مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَرِىِّ الْكَافِلِ بِعِلْمِ الدِّينِ الضَّرُورِىِّ – (بَابُ الرِّدَّةِ) 2

(بَابُ الرِّدَّةِ)

     (فَصْلٌ) فِى بَيَانِ أَحْكَامِ الرِّدَّةِ وَهِىَ قَطْعُ الإِسْلامِ بِاعْتِقَادٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ.

     (يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) مُكَلَّفٍ (حِفْظُ إِسْلامِهِ وَصَوْنُهُ عَمَّا يُفْسِدُهُ وَيُبْطِلُهُ وَيَقْطَعُهُ وَهُوَ الرِّدَّةُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى) فَالْكُفْرُ هُوَ أَشَدُّ الذُّنُوبِ عَلَى الإِطْلاقِ وَهُوَ الذَّنْبُ الَّذِى لا يَغْفِرُهُ اللَّهُ لِمَنْ مَاتَ عَلَيْهِ. (قَالَ) الْحَافِظُ (النَّوَوِىُّ وَغَيْرُهُ) مِنَ الْعُلَمَاءِ (الرِّدَّةُ أَفْحَشُ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ) وَالْمُرَادُ أَنَّهَا أَقْبَحُ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ لِأَنَّهَا تُذْهِبُ كُلَّ الْحَسَنَاتِ وَلِأَنَّهَا انْتِقَالٌ مِنَ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ أَنْوَاعِ الرِّدَّةِ هِىَ أَشَدُّ الْكُفْرِ عَلَى الإِطْلاقِ (وَقَدْ كَثُرَ فِى هَذَا الزَّمَانِ التَّسَاهُلُ فِى الْكَلامِ) أَىْ صَارَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَتَكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفَكِّرُوا فِى عَاقِبَةِ كَلامِهِمْ (حَتَّى إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ بَعْضِهِمْ أَلْفَاظٌ تُخْرِجُهُمْ عَنِ الإِسْلامِ وَلا يَرَوْنَ ذَلِكَ ذَنْبًا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ كُفْرًا) أَىْ لا يَرَوْنَ الْكَلامَ الْكُفْرِىَّ ذَنْبًا فَيَظُنُّونَ بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ ما زَالُوا مُسْلِمِينَ (وَذَلِكَ مِصْدَاقُ قَوْلِهِ ﷺ) أَىْ هَذَا الَّذِى يَحْصُلُ مِنْهُمْ دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِ قَوْلِهِ ﷺ (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لا يَرَى بِهَا بِأْسًا) أَىْ أَنَّ الإِنْسَانَ قَدْ يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ لا يَرَى فِيهَا ضَرَرًا وَلا يَعْتَبِرُهَا مَعْصِيَةً (يَهْوِى بِهَا) أَىْ بِسَبَبِهَا (فِى النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا أَىْ مَسَافَةَ سَبْعِينَ عَامًا فِى النُّزُولِ وَذَلِكَ مُنْتَهَى جَهَنَّمَ) أَىْ قَعْرُهَا (وَهُوَ خَاصٌّ بِالْكُفَّارِ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِىُّ وَحَسَنَّهُ وَفِى مَعْنَاهُ حَدِيثٌ رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ) إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِى النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ (وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ فِى الْوُقُوعِ فِى الْكُفْرِ مَعْرِفَةُ الْحُكْمِ) أَىْ مَعْرِفَةُ أَنَّ مَا قَالَهُ هُوَ كُفْرٌ لِأَنَّ النَّبِىَّ ﷺ أَخْبَرَ أَنَّ قَائِلَ الْكَلِمَةِ الْكُفْرِيَّةِ يُعَذَّبُ فِى قَعْرِ النَّارِ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْحُكْمِ لِأَنَّهُ لا يَظُنُّ فِيهَا ضَرَرًا كَمَا جَاءَ فِى الْحَدِيثِ (وَلا) يُشْتَرَطُ فِى الْوُقُوعِ فِى الْكُفْرِ (انْشِرَاحُ الصَّدْرِ) فَمَنْ قَالَ كَلامًا كُفْرِيًّا كَفَرَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنْشَرِحِ الصَّدْرِ أَىْ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ رَاضٍ بِالْكُفْرِ وَلا قَاصِدٍ الْكُفْرَ (وَلا) يُشْتَرَطُ (اعْتِقَادُ مَعْنَى اللَّفْظِ) فَمَنْ تَلَفَّظَ بِالْكُفْرِ بِإِرَادَتِهِ وَهُوَ يَفْهَمُ الْمَعْنَى كَفَرَ كَمَنْ يَقُولُ يَا ابْنَ اللَّهِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ وَإِنْ كَانَ لا يَعْتَقِدُ أَنَّ لِلَّهِ ابْنًا وَلَيْسَ (كَمَا يَقُولُ) صَاحِبُ (كِتَابِ فِقْهِ السُّنَّةِ) إِنَّ الْمُسْلِمَ لا يُعْتَبَرُ خَارِجًا عَنِ الإِسْلامِ وَلا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ إِلَّا إِذَا انْشَرَحَ صَدْرُهُ بِالْكُفْرِ وَاطْمَأَنَّ قَلْبُهُ بِهِ وَدَخَلَ فِى دِينٍ غَيْرِ الإِسْلامِ بِالْفِعْلِ. وَ(كَذَلِكَ لا يُشْتَرَطُ فِى الْوُقُوعِ فِى الْكُفْرِ عَدَمُ الْغَضَبِ) أَىْ أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْكُفْرِ عَامِدًا كَفَرَ وَإِنْ كَانَ فِى حَالِ الْغَضَبِ (كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ) الْحَافِظُ (النَّوَوِىُّ) فَإِنَّهُ (قَالَ لَوْ غَضِبَ رَجُلٌ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ غُلامِهِ) أَىْ عَبْدِهِ (فَضَرَبَهُ ضَرْبًا شَدِيدًا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ) كَيْفَ تَضْرِبُ وَلَدَكَ أَوْ غُلامَكَ هَذَا الضَّرْبَ الشَّدِيدَ (أَلَسْتَ مُسْلِمًا فَقَالَ لا مُتَعَمِّدًا كَفَرَ) لأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِهِ بِإِرَادَتِهِ (وَ)هَذَا الْحُكْمُ (قَالَهُ غَيْرُهُ) مِنَ الْعُلَمَاءِ (مِنْ حَنَفِيَّةٍ وَغَيْرِهِمْ).

