(كِتَابُ الْمُعَامَلاتِ)
(فَصْلٌ) فِى بَيَانِ أَهَمِيَّةِ تَعَلُّمِ أَحْكَامِ الْمُعَامَلاتِ.
(يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ) أَىْ بَالِغٍ عَاقِلٍ (أَنْ لا يَدْخُلَ فِى شَىْءٍ) مِنَ الْمُعَامَلاتِ (حَتَّى يَعْلَمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَمَا حَرَّمَ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ تَعَبَّدَنَا أَىْ كَلَّفَنَا) وَأَمَرَنَا (بِأَشْيَاءَ فَلا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ مَا تَعَبَّدَنَا) اللَّهُ بِهِ بِأَنْ نُؤَدِّيَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِى أَمَرَنَا بِهِ (وَقَدْ أَحَلَّ) اللَّهُ (الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا وَقَدْ قَيَّدَ الشَّرْعُ هَذَا الْبَيْعَ بِآلَةِ التَّعْرِيفِ) أَىْ عَرَّفَهُ بِأَدَاةِ التَّعْرِيفِ وَهِىَ أَلْ كَمَا فِى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْبَيْعَ الَّذِى أَحَلَّهُ اللَّهُ هُوَ الْبَيْعُ الْمَعْهُودُ فِى شَرْعِهِ بِالْحِلِّ (لِأَنَّهُ لا يَحِلُّ كُلُّ بَيْعٍ إِلَّا مَا اسْتَوْفَى الشُّرُوطَ وَالأَرْكَانَ فَلا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهَا) حَتَّى لا يَقَعَ الشَّخْصُ فِى مَا حَرَّمَ اللَّهُ (فَعَلَى مَنْ أَرَادَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ أَنْ يَتَعَلَّمَ ذَلِكَ وَإِلَّا أَكَلَ الرِّبَا شَاءَ أَمْ أَبَى) أَىْ قَصَدَ الْوُقُوعَ فِيهِ أَمْ لَمْ يَقْصِدْ (وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ التَّاجِرُ الصَّدُوقُ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِىُّ وَالتَّاجِرُ الصَّدُوقُ هُوَ الَّذِى يُرَاعِى حُكْمَ اللَّهِ فِى تِجَارَتِهِ فَيَتَجَنَّبُ الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ وَالْغِشَّ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ (وَمَا ذَاكَ) الْفَضْلُ الَّذِى ذَكَرَهُ النَّبِىُّ ﷺ وَالأَجْرُ الْعَظِيمُ لِلتَّاجِرِ الصَّدُوقِ (إِلَّا لِأَجْلِ مَا يَلْقَاهُ مِنْ مُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ وَهَوَاهُ وَقَهْرِهَا عَلَى إِجْرَاءِ الْعُقُودِ عَلَى الطَّرِيقِ الشَّرْعِىِّ وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ (فَلا يَخْفَى مَا تَوَعَّدَ اللَّهُ مَنْ تَعَدَّى الْحُدُودَ) مِنَ الْعَذَابِ الأَلِيمِ (ثُمَّ إِنَّ بَقِيَّةَ الْعُقُودِ مِنَ الإِجَارَةِ) وَهِىَ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ بِعِوَضٍ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ (وَالْقِرَاضِ) وَهُوَ تَفْوِيضُ الشَّخْصِ وَإِذْنُهُ لِشَخْصٍ أَنْ يَعْمَلَ فِى مَالِهِ فِى نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ مِنَ التِّجَارَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مُشْتَرَكًا (وَالرَّهْنِ) وَهُوَ جَعْلُ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ وَثِيقَةً بِدَيْنٍ أَى مَرْبُوطَةً بِدَيْنٍ يُسْتَوْفَى مِنْهَا الدَّيْنُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوَفَاءِ وَيَجُوزُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ بِغَيْرِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ (وَالْوَكَالَةِ) وَهِىَ تَفْوِيضُ شَخْصٍ إِلَى غَيْرِهِ تَصَرُّفًا عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ لِيَفْعَلَهُ حَالَ حَيَاتِهِ (وَالْوَدِيعَةِ) وَهِىَ مَا يُوضَعُ عِنْدَ غَيْرِ مَالِكِهِ لِحِفْظِهِ (وَالْعَارِيَّةِ) وَهِىَ إِبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِشَىْءٍ مَجَّانًا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ (وَالشَّرِكَةِ) وَهِىَ عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ ثُبُوتَ الْحَقِّ فِى شَىْءٍ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى جِهَةِ الشُّيُوعِ أَىْ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ حِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِى هَذَا الشَّىْءِ (وَالْمُسَاقَاةِ) وَهِىَ مُعَامَلَةُ شَخْصٍ عَلَى شَجَرٍ لِيَتَعَهَّدَهُ بِنَحْوِ سَقْىٍ عَلَى أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا وَغَيْرِهَا مِنَ الْمُعَامَلاتِ (كَذَلِكَ لا بُدَّ مِنْ) تَعَلُّمِ أَحْكَامِهَا عَلَى مَنْ أَرَادَ تَعَاطِيَهَا وَمِنْ (مُرَاعَاةِ شُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا).
