تفسير حديث النُزول : “ينزِلُ ربُّنَا كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا فيقول هل مِنْ مستغفرٍ فأغفرَ له هل من داعٍ فأستجيبَ له” رواه البخاري وغيره

كتاب لباب النقول في تأويل حديث النزول Download PDF

تفسير حديث النُزول : “ينزِلُ ربُّنَا كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا فيقول هل مِنْ مستغفرٍ فأغفرَ له هل من داعٍ فأستجيبَ له” رواه البخاري وغيره.

هذا الحديث يقول أهل العلم إنّه من الأحاديث المتشابهة، أي أن معناه لا يكون واضحًا بمجرد القراءة أو بمجرد سماعه فيُرجَع فيه لأهل العِلم، لِأن اللَهَ سبحانه وتعالى كما هو مقررٌ عند أهل الحقِّ الذين هم على عقيدة الرسول ﷺ والصحابة، موجودٌ بِلَا مكان ولا

يتقيد بالزمان.

فهذا الحديث يَفهمُ منه المُوَفَّق للحقِّ أن هذا النُزول الذي نسبه الرسول ﷺ

إلى الله ليس نُزول حركة ونُقلة وإنما هو

أمرٌ آخر يليق بالله تعالى، ليس من صفات البشر ولا من صفات الخلق من غير البشر. فهذا النُزولُ نُزولُ مَلَكٍ من الملائكة بأمر الله تعالى، فإنَّ المَلَك لمّا ينزل بأمر الله ينادي مُبلِّغًا عن ربِّه فإنّه ما نزل إلّا بأمر الله، فَصَحَّ نسبة النزول إلى الله لا على معنى الحركة، لأنه تعالى هو الآمِرُ بذلك.

وهذا معروفٌ في اللغة العربية، في تخاطب العرب أن هذا الإسناد يُقال له: إسنادٌ مجازي.

“ينزِلُ ربُّنا” أي ينزل ملَكُ ربِّنا، يُقال له مجاز الحَذْفِ عند علماء البيان، حُذف لفظُ الملَك لأنّه يُفهم من السياق.

فكل صاحب عقلٍ سليم يفهم أن ظاهر الحديث غيرُ مرادٍ لِأنه لَا يجوز على الله النزول بمعنى الحركة الذي هو صفةٌ من صفات البشر ومن صفات الملَائكة ومن صفات الخلق.

وهناك روايةٌ لهذا الحديث رواها النسائي من طريق أبي هريرة رضِيَ الله عنه وأبي سعيد الخدريّ وهي: قوله

ﷺ: ” إن اللَهَ يُمهلُ حتى يمضيَ شطرُ الليل الْأول فيأمرُ مناديًا يُنادي هل من سائلٍ فيُعطى هل من مُستغفرٍ فيُغفرَ له هل من داعٍ فَيُستجابَ له.”

وهذه الرواية الصحيحةُ الإسناد فَسَّرتْ تلك الرواية الأولى.

فظهر أنّ المرادَ أنّ مَلكًا يَنزلُ بأمر اللهِ كلّ ليلة ممّا فوق السماء الدنيا إلى السماء الدنيا ويقول هذا الكلَام مُبلِّغًا عن الله سبحانه وتعالى، وليس المراد أن اللَهَ يَسكنُ السماء وينزل كنزول الملَائكة أو كنزول البشر، تعالى الله عن ذلك كله.

تأويل حديث النزول على قِسمين (من كتاب الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على مذهب السلف وأصحاب الحديث للإمام الكبير الفقيه الحافظ الأصولي أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي المتوفى 458هـ) :


قال البيهقي التأويل على قِسمين

قَالَ الإِمَامُ البَيْهَقِيُّ (1) فِي كِتَابِ الاعْتِقَادِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (يَنْزِلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ) وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ فِيمَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ أَمْثَالِ هَذَا…..ثُمَّ إِنَّهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهُ وَءَامَنَ بِهِ وَلَمْ يُؤَوِّلْهُ وَوَكَلَ عِلْمَهُ إِلَى اللَّهِ وَنَفَى الْكَيْفِيَّةَ وَالتَّشْبِيهَ عَنْهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهُ وَءَامَنَ بِهِ وَحَمَلَهُ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي اللُّغَةِ وَلَا يُنَاقِضُ التَّوْحِيدَ.
وَفِي الْجُمْلَةِ يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ اسْتِوَاءَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ بِاسْتِوَاءِ اعْتِدَالٍ عَنِ اعْوِجَاجٍ وَلَا اسْتِقْرَارٍ فِي مَكَانٍ وَلَا مُمَّاسَّةٍ لِشَىْءٍ مِنْ خَلْقِهِ، لَكِنَّهُ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ بِلَا كَيْفٍ بِلَا أَيْنٍ، بَائِنٌ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ (أَيْ لَا يُشْبِهُهُم) وَأَنَّ إِتْيَانَهُ لَيْسَ بِإِتْيَانٍ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، وَأَنَّ مَجِيئَهُ لَيْسَ بِحَرَكَةٍ، وَأَنَّ نُزُولَهُ لَيْسَ بِنَقْلَةٍ، وَأَنَّ نَفْسَهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ، وَأَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِصُورَةٍ، وَأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بجَارِحَةٍ، وَأَنَّ عَيْنَهُ لَيْسَتْ بِحَدَقَةٍ، وَإِنَّمَا هَذِهِ أَوْصَافٌ جَاءَ بِهَا التَّوْقِيفُ، فَقُلْنَا بِهَا وَنَفَيْنَا عَنْهَا التَّكْيِيفَ، فَقَدْ قَالَ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ الشورى 11، وَقَالَ ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ الإخلاص 4، وَقَالَ ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ مريم 65). انتهى

(1) هو الإمام الكبير الفقيه الحافظ الأصولي النحرير الزاهد الورع الشيخ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله بن موسى البيهقي، قال السبكي في الطبقات أنه ولد في شعبان سنة ثلاثمائة وأربع وثمانين هجرية بقرية خُسروجرد وهي إحدى قرى ناحية بيهق التي قال فيها ياقوت الحموي بيهق ناحية كبيرة وكورة واسعة كثيرة البلدان والعمارة من نواحي نيسابور، تشتمل على ثلاثمائة وإحدى وعشرين قرية.
دفع حب العلم بالبيهقي إلى السفر في طلبه، فقصد العراق ثم الحجاز والتقى بعدد من الأئمة والأعلام فأخذ عنهم صنوف العلوم الدينية وقد ذكرت المراجع أنهم جاوزوا المائة شيخ كما يقول ابن عساكر في التبيين كان أبرزهم الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك، وأبا عبد الرحمن السلمي، وأبا إسحاق الإسفراييني، وأبا ذر الهروي، وأبا بكر بن فورك، وأبا منصور البغدادي وكثيرين غيرهم، وأخذ علم الأصول على مذهب الإمام الأشعري واشتغل بالتأليف فكثرت مصنفاته وصار أوحد زمانه في الحديث والفهم والقريحة والزهد.
قال ابن الجوزي فيه (كان واحد زمانه في الحفظ والإتقان وحسن التصنيف، وجمع علوم الحديث والأصول، وهو من كبار أصحاب الحاكم أبي عبد الله).

شرح حديث النزول من شرح الإمام الحافظ ابن بَطَّالٍ (ت 449 هـ) على صحيح البخاري ومن تفسير الإمام القرطبي (ت 671 هـ) الجامع لأحكام القرآن

يقول الإمام الحافظ ابن بطال في شرحه على صحيح البخاري (المراد بحديث النزول نزول الرحمة، ثم قال ويحتمل أن يكون المراد نزول بأمر الله، كما لو قيل ضرب اﻷمير اللص أو نادى اﻷمير في المدينة، ثم قال ويؤيد ذلك ما رواه النسائي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل اﻷول ثم يأمر مناديا ينادي هل من داع يستجاب له هل من مستغفر فيغفر له هل من سائل يعطى)).

*** انشُر صُوَر الأدِلّةِ ***

ردود أهل السنة والجماعة في ما جاء عن حديث النزول من الروايات والطرق والتأويلات والتفاسير وإثبات التنزيه ، ونفي التجسيم والتشبيه ، بقلم شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني رحمه الله :

تتمسك الوهابية أدعياء السلفية المجسمة بظاهر حديث صحيح ورد في أمهات كتب السنة الصحيحة ، من أجل إثبات أن الله يتحرّك من مكان لآخر ، ويزعمون أن هذا من الكمال في حق الله ، وقد أضافوا جملا وعباراة ليثبتوا أن مقصود النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الحديث إثبات الحركة لله ، والعياذ بالله ، بينما يرى المسلم العاقل سليم القلب أن هذا مناقض للفطرة السليمة ، ومخالف لما ورد في القرآن والسنة من إثبات أن الله لا يشبهه شيء من خلقه في شيء أبدا ، فلما ثبت أن التحرك والإنتقال جائز في حق مخلوقاته ، استحال ذلك عليه سبحانه.

ونص الحديث هو : عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له”. رواه الإمام البخاري في صحيحه وغيره.

قال الحافظ في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري : “

قَوْلُهُ : ( يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ أَثْبَتَ الْجِهَةَ ، وَقَالَ : هِيَ جِهَةُ الْعُلُوِّ ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ #الْجُمْهُورُ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِذَلِكَ يُفْضِي إِلَى التَّحَيُّزِ ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ . وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى النُّزُولِ عَلَى أَقْوَالٍ : فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ ، وَهُمُ #الْمُشَبِّهَةُ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ . وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ صِحَّةَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ جُمْلَةً وَهُمُ #الْخَوَارِجُ ، #وَالْمُعْتَزِلَةُ ، وَهُوَ مُكَابَرَةٌ ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ أَوَّلُوا مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ نَحْوِ ذَلِكَ ، وَأَنْكَرُوا مَا فِي الْحَدِيثِ إِمَّا جَهْلًا ، وَإِمَّا عِنَادًا ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَاهُ عَلَى مَا وَرَدَ مُؤْمِنًا بِهِ عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ #مُنَزِّهًا اللَّهَ تَعَالَى عَنِ #الْكَيْفِيَّةِ#وَالتَّشْبِيهِ ، وَهُمْ جُمْهُورُ #السَّلَفِ ، وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ، وَالسُّفْيَانَيْنِ ، وَالْحَمَّادَيْنِ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ ، وَاللَّيْثِ ، وَغَيْرِهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ #أَوَّلَهُ عَلَى وَجْهٍ #يَلِيقُ مُسْتَعْمَلٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ #أَفْرَطَ فِي #التَّأْوِيلِ ، حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى نَوْعٍ مِنَ #التَّحْرِيفِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ مَا يَكُونُ تَأْوِيلُهُ قَرِيبًا مُسْتَعْمَلًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَبَيْنَ مَا يَكُونُ بَعِيدًا مَهْجُورًا ، فَأَوَّلَ فِي بَعْضٍ ، وَفَوَّضَ فِي بَعْضٍ ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ #مَالِكٍ ، وَجَزَمَ بِهِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ #ابْنُ_دَقِيقِ_الْعِيدِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : “وَأَسْلَمُهَا الْإِيمَانُ بِلَا كَيْفٍ ، وَالسُّكُوتُ عَنِ #الْمُرَادِ إِلَّا أَنْ يَرِدَ ذَلِكَ عَنِ الصَّادِقِ فَيُصَارُ إِلَيْهِ ، مِنَ الدَّلِيلَ عَلَى ذَلِكَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ التَّأْوِيلَ الْمُعَيَّنَ غَيْرُ وَاجِبٍ ، فَحِينَئِذٍ التَّفْوِيضُ أَسْلَمُ “. وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَسْطٍ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : “حُكِيَ عَنِ الْمُبْتَدِعَةِ رَدُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَعَنِ السَّلَفِ إِمْرَارُهَا ، وَعَنْ قَوْمٍ تَأْوِيلُهَا ، وَبِهِ #أَقُولُ ، فَأَمَّا قَوْلُهُ – صلى الله عليه وسلم -: (يَنْزِلُ) فَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى أَفْعَالِهِ لَا إِلَى ذَاتِهِ ، بَلْ ذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ ملكهِ الَّذِي يَنْزِلُ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ، وَالنُّزُولُ كَمَا يَكُونُ فِي الْأَجْسَامِ يَكُونُ فِي #الْمَعَانِي ، فَإِنْ حَمَلْتَهُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْحِسِّيِّ فَتِلْكَ صِفَةُ #الْمَلكِ الْمَبْعُوثِ بِذَلِكَ ، وَإِنْ حَمَلْتَهُ عَلَى الْمَعْنَوِيِّ ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ثُمَّ فَعَلَ ، فَيُسَمَّى ذَلِكَ نُزُولًا عَنْ مَرْتَبَةٍ إِلَى مَرْتَبَةٍ ، فَهِيَ عَرَبِيَّةٌ صَحِيحَةٌ”. انْتَهَى ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَأَوَّلَهُ بِوَجْهَيْنِ : إِمَّا بِأَنَّ الْمَعْنَى “يَنْزِلُ أَمْرُهُ” أَوِ “الْمَلَكُ بِأَمْرِهِ” ، وَإِمَّا بِأَنَّهُ اسْتِعَارَةٌ بِمَعْنَى التَّلَطُّفِ بِالدَّاعِينَ وَالْإِجَابَةِ لَهُمْ وَنَحْوِهِ . وَقَدْ حَكَى أَبُو بَكْرِ بْنُ #فُورَكَ أَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ ضَبَطَهُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى حَذْفِ الْمَفْعُولِ أَيْ #يُنْزِلُ#مَلَكًا ، #وَيُقَوِّيهِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَغَرِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ : إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ ، حَتَّى يَمْضِيَ شَطْرُ اللَّيْلِ ، ثُمَّ #يَأْمُرُ مُنَادِيًا يَقُولُ : هَلْ مِنْ دَاعٍ فَيُسْتَجَابُ لَهُ..الْحَدِيثَ . وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ : “يُنَادِي #مُنَادٍ” : هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ ..الْحَدِيثَ . قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : “وَبِهَذَا يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ ، وَلَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا فِي رِوَايَةِ رِفَاعَةَ الْجُهَنِيِّ : يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَيَقُولُ : لَا أَسْأَلُ عَنْ عِبَادِي غَيْرِي . لِأَنَّهُ #لَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدْفَعُ #التَّأْوِيلَ#الْمَذْكُورَ . وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ : وَلَمَّا ثَبَتَ بِالْقَوَاطِعِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنِ #الْجِسْمِيَّةِ وَالتَّحَيُّزِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ النُّزُولُ عَلَى مَعْنَى الِانْتِقَالِ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ أَخْفَضَ مِنْهُ ، #فَالْمُرَادُ_نُورُ_رَحْمَتِهِ . ” انتهى كلامه

من كتاب فتح الباري لابن حجر 37/3

ويقول القرطبي في تفسيره (المراد بحديث النزول نزول الملك بأمر الله على تقدير حذف المضاف ويؤيد ذلك رواية البخاري (يُـنـزل ربنا) بضم الياء).

*** انشُر صُوَر الأدِلّةِ ***

شرح حديث النزول (من كتاب السنن الكبرى للإمام الحافظ الكبير البيهقي المتوفى سنة 458 هـ)

حديث النزول (من كتاب السنن الكبرى الإمام الحافظ البيهقي المتوفى سنة 458 هـ)

السنن الكبرى، المؤلف الإمام الحافظ أبي بكر البيهقي 458 هجرية (السند أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال سمعت أبا محمد أحمد بن عبد الله المزني يقول: حديث النزول قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوه صحيحة و ورد في التنزيل ما يُصدّقه وهو قوله تعالى (وجاء ربك والملك صفاً صفا) الفجر (22) والنزول والمجيئ صفتان منفيتان عن الله تعالى من طريق الحركة والانتقال من حال إلى حال بل هما صفتان من صفات الله تعالى بلا تشبيه جل الله تعالى عمّا تقول المُعطّلة والمُشبِّهه بها علواً كبيرا).

*** انشر صور الدليل ***

شرح حديث النزول (من كتاب الإحسان في تقريب صحيح ابن حِبّان للحافظ أبي حاتم بن حِبّان الخرساني 354 هجرية)

شرح حديث النزول (من كتاب الإحسان في تقريب صحيح ابن حِبّان للحافظ أبي حاتم بن حِبّان الخرساني 354 هجرية)

قال رحمه الله (صفات الله جلّ وعلا لا تُكيَّف ولا تُقاس إلى صفات المخلوقين، فكما أنَّ الله جلّ وعلا مُتكلِّم من غير آلة بأسنانٍ ولهواتٍ ولسانٍ وشِفَّةٍ كالمخلوقين، جل ربَّنا وتعالى عن مثل هذا وأشباهه، ولم يجز أن يُقاس كلامه إلى كلامنا، لأنَّ كلام المخلوقين لا يُوجَد إلا بآلاتٍ والله جلَّ وعلا يتكلّم كما شاء بلا آلةٍ، كذلك ينزل بلا آلة ولا تحرك ولا انتقال من مكان إلى مكان).

*** انشر صور الدليل ***


حديث النزول (من كتاب القبس في شرح موطأ الإمام مالك للحافظ القاضي أبي بكر بن العربي المتوفّى 543 هـ)

حديث النزول من كتاب القبس في شرح موطأ الإمام مالك للحافظ القاضي أبي بكر بن العربي (المتوفّى 543 هـ)

تنزيه الله عن الحركة وبيان أنه لا يجوز الأخذ بظاهر النزول إذا طلق على الله.

*** انشر صورة الدليل ***

قال عنه ابن بشكوال هو الإمام الحافظ ختام علماء الأندلس.


تأمَّل يا عبد الله كيف فهم كبار علماء السَّادة المالكيَّة حديث النزول وفق أصول إمام مذهبهم سيّدنا مالك بن أنس

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ الْهُمَامُ الْقَاضِي المَالِكِي أَبُو الْوَلِيدِ سُلَيْمَانُ بْنُ خَلَفٍ الْبَاجِيُّ (ت 474 هـ) في شرح موطأ الإمام مالك عند حديث النزول (قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ (يَنْزِلُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا) إخْبَارٌ عَنْ إجَابَةِ الدُّعَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِعْطَاءِ السَّائِلِينَ مَا سَأَلُوهُ وَغُفْرَانِهِ لِلْمُسْتَغْفِرَيْنِ، وَتَنْبِيهٌ عَلَى فَضِيلَةِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَحَضٌّ عَلَى كَثْرَةِ الدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِيهِ.
وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي شِبْرًا تَقَرَّبْت إلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِذَا تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ بَاعًا وَإِذَا أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُ إلَيْهِ هَرْوَلَةً” وَلَمْ يُرِدْ بِهِ التَّقَرُّبَ فِي الْمَسَافَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَلَا مَوْجُودٍ، وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّقَرُّبَ بِالْعَمَلِ مِنْ الْعَبْدِ وَالْقُرْبَ مِنْهُ تَعَالَى بِالْإِجَابَةِ وَالْقَبُولِ، وَمِنْ ذَلِكَ يُقَالُ فُلَانٌ قَرِيبٌ مِنْ فُلَانٍ وَيَقُولُونَ فِي الرَّئِيسِ هُوَ قَرِيبٌ مِنْ النَّاسِ إذَا كَانَ كَثِيرَ الْإِسْعَافِ لَهُمْ وَالتَّرْحِيبَ بِهِمْ، وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ).
وَفِي الْعُتْبِيَّةِ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ فِي جِنَازَةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْعَرْشِ فَقَالَ (لَا يَتَحَدَّثْنَ بِهِ وَمَا يَدْعُو الْإِنْسَانَ إلَى أَنْ يَتَحَدَّثَ بِهِ؟ وَهُوَ يَرَى مَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ)، وَحَدِيثِ (إنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ)، وَحَدِيثِ السَّاقِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَتَّقِي اللَّهَ أَنْ يُحَدِّثَ بِمِثْلِ هَذَا، قِيلَ لَهُ:فَالْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ ضَحِكَ؟ فَلَمْ يَرَهُ مِنْ هَذَا وَأَجَازَهُ، وَقَالَ وَحَدِيثِ التَّنَزُّلِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
(أ) أَحَدُهُمَا أَنَّ حَدِيثَ التَّنَزُّلِ وَالضَّحِكِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ لَمْ يُطْعَنْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَحَدِيثَ اهْتِزَازِ الْعَرْشِ قَدْ تَقَدَّمَ الْإِنْكَارُ لَهُ وَالْمُخَالَفَةُ فِيهِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَحَدِيثَ الصُّورَةِ وَالسَّاقِ لَيْسَتْ أَسَانِيدُهَا تَبْلُغُ فِي الصِّحَّةِ دَرَجَةَ حَدِيثِ التَّنَزُّلِ.
(بـ) وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ:
التَّأْوِيلَ فِي حَدِيثِ التَّنَزُّلِ أَقْرَبُ وَأَبْيَنُ، وَالْغَرَرُ بِسُوءِ التَّأْوِيلِ فِيهَا أَبْعَدُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ) المُنتقى (357/1).
فتأمَّل يا عبد الله كيف فهم كبار علماء السَّادة المالكيَّة حديث النزول وفق أصول إمام مذهبهم سيدنا مالك بن أنس، وأمعن النظر في تخريج القاضي الباجي لتفريقهم بين حديث النُّزول وحديث الضَّحك من جهة، وبين حديث السَّاق وحديث اهتزاز العرش عند موت سيِّدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه من جهة أخرى.
والله الموَفِّق.

حديث (ينزلُ رَبُّنا كل ليلةٍ إلى السَماءِ الدُنيا)

معنى هذا الحديث أن المَلك ينزلُ كُلَ ليلةٍ بأمرِ الله إلى السَماء الدُنيا فيقولُ مُبلغاً عن الله (إن ربكم يقول هل من مستغفرٍ فأغفر له هل من داعٍ فاستجيبَ له هل من سائلٍ فأُعطيه) وهذا التفسيرُ للحديث وردَ في حديثٍ رواه الحافظُ النسائي في كتاب عملِ اليومِ والليلة من حديثِ أبي هُريرة رضي اللهُ عنه قال قال رسول الله (إن الله يمهلُ حتى إذا مضى شطر الليلِ الأول أمر منادياً فيُنادي إن رَبَكم يقول هل من مستغفر فأغفر له هل من داع فأستجيب له هل من سائل فأعطيه حتى ينفجرَ الفَجر).

هذا الحديث في شرح البخاري قال (وضبطه بعضهم بضم بالياء يُنزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا أي الله يُنزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ملك هذا الملك مأمور الله أمره أن يقول مبلغًا عنه إن ربكم يقول هل من داع فأستجيب له هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له) وهذا الحديث الموجود في البخاري له رواية أخرى رواه الحافظ النسائي في كتاب عمل اليوم والليلة.
عن أبي هريرة قال قـال رسـول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله يمهل حتى إذا مضى شطر الليل الأول أمر مناديًا فينادي أن ربكم يقول هل من داع فأستجيب له هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له ينفجر الفجر)، هذه رواية النسائي فسرت رواية البخاري المشهورة على ألسنة الناس بأن المقصود هنا نزول الملك وليس نزول رب العالمين وهذا يسميه أهل العلم من باب حذف المضاف، ينزل ربنا أي ينزل ملك ربنا عندما نقول ملك ربنا هنا صار لفظ ربنا مضافا إليه والملك هو المضاف فحذف المضاف، فقال الرسول بالوحي من الله: ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا كما هو معروف أن من أمر بشئ ولو هو لم يباشر فعله يقال فعل فلان كذا بنى الأمير المدينة، ما معنى بنى الأمير المدينة ؟ معناه أمر ببنائها، ، وهنا ينزل ربنا معناه الله يأمر الملك فينزل الملك.

أما على قول المشبهة يجعلون الله جسمًا قاعدًا على العرش وينزل فيفرغ منه العرش إلى السماء الدنيا على زعمهم الله يتصاغر لأن العرش أكبر جسم خلقه الله والسماء الدنيا بالنسبة للعرش شئ قليل، الرسول صلى الله عليه وسلم قال (ما السماوات السبع في جنب الكرسي إلا كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة) والفلاة هي الأرض البرية (الصحراء) يعني كم النسبة بين العرش والسماء من حيث الحجم لا يعلم ذلك إلا الله، جعلوا الله متصاغرًا جعلوا الله جسمًا وجعلوه ذا أعضاء وجعلوه متنقلاً وجعلوه متصاغرًا.

وليُعلم أنهُ لا يجوزُ حَملُ هذا الحديث على النُزولِ الحقيقي الذي هو انتقالٌ من مكانٍ إلى مكان لأنَّ هذا لا يجوزُ على الله وهو ضِد قَولِ الله تعالى (ليسَ كمثلهِ شىء)، وقد قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في عقيدته التي هي عقيدة أهل السنة والجماعة (ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر).
الرسول صلى الله عليه وسلم قال (تفكروا في كل شئ ولا تفكروا في ذات الله) يعني كل شئ من خلق الله تفكروا فيه لكن في ذات الله لا تفكروا في ذات الله لأن الإنسان لا يستطيع أن يحيط معرفة بذات ربه سبحانه وتعالى.

قال السيوطي في تنوير الحوالك شرح موطأ مالك ما نصه (عَن بن شهَاب عَن أبي عبد الله الْأَغَر وَعَن أبي سَلمَة).
قَالَ  ابن عبد الْبر (مِنْ رُوَاة الْمُوَطَّأ مَنْ لَا يذكر أَبَا سَلمَة قَالَ والْحَدِيث مَنْقُول من طرق متواترة ووجوه كَثِيرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينزل رَبنَا تبَارك وَتَعَالَى كل لَيْلَة هَذَا من الْمُتَشَابه الَّذِي يسكت عَن الْخَوْض فِيهِ وَإِن كَانَ لابد فَأولى مَا يُقَال فِيهِ مَا فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ إِن الله يُمْهل حَتَّى يمْضِي شطر اللَّيْل ثمَّ يَأْمر مناديا يَقُول هَل من دَاع فيستجاب لَهُ فَالْمُرَاد إِذن نزُول أمره أَو الْملك بأَمْره وَذكر بن فورك أَن بعض الْمَشَايِخ ضَبطه يُنزل بِضَم أَوله على حذف الْمَفْعُول أَي ينزل ملكا).

قَالَ الْبَاجِيّ (وَفِي الْعُتْبِيَّة سَأَلت مَالِكًا عَن الحَدِيث الَّذِي جَاءَ فِي جَنَازَة سعد بن معَاذ فِي الْعَرْش فَقَالَ لَا تتحدثن بِهِ وَمَا يَدْعُو الْإِنْسَان إِلَى أَن يحدث بِهِ وَهُوَ يرى مَا فِيهِ من التَّغْرِير وَحَدِيث إِن الله خلق آدم على صورته وَحَدِيث السَّاق قَالَ بن الْقَاسِم لَا يَنْبَغِي لمن يَتَّقِي الله أَن يحدث بِمثل هَذَا قيل لَهُ والْحَدِيث الَّذِي جَاءَ أَن الله تَعَالَى ضحك فَلم يره من هَذَا وَأَجَازَهُ وَكَذَلِكَ حَدِيث التَّنْزِيل قَالَ وَيحْتَمل أَن يفرق بَينهمَا من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن حَدِيث التَّنْزِيل والضحك أَحَادِيث صِحَاح لم يطعن فِي شَيْء مِنْهَا وَحَدِيث اهتزاز الْعَرْش وَالصُّورَة والساق لَيست أسانيدها تبلغ فِي الصِّحَّة دَرَجَة حَدِيث التَّنْزِيل وَالثَّانِي أَن التَّأْوِيل فِي حَدِيث التَّنْزِيل أقرب وَأبين والعذر بِسوء التَّأْوِيل فِيهَا أبعد) انْتهى انتهى نص عبارة السيوطي.

ونقول لزيادة الفائدة:
شرح حديث النزول من شرح الإمام ابن بَطَّالٍ (توفّي 449 هـ) على صحيح البخاري ومن فتح الباري بشرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني (توفّي 852 هـ) ومن تفسير القرطبي (توفّي 671 هـ) الجامع لأحكام القرآن.

يقول الإمام ابن بطال في شرحه على صحيح البخاري (المراد بحديث النزول نزول الرحمة، ثم قال ويحتمل أن يكون المراد نزول بأمر الله، كما لو قيل ضرب اﻷمير اللص أو نادى اﻷمير في المدينة، ثم قال ويؤيد ذلك ما رواه النسائي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل اﻷول ثم يأمر مناديا ينادي هل من داع يستجاب له، هل من مستغفر فيغفر له، هل من سائل يعطى)).

الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري بشرح صحيح البخاري، يؤول حديث النزول فيقول (هو نزول الملك الذي ينزل بأمر الله).

ويقول القرطبي في تفسيره (المراد بحديث النزول نزول الملك بأمر الله، على تقدير حذف المضاف، ويؤيد ذلك رواية البخاري (يُـنـزل ربنا) بضم الياء).

وقد قال الحافظُ العِراقي في ألفيته (وخيرُ مافسرتهُ بالواردِ معناهُ أحسنُ مايفسرُ بهِ الحديث الوارد الحديث).

تفسير حديث النُزول : “ينزِلُ ربُّنَا كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا فيقول هل مِنْ مستغفرٍ فأغفرَ له هل من داعٍ فأستجيبَ له” رواه البخاري وغيره.

فهذا الحديث يَفهمُ منه المُوَفَّق للحقِّ أن هذا النُزول الذي نسبه الرسول ﷺ إلى الله ليس نُزول حركة ونُقلة وإنما هو أمرٌ آخر يليق بالله تعالى، ليس من صفات البشر ولا من صفات الخلق من غير البشر. فهذا النُزولُ نُزولُ مَلَكٍ من الملائكة بأمر الله تعالى، فإنَّ المَلَك لمّا ينزل بأمر الله ينادي مُبلِّغًا عن ربِّه فإنّه ما نزل إلّا بأمر الله، فَصَحَّ نسبة النزول إلى الله لا على معنى الحركة، لأنه تعالى هو الآمِرُ بذلك.

وهذا معروفٌ في اللغة العربية، في تخاطب العرب أن هذا الإسناد يُقال له: إسنادٌ مجازي.

“ينزِلُ ربُّنا” أي ينزل ملَكُ ربِّنا، يُقال له مجاز الحَذْفِ عند علماء البيان، حُذف لفظُ الملَك لأنّه يُفهم من السياق.

وهناك روايةٌ لهذا الحديث رواها النسائي من طريق أبي هريرة رضِيَ الله عنه وأبي سعيد الخدريّ وهي: قوله ﷺ: ” إن اللَهَ يُمهلُ حتى يمضيَ شطرُ الليل الْأول فيأمرُ مناديًا يُنادي هل من سائلٍ فيُعطى هل من مُستغفرٍ فيُغفرَ له هل من داعٍ فَيُستجابَ له.”

وهذه الرواية الصحيحةُ الإسناد فَسَّرتْ تلك الرواية الأولى.

فظهر أنّ المرادَ أنّ مَلكًا يَنزلُ بأمر اللهِ كلّ ليلة ممّا فوق السماء الدنيا إلى السماء الدنيا ويقول هذا الكلَام مُبلِّغًا عن الله سبحانه وتعالى، وليس المراد أن اللَهَ يَسكنُ السماء وينزل كنزول الملَائكة أو كنزول البشر، تعالى الله عن ذلك كله.

اللهمّ فقهنا في الدّين واجعلنا خدّامًا له ءامين​​​​

قال الحافظ المتبحر عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي في كتابه “الباز الأشهب”

بعد ذكر حديث النزول ما نصه: “إنه يستحيل على الله عزَّ وجلَّ الحركة والنقلة والتغيير. وواجب على الخلق اعتقاد التنزيه وامتناع تجويز النقلة وأن النزول الذي هو انتقال من مكان إلى مكان يفتقر إلى ثلاثة أجسام جسم عال وهو مكان الساكن وجسم سافل وجسم ينتقل من علو إلى أسفل وهذا لا يجوز على الله قطعا”.

*لا يُغتَرّ في النّقل عن ابنِ عبدِ البَرّ*

قال الحافظ ابن الجّوزيّ في “صَيد الخاطِر”

ولقد عَجِبتُ لرجُلٍ أندلُسِيّ يقال له: ابنُ عبدِ البَرّ، صَنَّف كتابَ التّمهِيد فذكَر فيه حديثَ النُّزول إلى السَّماءِ الدُّنيا فقال: “هذا يَدُلّ على أنّ اللهَ تعالى على العرش، لأنّه لولا ذلك لَمَا كان لِقَولِه “يَنزِلُ” مَعنى”. وهذا كلامُ جاهِلٍ بمَعرِفة اللهِ عزَّ وجَلّ؛ لأنّ هذا استَسْلَفَ مِن حِسِّه ما يَعرِفُه مِن نُزولِ الأجسام، فقاسَ صِفةَ الحَقّ عليهِ، فأينَ هؤلاءِ واتِّباعُ الأثرَ؟! ولقَد تَكلَّمُوا بأقبَحِ ما يَتكلَّمُ بِه المتأوِّلُون ثُمّ عابُوا المُتكلِّمِينَ اهـ.

وقال شيخُنا الهرريُّ رحمه اللهُ: “ابنُ عبدِ البَرّ جِهَويّ لا يُؤخَذ بما انفَرَد به لأنه مُشَبِّه، هو وابنُ كثِيرٍ والذّهبَيُّ كانوا على التَّشبِيه”.

قول النووي في حديث النزول

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم [شرح صحيح مسلم، الإمام النووي – المجلد السادس، ص ٣٦ -]: “هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيه مذهبان مشهوران للعلماء: أحدهما وهو مذهب السلف وبعض المتكلمين أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد، ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق، والثاني مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي هنا عن مالك والأوزاعي على أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها، فعلى هذا تأولوا هذا الحديث تأويلين أحدهما: تأويل مالك بن أنس وغيره، معناه تنزل رحمته وأمره وملائكته، كما يقال فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره، والثاني: أنه على الاستعارة ومعناه الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف.” انتهى كلام النووي.

مقالة الحافظ البيهقي

وقال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت ٤٥٨ هـ) صاحب السنن في كتابه [السنن الكبرى، البيهقي – المجلد الثالث ص ٣] عند ذكر هذا الحديث: ” أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال سمعت أبا محمد أحمد بن عبد الله المزني يقول : حديث النزول قد ثبت عن رسول الله من وجوه صحيحة وورد في التنزيل ما يصدقه وهو قوله تعالى: ﴿وجاء ربُّك﴾ والنزول والمجيء صفتان منفيتان عن الله تعالى من طريق الحركة والانتقال من حال إلى حال، بل هما صفتان من صفات الله تعالى بلا تشبيه، جل الله تعالى عما تقوله المعطلة لصفاته والمشبهة بها علوا كبيرا. قلت: وكان أبو سليمان الخطابي رحمه الله يقول: إنما ينكر هذا وما أشبهه من الحديث من يقيس الأمور في ذلك بما يشاهده من النزول الذي هو تدل من أعلى إلى أسفل وانتقال من فوق إلى تحت وهذه صفة الأجسام والأشباح، فأما نزول من لا تستولي عليه صفات الأجسام فإن هذه المعاني غير متوهمة فيه وإنما هو خبر عن قدرته ورأفته بعباده وعطفه عليهم واستجابته دعاءهم ومغفرته لهم يفعل ما يشاء لا يتوجه على صفاته كيفية ولا على أفعاله كمية سبحانه ليس كمثله شىء وهو السميع البصير” انتهى كلام البيهقي.

الشيخ العالم المقرئ المربي سيدي علي النوري الصفاقسي يُبين معنى حديث النزول

من الناسِ السخفاء من يفسرحديثَ :” ينـزلُ ربُّنا كلَّ ليلة إلى السماء الدنيا في النصف الأخير ” وفي لفظ ” في الثُلُثِ الأخير فيقول هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فأغفر له هل من سائل فأعطيه ” يفسّرونه بأن الله ينـزلُ من عُلْو إلى سفل ثم يتكلمُ بهذا الكلام.

فهمهم هذا يدل على سخافةِ عقولهم وذلك لأن الليلَ يختلفُ باختلافِ البلاد فعلى قولِهم يلزمُ أن يكونَ اللهُ تبارك وتعالى في السماء الدنيا طالعاً منها إلى العرش كلَّ لحظة من لحظات الليل والنهار هذه سخافةُ عقل.

أما تفسيرُ أهل السنة الذين ينـزهون اللهَ عن الجهة والحد عندهم هذا النـزولُ ليس نزولاً حسياً بل عبارة عن نزولِ ملائكة الرحمة إلى السماء الدنيا بأمر الله على حَسَب ليلِ كلِ أرض. هؤلاء ينـزلون ثم يبلّغون عن الله يقولون ” إن ربكم يقول هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فأغفر له هل من سائل فأعطيهُ. هم يبلّغون عن الله بأمره ذلك إلى أن يفجر (يطلع)الفجر وهذا شىء يقبله العقل أما ما يقوله المشبهةُ فهو شىء لا يقبلُه الشرعُ ولا العقل.

وهذا التأويلُ أخذوه من رواية النَّسائي :” إن الله يمهل حتى يمضيَ شطرُ الليلِ الأول ثم يأمر منادياً ينادي هل من داعٍ فيستجاب له وهل من سائلٍ فيعطيَه ” هذه الروايةُ وهي الصحيحةُ تفسر الروايةَ الأخرى. لأن نزولَ الملائكة لمكان بأمر الله ليبلّغوا عنه عبّر الرسولُ عن ذلك بوحي من الله بعبارة : ” ينـزلُ ربنا ” إلى ءاخره. كلتا العبارتين أُوحي بهما إليه ولذلك نظير في القرءان، قال الله تعالى في حق ءادمَ وحواءَ { وناداهما ربُهما ألم أَنْهَكُما عن تِلْكُمَا الشجرة } فإن المعنى أن الملّكَ بلّغهما ذلك عن الله ليس المعنى أن ءادمَ وحواءَ سمِعا ذلك من الله لأن ءادم لم يكن نبياً في ذلك الوقت. وكذلك قوله تعالى { لا تحرّكْ به لسانَك لِتَعْجَلَ به إنَّ علينا جَمْعَهُ وقرءانَه فإذا قرأناه فاتّبِعْ قرءانَه } ليس المعنى على ظاهر اللفظ بل المعنى : فإذا قرأه جبريل عليك بأمرنا اتبع قرءانه هذا هو المعول عليه عند علماء التفسير. ومن يظن أن الله كان يقرأ على الرسول القرءانَ كما يقرأ المعلمُ على التلميذ فقد شبه الله بخلقه.

*تأويل حديث النزول كما قال الإمام مالك : نزول رحمة لا نزول نقلة، والرد على من يقول الله بذاته ينزل أو حقيقة ينزل حاشا وكلا*

*وقال العلماء : الملك ينزل بأمر الله*

*وقال بعض الحفاظ: بِضَم أولهِ (يُنزِلُ)أي يأمُر ملكًا فالملك هو الذي ينزل*

*انضم إلى كل مواقعنا عبر التواصل الاجتماعي بالضغط على الرابط التالي👇*

https://lnk.bio/SheikhJameelHalim

أقوال العلماء في شرح حديث النزول

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيِّدنا محمد أشرف المرسلين وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين وسلام الله عليهم أجمعين

وبعد، فقد ظهر في أيامنا هذه من ينسب نفسه إلى السلف الصالح، ويضرب القرءان بعضه ببعض، والحديث الشريف بعضه ببعض لشدة جهلهم وعمايتهم ويصفون الله بالجسمية والجهة والجلوس والانتقال نزولا بالحركة وصعودا وغير ذلك مما لا يجوز نسبته إلى الله تعالى مما هو من علامات الحدوث.

أما السلف الصالح فقد كانوا ينفون عن الله المكان والحركة والسكون والانتقال وسائر صفات المخلوقين، وكل هذا يعطيه قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ ليس كمثله شيء ﴾ [سورة الشورى / 11].

قال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (458 هـ) صاحب السنن [الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد، البيهقي ص 72]: يجب أن يعلم أن استواء الله سبحانه وتعالى، ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج، ولا استقرار في مكان، ولا مماسة لشيء من خلقه، لكنه مستو على عرشه كما أخبر بلا كيف بلا أين، بائن من جميع خلقه، وأن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان، وأن مجيئه ليس بحركة، وأن نزوله ليس بنقلة، وأن نفسه ليس بجسم، وأن وجهه ليس بصورة، وأن يده ليست بجارحة، وأن عينه ليست بحدقة، وإنما هذه أوصاف جاء بها التوقيف فقلنا بها، ونفينا عنها التكييف، فقد قال: ﴿ليس كمثله شيء﴾ وقال ﴿ولم يكن له كفوا أحد﴾ وقال ﴿هل تعلم له سميا﴾. ا.هـ.

وأما حديث النزول الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما، ولفظ البخاري : حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك عن ابن شهاب، عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله قال: « ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول : من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له »، فلا يجوز أن يحمل على ظاهره لإثبات النزول من علو إلى سفل في حق الله تعالى.

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم [شرح صحيح مسلم، الإمام النووي – المجلد السادس، ص 36]: “هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيه مذهبان مشهوران للعلماء : أحدهما وهو مذهب السلف وبعض المتكلمين أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد، ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق، والثاني مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي هنا عن مالك والأوزاعي على أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها، فعلى هذا تأولوا هذا الحديث تأويلين أحدهما: تأويل مالك بن أنس وغيره، معناه تنزل رحمته وأمره وملائكته، كما يقال فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره، والثاني: أنه على الاستعارة ومعناه الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف.” انتهى كلام النووي.

ويبطل ما ذهبت إليه المشبهة من اعتقاد نزول الله بذاته إلى السماء الدنيا أن بعض رواة البخاري ضبطوا كلمة (يُنزِل) بضم الياء وكسر الزاي، فيكون المعنى نزول المَلَك بأمر الله الذي صُرّح به في رواية النسائي من حديث أبي هريرة وأبي سعيد من أن الله يأمر ملكا بأن ينزل فينادي، فتبين أن المشبهة ليس لها حجة في هذا الحديث.

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه على البخاري [فتح البارئ شرح صحيح البخاري – المجلد الثالث – كتاب الصلاة: باب الدعاء والصلاة من ءاخر الليل] “وقال ابن العربي النزول راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته بل ذلك عبارة عن مَلَكه الذي ينزل بأمره ونهيه” ثم قال : “والحاصل أنه تأوله بوجهين : إما بأن المعنى ينزل أمره أو الملك بأمره، وإما بأنه استعارة بمعنى التلطف بالداعين والإجابة لهم ونحوه. وحكى ابن فورك أن بعض المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول أي يُنزِل ملَكا قال الحافظ ويقويه ما رواه النسائي من طريق الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد « أن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا يقول هل من داع فيستجاب له » الحديث، وحديث عثمان بن أبي العاص عند أحمد « ينادي مناد هل من داع يستجاب له » الحديث، قال القرطبي وبهذا يرتفع الإشكال… وقال البيضاوي : ولما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه، فالمراد نور رحمته.” انتهى كلام الحافظ ابن حجر.

No photo description available.

وهؤلاء المشبهة يُكفِّرونَ المسلمين بلا ذنب بلا معصية.

الرسول صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى:《يا ابنَ آدم مرِضتُ فلم تَعُدْني قال كيف أعودُك وأنت ربُّ العالمين قال مرِضَ عبدي فلان فلَمْ تَعُدْه》، وهو من عيادة المريض، وهذا ذِكرُ كلامٍ في سياقِ حديثٍ شريفٍ ثم ذِكرُ تأويلٍ تفصيليٍّ له في الحديث القدسيِّ نفسِه، لأنَّ ظاهرَ “مرضْتُ” لا يليقُ باللهِ تعالى كما هو ظاهر.

فمعرفة هذا وما أشبهَهُ يجبُ على بعض المسلمين حتى يُكْسَرَ هؤلاء المُبتَدِعة وهذا واجبٌ شرعيٌّ، واجبٌ دينيٌّ لا يجوز أن يُقَصَّرَ فيه. والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

والذي يُبْطِل ما ذَهَبَت إليه الْمُشَبِّهة مِن اعتِقادهِم “نُزُولَ الله بِذَاتِه إلى السَّمَاءِ الدُّنيا” أنَّ بعض رواة البخاري ضبطوا الحديث بلفظ “يُنْزِلُ” بضّم الياء وكَسْرِ الزّاي، فيكون المعنى نُزُولَ الْمَلَكِ مِن ملائكة الله بأَمْرٍ مِن اللهِ تعالَى، وبما أن نزول الملك بأمر من الله أوحي للرسول أن يقول ينزل ربنا.