     (وَالرِّدَّةُ ثَلاثَةُ أَقْسَامٍ كَمَا قَسَّمَهَا النَّوَوِىُّ وَغَيْرُهُ مِنْ شَافِعِيَّةٍ وَحَنَفِيَّةٍ وَغَيْرِهِمْ اعْتِقَادَاتٌ وَأَفْعَالٌ وَأَقْوَالٌ) أَىْ أَنَّ الرِّدَّةَ تَحْصُلُ تَارَةً بِالْقَوْلِ وَتَارَةً بِالْفِعْلِ وَتَارَةً بِالِاعْتِقَادِ (وَكُلٌّ يَتَشَعَّبُ شُعَبًا كَثِيرَةً) أَىْ أَنَّ كُلَّ قِسْمٍ مِنَ الأَقْسَامِ الثَّلاثَةِ يَتَفَرَّعُ فُرُوعًا كَثِيرَةً (فَمِنَ) الأَمْثِلَةِ عَلَى الْقِسْمِ (الأَوَّلِ) أَىِ الْكُفْرِ الِاعْتِقَادِىِّ (الشَّكُّ فِى) وُجُودِ (اللَّهِ) أَوْ وَحْدَانِيَّتِهِ أَوْ قُدْرَتِهِ أَوْ عِلْمِه أَوْ حِكْمَتِهِ أَوْ عَدْلِهِ أَوْ فِى أَىِّ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ الثَّلاثَ عَشْرَةَ الْوَاجِبَةِ لَهُ إِجْمَاعًا (أَوِ) الشَّكُّ (فِى) صِدْقِ (رَسُولِهِ) مُحَمَّدٍ ﷺ أَوْ رِسَالَتِهِ أَىْ فِى كَوْنِهِ مُرْسَلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (أَوْ) فِى نُزُولِ (الْقُرْءَانِ) عَلَيْهِ (أَوِ) الشَّكُّ فِى (الْيَوْمِ الآخِرِ) أَىْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ (أَوْ) فِى وُجُودِ (الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ أَوِ الثَّوَابِ أَوِ الْعِقَابِ) فِى الآخِرَةِ (أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ) عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ (أَوِ اعْتِقَادُ قِدَمِ الْعَالَمِ وَأَزَلِيَّتِهِ بِجِنْسِهِ وَتَرْكِيبِهِ) أَىْ أَفْرَادِهِ (أَوْ بِجِنْسِهِ فَقَطْ) أَىِ اعْتِقَادُ أَنَّ الْعَالَمَ أَزَلِىٌّ لا بِدَايَةَ لِوُجُودِهِ (أَوْ نَفْىُ) أَىْ إِنْكَارُ (صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ) الثَّلاثَ عَشْرَةَ (الْوَاجِبَةِ لَهُ إِجْمَاعًا كَكَوْنِهِ عَالِمًا) أَوْ قَدِيرًا أَوْ سَمِيعًا أَوْ بَصِيرًا (أَوْ نِسْبَةُ مَا يَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْهُ إِجْمَاعًا كَالْجِسْمِ) أَىِ اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ وَالْجِسْمُ هُوَ مَا لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ وَعُمْقٌ كَبُرَ أَوْ صَغُرَ (أَوْ تَحْلِيلُ مُحَرَّمٍ بِالإِجْمَاعِ مَعْلُومٍ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ) أَىْ أَنَّ مَنِ اسْتَحَلَّ شَيْئًا مُحَرَّمًا بِالإِجْمَاعِ وَاشْتَهَرَتْ حُرْمَتُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ (مِمَّا لا يَخْفَى عَلَيْهِ) تَحْرِيمُهُ فِى الشَّرْعِ (كَالزِّنَى وَاللِّوَاطِ وَقَتْلِ الْمُسْلِمِ) بِغَيْرِ حَقٍّ (وَالسَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ) فَهُوَ كَافِرٌ (أَوْ تَحْرِيمُ حَلالٍ ظَاهِرٍ كَذَلِكَ) أَىْ أَنَّ مَنْ حَرَّمَ شَيْئًا حَلالًا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ حَلالٌ (كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ) كَفَرَ (أَوْ نَفْىُ وُجُوبِ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ كَذَلِكَ) أَىْ نَفْىُ وُجُوبِ مَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِهِ وَكَانَ وُجُوبُهُ ظَاهِرًا مَعْرُوفًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَالِمِهِمْ وَجَاهِلِهِمْ (كالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَوْ سَجْدَةٍ مِنْهَا وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ) فِى رَمَضَانَ (وَالْحَجِّ) عَلَى الْمُسْتَطِيعِ (وَالْوُضُوءِ) فَمَنِ اعْتَقَدَ عَدَمَ وُجُوبِ شَىْءٍ مِنْهَا فَقَدْ كَفَرَ (أَوْ إِيجَابُ مَا لَمْ يَجِبْ إِجْمَاعًا كَذَلِكَ) أَىْ أَنَّ مَنْ أَوْجَبَ مَا لَمْ يَجِبْ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ أَمْرًا ظَاهِرًا بَيْنَهُمْ فَهُوَ كَافِرٌ كَمَنْ أَوْجَبَ زِيَادَةَ رَكْعَةٍ عَلَى رَكْعَتَىْ فَرْضِ الصُّبْحِ (أَوْ نَفْىُ مَشْرُوعِيَّةِ) أَمْرٍ (مُجْمَعٍ عَلَيْهِ كَذَلِكَ) أَىْ نَفْىُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الأَمْرُ مَشْرُوعًا فِى الدِّينِ أَىْ حَثَّ الشَّرْعُ عَلَى فِعْلِهِ وَاشْتَهَرَتْ مَشْرُوعِيَّتُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَصَلاةِ الْوِتْرِ وَرَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ الْخَمْسِ أَىِ السُّنَنِ (أَوْ عَزَمَ عَلَى الْكُفْرِ فِى الْمُسْتَقْبَلِ) كَأَنْ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَكْفُرَ بَعْدَ سَنَةٍ كَفَرَ فِى الْحَالِ (أَوْ عَلَى فِعْلِ شَىْءٍ مِمَّا ذُكِرَ أَوْ تَرَدَّدَ فِيهِ) بِأَنْ قَالَ فِى قَلْبِهِ أَفْعَلُ أَوْ لا أَفْعَلُ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ فِى الْحَالِ (لا خُطُورُهُ فِى الْبَالِ بِدُونِ إِرَادَةٍ) أَىْ أَمَّا إِذَا خَطَرَ لَهُ ذَلِكَ فِى بَالِهِ بِلا إِرَادَةٍ كَأَنْ خَطَرَ لَهُ شَىْءٌ يُنَافِى وُجُودَ اللَّهِ بِلا إِرَادَةٍ وَهُوَ مُعْتَقِدٌ الْحَقَّ اعْتِقَادًا جَازِمًا فَلا يَكْفُرُ (أَوْ أَنْكَرَ صُحْبَةَ سَيِّدِنَا أَبِى بَكْرٍ) الصِّدِّيقِ (رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ) لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَهُوَ كَافِرٌ لِتَكْذِيبِهِ الإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّاحِبِ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ هُوَ أَبُو بَكْرٍ (أَوْ) أَنْكَرَ (رِسَالَةَ وَاحِدٍ مِنَ الرُّسُلِ الْمُجْمَعِ عَلَى رِسَالَتِهِ) أَىْ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ نُبُوَّةَ أَحَدٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْمُجْمَعِ عَلَى نُبُوَّتِهِ كَفَرَ إِلَّا إِذَا كَانَ لا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَلا نُكَفِّرُهُ بَلْ نُعَلِّمُهُ (أَوْ جَحَدَ حَرْفًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْءَانِ) أَىْ أَنْكَرَ حَرْفًا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْقُرْءَانِ (أَوْ زَادَ حَرْفًا فِيهِ مُجْمَعًا عَلَى نَفْيِهِ) أَىْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ (مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مِنْهُ عِنَادًا) أَىْ كَانَ ذَلِكَ الْحَرْفُ الَّذِى زَادَهُ زِيَادَتُهُ لَهُ عِنَادًا لا ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ مِنَ الْقُرْءَانِ بِخِلافِ مَنْ زَادَهُ فِى الْقِرَاءَةِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مِنْهُ جَهْلًا فَلا يَكْفُرُ (أَوْ كَذَّبَ رَسُولًا أَوْ نَقَّصَهُ) بِأَنْ نَسَبَ إِلَيْهِ مَا لا يَلِيقُ بِهِ (أَوْ صَغَّرَ اسْمَهُ بِقَصْدِ تَحْقِيرِهِ) كَأَنْ قَالَ عَنْ نَبِىِّ اللَّهِ مُوسَى مُوَيْسَى بِقَصْدِ إِهَانَتِهِ كَفَرَ (أَوْ جَوَّزَ نُبُوَّةَ أَحَدٍ بَعْدَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ) أَىِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْزِلَ الْوَحْىُ بِالنُّبُوَّةِ عَلَى شَخْصٍ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا قَبْلَ مُحَمَّدٍ ﷺ.

     (وَالْقِسْمُ الثَّانِى) مِنْ أَقْسَامِ الرِّدَّةِ (الأَفْعَالُ كَسُجُودٍ لِصَنَمٍ أَوْ شَمْسٍ إِنْ قَصَدَ عِبَادَتَهُمَا أَوْ لَمْ يَقْصِدْ) فَهُوَ كُفْرٌ وَرِدَّةٌ (وَ)كَذَلِكَ (السُّجُودُ لِإِنْسَانٍ إِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لَهُ كَسُجُودِ بَعْضِ الْجَهَلَةِ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ الْمُتَصَوِّفِينَ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لَهُمْ فَإِنَّهُ يَكُونُ عِنْدَئِذٍ كُفْرًا وَ)أَمَّا (إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لَهُمْ) بَلْ كَانَ لِتَعْظِيمِهِمْ فَقَطْ (فَلا يَكُونُ كُفْرًا لَكِنَّهُ حَرَامٌ) فِى شَرْعِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.

     (وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) مِنْ أَقْسَامِ الرِّدَّةِ (الأَقْوَالُ وَهِىَ كَثِيرَةٌ جِدًّا لا تَنْحَصِرُ) فِى كِتَابٍ لِكَثْرَتِهَا (مِنْهَا أَنْ يَقُولَ لِمُسْلِمٍ) وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ (يَا كَافِرُ أَوْ يَا يَهُودِىُّ أَوْ يَا نَصْرَانِىُّ أَوْ يَا عَدِيمَ الدِّينِ مُرِيدًا بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِى عَلَيْهِ الْمُخَاطَبُ مِنَ الدِّينِ كُفْرٌ أَوْ يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ أَوْ لَيْسَ بِدِينٍ لا عَلَى قَصْدِ التَّشْبِيهِ) أَىْ أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى دِينِ الإِسْلامِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ لِأَنَّهُ سَمَّى الإِسْلامَ كُفْرًا أَوْ يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً أَوْ نَفَى عَنِ الْمُسْلِمِ صِفَةَ الإِسْلامِ أَمَّا إِذَا قَالَ لَهُ يَا كَافِرُ وَقَصَدَ أَنَّهُ يُشْبِهُ الْكَافِرَ فِى خَسَاسَةِ أَعْمَالِهِ أَوْ أَنَّهُ يُعَامِلُ الْمُسْلِمِينَ مُعَامَلَةَ الْكُفَّارِ لَهُمْ أَوْ أَنَّهُ يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ مَنْ لا دِينَ لَهُ فَلا يَكْفُرُ لَكِنْ عَلَيْهِ ذَنْبٌ كَبِيرٌ (وَكَالسُّخْرِيَةِ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى أَوْ وَعْدِهِ أَوْ وَعِيدِهِ مِمَّنْ لا يَخْفَى عَلَيْهِ نِسْبَةُ ذَلِكَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ) أَىْ أَنَّ مَنْ سَخِرَ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ أَوْ سَخِرَ بِوَعْدِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ أَوْ بِوَعِيدِ اللَّهِ لِلْكَافِرِينَ وَالْعُصَاةِ بِالنَّارِ وَالْعَذَابِ الأَلِيمِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الِاسْمُ أَوِ الْوَعْدُ أَوِ الْوَعِيدُ الَّذِى سَخِرَ بِهِ شَيْئًا خَافِيًا عَلَيْهِ كَقَوْلِ بَعْضِ السُّفَهَاءِ غَدًا نَتَدَفَّأُ بِنَارِ جَهَنَّمَ فَإِنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الِاسْتِهْزَاءِ بِالدِّينِ وَتَكْذِيبِ الْقُرْءَانِ (وَكَأَنْ يَقُولَ) عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ بِأَمْرِ اللَّهِ الَّذِى أَمَرَ بِهِ عِبَادَهُ (لَوْ أَمَرَنِى اللَّهُ بِكَذَا لَمْ أَفْعَلْهُ أَوْ) يَقُولَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ بِالْقِبْلَةِ (لَوْ صَارَتِ الْقِبْلَةُ فِى جِهَةِ كَذَا مَا صَلَّيْتُ إِلَيْهَا أَوْ) يَقُولَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ بِالْجَنَّةِ (لَوْ أَعْطَانِى اللَّهُ الْجَنَّةَ مَا دَخَلْتُهَا) أَىْ إِنْ قَالَ ذَلِكَ (مُسْتَخِفًّا أَوْ مُظْهِرًا لِلْعِنَادِ فِى الْكُلِّ) فَإِنَّهُ يَكْفُرُ وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ وَالْعِنَادِ وَتَكْذِيبِ الشَّرْعِ فَلَيْسَ كُفْرًا (وَكَأَنْ يَقُولَ) شَخْصٌ فِى حَالِ مَرَضِهِ (لَوْ ءَاخَذَنِى اللَّهُ بِتَرْكِ الصَّلاةِ) أَىْ لَوْ عَاقَبَنِى عَلَى تَرْكِهَا (مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الْمَرَضِ ظَلَمَنِى) فَإِنَّهُ يَكْفُرُ لِأَنَّهُ نَسَبَ الظُّلْمَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى (أَوْ قَالَ لِفِعْلٍ حَدَثَ هَذَا بِغَيْرِ تَقْدِيرِ اللَّهِ) أَىْ حَصَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ مَشِيئَةِ اللَّهِ كَفَرَ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ (أَوْ) قَالَ (لَوْ شَهِدَ عِنْدِى الأَنْبِيَاءُ أَوِ الْمَلائِكَةُ أَوْ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ بِكَذَا مَا قَبِلْتُهُمْ) أَىْ مَا صَدَّقْتُهُمْ كَفَرَ لِأَنَّهُ يَكُونُ استَخَفَّ بِهِمْ وَطَعَنَ فِى صِدْقِهِمْ وَأَمَانَتِهِمْ (أَوْ قَالَ) بَعْدَ أَنْ أَمَرَهُ شَخْصٌ بِفِعْلِ سُنَّةٍ (لا أَفْعَلُ كَذَا وَإِنْ كَانَ سُنَّةً بِقَصْدِ الِاسْتِهْزَاءِ) بِسُنَّةِ النَّبِىِّ كَفَرَ أَمَّا مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْصِدِ الِاسْتِهْزَاءَ بِالسُّنَّةِ فَلا يَكْفُرُ (أَوْ) قَالَ (لَوْ كَانَ فُلانٌ نَبِيًّا مَا ءَامَنْتُ بِهِ) فَإِنَّهُ يَكْفُرُ لِأَنَّهُ اسْتَخَفَّ بِمَنْصِبِ النُّبُوَّةِ (أَوْ أَعْطَاهُ عَالِمٌ فَتْوًى فَقَالَ أَيْشٍ) أَىْ أَىُّ شَىْءٍ (هَذَا الشَّرْعُ مُرِيدًا) بِهَذَا الْقَوْلِ (الِاسْتِخْفَافَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ) وَالِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ أَمَّا لَوْ أَعْطَاهُ فَتْوًى بَاطِلَةً فَقَالَ أَيْشٍ هَذَا الشَّرْعُ مُرِيدًا الإِنْكَارَ عَلَيْهِ فَلا يَكْفُرُ (أَوْ قَالَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ عَالِمٍ مُرِيدًا الِاسْتِغْرَاقَ الشَّامِلَ) أَىْ أَرَادَ تَعْمِيمَ اللَّعْنِ لِجَمِيعِ الْعُلَمَاءِ كَفَرَ وَلا يُنْظَرُ إِلَى قَصْدِهِ إِنَّمَا يُنْظَرُ إِلَى كَلامِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِى كَلامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ لَعْنَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ وَلَوْ قَالَ أَنَا قَصَدْتُ عُلَمَاءَ زَمَانِى فَالْقَصْدُ وَحْدَهُ لا يَدْفَعُ عَنْهُ التَّكْفِيرَ (أَمَّا مَنْ لَمْ يُرِدِ الِاسْتِغْرَاقَ الشَّامِلَ لِجَمِيعِ الْعُلَمَاءِ بَلْ أَرَادَ لَعْنَ عُلَمَاءِ زَمَانِهِ) أَوْ أَهْلِ نَاحِيَتِهِ لِأَنَّهُ لا يَعْلَمُ فِيهِمْ خَيْرًا (وَكَانَتْ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِمَا يَظُنُّ بِهِمْ مِنْ فَسَادِ أَحْوَالِهِمْ) أَىْ كَانَ فِى كَلامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا أَرَادَ لَعْنَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ كَأَنْ ذَكَرَ عُلَمَاءَ فَاسِدِينَ فَقَالَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ عَالِمٍ فَيُحْمَلُ كَلامُهُ عَلَى كُلِّ عَالِمٍ فَاسِدٍ (فَإِنَّهُ لا يَكْفُرُ وَإِنْ كَانَ كَلامُهُ لا يَخْلُو مِنَ الْمَعْصِيَةِ أَوْ قَالَ أَنَا بَرِئٌ مِنَ اللَّهِ) أَىْ لا أُعَظِّمُ اللَّهَ الَّذِى يَجِبُ تَعْظِيمُهُ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ (أَوْ) قَالَ أَنَا بَرِىءٌ (مِنَ الْمَلائِكَةِ أَوْ مِنَ النَّبِىِّ أَوْ مِنَ الشَّرِيعَةِ) الَّتِى أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ (أَوْ مِنَ الإِسْلامِ) كَفَرَ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ (أَوْ قَالَ) لَهُ شَخْصٌ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا الْحَرَامَ أَلا تَعْرِفُ الْحُكْمَ فَقَالَ (لا أَعْرِفُ الْحُكْمَ مُسْتَهْزِئًا بِحُكْمِ اللَّهِ) كَفَرَ (أَوْ قَالَ وَقَدْ مَلَأَ وِعَاءً) شَرَابًا (﴿وَكَأْسًا دِهَاقًا﴾) بِقَصْدِ الِاسْتِخْفَافِ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِى الْجَنَّةِ مِنَ الْكَأْسِ الْمُمْتَلِئَةِ شَرَابًا هَنِيئًا (أَوْ أَفْرَغَ شَرَابًا) مِنَ إِنَاءٍ (فَقَالَ) مُسْتَخِفًّا بِالآيَةِ (﴿فَكَانَتْ سَرَابًا﴾ أَوْ) قَالَ (عِنْدَ وَزْنٍ أَوْ كَيْلٍ) أَىْ إِذَا كَالَ لِأَحَدٍ أَوْ وَزَنَ لَهُ شَيْئًا (﴿وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾) بِقَصْدِ الِاسْتِخْفَافِ بِمَعْنَى الآيَةِ (أَوْ) قَالَ (عِنْدَ رُؤْيَةِ جَمْعٍ) مِنَ النَّاسِ (﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدَا﴾ بِقَصْدِ الِاسْتِخْفَافِ) فَإِنَّهُ يَكْفُرُ فَإِنَّ الِاستِخْفَافَ (فِى الْكُلِّ بِمَعْنَى هَذِهِ الآيَاتِ) كُفْرٌ (وَكَذَا كُلُّ مَوْضِعٍ اسْتُعْمِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ بِذَلِكَ الْقَصْدِ) أَىْ إِنْ أَوْرَدَ الشَّخْصُ ءَايَاتِ الْقُرْءَانِ فِى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بِقَصْدِ الِاسْتِخْفَافِ بِالْقُرْءَانِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ (فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْقَصْدِ) بِأَنْ أَوْرَدَهَا لا بِقَصْدِ الِاسْتِخْفَافِ (فَلا يَكْفُرُ لَكِنْ) عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ فَقَدْ (قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بنُ حَجَرٍ) الْهَيْتَمِىُّ إِيرَادُ الآيَاتِ فِى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ (لا تَبْعُدُ حُرْمَتُهُ) أَىْ هُوَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ إِسَاءَةُ أَدَبٍ مَعَ الْقُرْءَانِ (وَكَذَا يَكْفُرُ مَنْ شَتَمَ نَبِيًّا أَوْ مَلَكًا) أَىْ ذَمَّهُ وَحَقَّرَهُ (أَوْ قَالَ أَكُونُ قَوَّادًا إِنْ صَلَّيْتُ) لِأَنَّهُ اسْتَهْزَأَ بِالصَّلاةِ وَاسْتَخَفَّ بِهَا وَالْقَوَّادُ هُوَ الَّذِى يَجْلِبُ الزَّبَائِنَ لِلزَّانِيَاتِ (أَوْ) قَالَ (مَا أَصَبْتُ خَيْرًا مُنْذُ صَلَّيْتُ) كَفَرَ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِخْفَافًا بِالصَّلاةِ (أَوْ) أَمَرَهُ شَخْصٌ بِالصَّلاةِ فَقَالَ (الصَّلاةُ لا تَصْلُحُ لِى بِقَصْدِ الِاسْتِهْزَاءِ) بِالصَّلاةِ كَفَرَ بِخِلافِ مَا لَوْ قَالَتْ ذَلِكَ امْرَأَةٌ حَائِضٌ بِقَصْدِ أَنَّ الصَّلاةَ لا تَصِحُّ مِنْهَا وَهِىَ حَائِضٌ فَلا تَكْفُرُ (أَوْ قَالَ) شَخْصٌ (لِمُسْلِمٍ أَنَا عَدُوُّكَ وَعَدُوُّ نَبِيِّكَ) أَىْ مُحَمَّدٍ كَفَرَ لِأَنَّهُ اسْتَخَفَّ بِالنَّبِىِّ ﷺ (أَوْ) قَالَ (لِشَرِيفٍ) أَىْ مَنْ يَرْجِعُ نَسَبُهُ لِلنَّبِىِّ ﷺ (أَنَا عَدُوُّكَ وَعَدُوُّ جَدِّكَ مُرِيدًا النَّبِىَّ ﷺ) فَإِنَّهُ يَكْفُرُ بِخِلافِ مَا لَوْ أَرَادَ جَدًّا لَهُ أَدْنَى فَلا يَكْفُرُ (أَوْ يَقُولَ شَيْئًا مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الأَلْفَاظِ الْبَشِعَةِ الشَّنِيعَةِ) أَىِ الْقَبِيحَةِ حَفِظَنَا اللَّهُ مِنْهَا.