(وَعَقْدُ النِّكَاحِ يَحْتَاجُ إِلَى مَزِيدِ احْتِيَاطٍ وَتَثَبُّتٍ حَذَرًا مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى فَقْدِ ذَلِكَ) مِنْ فَسَادِ الْعَقْدِ فَإِنَّ عَدَمَ صِحَّةِ الْعَقْدِ يُؤَدِّى إِلَى مَفَاسِدَ كَثِيرَةٍ (وَقَدْ أَشَارَ الْقُرْءَانُ الْكَرِيمُ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى) فِى سُورَةِ التَّحْرِيمِ (﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾) وَوِقَايَةُ النَّفْسِ وَالأَهْلِ مِنَ النَّارِ تَكُونُ بِتَعَلُّمِ عِلْمِ الدِّينِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَقَدْ (قَالَ) الإِمَامُ التَّابِعِىُّ (عَطَاءُ) بنُ أَبِى رَبَاحٍ (رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ) فِى تَفْسِيرِ الآيَةِ (أَنْ تَتَعَلَّمَ كَيْفَ تُصَلِّى وَكَيْفَ تَصُومُ وَكَيْفَ تَبِيعُ وَتَشْتَرِى وَكَيْفَ تَنْكِحُ وَكَيْفَ تُطَلِّقُ).
(فَصْلٌ) فِى بَيَانِ أَحْكَامِ الرِّبَا.
(يَحْرُمُ الرِّبَا فِعْلُهُ وَأَكْلُهُ وَأَخْذُهُ وَكِتَابَتُهُ وَشَهَادَتُهُ) فَيَشْتَرِكُ فِى الإِثْمِ ءَاخِذُ الرِّبَا وَدَافِعُهُ وَكَاتِبُ الْعَقْدِ وَشَاهِدُهُ وَالَّذِى يَنْتَفِعُ بِالْمَالِ الَّذِى يَصِلُ إِلَيْهِ بِطَرِيقِ الرِّبَا (وَهُوَ) أَنْوَاعٌ مِنْهَا (بَيْعُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالآخَرِ نَسِيئَةً) أَىْ لِأَجَلٍ وَالنَّقْدَانِ هُمَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ أَىْ أَنْ يُبَادِلَ ذَهَبًا بِفِضَّةٍ مَعَ تَأْخِيرِ الْقَبْضِ إِلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ (أَوْ) بَيْعُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالآخَرِ (بِغَيْرِ تَقَابُضٍ) فِى مَجْلِسِ الْعَقْدِ بِأَنْ يَتَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَقَابَضَا (أَوْ) بَيْعُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ (بِجِنْسِهِ كَذَلِكَ أَىْ) مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ كَأَنْ يُبَادِلَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ (نَسِيئَةً) أَىْ لِأَجَلٍ (أَوِ افْتِرَاقًا بِغَيْرِ تَقَابُضٍ أَوْ مُتَفَاضِلًا أَىْ مَعَ زِيَادَةٍ فِى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الآخَرِ بِالْوَزْنِ) أَىْ مَعَ اخْتِلافِ الْوَزْنِ وَالْعِبْرَةُ بِوَزْنِ الذَّهَبِ الصَّافِى (وَ)يَحْرُمُ بَيْعُ (الْمَطْعُومَاتِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ كَذَلِكَ أَىْ لا يَحِلُّ بَيْعُهَا مَعَ اخْتِلافِ الْجِنْسِ كَالْقَمْحِ مَعَ الشَّعِيرِ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ) وَهُمَا (انْتِفَاءُ الأَجَلِ وَانْتِفَاءُ الِافْتِرَاقِ قَبْلَ التَّقَابُضِ) أَىْ عَدَمُ ذِكْرِ الأَجَلِ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ (وَمَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ) كَالْقَمْحِ بِالْقَمْحِ (يُشْتَرَطُ هَذَانِ الشَّرْطَانِ مَعَ) شَرْطٍ ثَالِثٍ وَهُوَ (التَّمَاثُلُ) أَىِ التَّسَاوِى بِالْكَيْلِ.