وقد صَرَّح النسائي في روايةٍ من حديث أبي هريرة وأبي سعيد لذلك الحديث: مِن أَنَّ الله يَأْمُر مَلَكًا بِأَنْ يَنْزِل فَيُنَادِي،

فتبين أن المشبهة ليس لها حجة في هذا الحديث.

ويَتَّضِحُ مِمّا ذكرناه أيضًا أنّ الحديث الذي أخرَجَهُ ابنُ خُزَيمة وابن حِبّان في صحيحَيهِما، والبَزّار وأبو يَعلَى في مُسندَيهِما، عن جابر رضي اللَّه عنه أنّه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: “إذا كانَ يومُ عَرَفَةَ فَإِنَّ اللَّه يَنْزِلُ إلى السَّماءِ الدُّنْيَا فيبَاهِي بِهِمُ الملائِكَةَ، فيقول: انْظُرُوا إلى عِبَادِي”. محمول على نُزُول الملاِئكة إلى السّماء الدُّنيا بأمرٍ من الله،

وقد نصَّ على تأويل هذا الحديث على المعنَى المذكور: القاضي عِياضٌ مِن المالِكيّة في “إكمالِ الْمُعْلِم”، والحافظ النووي الشافعي في شرحه على صحيح مسلِم، وملّا عليّ القاري الحنفيّ في كتابِه “مِرقاة المفاتِيح”، وغيرهم.

العِلْمُ مِيرَاثُ الأنْبِيَاء

جَزَىٰ اللّٰـهُ خَيْرًا كُلّ مَنْ يدعَمُنَا، وَيُسَاهم بِنَشْر القَنَاة، فَالدَّالُ علَى الخَيرِ كفَاعِلِه.

كيف يفهم علماء الهند النُصوص المتشابهات ؟

من النصوص المتشابهة “حديث النزول” وجاء فيه برواية الإمام مالك في الموطأ ما نصه : “عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال : “ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له” .

هذا الحديث لا يجوز أن يُحمل على ظاهره لإثبات النزول من عُلْو إلى سُفْل في حق الله تعالى.

محدث الهند العلامة الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي (المتوفى سنة ١٤٠٢هـ) في كتابه (أوجز المسالك إلى مُوطَّأ مالك) قال في شرح “حديث النزول” ما نصه :

“قال البيضاوي : لما ثبت بالقواطع أنه سبحانه وتقدس منزَّه عن الجِسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه. فالعلماء على قسمين :

الأول: المُفوضة، قال الزرقاني: فالراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا على طريق الإجمال منزهين لله عن الكيفية والتشبيه، ونقله البيهقي وغيره عن الأئمة الأربعة والسفيانين [سفيان الثوري وسفيان بن عيينة] والحمادين [حماد بن سلمة وحماد بن زيد] والليث [بن سعد] والأوزاعي وغيرهم،…

الثاني: المؤولة، واختلفوا في تأويله على أنحاء منها قال ابن العربي: إن النزول راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته بل ذلك عبارة عن نزول مَلَكِه الذي يَنزل بأمره ونهيِه”.

كتاب المنهل العميم بحاشية المنهج القويم للترمسي. طبع دار المنهاج ج٣\ص٦٠٥: “قال ابن المقري: النزول راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته، بل ذاك عبارة عن مَلَكِهِ الذي ينزل بأمره ونهيه”.

في كتابه المسمى شرح حديث النزول ابن تيمية المجسّم يقول أن الله لا يزال فوق العرش لا يخلو منه العرش والعياذ بالله تعالى من الكفر

انظروا واعرفوا ضلال وكفرابن تيمية الشّاذ

في كتابه المسمى شرح حديث النزول، يقول المجسّم ابن تيمية  أن الله ينزل لا يخلو منه العرش ثم يقول أن الله لا يزال فوق العرش لا يخلو منه العرش والعياذ بالله تعالى من الكفر والضّلال.

*** صورة مِن كتابه ***

قول إبن تيمية بأن الله يجلس ويقعد على العرش والعياذ بالله

لإبن تيمية الحراني كتاب اسمه “شرح حديث النزول”، وهذا الكتاب من أشهر كتبه، ابن تيمية ألف هذا الكتاب ليثبت بزعمه أن الله حقيقة بذاته جالس على العرش، كتاب شرح حديث النزول طبعة دار العاصمة – المملكة العربية السعودية في الرياض، طبع هذا الكتاب سنة 1993 طبعة جديدة مع صور للمخطوطة. يقول ابن تيمية في هذا الكتاب ص 400 “وما جاءت به الآثار من لفظ

القعود والجلوس عن النبي في حق الله” إنتهى بحروفه. وهذا كفر صريح لا شك فيه.

والصّواب كما قال الله سبحانه وتعالى (ليس كمثلِه شىء) [سورة الشورى11] أي أن الله تعالى لا يشبه شيئًا من خلقه بوجه من الوجوه، ففي هذه الآية نفي المشابهة والمماثلة، فلا يحتاج إلى مكان يحُل فيه ولا إلى جهة يتحيز فيها، وفي هذه الآية دليلٌ لأهل السنة على مخالفة الله للحوادث، ومعْنى مُخالفةِ الله للحوادِثِ أنّه لا يُشْبِهُ المخْلُوقاتِ.

بل الأمر كما قال مصباح التوحيد الصحابي الجليل والخليفة الراشد سيدنا علي رضي الله عنه (40 هـ) ما نصه (كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان) وقال أيضا (إن الله تعالى خلق العرش إظهارًا لقدرته لا مكانا لذاته) وقال أيضا (من زعم أن إلهنا محدود (1) فقد جهل الخالق المعبود) من كتاب الفرق بين الفرق صحيفة 333 للإمام  أبي منصور البغدادي توفي 429 هـ.

وقال التابعي الجليل الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم (توفي 94 هـ) ما نصه (أنت الله الذي لا يحويك مكان) وقال أيضا (أنت الله الذي لا تحد فتكون محدودا) من الصحيفة السجّادية.

(1) المحدود ما له حجم صغيرا كان أو كبيرا.

نيل المأمول في شرح حديث النزول

الحمْدُ للّهِ ربِّ العالَمينَ والصّلاةُ والسّلامُ على سيّدِنَا مُحَمَّد أشرَفِ المُرسَلينَ.

وبعد،

🔰فقد ظهر في أيامنا هذه من ينسب نفسه إلى السلف الصالح، ويضرب القرءان بعضه ببعض، والحديث الشريف بعضه ببعض لشدة جهلهم وعمايتهم ويصفون الله بالجسمية والجهة والجلوس والانتقال نزولا بالحركة وصعودا وغير ذلك مما لا يجوز نسبته إلى الله تعالى مما هو من علامات الحدوث.

✅👈👈👈 أما السلف الصالح فقد كانوا ينفون عن الله المكان والحركة والسكون والانتقال وسائر صفات المخلوقين، وكل هذا يعطيه قول الله سبحانه وتعالى: ] ليس كمثله شيء[ [1] .

❇️ قال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ) ت ٤٥٨ هـ( صاحب السنن [2] :

✅👈 يجب أن يعلم أن استواء الله سبحانه وتعالى:

🟥 ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج،

🟥 ولا استقرار في مكان،

🟥ولا مماسة لشيء من خلقه،

🟢 لكنه مستوٍ على عرشه✅👈 كما أخبر بلا كيف بلا أين، بائن من جميع خلقه، وأن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان، وأن مجيئه ليس بحركة، وأن نزوله ليس بنقلة، وأن نفسه ليس بجسم، ووأن وجهه ليس بصورة، وأن يده ليست بجارحة، وأن عينه ليست بحدقة، وإنما هذه أوصاف جاء بها التوقيف فقلنا بها، ونفينا عنها التكييف، فقد قال: {ليس كمثله شيء} وقال {ولم يكن له كفوا أحد} وقال : {هل تعلم له سميا}. ا.هـ.

✅وأما حديث النزول الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما، ولفظ البخاري: حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك عن ابن شهاب، عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر، عن أبي هريرة رضي الله عنه رسول الله قال: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له)) [3] ، فلا يجوز أن يحمل على ظاهره لإثبات النزول من علو إلى سفل في حق الله تعالى.

❇️قال النووي في شرحه على صحيح مسلم [4] :

“هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيه مذهبان مشهوران للعلماء:

١) أحدهما وهو مذهب السلف وبعض المتكلمين أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد، ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق،

٢)والثاني مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي هنا عن مالك والأوزاعي على أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها، فعلى هذا تأولوا هذا الحديث تأويلين أحدهما:

١) تأويل مالك بن أنس وغيره، معناه تنزل رحمته وأمره وملائكته، كما يقال فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره،

٢) والثاني: أنه على الاستعارة ومعناه الإقبال

على الداعين بالإجابة واللطف.”

انتهى كلام النووي.

✅ويبطل ما ذهبت إليه المشبهة من اعتقاد نزول الله بذاته إلى السماء الدنيا أن بعض رواة البخاري ضبطوا كلمة (يُنزِل) بضم الياء وكسر الزاي، فيكون المعنى نزول المَلَك بأمر الله الذي صرح به في رواية النسائي من حديث أبي هريرة وأبي سعيد من أن الله يأمر ملكا بأن ينزل فينادي، فتبين أن المشبهة ليس لها حجة في هذا الحديث.

❇️ وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه على البخاري [5] “

✅👈وقال ابن العربي النزول راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته بل ذلك عبارة عن 👈 مَلَكِهِ الذي ينزل بأمره ونهيه.” ثم قال:

“والحاصل أنه تأوّله بوجهين:

١)👈إما بأن المعنى ينزل أمره أو الملك بأمره،

٢)👈 وإما بأنه استعارة بمعنى التلطف بالداعين والإجابة لهم ونحوه.

وحكى ابن فورك أن بعض المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول أي صًا👈 يُنْزِل ملَكا

✅👈 قال الحافظ ويقويه:

١) ما رواه النسائي من طريق الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد :👈 أنّ الله يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا يقول هل من داع فيستجاب له … الحديث،

٢) وحديث عثمان بن أبي العاص عند أحمد : 👈 ينادي مناد هل من داع يستجاب له … الحديث، قال القرطبي وبهذا يرتفع الإشكال…

❇️وقال البيضاوي: ولما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه، فالمراد نور رحمته.”

انتهى كلام الحافظ ابن حجر.

❇️وفي شرحه على موطإ الإمام مالك [6] نقل الزرقاني ما نقله ابن حجر عن ابن العربي وابن فورك وزاد ما نصه: “وكذا حكى عن مالك أنه أوله بنزول رحمته وأمره أو ملائكته كما يقال فعل الملِك كذا أي أتباعه بأمره.” انتهى كلام الزرقاني.

✅قال رئيس القضاة الشافعية في مصر في زمانه بدر الدين بن جماعة )ت ٧٢٧ هـ( في كتابه “إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل” [7] ما نصه: ” اعلم أن النزول الذي هو الانتقال من علو إلى سفل لا يجوز حمل الحديث عليه، لوجوه:

♻️الأول: النزول من صفات الأجسام والمحدَثات ويحتاج إلى ثلاثة: منتقِل، ومنتقَل عنه ومنتقَل إليه، وذلك على الله تعالى محال.

♻️الثاني: لو كان النزول لذاته حقيقة لتجددت له في كل يوم وليلة حركات عديدة تستوعب الليل كله، وتنقلات كثيرة، لأن ثلث الليل يتجدد على أهل الأرض مع اللحظات شيئا فشيئا، فيلزم انتقاله في السماء الدنيا ليلا نهارا، من قوم إلى قوم، وعوده إلى العرش في كل لحظة على قولهم، ونزوله فيها إلى سماء الدنيا، ولا يقول ذلك ذو لب وتحصيل.

♻️الثالث، أن القائل بأنه فوق العرش، وأنه ملأه كيف تسعه سماء الدنيا، وهي بالنسبة إلى العرش كحلقة في فلاة، فيلزم عليه أحد أمرين: إما اتساع سماء الدنيا كل ساعة حتى تسعه، أو تضاؤل الذات المقدس عن ذلك حتى تسعه، ونحن نقطع بانتفاء الأمرين.” انتهى كلام ابن جماعة.

✅وقال الحافظ المتبحر عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي في كتابه “الباز الأشهب” [8] بعد ذكر حديث النزول ما نصه: “إنه يستحيل على الله عزَّ وجلَّ الحركة والنقلة والتغيير. وواجب على الخلق اعتقاد التنزيه وامتناع تجويز النقلة وأن النزول الذي هو انتقال من مكان إلى مكان يفتقر إلى ثلاثة أجسام جسم عال وهو مكان الساكن وجسم سافل وجسم ينتقل من علو إلى أسفل وهذا لا يجوز على الله قطعا”.

✅وقال أبو بكر بن العربي المالكي في شرحه على الترمذي [9] ما نصه: “ثم إن الذي يتشبث بظاهر ما جاء في حديث النزول في الرواية المشهورة أن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من داع فأستجيب له من الثلث الأخير إلى الفجر، هو جاهل بأساليب اللغة العربية، وليس له مهرب من المحال الشنيع كما نص عليه الخطابي، ويلزم على ما ذهب إليه من التشبث بالظاهر أن يكون معنى قوله تعالى: ]وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة[ أن ءادم وحواء التي لم تكن نبية قط سمعا كلام الله الذاتي الذي ليس بحرف ولا صوت مساويين لموسى على زعم المشبهة المتمسكين بالظواهر، فلو كان الأمر كذلك لم يبق لنبي الله موسى مزية، وذلك أن الله عزَّ وجلَّ قال: ]وكلم الله موسى تكليما[ فخص موسى بوصف كليم الله”

✅وقال القسطلاني في شرحه على البخاري عند ذكره لهذا الحديث [10] : “هو نزول رحمة ومزيد لطفٍ وإجابة دعوة وقبول معذرة، لا نزول حركة وانتقال لاستحالة ذلك على الله فهو نزول معنوي” ثم قال “نعم يجوز حمله على الحسي ويكون راجعا إلى ملَكه الذي ينزل بأمره ونهيه”

✅وروى البيهقي بإسناده عن الإمام إسحاق بن راهويه وهو من أئمة السلف أنه قال [11] : “سألني ابن طاهر عن حديث النبي e -يعني في النزول- فقلت له النزول بلا كيف”

✅وقال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ) ت ٤٥٨ هـ( صاحب السنن في كتابه “الأسماء والصفات” عند ذكر هذا الحديث [12] : ” أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال سمعت أبا محمد أحمد بن عبد الله المزني يقول: حديث النزول قد ثبت عن رسول الله e من وجوه صحيحة وورد في التنزيل ما يصدقه وهو قوله تعالى: ]وجاء ربُّك[ والنزول والمجيء صفتان منفيتان عن الله تعالى من طريق الحركة والانتقال من حال إلى حال، بل هما صفتان من صفات الله تعالى بلا تشبيه، جل الله تعالى عما تقوله المعطلة لصفاته والمشبهة بها علوا كبيرا. قلت: وكان أبو سليمان الخطابي رحمه الله يقول: إنما ينكر هذا وما أشبهه من الحديث من يقيس الأمور في ذلك بما يشاهده من النزول الذي هو تدل من أعلى إلى أسفل وانتقال من فوق إلى تحت وهذه صفة الأجسام والأشباح، فأما نزول من لا تستولي عليه صفات الأجسام فإن هذه المعاني غير متوهمة فيه وإنما هو خبر عن قدرته ورأفته بعباده وعطفه عليهم واستجابته دعاءهم ومغفرته لهم يفعل ما يشاء لا يتوجه على صفاته كيفية ولا على أفعاله كمية سبحانه ليس كمثله شىء وهو السميع البصير” انتهى كلام البيهقي.

✅وقال القاضي أبو بكر محمد الباقلاني المالكي الأشعري )ت ٤٠٣ هـ( ما نصه [13] : “ويجب أن يعلم أن كل ما يدل على الحدوث أو على سمة النقص فالرب تعالى يتقدس عنه، فمن ذلك: أنه تعالى متقدس عن الاختصاص بالجهات، والاتصاف بصفات المحدثات، وكذلك لا يوصف بالتحول والانتقال، ولا القيام ولا القعود، لقوله تعالى: ]ليس كمثله شيء[ وقوله: ]ولم يكن له كفوا أحد[ ولأن هذه الصفات تدل على الحدوث، والله تعالى يتقدس عن ذلك”. ا.هـ.

✅وقال المفسر محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي المالكي )ت ٦٧١ هـ( في تفسيره ما نصه [14] : “والله جل ثناؤه لا يوصف بالتحول من مكان إلى مكان، وأنى له التحول والانتقال ولا مكان له ولا أوان، ولا يجري عليه وقت ولا زمان، لأن في جريان الوقت على الشىء فوت الأوقات، ومن فاته شيء فهو عاجز”.

[1] سورة الشورى / ١١

[2] الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد، البيهقي – علم الكتب، بيروت – ص ٧٢

[3] رواه البخاري في صحيحه كتاب الصلاة: باب الدعاء والصلاة من ءاخر الليل. ورواه مسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين وقصرها: باب الترغيب في الدعاء والذكر في ءاخر الليل والإجابة فيه.

[4] شرح صحيح مسلم، الإمام النووي – المجلد السادس، ص ٣٦ –

[5] فتح البارئ شرح صحيح البخاري – المجلد الثالث – كتاب الصلاة: باب الدعاء والصلاة من ءاخر الليل.

[6] شرح الزرقاني على موطإ الإمام مالك، الزرقاني – دار الجيل، بيروت – المجلد الثاني، ص ٣٤.

[7] إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل، ابن جماعة – دار السلام ١٤١٠ هـ – ص ١٦٤.

