهَا بَدَأَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالْكَلامِ عَلَى (ضَرُورِيَّاتِ الِاعْتِقَادِ) أَىْ مَا لا يَسْتَغْنِى الْمُكَلَّفُ عَنْهُ مِنْ أُمُورِ الْعَقِيدَةِ فَقَالَ (فَصْلٌ) فِى بَيَانِ مَعْنَى الشَّهَادَتَيْنِ.

     (يَجِبُ عَلَى كَافَّةِ الْمُكَلَّفِينَ) أَىْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ وَهُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الَّذِى بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ الإِسْلامِ أَىْ بَلَغَهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ (الدُّخُولُ فِى دِينِ الإِسْلامِ) فَوْرًا إِنْ كَانَ كَافِرًا (وَالثُّبُوتُ فِيهِ عَلَى الدَّوَامِ) بِأَنْ يَتَجَنَّبَ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ (وَالْتِزَامُ مَا لَزِمَ عَلَيْهِ مِنَ الأَحْكَامِ) الشَّرْعِيَّةِ بِأَنْ يُؤَدِّىَ جَمِيعَ الْوَاجِبَاتِ وَيَجْتَنِبَ جَمِيعَ الْمُحَرَّمَاتِ. وَأَمَّا مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ جُنَّ وَاسْتَمَرَّ جُنُونُهُ إِلَى مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَمَاتَ وَهُوَ مَجْنُونٌ فَلَيْسَ مُكَلَّفًا وَكَذَلِكَ الَّذِى عَاشَ بَالِغًا عَاقِلًا وَلَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الإِسْلامِ.

     (فَمِمَّا يَجِبُ عِلْمُهُ وَاعْتِقَادُهُ مُطْلَقًا وَالنُّطْقُ بِهِ فِى الْحَالِ إِنْ كَانَ كَافِرًا وَإِلَّا فَـفِى الصَّلاةِ الشَّهَادَتَانِ) أَىْ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَمَعْرِفَةُ رَسُولِهِ مَعَ الِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ بِالْقَلْبِ وَالنُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِاللِّسَانِ إِنْ كَانَ كَافِرًا أَصْلِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا لِلدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ أَمَّا إِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْطِقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ فِى كُلِّ صَلاةٍ لِصِحَّةِ الصَّلاةِ (وَهُمَا أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ).

     بَدَأَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِشَرْحِ الشَّهَادَةِ الأُولَى فَقَالَ (وَمَعْنَى أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَعْلَمُ وَأَعْتَقِدُ) بِقَلْبِى (وَأَعْتَرِفُ) بِلِسَانِى (أَنْ لا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا اللَّهُ) أَىْ لا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ أَنْ يُعْبَدَ أَىْ أَنْ يُتَذَلَّلَ لَهُ نِهَايَةُ التَّذَلُّلِ إِلَّا اللَّهُ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْعِبَادَةِ الَّتِى مَنْ صَرَفَهَا لِغَيْرِ اللَّهِ صَارَ مُشْرِكًا، وَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ (الْوَاحِدُ) الَّذِى لا شَرِيكَ لَهُ فِى الأُلُوهِيَّةِ (الأَحَدُ) الَّذِى لا يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ لِأَنَّهُ لَيْسَ جِسْمَا (الأَوَّلُ) الَّذِى لا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ وَبِمَعْنَاهُ (الْقَدِيمُ) إِذَا أُطْلِقَ عَلَى اللَّهِ (الْحَىُّ) أَىِ الْمُتَّصِفُ بِحَيَاةٍ أَزَلِيَّةٍ أَبَدِيَّةٍ أَىْ لا بِدَايَةَ وَلا نِهَايَةَ لَهَا لَيْسَتْ بِرُوحٍ وَجَسَدٍ (الْقَيُّومُ) أَىِ الَّذِى لا يَحْتَاجُ إِلَى غَيْرِهِ (الدَّائِمُ) الَّذِى لا يَلْحَقُهُ فَنَاءٌ (الْخَالِقُ) الَّذِى أَبْرَزَ جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ أَىْ صَارَتْ مَوْجُودَةً بِإِيجَادِ اللَّهِ لَهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ (الرَّازِقُ) الَّذِى يُوصِلُ الأَرْزَاقَ إِلَى عِبَادِهِ وَالرِّزْقُ مَا يَنْفَعُ حِسًّا وَلَوْ كَانَ مُحَرَّمًا (الْعَالِمُ) أَىِ الْمُتَّصِفُ بِعِلْمٍ أَزَلِىٍّ أَبَدِىٍّ لا يَتَغَيَّرُ لا يَزْدَادُ وَلا يَنْقُصُ (الْقَدِيرُ) أَىِ الْمُتَّصِفُ بِقُدْرَةٍ تَامَّةٍ بِهَا يُوجِدُ وَيُعْدِمُ (الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ) أَىْ أَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ لا يُعْجِزُهُ شَىْءٌ وَلا يُمَانِعُهُ أَحَدٌ وَلا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِعَانَةٍ بِغَيْرِهِ (مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ) أَىْ مَا أَرَادَ اللَّهُ فِى الأَزَلِ وُجُودَهُ لا بُدَّ أَنْ يُوجَدَ وَمَا لَمْ يُرِدِ اللَّهُ وُجُودَهُ لا يَدْخُلُ فِى الْوُجُودِ وَمَشِيئَةُ اللَّهِ لا تَتَغَيَّرُ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ دَلِيلُ الْحُدُوثِ وَالْحُدُوثُ أَىِ الْوُجُودُ بَعْدَ عَدَمٍ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ (الَّذِى لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِهِ) أَىْ لا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِلَّا بِعِصْمَةِ اللَّهِ وَلا قُوَّةَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ إِلَّا بِعَوْنِ اللَّهِ أَىْ لا يَسْتَطِيعُ الإِنْسَانُ أَنْ يَتَجَنَّبَ الْمَعْصِيَةَ إِلَّا أَنْ يَحْفَظَهُ اللَّهُ وَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَفْعَلَ الْخَيْرَ وَالطَّاعَةَ إِلَّا أَنْ يُعِينَهُ اللَّهُ (الْمَوْصُوفُ بِكُلِّ كَمَالٍ يَلِيقُ بِهِ) أَىِ الْمَوْصُوفُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ اللَّائِقَةِ بِهِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالإِرَادَةِ.

     (الْمُنَزَّهُ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ فِى حَقِّهِ) أَىْ عَنْ كُلِّ مَا لا يَلِيقُ بِهِ تَعَالَى كَالْحَجْمِ وَاللَّوْنِ وَالشَّكْلِ وَالتَّحَيُّزِ فِى الْمَكَانِ وَالْجِهَةِ وَكُلِّ مَا كَانَ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى (﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾) أَىْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يُشْبِهُهُ شَىءٌ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ بِأَىِّ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَأَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ (فَـهُوَ الْقَدِيمُ) الَّذِى لا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ (وَ)كُلُّ (مَا سِوَاهُ حَادِثٌ) أَىْ وُجِدَ بَعْدَ عَدَمٍ (وَهُوَ الْخَالِقُ وَ)كُلُّ (مَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ فَكُلُّ حَادِثٍ دَخَلَ فِى الْوُجُودِ مِنَ الأَعْيَانِ) أَىِ الأَحْجَامِ (وَالأَعْمَالِ) الِاخْتِيَارِيَّةِ وَغَيْرِ الِاخْتِيَارِيَّةِ فَهُوَ بِخَلْقِ اللَّهِ فَالأَعْيَانُ كُلُّهَا (مِنَ الذَّرَّةِ) وَهِىَ الْهَبَاءُ الَّذِى يُرَى فِى ضَوْءِ الشَّمْسِ الدَّاخِلِ مِنَ النَّافِذَةِ أَوْ مَا كَانَ أَصْغَرَ مِنْهَا وَهُوَ الْجَوْهَرُ الْفَرْدُ (إِلَى الْعَرْشِ) وَهُوَ أَكْبَرُ الْمَخْلُوقَاتِ حَجْمًا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَلَمْ يَتَّخِذْهُ مَكَانًا لِذَاتِهِ (وَ)كَذَلِكَ الأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ (مِنَ كُلِّ حَرَكَةٍ لِلْعِبَادِ وَسُكُونٍ وَ)الأَعْمَالُ الْبَاطِنَةُ مِنَ (النَّوَايَا وَالْخَوَاطِرِ) الَّتِى تَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ بِلا إِرَادَةٍ (فَهُوَ بِخَلْقِ اللَّهِ لَمْ يَخْلُقْهُ أَحَدٌ سِوَى اللَّهِ لا) خَلَقَتْهُ (طَبِيعَةٌ وَلا عِلَّةٌ) وَالطَّبِيعَةُ هِىَ الصِّفَةُ الَّتِى جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْهَا الأَجْرَامَ كَالنَّارِ طَبِيعَتُهَا الإِحْرَاقُ وَلا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ خَالِقَةً لِشَىْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ لِأَنَّهُ لا إِرَادَةَ لَهَا وَلا مَشِيئَةَ وَلا اخْتِيَارَ فَكَيْفَ تُخَصِّصُ الْمُمْكِنَ الْوُجُودِ بِالْوُجُودِ بَدَلَ الْعَدَمِ وَأَمَّا الْعِلَّةُ فَهِىَ مَا يُوجَدُ الْمَعْلُولُ بِوُجُودِهَا وَيُعْدَمُ بِعَدَمِهَا كَالإِصْبَعِ الَّذِى فِيهِ خَاتَمٌ فَإِنَّ حَرَكَةَ الإِصْبَعِ عِلَّةٌ لِحَرَكَةِ الْخَاتَمِ لِأَنَّ حَرَكَةَ الْخَاتَمِ تَتْبَعُ حَرَكَةَ الإِصْبَعِ فَتُوجَدُ بِوُجُودِهَا وَتُعْدَمُ بِعَدَمِهَا.    

     (بَلْ دُخُولُهُ) أَىِ الْحَادِثِ (فِى الْوُجُودِ) بَعْدَ أَنْ كَانَ مَعْدُومًا يَحْصُلُ (بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ بِتَقْدِيرِهِ) أَىْ بِإِيجَادِ اللَّهِ لَهُ عَلَى حَسَبِ مَشِيئَتِهِ الأَزَلِيَّةِ (وَعِلْمِهِ الأَزَلِىِّ) وَيَحْصُلُ بِخَلْقِهِ (لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ﴾ أَىْ أَحْدَثَهُ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ) وَلَفْظَةُ شَىْءٍ فِى الآيَةِ شَامِلَةٌ لِكُلِّ مَا دَخَلَ فِى الْوُجُودِ (فَلا خَلْقَ بِهَذَا الْمَعْنَى لِغَيْرِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾) أَىْ لا خَالِقَ إِلَّا اللَّهُ وَ(قَالَ) الإِمَامُ عُمَرُ (النَّسَفِىُّ) صَاحِبُ الْعَقِيدَةِ النَّسَفِيَّةِ مَا مَعْنَاهُ (فَإِذَا ضَرَبَ إِنْسَانٌ زُجَاجًا بِحَجَرٍ فَكَسَرَهُ فَالضَّرْبُ) وَهُوَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَقَدْ يَحْصُلُ مِنْهُ انْكِسَارٌ وَقَدْ لا يَحْصُلُ (وَالْكَسْرُ) وَهُوَ فِعْلُ الْعَبْدِ الَّذِى فَعَلَهُ فِى الزُّجَاجِ بِوَاسِطَةِ الرَّمْىِ بِالْحَجَرِ (وَالِانْكِسَارُ) وَهُوَ الأَثَرُ الْحَاصِلُ فِى الزُّجَاجِ مِنْ تَشَقُّقٍ وَتَنَاثُرٍ حَصَلَ (بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى) لا بِخَلْقِ الْعَبْدِ (فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ) مِنْ فِعْلِهِ هَذَا (إِلَّا الْكَسْبُ) وَهُوَ تَوْجِيهُ الْعَبْدِ قَصْدَهُ وَإِرَادَتَهُ نَحْوَ الْعَمَلِ أَىِ الِاخْتِيَارِىِّ فَيَخْلُقُهُ اللَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ (وَأَمَّا الْخَلْقُ) أَىِ الإِبْرَازُ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ (فَلَيْسَ لِغَيْرِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾) أَىِ النَّفْسُ تَنْتَفِعُ بِمَا كَسَبَتْهُ مِنَ الْخَيْرِ وَتَنْضَرُّ بِمَا اكْتَسَبَتْهُ مِنْ عَمَلِ الشَّرِّ.