(فَصْلٌ) فِى بَيَانِ بَعْضِ الْبُيُوعِ الْمُحَرَّمةِ (وَيَحْرُمُ بَيْعُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ) أَىْ إِذَا اشْتَرَى شَخْصٌ شَيْئًا لا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَيَحْصُلُ الْقَبْضُ فِيمَا يُنْقَلُ كَالسَّيَّارَةِ بِالنَّقْلِ إِلَى مَكَانٍ لا يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ وَبِالْمُنَاوَلَةِ فِيمَا يُتَنَاوَلُ بِالْيَدِ كَالثَّوْبِ وَبِالتَّخْلِيَةِ فِيمَا لا يُنْقَلُ كَالْبَيْتِ فَإِنْ كَانَ بَيْتًا اشْتُرِطَ تَفْرِيغُهُ مِنْ أَمْتِعَةِ غَيْرِ الْمُشْتَرِى وَتَمْكِينُهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِتَسْلِيمِهِ الْمِفْتَاحَ.
(وَ)يَحْرُمُ بَيْعُ (اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ) الْحَىِّ مِنْ جِنْسِ هَذَا اللَّحْمِ أَوْ غَيْرِهِ (وَ)يَحْرُمُ بَيْعُ (الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ) كَأَنْ يَبِيعَ دَيْنًا لَهُ عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إِلَى شَهْرٍ مَثَلًا كَأَنْ يَقُولَ لِعَمْرٍو بِعْتُكَ دَيْنِى الَّذِى عَلَى زَيْدٍ وَهُوَ كَذَا بِأَلْفِ دِينَارٍ إِلَى شَهْرٍ.
(وَ)يَحْرُمُ (بَيْعُ الْفُضُولِىِّ أَىْ بَيْعُ مَا لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ مِلْكٌ وَلا وِلايَةٌ) كَأَنْ يَبِيعَ شَيْئًا لَيْسَ مِلْكًا لَهُ وَلا لَهُ عَلَيْهِ وِلايَةٌ بِطَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ (وَ)يَحْرُمُ بَيْعُ (مَا لَمْ يَرَهُ) الْمُتَعَاقِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا (وَيَجُوزُ) بَيْعُهُ (عَلَى قَوْلٍ لِلشَّافِعِىِّ مَعَ الْوَصْفِ) الَّذِى يُخْرِجُهُ مِنَ الْجَهَالَةِ الْمُطْلَقَةِ وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِى خِيَارُ الرَّدِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى حَسَبِ مَا وَصَفَهُ لَهُ.