     (وَقَدْ عَدَّ) أَىْ ذَكَرَ (كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ) مِنَ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ (كَالْفَقِيهِ الْحَنَفِىِّ بَدْرِ الرَّشِيدِ) فِى رِسَالَتِهِ فِى بَيَانِ أَلْفَاظِ الْكُفْرِ (وَالْقَاضِى عِيَاضٍ الْمَالِكِىِّ) فِى كِتَابِهِ الشِّفَا (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) تَعَالَى (أَشْيَاءَ كَثِيرَةً) مِمَّا هُوَ كُفْرٌ وَرِدَّةٌ تَحْذِيرًا لِلنَّاسِ مِنْهَا (فَيَنْبَغِى الِاطِّلاعُ عَلَيْهَا) لِلْحَذَرِ مِنْهَا (فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الشَّرَّ يَقَعُ فِيهِ) وَأَعْظَمُ الشُّرُورِ هُوَ الْكُفْرُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى.

     (وَالْقَاعِدَةُ) فِى هَذِهِ الْمَسَائِلِ (أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ) أَىِ اعْتِقَادٍ (أَوْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ يَدُلُّ عَلَى اسْتِخْفَافٍ) وَاسْتِهْزَاءٍ (بِاللَّهِ أَوْ كُتُبِهِ أَوْ رُسُلِهِ أَوْ مَلائِكَتِهِ أَوْ شَعَائِرِهِ أَوْ مَعَالِمِ دِينِهِ) وَالشَّعَائِرُ وَالْمَعَالِمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَىْ مَا كَانَ مَشْهُورًا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ كَالصَّلاةِ وَالْحَجِّ وَالأَذَانِ (أَوْ أَحْكَامِهِ أَوْ وَعْدِهِ) لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ وَمَا أَعَدَّ فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ (أَوْ وَعِيدِهِ) لِلْكَافِرِينَ وَالْعُصَاةِ بِالنَّارِ وَالْعَذَابِ الأَلِيمِ فَهُوَ (كُفْرٌ فَلْيَحْذَرِ الإِنْسَانُ مِنْ ذَلِكَ جَهْدَهُ عَلَى أَىِّ حَالٍ) أَىْ لِيَعْمَلِ الإِنْسَانُ عَلَى تَجَنُّبِ الْكُفْرِ غَايَةَ مُسْتَطَاعِهِ فَإِنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ.