[8]

[9] عارضة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، ابن العربي – دار الفكر، بيروت – المجلد الثاني، ص ٢٣٥.

[10] شرح صحيح البخاري، القسطلاني – المجلد الثاني، ص ٣٢٣.

[11] الأسماء والصفات – البيهقي – طبعة دار الكتب العلمية – بيروت – ص ٥٦٨.

[12] السنن الكبرى، البيهقي – المجلد الثالث ص ٣

[13] الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به – ص ٦٤.

[14] الجامع لأحكام القرءان، القرطبي – سورة الفجر

لله تعالى

     قال شيخنا رحمه الله

الدّليلُ العَقليُّ في وجوبِ تَنزيه الله عن مُشابهةِ البشَر وغَيرِهم مِن أنواع العالَم وأجناسِه هو أنّ الخالقَ المكوِّنَ للشّىء يستَحيلُ أن يكونَ مُشابهاً لهُ،

لذلكَ الله تباركَ وتعالى حَضَّ في ءاياتٍ عَديدةٍ على التّفَكّر في مَصنُوعاتِه أي مخلوقاتِ الله تعالى،

حتى إنّ القرآنَ الكريم أرشَدَنا إلى التّفَكّرِ في مَا أودَعَهُ الله تعالى فِينا في هذا الجسم البَشرِيّ كما أَرشَدنا إلى التّفَكّر بالعالم العُلويّ والعالَم السُّفليّ،

قال الله تعالى: ” وفي الأرضِ ءاياتٌ للمُوقِنِينَ وفي أَنفُسِكُم أَفَلا تُبصِرُون “

المعنى أنّ هذهِ الأرضَ فيها دَلائلُ على وجُودِ خَالقٍ لها، بإحداثِه لها حدَثَت ولَولا إحْداثُه لم تُحدِث نفسَها،

كذلكَ هذا الانسانُ علِمَ أنّهُ لم يكن ثم كانَ، وما كانَ بعدَ أن لم يَكن فلا بُدَّ لهُ مِن مُكوّن فتَكونُ النّتيجةُ أنا لا بُدّ لي مِن مُكوِّن،

ويعلَمُ بعدَ إيْرادِ هذا الاستدلالِ أنّ مُكوِّنَهُ مَوجُودٌ لا يُشبِهُه.

(قال أبو حيان في تفسيره عند قوله تعالى: وَفِى أَنفُسِكُمْ: حالَ ابتِدائها وانتقَالها مِن حَالٍ إلى حالٍ ، وما أُودِعَ في شَكل الإنسانِ مِن لطَائِف الحواسِّ ، وما تَرتّب على العَقلِ الذي أُوتِيَهُ مِنْ بَدائِع العلُوم وغَريبِ الصَّنائع ، وغيرِ ذلكَ مما لا يَنحَصِر .)

ثم إنّ الله سبحانه وتعالى ليَبتَلِيَ عبادَه أَنزلَ ءاياتٍ في القرآنِ الكريم ظَواهرُها غيرُ مُرادَةٍ لله تباركَ وتعالى إنما أنزَلها ابتلاءً لعبادِه لأنّه يَعلَمُ أنّ بعضَ العباد لا يحمِلونَ هذه الآياتِ على ظواهرِها بل يضَعونها في مواضِعَ تليقُ بها منَ التَّنزيه،

وإنّ بعضَهم يضَعُونها في غيرِ مَواضعِها، أولئك الذين وضَعُوها في مواضعِها ولم يحمِلُوها على ظَواهرها سَعِدوا ونالوا مَراتبَ عاليةً عندَ الله لأنهم حمَلُوا هذه الآياتِ على ما يَليقُ بها، ما حمَلُوها على خلافِ هذا التّنزيه المطلَق ليسَ كمثلِه شىء، لأن ليسَ كمثلِه شَىء يُعطِي تنزيه اللهَ عن مشابهةِ خلقِه بوجْهٍ مِنَ الوجُوه،

فلا يتزَحزَح المؤمنُ الموفَّقُ حِينَما يقرأ تلكَ الآيات التي ظَواهرُها يُوهِمُ خِلافَ ما تُعطِيهِ هذِه الآيةُ مِنَ التّنزيهِ المطلَق، يُوَفِّقُ بينَ هذِه الآيةِ وبينَ تلكَ الآياتِ فلا يَزيغ عن الصّواب فإذا سمع بآيةِ “الرّحمنُ علَى العَرشِ استَوى”، وآية “إليهِ يَصعَدُ الكَلِمُ الطّيّب”، لا يفهَمُ منها أن الله مُستَقِرّ على العرش أو أنّه بمحاذاةِ العرش،

وكذلكَ لما يَقرأ أو يَسمَع “إليه يَصعَدُ الكَلِمُ الطّيّب” لا يَفهَمُ أنّ الله مُستَقِرٌّ في مَكانٍ تَصعَدُ إليه الملائكة بأعمالِ العِباد،

إنما يقولُ هذه الآية وآيةَ الاستواء على العرش كِلتاهما لهما معنىً غيرُ المعنى المتبَادِر إلى الذِّهن الذي هو مُشابِه للخَلق، يقولُ المراد بهما غَيرُ هذا المعنى،

فيكونُ اكتَسَب أَجْرًا كبِيراً بإعمَالِ ذِهنه في التّوفِيق بينَ الآياتِ، بينَ آيةِ ليسَ كمِثلِه شَىء التي تُعطِي التّنزيه المطلَقَ وبينَ مَا سِواها كآيةِ الاستواءِ على العرشِ وآيةِ صُعُود الملائكةِ بأعمالِ العِباد إلى السّماءِ وغير ذلكَ منَ الآيات،

وكذلكَ هناك أحاديثُ نَبوية الله تعالى أوحَى بها إلى نبِيّه ليُبَلّغَها كما أُوحِيَ إليه فبلّغَها لأمّتِه كمَا أُوحِيَ إليه، هذه الأحاديثُ أيضاً قد يَفهمُها الفَاهِمُ على الوجهِ الصّحيح وقَد يفهمُها العبدُ المخذُولُ الذي لم يوفِّقْه الله تعالى للصّواب والرّشَاد على خِلاف المرادِ بها.

ومِن هذه الأحاديثِ التي لا يجوز حملُها على ظَواهرِها بل يجبُ تَركُ حملِها على الظّواهِر، حديث:” يَنزل رَبُّنا كلَّ ليلَةٍ إلى سماءِ الدّنيا فيقول هل مِن مُستغفِر فأغفرَ له”،إلى آخره”رواه البخاري ومسلم.

هذا الحديثُ يَفهمُ منه الموفَّق أن هذا النّزول الذي نَسبَه الرسولُ إلى الله ليسَ نُزولَ حَركةٍ ونُقلَةٍ إنما هو أمرٌ آخَرُ يَليق بالله تَعالى ليسَ مِنْ صِفاتِ البشَر وإمّا أن يقولَ هذا النّزولُ نزولٌ بأمرِ الله فإنّ الملَك لما يَنزِلُ بأمر الله فيُنادِي مبلِّغًا عن الله، هذا الملَكُ مَا نزَلَ إلا بأمرِ الله، نزَلَ لِيُبلِّغ عن الله تعالى فصحّ نِسبتُه إلى اللهِ تَبارك وتعالى لأنّه هوَ الآمِر، لأنّ هذا مَعروفٌ في تخاطُب العَرب أنّ هَذا إسنادٌ مجَازيٌ. يَنزِلُ ربُّنا أي يَنزلُ مَلَكُ ربّنا، يقالُ له مَجازُ الحذفِ عندَ عُلَماءِ البيان، حُذِفَ لَفظُ الملَك لأنّه يُفهَم.
العَقلُ الصّحيح يَفهَم أن ظاهرَه غيرُ مُراد لأنّه لا يجوز على الله النّزولُ الذي هو مِنْ صِفاتِ البشر.

       كن ناشرا للخير

لا تنسنا من دعوة صالحة

لا فلاح الا بتعلم أمور الدين
قناةُ حب محمد يجمعنا دُرُوس مُحَررَة
https://t.me/love_mohamed_Bring_together

https://t.me/abedelkareem2/10467 : Visit for more information

https://t.me/love_mohamed_Bring_together/50164 : Visit for more information

كثر في هذا الزمان التساهل في الكلام حتى إنه يخرج من بعضهم الفاظ تخرجهم عن الاسلام ولا يرون ذلك ذنبا فضلا عن كونه كفرا ، وذلك مصداق قوله صلى الله عليه وسلم :” إن العبد ليتكلم بالكلمة لايرى بها بأسا يهوى بها في النار سبعين خريفا” أي مسافة سبعين عاما في النزول وذلك منتهى جهنم وهو خاص بالكفار (جهنم دركات ولا يصل إلى قعر جهنم إلا الكافر أما عصاة المسلمين فلا يصلون إلى منتهى جهنم).والحديث رواه الترمذي وحسنه.

وفي معناه حديث رواه الشيخان مسلم والبخاري في صحيحهما.قال رسول الله:” إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب”. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه على صحيح البخاري في تفسيره الحديث المذكور ” وذلك ما كان فيه إستخفاف بالله أو بشريعته”.