(وَلا يَصِحُّ بَيْعُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَعَلَيْهِ أَىْ لا يَصِحُّ بَيْعٌ) أَوْ شِرَاءٌ مِنَ (الْمَجْنُونِ وَالصَّبِىِّ وَيَجُوزُ بَيْعُ الصَّبِىِّ الْمُمَيِّزِ فِى مَذْهَبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ) أَىْ يَجُوزُ لِلصَّبِىِّ الْمُمَيِّزِ أَنْ يَبِيعَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ (أَوْ) بَيْعُ مَا (لا قُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِهِ) كَبَعِيرٍ شَارِدٍ أَوْ بَيْتٍ مَغْصُوبٍ فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ (وَ)يَحْرُمُ بَيْعُ (مَا لا مَنْفَعَةَ فِيهِ) حِسًّا أَوْ شَرْعًا كَالْخُبْزِ الْمُحْتَرِقِ وَءَالاتِ اللَّهْوِ وَالصُّوَرِ الْمُجَسَّمَةِ لِإِنْسَانٍ أَوْ بَهِيمَةٍ كَلُعَبِ الأَطْفَالِ وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ شِرَاءَ اللُّعَبِ لِلْبَنَاتِ الصِّغَارِ إِذَا كَانَتِ اللُّعْبَةُ بِهَيْئَةِ بِنْتٍ صَغِيرَةٍ.
(وَلا يَصِحُّ) الْبَيْعُ (عِنْدَ بَعْضِ) الشَّافِعِيَّةِ (بِلا صِيغَةٍ) وَهِىَ اللَّفْظُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ كَقَوْلِ الْبَائِعِ بِعْتُكَ وَقَوْلِ الْمُشْتَرِى اشْتَرَيْتُ (وَيَكْفِى التَّرَاضِى عِنْدَ ءَاخَرِينَ) بِلا صِيغَةٍ بِأَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ وَيَأْخُذَ الْمَبِيعَ بِلا لَفْظٍ.
(وَبَيْعُ مَا لا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمِلْكِ كَالْحُرِّ) أَىْ لا يَجُوزُ بَيْعُ الإِنْسَانِ الْحُرِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَمْلُوكًا (وَ)كَذَلِكَ (الأَرْضُ الْمَوَاتُ) وَهِىَ الَّتِى لا مَالِكَ لَهَا وَتُمْلَكُ بِتَهْيِأَتِهَا لِلانْتِفَاعِ بِهَا إِمَّا بِزِرَاعَتِهَا أَوْ بِالسَّكَنِ فِيهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَ)يَحْرُمُ (بَيْعُ الْمَجْهُولِ) وَلا يَصِحُّ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْتُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَيَأْخُذَ أَحَدَهُمَا (وَ)يَحْرُمُ بَيْعُ (النَّجِسِ) أَىْ نَجِسِ الْعَيْنِ (كَالدَّمِ) وَالْمُتَنَجِّسِ الَّذِى لا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَالزَّيْتِ الْمُتَنَجِّسِ (وَكُلِّ مُسْكِرٍ) كَالْخَمْرِ (وَمُحَرَّمٍ كَالطُّنْبُورِ وَهُوَ ءَالَةُ لَهْوٍ تُشْبِهُ الْعُودَ) وَالْمِزْمَارِ وَالْكُوبَةِ أَىِ الطَّبْلِ الضَّيِّقِ الْوَسَطِ (وَيَحْرُمُ بَيْعُ الشَّىْءِ الْحَلالِ الطَّاهِرِ عَلَى مَنْ تَعْلَمُ أنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَعْصِىَ بِهِ) لِمَا فِيهِ مِنَ الإِعَانَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ (كَالْعِنَبِ لِمَنْ) تَعْلَمُ أَنَّهُ (يُرِيدُهُ لِلْخَمْرِ وَالسِّلاحِ لِمَنْ) تَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ بِهِ نَفْسَهُ أَوْ (يَعْتَدِىَ بِهِ عَلَى النَّاسِ وَ)يَحْرُمُ (بَيْعُ الأَشْيَاءِ الْمُسْكِرَةِ) وَيَدْخُلُ فِى ذَلِكَ الإِسْبِيرْتُو فَلا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَوْ لِغَيْرِ الشُّرْبِ (وَ)يَحْرُمُ (بَيْعُ الْمَعِيبِ بِلا إِظْهَارٍ لِعَيْبِهِ) أَىْ مَعَ تَرْكِ بَيَانِهِ.