     (فَصْلٌ) فِى بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّ.

     (يَجِبُ عَلَى مَنْ وَقَعَ فِى الرِّدَّةِ) أَىِ الْكُفْرِ (الْعَوْدُ فَوْرًا إِلَى الإِسْلامِ) وَيَكُونُ ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ (بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ) بِلَفْظِ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَوْ بِلَفْظِ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّه مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّه أَوْ بِمَا يُعْطِى مَعْنَاهُ وَلَوْ بِغَيْرِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ (وَالإِقْلاعِ عَمَّا وَقَعَتْ بِهِ الرِّدَّةُ) أَىْ تَرْكِ الأَمْرِ الَّذِى حَصَلَتْ بِهِ الرِّدَّةُ. (وَيَجِبُ عَلَيْهِ النَّدَمُ عَلَى مَا صَدَرَ مِنْهُ وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لا يَعُودَ لِمِثْلِهِ) أَىْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْدَمَ لِأَجْلِ أَنَّهُ وَقَعَ فِى الْكُفْرِ وَيَعْزِمَ بِقَلْبِهِ عَلَى أَنْ لا يَعُودَ إِلَيْهِ وَذَلِكَ شَأْنُ كُلِّ مَعْصِيَةٍ (فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ كُفْرِهِ بِالشَّهَادَةِ) أَىْ بِالنُّطْقِ بِهَا (وَجَبَتِ اسْتِتَابَتُهُ) أَىْ يَجِبُ عَلَى الْخَلِيفَةِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ الرُّجُوعَ إِلَى الإِسْلامِ (وَلا يُقْبَلُ مِنْهُ إِلَّا الإِسْلامُ أَوِ الْقَتْلُ بِهِ) أَىْ بِسَبَبِ الْكُفْرِ (يُنَفِّذُهُ عَلَيْهِ الْخَلِيفَةُ) أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ (بَعْدَ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ الرُّجُوعَ إِلَى الإِسْلامِ) وَلا يَجُوزُ قَتْلُهُ قَبْلَ اسْتِتَابَتِهِ (وَيَعْتَمِدُ الْخَلِيفَةُ فِى ذَلِكَ) أَىْ فِى الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ (عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ) ذَكَرَيْنِ (عَدْلَيْنِ) وَالْعَدْلُ هُوَ الْمُسْلِمُ الْمُجْتَنِبُ لِكَبَائِرِ الذُّنُوبِ وَلا يُكْثِرُ مِنَ الذُّنُوبِ الصَّغِيرَةِ بِحَيْثُ تَزِيدُ عَلَى طَاعَاتِهِ الْمُجْتَنِبُ لِمَا يُخِلُّ بِمُرُوءَتِهِ كَتَطْيِيرِ الْحَمَامِ (أَوْ) يَعْتَمِدُ الْخَلِيفَةُ (عَلَى اعْتِرَافِهِ) أَىِ اعْتِرَافِ الْمُرْتَدِّ بِأَنَّهُ قَالَ كَلِمَةَ الْكُفْرِ أَوْ فَعَلَ فِعْلَ الْكُفْرِ (وَذَلِكَ لِحَدِيثِ الْبُخَارِىِّ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) أَىْ مَنْ خَرَجَ مِنَ الإِسْلامِ إِلَى غَيْرِهِ فَاقْتُلُوهُ إِنْ لَمْ يَرْجِعْ.

     (وَ)مِنْ أَحْكَامِ الرِّدَّةِ أَنَّهُ (يَبْطُلُ بِهَا صَوْمُهُ) لِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّوْمِ مِنَ الْكَافِرِ (وَ)كَذَا (تَيَمُّمُهُ) بِخِلافِ الْوُضُوءِ فَلا يَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ (وَ)يَبْطُلُ بِهَا عَقْدُ (نِكَاحِهِ) بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الرِّدَّةِ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ (قَبْلَ الدُّخُولِ) بِالزَّوْجَةِ فَإِنْ عَادَ إِلَى الإِسْلامِ لا تَعُودُ إِلَيْهِ زَوْجَتُهُ إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ (وَكَذَا) يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِحُصُولِ الرِّدَّةِ (بَعْدَهُ) أَىْ بَعْدَ الدُّخُولِ بِالزَّوْجَةِ (إِنْ لَمْ يَعُدْ إِلَى الإِسْلامِ فِى) مُدَّةِ (الْعِدَّةِ) فَإِنْ عَادَ إِلَى الإِسْلامِ قَبْلَ انْتِهَاءِ الْعِدَّةِ فَلا يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ عِنْدَ الشَّافِعِىِّ. وَالْعِدَّةُ ثَلاثَةُ أَطْهَارٍ لِمَنْ تَحِيضُ وَثَلاثَةُ أَشْهُرٍ قَمَرِيَّةٍ لِمَنْ لا تَحِيضُ أَمَّا الْحَامِلُ فَعِدَّتُهَا تَنْتَهِى بِوَضْعِ الْحَمْلِ.