     (وَكَلامُهُ قَدِيمٌ) أَىْ كَلامُ اللَّهِ الَّذِى هُوَ صِفَةُ ذَاتِهِ أَزَلِىٌّ لا ابْتِدَاءَ لَهُ (كَسَائِرِ صِفَاتِهِ) لِأَنَّ الذَّاتَ الأَزَلِىَّ لا يَتَّصِفُ بِصِفَةٍ حَادِثَةٍ أَىْ مَخْلُوقَةٍ فَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ كَلامَ اللَّهِ لَيْسَ حَرْفًا وَلا صَوْتًا وَلا لُغَةً (لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُبَايِنٌ) أَىْ غَيْرُ مُشَابِهٍ (لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ فِى الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَالأَفْعَالِ) فَلا يُوجَدُ ذَاتٌ مِثْلُ ذَاتِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ جِسْمًا وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ صِفَةٌ كَصِفَتِهِ أَوْ فِعْلٌ كَفِعْلِهِ (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا) أَىْ تَنَزَّهَ اللَّهُ تَنَزُّهًا كَامِلًا عَمَّا يَقُولُ الْكَافِرُونَ فِى حَقِّ اللَّهِ مِمَّا لا يَلِيقُ بِهِ كَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ (فَيَتَلَخَّصُ مِنْ مَعْنَى مَا مَضَى إِثْبَاتُ ثَلاثَ عَشْرَةَ صِفَةً لِلَّهِ تَعَالَى تَكَرَّرَ ذِكْرُهَا فِى الْقُرْءَانِ) وَالْحَدِيثِ (إِمَّا لَفْظًا) كَالْقَدِيرِ (وَإِمَّا مَعْنًى) كَالْقَوِىِّ وَكَانَ النَّبِىُّ ﷺ يَحْرِصُ (كَثِيرًا) عَلَى تَعْلِيمِهَا لِكُلِّ أَحَدٍ (وَهِىَ الْوُجُودُ) فَاللَّهُ تَعَالَى مَوْجُودٌ لا شَكَّ فِى وُجُودِهِ وَوُجُودُهُ لَيْسَ بإِيجَادِ مُوجِدٍ (وَالْوَحْدَانِيَّةُ) أَىْ أَنَّهُ وَاحِدٌ لا شَرِيكَ لَهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَحْدَانِيَّةَ الْعَدَدِ لِأَنَّ الْجِسْمَ الْوَاحِدَ لَهُ أَجْزَاءٌ بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ لا شَبِيهَ لَهُ (وَالْقِدَمُ أَىِ الأَزَلِيَّةُ) أَىْ أَنَّهُ لا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ فَلَمْ يَسْبِقْ وُجُودَهُ عَدَمٌ (وَالْبَقَاءُ) أَىْ أَنَّهُ لا نِهَايَةَ لِوُجُودِهِ فَلا يَلْحَقُهُ فَنَاءٌ (وَقِيَامُهُ بِنَفْسِهِ) أَىْ أَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ وَيَحْتَاجُ إِلَيْهِ كُلُّ مَا عَدَاهُ (وَالْقُدْرَةُ) أَىْ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ لا يُعْجِزُهُ شَىْءٌ (وَالإِرَادَةُ) بِمَعْنَى الْمَشِيئَةِ صِفَةٌ لِلَّهِ يُخَصِّصُ بِهَا الْمُمْكِنَ الْوُجُودِ بِالْوُجُودِ بَدَلَ الْعَدَمِ وَبِصِفَةٍ دُونَ صِفَةٍ (وَالْعِلْمُ) أَىْ أَنَّهُ عَالِمٌ بِكُلِّ شَىْءٍ بِعِلْمِهِ الأَزَلِىِّ فَهُوَ عَالِمٌ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَمَا يُحْدِثُهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ (وَالسَّمْعُ) أَىْ أَنَّهُ يَسْمَعُ بِسَمْعِهِ الأَزَلِىِّ كُلَّ الْمَسْمُوعَاتِ فَهُوَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَسْمَعُ كَلامَهُ الأَزَلِىَّ وَكَلامَ الْمَخْلُوقَاتِ وَأَصْوَاتَهُمْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى أُذُنٍ أَوْ ءَالَةٍ أُخْرَى (وَالْبَصَرُ) أَىْ أَنَّهُ يَرَى بِرُؤْيَتِهِ الأَزَلِيَّةِ كُلَّ الْمَرْئِيَّاتِ فَهُوَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَرَى ذَاتَهُ الأَزَلِىَّ الَّذِى لَيْسَ جِسْمًا وَيَرَى مَخْلُوقَاتِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى حَدَقَةٍ أَوْ شُعَاعِ ضَوْءٍ (وَالْحَيَاةُ) أَىْ أَنَّهُ حَىٌّ بِحَيَاةٍ لا تُشْبِهُ حَيَاةَ الْمَخْلُوقِينَ لَيْسَتْ بِرُوحٍ وَجَسَدٍ (وَالْكَلامُ) أَىْ أَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُتَكَلِّمٌ بِكَلامٍ لا يُشْبِهُ كَلامَ الْمَخْلُوقِينَ لَيْسَ حَرْفًا وَلا صَوْتًا وَلا لُغَةً لا يُبْتَدَأُ وَلا يُخْتَتَمُ لا يَطْرَأُ عَلَيْهِ سُكُوتٌ أَوْ تَقَطُّعٌ (وَالْمُخَالَفَةُ لِلْحَوَادِثِ) أَىْ عَدَمُ مُشَابَهَتِهِ لِلْمَخْلُوقَاتِ فَاللَّهُ تَعَالَى لا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ بِأَىِّ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ لَيْسَ جِسْمًا وَلا يُوصَفُ بِصِفَاتِ الأَجْسَامِ (فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ) الثَّلاثَ عَشْرَةَ (ذِكْرُهَا كَثِيرًا فِى النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ) أَىِ الْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ (قَالَ الْعُلَمَاءُ تَجِبُ مَعْرِفَتُهَا وُجُوبًا عَيْنِيًّا) عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ وَلا يَجِبُ حِفْظُ أَلْفَاظِهَا عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ (فَلَمَّا ثَبَتَتِ الأَزَلِيَّةُ لِذَاتِ اللَّهِ) بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِىِّ وَالْعَقْلِىِّ أَىْ لَمَّا كَانَ ذَاتُ اللَّهِ أَزَلِيًّا (وَجَبَ أَنْ تَكُونَ صِفَاتُهُ أَزَلِيَّةً لِأَنَّ حُدُوثَ الصِّفَةِ يَسْتَلْزِمُ حُدُوثَ الذَّاتِ) أَىْ لَوْ كَانَ يَحْدُثُ فِى ذَاتِ اللَّهِ صِفَةٌ لَمْ تَكُنْ فِى الأَزَلِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَاتُهُ حَادِثًا أَىْ مَخْلُوقًا.

     وَبِهَذَا أَنْهَى الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْكَلامَ عَلَى الشَّهَادَةِ الأُولَى ثُمَّ بَدَأَ بِشَرْحِ الشَّهَادَةِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ (وَمَعْنَى أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَعْلَمُ وَأَعْتَقِدُ) بِقَلْبِى (وَأَعْتَرِفُ) بِلِسَانِى (أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ) الْعَرَبِىَّ (الْقُرَشِىَّ) أَىِ الْمَنْسُوبَ إِلَى قَبِيلَةِ قُرَيْش هُوَ (عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ) مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ (وَيَتْبَعُ ذَلِكَ اعْتِقَادُ أَنَّهُ وُلِدَ بِمَكَّةَ وَبُعِثَ بِهَا) أَىْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْىُ بِالنُّبُوَّةِ وَهُوَ مُسْتَوْطِنٌ فِيهَا (وَهَاجَرَ) مِنْ مَكَّةَ (إِلَى الْمَدِينَةِ) الْمُنَوَّرَةِ ومَاتَ (وَدُفِنَ فِيهَا وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ) اعْتِقَادَ (أَنَّهُ صَادِقٌ فِى جَمِيعِ مَا أَخْبَرَ بِهِ وَبَلَّغَهُ عَنِ اللَّهِ) مِنَ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَلا يُخْطِئُ فِى ذَلِكَ أَبَدًا (فَمِنْ ذَلِكَ) أَىْ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِىُّ ﷺ وَيَجِبُ الإِيمَانُ بِهِ (عَذَابُ الْقَبْرِ) كَعَرْضِ النَّارِ عَلَى الْكَافِرِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ وَانْزِعَاجِ بَعْضِ عُصَاةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَوَحْشَتِهِ (وَنَعِيمُهُ) كَتَوْسِيعِ الْقَبْرِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا طُولًا فِى سَبْعِينَ ذِرَاعًا عَرْضًا لِلْمُؤْمِنِ التَّقِىِّ وَتَنْوِيرِهِ بِنُورٍ يُشْبِهُ نُورَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ (وَسُؤَالُ الْمَلَكَيْنِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ) لِلْمَيِّتِ بَعْدَ دَفْنِهِ فَيُسْأَلُ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ عَنِ اعْتِقَادِهِ الَّذِى مَاتَ عَلَيْهِ وَيُسْتَثْنَى مِنَ السُّؤَالِ الأَنْبِيَاءُ وَالأَطْفَالُ وَشُهَدَاءُ الْمَعْرَكَةِ (وَالْبَعْثُ) وَهُوَ خُرُوجُ الْمَوْتَى مِنَ الْقُبُورِ بَعْدَ إِحْيَائِهِمْ (وَالْحَشْرُ) وَهُوَ أَنْ يُجْمَعَ النَّاسُ بَعْدَ الْبَعْثِ لِلسُّؤَالِ (وَالْقِيَامَةُ) وَهِىَ قِيَامُ الْمَوْتَى لِلْحِسَابِ وَأَوَّلُهَا مِنْ خُرُوجِ النَّاسِ مِنْ قُبُورِهِمْ إِلَى اسْتِقْرَارِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِى الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ فِى النَّارِ (وَالْحِسَابُ) وَهُوَ عَرْضُ أَعْمَالِ الْعِبَادِ عَلَيْهِمْ أَىْ يُعْرَضُ عَلَيْهِمْ مَا عَمِلُوا فِى الدُّنْيَا (وَالثَّوَابُ) وَهُوَ الْجَزَاءُ الَّذِى يُجَازَاهُ الْمُؤْمِنُ فِى الآخِرَةِ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ مِمَّا يَسُرُّهُ (وَالْعَذَابُ) وَهُوَ الْجَزَاءُ الَّذِى يُجَازَاهُ الْعَبْدُ فِى الآخِرَةِ مِمَّا يَسُوؤُهُ عَلَى مَا عَمِلَ مِنْ سَيِّئَاتٍ (وَالْمِيزَانُ) الَّذِى تُوزَنُ بِهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (وَالنَّارُ) أَىْ جَهَنَّمُ وَهِىَ دَارُ الْعَذَابِ الدَّائِمِ لِلْكَافِرِينَ وَيُعَذَّبُ فِيهَا بَعْضُ عُصَاةِ الْمُسْلِمِينَ مُدَّةً وَمَكَانُهَا تَحْتَ الأَرْضِ السَّابِعَةِ مُنْفَصِلَةٌ عَنْهَا (وَالصِّرَاطُ) وَهُوَ جِسْرٌ عَرِيضٌ يُمَدُّ عَلَى ظَهْرِ جَهَنَّمَ أَىْ فَوْقَهَا فَيَرِدُهُ النَّاسُ جَمِيعًا فَمِنْهُمْ مَنْ يَنْجُو وَمِنْهُمْ مَنْ يَقَعُ فِيهَا (وَالْحَوْضُ) وَهُوَ مَكَانٌ أَعَدَّ اللَّهُ فِيهِ شَرَابًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ يَشْرَبُونَ مِنْهُ بَعْدَ عُبُورِ الصِّرَاطِ وَقَبْلَ دُخُولِ الْجَنَّةِ فَلا يُصِيبُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ ظَمَأٌ (وَالشَّفَاعَةُ) وَهِىَ طَلَبُ إِسْقَاطِ الْعِقَابِ عَنْ بَعْضِ الْعُصَاةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَمَّا الْكُفَّارُ فَلا شَفَاعَةَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (وَالْجَنَّةُ) وَهِىَ دَارُ النَّعِيمِ الدَّائِمِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَمَكَانُهَا فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ مُنْفَصِلَةٌ عَنْهَا (وَالرُّؤْيَةُ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْعَيْنِ فِى الآخِرَةِ) أَىْ يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ وَهُمْ فِى الْجَنَّةِ (بِلا كَيْفٍ) فَلا يَرَوْنَهُ حَجْمًا كَثِيفًا كَالإِنْسَانِ وَلا حَجْمًا لَطِيفًا كَالنُّورِ (وَلا) يَرَوْنَهُ فِى (مَكَانٍ وَلا) فِى (جِهَةٍ) وَلا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ مَسَافَةٌ (أَىْ لا كَمَا يُرَى الْمَخْلُوقُ، وَالْخُلُودُ فِيهِمَا) أَىِ فِى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَأَنَّهُ لا مَوْتَ فِيهِمَا (وَالإِيمَانُ بِمَلائِكَةِ اللَّهِ) أَىْ بِوُجُودِهِمْ وَأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ مُكَلَّفُونَ بِالإِيمَانِ وَبِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لَيْسُوا ذُكُورًا وَلا إِنَاثًا لا يَأْكُلُونَ وَلا يَشْرَبُونَ وَلا يَبُولُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ وَلا يَنَامُونَ وَلا يَتْعَبُونَ وَلا يَتَنَاكَحُونَ وَلا يَتَوَالَدُونَ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (وَرُسُلِهِ) أَىْ يَجِبُ الإِيمَانُ بِهِمْ مَنْ كَانَ رَسُولًا أُرْسِلَ بِشَرْعٍ جَدِيدٍ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ رَسُولًا وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ هُوَ الإِسْلامُ أَوَّلُهُمْ ءَادَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَءَاخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ ﷺ (وَكُتُبِهِ) أَىْ يَجِبُ الإِيمَانُ بِالْكُتُبِ الَّتِى أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَهِىَ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَشْهَرُهَا الْقُرْءَانُ وَالتَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ (وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) أَىِ اعْتِقَادُ أَنَّ كُلَّ مَا دَخَلَ فِى الْوُجُودِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ هُوَ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ الأَزَلِىِّ فَالَّذِى يَجِبُ الرِّضَا بِهِ هُوَ تَقْدِيرُ اللَّهِ الَّذِى هُوَ صِفَتُهُ أَمَّا مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ كَالإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ فَيَجِبُ مَحَبَّتُهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ كَالْكُفْرِ وَالْمَعَاصِى فَيَجِبُ كَرَاهِيَتُهُ.

     (وَ)يَتَضَمَّنُ الإِيمَانُ بِرِسَالَةِ النَّبِىِّ اعْتِقَادَ (أَنَّهُ ﷺ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ) أَىْ ءَاخِرُهُمْ فَلا نَبِىَّ بَعْدَهُ (وَأَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ ءَادَمَ أَجْمَعِينَ) فَهُوَ أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَأَعْلاهُمْ مَنْزِلَةً.

     (وَيَجِبُ اعْتِقَادُ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَ الأَنْبِيَاءَ لِيُعَلِّمُوا النَّاسَ مَا يَنْفَعُهُمْ فِى دُنْيَاهُمْ وَءَاخِرَتِهِمْ وَأَنَّهُ جَمَّلَهُمْ بِصِفَاتٍ حَمِيدَةٍ وَأَخْلاقٍ حَسَنَةٍ وَنَزَّهَهُمْ عَنِ الصِّفَاتِ الذَّمِيمَةِ فَيَجِبُ اعْتِقَادُ (أَنَّ كُلَّ نَبِىٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ يَجِبُ أَنَّ يَكُونَ مُتَّصِفًا بِالصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ) وَالْعِفَّةِ وَالشَّجَاعَةِ وَالْفَصَاحَةِ (وَالْفَطَانَةِ) أَىِ الذَّكَاءِ (فَـيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمُ الْكَذِبُ وَالْخِيَانَةُ وَالرَّذَالَةُ وَالسَّفَاهَةُ وَالْجُبْنُ وَالْبَلادَةُ) أَىِ الْغَبَاوَةُ فَلا يَكْذِبُونَ وَلا يَغُشُّونَ وَلا يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ رَذِيلٌ يَخْتَلِسُ النَّظَرَ إِلَى النِّسَاءِ الأَجْنَبِيَّاتِ بِشَهْوَةٍ وَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ سَفِيهٌ يَتَصَرَّفُ بِخِلافِ الْحِكْمَةِ أَوْ يَقُولُ أَلْفَاظًا شَنِيعَةً تَسْتَقْبِحُهَا النَّفْسُ وَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ جَبَانٌ ضَعِيفُ الْقَلْبِ أَوْ ضَعِيفُ الْفَهْمِ وَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمْ سَبْقُ اللِّسَانِ فِى أُمُورِ الدِّينِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ أَنْ يَتَكَلَّمَ الإِنْسَانُ بِشَىْءٍ مِنْ غَيْرِ إِرَادَةٍ (وَ)يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمْ (كُلُّ مَا يُنَفِّرُ) النَّاسَ (عَنْ قَبُولِ الدَّعْوَةِ مِنْهُمْ) كَالأَمْرَاضِ الْمُنَفِّرَةِ وَمِنْهَا الْجَرَبُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ وَخُرُوجُ الدُّودِ مِنَ الْجِسْمِ وَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمُ الْجُنُونُ وَالْخَرَفُ وَتَأْثِيرُ السِّحْرِ فِى عُقُولِهِمْ وَتَصَرُّفَاتِهِمْ ولا تَحْصُلُ فِى أَبْدَانِهِمْ وَلا فِى أَفْوَاهِهِمْ وَلا فِى ثِيَابِهِمُ الرَّوَائِحُ الْكَرِيهَةُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ ذُو عَاهَةٍ فِى خِلْقَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَعْرَجُ وَلا أَعْمَى خِلْقَةً وَالنَّبِىُّ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا أَوَّلَ نُزُولِ الْوَحْىِ عَلَيْهِ لَكِنْ قَدْ يَطْرَأُ عَلَيْهِ الْعَمَى مُدَّةً كَمَا حَصَلَ لِسَيِّدِنَا يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ ثُمَّ يَرْجِعُ لَهُ بَصَرُهُ (وَتَجِبُ لَهُمُ الْعِصْمَةُ) أَىِ الْحِفْظُ (مِنَ الْكُفْرِ وَالْكَبَائِرِ) أَىْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ (وَصَغَائِرِ الْخِسَّةِ) والدَّنَاءَةِ أَىِ الذُّنُوبِ الصَّغِيرَةِ الَّتِى فِيهَا خِسَّةٌ وَدَنَاءَةٌ كَسَرِقَةِ حَبَّةِ عِنَبٍ (قَبْلَ النُّبُوَّةِ) أَىْ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِمْ بِالنُّبُوَّةِ (وَبَعْدَهَا وَيَجُوزُ عَلَيْهِمْ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَعَاصِى) أَىْ تَجُوزُ عَلَيْهِمُ الْمَعْصِيَةُ الصَّغِيرَةُ الَّتِى لَيْسَ فِيهَا خِسَّةٌ وَلا دَنَاءَةٌ كَمَا حَصَلَ مَعَ سَيِّدِنَا ءَادَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ (لَكِنْ) إِنْ حَصَلَ مِنْهُمْ شَىْءٌ مِنْ ذَلِكَ (يُنَبَّهُونَ فَوْرًا لِلتَّوْبَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْتَدِىَ بِهِمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ) أَىْ يَتُوبُونَ قَبْلَ أَنْ يَقْتَدِىَ بِهِمْ فِى تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ الصَّغِيرَةِ غَيْرُهُمْ مِنْ أُمَمِهِمْ (فَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ النُّبُوَّةَ لا تَصِحُّ لِإِخْوَةِ يُوسُفَ) الْعَشَرَةِ (الَّذِينَ فَعَلُوا تِلْكَ الأَفَاعِيلَ الْخَسِيسَةَ) مِنْ ضَرْبِهِمْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَرَمْيِهِمْ لَهُ فِى الْبِئْرِ وَحَصَلَ مِنْهُمْ أَنْ سَفَّهُوا أَبَاهُمْ نَبِىَّ اللَّهِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَكَفَرُوا بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى الإِسْلامِ (وَ)إِخْوَةُ يُوسُفَ هَؤُلاءِ (هُمْ مَنْ سِوَى بِنْيَامِينَ) فَهُوَ لَمْ يُشَارِكْهُمْ فِيمَا فَعَلُوهُ (وَ)أَمَّا (الأَسْبَاطُ الَّذِينَ) ذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِى الْقُرْءَانِ وَ(أَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْوَحْىَ) فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِمْ هَؤُلاءِ الْعَشَرَةَ الَّذِينَ ءَاذَوْهُ بَلْ (هُمْ مَنْ نُبِّئَ) أَىْ مَنْ أُوحِىَ إِلَيْهِمْ بِالنُّبُوَّةِ (مِنْ ذُرِّيَّتِهِمْ).