(فَائِدَةٌ لا تَصِحُّ قِسْمَةُ تَرِكَةِ مَيِّتٍ) عَلَى الْوَارِثِينَ (وَلا بَيْعُ شَىْءٍ مِنْهَا مَا لَمْ تُوَفَّ دُيُونُهُ) إِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ أَوْ زَكَاةٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ (وَ)مَا لَمْ تُنَفَّذْ (وَصَايَاهُ) أَىْ مَا أَوْصَى بِهِ بِأَنْ يُصْرَفَ بَعْدَ مَوْتِهِ لِغَيْرِ وَارِثٍ (وَ)مَا لَمْ (تُخْرَجْ أُجْرَةُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ إِنْ كَانَا) فَرْضًا (عَلَيْهِ) وَيَكْفِى أَنْ تُسَلَّمَ إِلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَيَعْتَمِرُ (إِلَّا أَنْ يُبَاعَ شَىْءٌ) مِنَ التَّرِكَةِ (لِقَضَاءِ هَذِهِ الأَشْيَاءِ) فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ (فَالتَّرِكَةُ كَمَرْهُونٍ بِذَلِكَ) فَكَمَا أَنَّ الْمَرْهُونَ لا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِبَيْعٍ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ الَّذِى رُهِنَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُ لِلْمَرْهُونِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَالتَّرِكَةُ كَذَلِكَ أَوْ (كَرَقِيقٍ) أَىْ عَبْدٍ (جَنَى) بِأَنْ سَرَقَ مَالَ شَخْصٍ (وَلَوْ) كَانَتْ جِنَايَتُهُ (بِأَخْذِ دَانَقٍ) وَهُوَ سُدُسُ دِرْهَمٍ (لا يَصِحُّ بَيْعُهُ) أَىْ بَيْعُ الْعَبْدِ (حَتَّى يُؤَدِّىَ مَا بِرَقَبَتِهِ) أَىْ حَتَّى يَدْفَعَ سَيِّدُهُ لِلْغَرِيمِ أَىْ لِلشَّخْصِ الَّذِى سُرِقَ مِنْهُ مَا تَعَلَّقَ بِرَقَبَةِ هَذَا الْعَبْدِ (أَوْ يَأْذَنَ) هَذَا (الْغَرِيمُ) لِسَيِّدِهِ (فِى بَيْعِهِ).
(وَيَحْرُمُ) عَلَى الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ (أَنْ يُفَتِّرَ رَغْبَةَ الْمُشْتَرِى) كَأَنْ يَقُولَ لَهُ أَنَا أَبِيعُكَ خَيْرًا مِنْهُ بِالثَّمَنِ نَفْسِهِ أَوْ أَبِيعُكَ مِثْلَهُ بِثَمَنٍ أَقَلَّ (أَوْ) أَنْ يُفَتِّرَ رَغْبَةَ (الْبَائِعِ) كَأَنْ يَقُولَ لَهُ لا تَبِعْهُ لِفُلانٍ أَنَا أَشْتَرِيهِ مِنْكَ بِأَكْثَرَ إِذَا كَانَ التَّفْتِيرُ (بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ) بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِى قَدْ صَرَّحَا بِالرِّضَا بِهِ وَقَبْلَ إِجْرَاءِ عَقْدِ الْبَيْعِ (لِيَبِيعَ عَلَيْهِ أَوْ لِيَشْتَرِيَهُ مِنْهُ) أَىْ لِيَبِيعَ الْمُفَتِّرُ الشَّىْءَ لِلْمُشْتَرِى أَوْ لِيَشْتَرِيَهُ مِنَ الْبَائِعِ. (وَ)التَّفْتِيرُ إِذَا كَانَ (بَعْدَ) حُصُولِ (الْعَقْدِ) بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَقَبْلَ لُزُومِهِ أَىْ (فِى مُدَّةِ الْخِيَارِ أَشَدُّ) حُرْمَةً وَالْخِيَارُ فِى فَسْخِ الْعَقْدِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ خِيَارَ مَجْلِسٍ وَيَنْتَهِى بِتَفَرُّقِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ خِيَارَ شَرْطٍ وَهُوَ إِلَى ثَلاثَةِ أَيَّامٍ.