     (وَلا يَصِحُّ عَقْدُ نِكَاحِهِ) أَىِ الْمُرْتَدِّ (عَلَى مُسْلِمَةٍ وَ)لا (غَيْرِهَا) حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الإِسْلامِ (وَتَحْرُمُ ذَبِيحَتُهُ) أَىْ يَحْرُمُ أَكْلُهَا (وَلا يَرِثُ) مَنْ مَاتَ مِنْ أَقْرِبَائِهِ الْمُسْلِمِينَ (وَلا يُوَرَّثُ) أَىْ لا يَرِثُهُ قَرِيبُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ (وَلا يُصَلَّى عَلَيْه) أَىْ لا تَجُوزُ الصَّلاةُ عَلَيْهِ إِذَا مَاتَ لِكُفْرِهِ وَلا يَجُوزُ التَّرَحُّمُ عَلَيْهِ وَلا الِاسْتِغْفَارُ لَهُ (وَلا يُغَسَّلُ وَلا يُكَفَّنُ) أَىْ لا يَجِبُ غَسْلُهُ وَلا تَكْفِينُهُ وَلا يَحْرُمُ ذَلِكَ (وَلا يُدْفَنُ فِى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ) أَىْ لا يَجُوزُ دَفْنُهُ فِيهَا لِأَنَّهَا وُقِفَتْ لِدَفْنِ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ فَقَطْ (وَمَالُهُ) بَعْدَ مَوْتِهِ (فَىْءٌ أَىْ لِبَيْتِ الْمَالِ إِنْ كَانَ) يُوجَدُ (بَيْتُ مَالٍ مُسْتَقِيمٌ) قَائِمٌ عَلَيْهِ ثِقَةٌ أَمِينٌ (أَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنْ) بَيْتُ مَالٍ مُسْتَقِيمٌ كَمَا هُوَ عَلَيْهِ الْحَالُ الْيَوْمَ (فَإِنْ تَمَكَّنَ رَجُلٌ صَالِحٌ) أَمِينٌ عَارِفٌ بِمَصَارِفِ هَذَا الْمَالِ (مِنْ أَخْذِهِ وَصَرْفِهِ فِى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَ ذَلِكَ) أَىْ جَازَ لَهُ ذَلِكَ.

     (فَصْلٌ) فِى أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ.

     (يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَدَاءُ جَمِيعِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ) مِنْ صَلاةٍ وَصِيَامٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ عَلَى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ) أَىْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِى أَمَرَ اللَّهُ بِهِ (مِنَ الإِتْيَانِ بِأَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ وَ)أَنْ (يَجْتَنِبَ مُبْطِلاتِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَمْرُ مَنْ رَءَاهُ تَارِكَ شَىْءٍ مِنْهَا أَوْ يَأْتِى بِهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا بِالإِتْيَانِ بِهَا عَلَى وَجْهِهَا) أَىْ يَجِبُ أَمْرُهُ بِالإِتْيَانِ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِى تَصِحُّ بِهِ (وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَهْرُهُ عَلَى ذَلِكَ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ) أَىْ يَجِبُ إِرْغَامُهُ عَلَى تَأْدِيَةِ الْفَرَائِضِ عَلَى وَجْهِهَا إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لا يَمْتَثِلُ إِلَّا بِالْقَهْرِ وَالأَمْرِ وَكَانَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ (وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الإِنْكَارُ) أَىْ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ الْفِعْلِ (بِقَلْبِهِ إِنْ عَجَزَ عَنِ الْقَهْرِ وَالأَمْرِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ أَىْ أَقَلُّ مَا يَلْزَمُ الإِنْسَانَ عِنْدَ الْعَجْزِ) عَنِ الْقَهْرِ وَالأَمْرِ لِيَسْلَمَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ. (وَيَجِبُ) عَلَى الْمُكَلَّفِ (تَرْكُ جَمِيعِ الْمُحَرَّمَاتِ) الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ (وَنَهْىُ مُرْتَكِبِهَا وَمَنْعُهُ قَهْرًا مِنْهَا إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ) أَىْ إِنْ قَدَرَ عَلَى النَّهْىِ بِيَدِهِ أَوْ بِلِسَانِهِ (وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْكِرَ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ).

     (وَالْحَرَامُ) هُوَ (مَا تَوَعَّدَ اللَّهُ مُرْتَكِبَهُ بِالْعِقَابِ وَوَعَدَ تَارِكَهُ) امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ (بِالثَّوَابِ وَعَكْسُهُ الْوَاجِبُ) وَهُوَ مَا وَعَدَ اللَّهُ فَاعِلَهُ بِالثَّوَابِ وَتَوَعَّدَ تَارِكَهُ بِالْعِقَابِ.