(وَ)يَحْرُمُ (أَنْ يَشْتَرِىَ) الشَّخْصُ (الطَّعَامَ) أَىِ الْقُوتَ وَهُوَ مَا يَعِيشُ بِهِ الْبَدَنُ كَالْحِنْطَةِ وَالْفُولِ وَالْحِمَّصِ وَغَيْرِهَا (وَقْتَ الْغَلاءِ وَالْحَاجَةِ) إِلَيْهِ (لِيَحْبِسَهُ وَيَبِيعَهُ بِأَغْلَى) مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ عِنْدَ اشْتِدَادِ حَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ. (وَ)يَحْرُمُ (أَنْ يَزِيدَ فِى ثَمَنِ سِلْعَةٍ) وَلَيْسَ قَصْدُهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا إِنَّمَا (لِيَغُرَّ غَيْرَهُ) أَىْ لِيُوهِمَهُ مَثَلًا أَنَّ هَذِهِ السِّلْعَةَ قِيمَتُهَا عَالِيَةٌ فَيَغْتَرَّ بِذَلِكَ فَيَشْتَرِيَهَا.
(وَ)يَحْرُمُ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ جَارِيَةٌ أَىْ أَمَةٌ مَمْلُوكَةٌ (أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا) بِالْبَيْعِ (قَبْلَ التَّمْيِيزِ) أَىْ قَبْلَ أَنْ يُمَيِّزَ الْوَلَدُ وَلَوْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ. (وَ)يَحْرُمُ عَلَى الْبَائِعِ (أَنْ يَغُشَّ) بِإِخْفِاءِ الْعَيْبِ (أَوْ يَخُونَ فِى الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالذَّرْعِ وَالْعَدِّ) أَىِ الْعَدَدِ (أَوْ يَكْذِبَ) كَأَنْ يَقُولَ هَذَا الشَّىْءُ يُبَاعُ فِى السُّوقِ بِكَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُبَاعُ بِأَقَلَّ (وَ)يَحْرُمُ (أَنْ يَبِيعَ الْقُطْنَ أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْبَضَائِعِ وَيُقْرِضَ الْمُشْتَرِىَ فَوْقَهُ دَرَاهِمَ) أَىْ يُقْرِضَهُ الثَّمَنَ الَّذِى يَشْتَرِى بِهِ الْبِضَاعَةَ (وَيَزِيدَ فِى ثَمَنِ تِلْكَ الْبِضَاعَةِ لِأَجْلِ) ذَلِكَ (الْقَرْضِ) بِحَيْثُ يَجْعَلُ ذَلِكَ شَرْطًا (وَ)يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ (أَنْ يُقْرِضَ الْحَائِكَ) وَهُوَ الَّذِى يَنْسُجُ الثِّيَابَ (أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الأُجَرَاءِ وَيَسْتَخْدِمَهُ) بِالْعَمَلِ لَهُ (بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْقَرْضِ أَىْ إِنْ شَرَطَ ذَلِكَ) فَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ رِبَا الْقَرْضِ (وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ الرَّبْطَةَ) لِأَنَّهُ رَبَطَ الأَجِيرَ بِذَلِكَ (أَوْ يُقْرِضَ الْحَرَّاثِينَ) مَالًا (إِلَى وَقْتِ الْحَصَادِ وَيَشْتَرِطَ) عَلَيْهِمْ (أَنْ يَبِيعُوا عَلَيْهِ) أَىْ أَنْ يَبِيعُوهُ (طَعَامَهُمْ بِأَوْضَعَ) أَىْ بِأَقَلَّ (مِنَ السِّعْرِ قَلِيلًا وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ الْمَقْضِىَّ) فَهَذَا أَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ رِبَا الْقَرْضِ (وَكَذَا جُمْلَةٌ مِنْ مُعَامَلاتِ أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ) الَّذِى كَثُرَ فِيهِ الْجَهْلُ وَقَلَّتْ فِيهِ التَّقْوَى (وَأَكْثَرُهَا) مُحَرَّمَةٌ لِأَنَّهَا (خَارِجَةٌ عَنْ قَانُونِ الشَّرْعِ فَعَلَى مُرِيدِ رِضَا اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَسَلامَةِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا يَحِلُّ وَمَا يَحْرُمُ) مِنَ هَذِهِ الْمُعَامَلاتِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الثِّقَاتِ كَأَنْ يَتَعَلَّمَ (مِنْ عَالِمٍ وَرِعٍ) يَخَافُ اللَّهَ (نَاصِحٍ شَفِيقٍ عَلَى دِينِهِ) أَىِ عَلَى دِينِ الطَّالِبِ (فَإِنَّ طَلَبَ الْحَلالِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) بَالِغٍ عَاقِلٍ فَلا يَجُوزُ تَنَاوُلُ رِزْقٍ مِنْ طَرِيقٍ حَرَامٍ.
(فَصْلٌ) فِى بَيَانِ أَحْكَامِ النَّفَقَةِ.
(يَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ) أَىِ الْمُسْتَطِيعِ (نَفَقَةُ أُصُولِهِ الْمُعْسِرِينَ أَىِ الآبَاءِ الْفُقَرَاءِ وَالأُمَّهَاتِ) أَىِ الأَبِ وَالْجَدِّ وَإِنْ عَلا وَالأُمِّ وَالْجَدَّةِ وَإِنْ عَلَتْ (وَإِنْ قَدَرُوا عَلَى) الْعَمَلِ وَ(الْكَسْبِ) لَكِنْ لا يُرِيدُونَ الْعَمَلَ (وَ)يَجِبُ عَلَيْهِ (نَفَقَةُ فُرُوعِهِ أَىْ أَوْلادِهِ وَأَوْلادِ أَوْلادِهِ) مِنَ الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ (إِذَا أَعْسَرُوا) أَىْ إِذَا لَمْ يَجِدُوا مَالًا يَكْفِيهِمْ حَاجَاتِهِمُ الأَصْلِيَّةَ (وَعَجَزُوا عَنِ) الْعَمَلِ وَ(الْكَسْبِ لِصِغَرِ) سِنٍّ (أَوْ زَمَانَةٍ أَىْ مَرَضٍ مَانِعٍ مِنَ الْكَسْبِ) كَالشَّلَلِ وَالْعَمَى فَإِنْ قَدَرَ الْوَلَدُ عَلَى الْعَمَلِ جَازَ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَيْهِ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْهُ.
(وَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ) مِنْ طَعَامٍ وَكِسْوَةٍ وَسُكْنَى وَنَحْوِ ذَلِكَ إِنْ كَانَتْ مُمَكِّنَةً نَفْسَهَا لَهُ (وَ)يَجِبُ عَلَيْهِ لِزَوْجَتِهِ (مَهْرُهَا وَعَلَيْهِ لَهَا مُتْعَةٌ) أَىْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهَا مِقْدَارًا مِنَ الْمَالِ (إِنْ وَقَعَ الْفِرَاقُ) أَىِ انْفَسَخَ عَقْدُ النِّكَاحِ (بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْهَا) وَأَمَّا إِنِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِسَبَبٍ مِنْهَا كَأَنِ ارْتَدَّتْ بَعْدَ دُخُولِ الزَّوْجِ بِهَا وَبَقِيَتْ عَلَى الرِّدَّةِ إِلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلا مُتْعَةَ لَهَا.
(وَ)يَجِبُ (عَلَى مَالِكِ الْعَبِيدِ وَالْبَهَائِمِ نَفَقَتُهُمْ) مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَأَنْ لا يُكَلِّفَهُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا لا يُطِيقُونَهُ وَ)أَنْ (لا يَضْرِبَهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ طَاعَتُهُ فِى نَفْسِهَا) أَىْ طَاعَةُ زَوْجِهَا فِى الْجِمَاعِ وَالِاسْتِمْتَاعِ (إِلَّا فِى مَا لا يَحِلُّ) كَأَنْ طَلَبَ مِنْهَا الْجِمَاعَ وَهِىَ حَائِضٌ (وَ)يَجِبُ عَلَيْهَا (أَنْ لا تَصُومَ النَّفْلَ) وَهُوَ حَاضِرٌ أَىْ فِى الْبَلَدِ إِلَّا بِإِذْنِهِ (وَ)أَنْ (لا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ) لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ (إِلَّا بِإِذْنِهِ).
(الْوَاجِبَاتُ الْقَلْبِيَّةُ)
