من أعلام الأشاعرة الإمام النووي وبيان عقيدته رحمه الله من أقواله
اسمه يحيى بن شرف يكنى بأبو زكريا، ويلقب بمحيي الدين المشهور باسم “النووي” هو مُحدّث وفقيه ولغوي، وأحد أبرز فُقهاء الشافعية، اشتهر بكتبه وتصانيفه العديدة في الفقه والحديث واللغة والتراجم، فصنَّف رحمه الله كتباً في الحديث والفقه عمَّ النفع بها، فمؤلفاته سارت بها الركبان وعكف عليها طلبة العلم في مختلف الأزمان وانتشرت في أقطار الأرض ذكرها، جعل الله لها القبول بين الناس حتى صار عليها المعول، كرياض الصالحين والأربعين النووية ومنهاج الطالبين والروضة، ويوصف بأنه محرِّر المذهب الشافعي ومهذّبه، ويُلقب النووي بشيخ الشافعية، وكان خشن العيش قانعا بالقدر اليسير، تاركا للشهوات، صاحب ورع وتحري وعبادة وخوف، قوّالا بالحق، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر وتخرج على يديه من العلماء والحفاظ جمع غفير، والنووي عاش نحواً من ست وأربعين سنة، وترك من المؤلفات ما لو قسم على سنين حياته لكان نصيب كل يوم كراستين (الكراسة نحو 20 صحيفة) وهو في الحقيقة لم يشرع في التأليف إلا آخر عشر سنين من حياته فلا شك أنه رحمه الله كان مباركا له في عمره فظهرت بركته على كتبه، فحظيت بقبول العباد والنفع في سائر البلاد، فمؤلفاته كرياض الصالحين والأربعين النووية ومنهاج الطالبين ما زالت تدرس وتذكر إلى يومنا هذا وشرحت مؤلفاته مئات الشروح والإمام النووي رحمه الله من علماء الآشاعرة لا يختلف في ذلك رجلان فإنه يظهر ذلك جليا في شرحه وتأويله لآيات وآحاديث الصفات في مواضع عديدة من كتبه، قال رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم ما نصه “إن الله تعالى ليس كمثله شيء، منزه عن التجسيم والانتقال والتحيز في جهة وعن سائر صفات المخلوق”
وشهرت هذا العالم الجليل دفعت بعض مشايخ المشبهة المجسمة مدعي السلفية إلى القول بنفي أشعريته وبالبعض الآخر إلى القول بتأثره بالأشاعرة لكنه ليس منهم كما زعموا وبالمقابل صرح بعضهم بتضليله وتبديعه، ولقد تجرأ ابن عثيمين من رؤوس مشبهة هذا العصر على تضليل الإمام النووى والحافظ ابن حجر رحمهما الله تعالى حيث يقول في كتابه (لقاء الباب المفتوح ص/42 – طبع دار الوطن الرياض): [ليسا من أهل السنة والجماعة.] وذلك تعصبا منهم لرأي ابن تيمية ولكلام محمد بن عبد الوهاب.
وبعد أن كان بعض مشايخ المشبهة المجسمة منذ أمد قريب يتحاشى أن يتعرض بالتكفير والطعن صراحا بعلماء أهل السنة والجماعة من أشاعرة وماتريدية صرنا نسمع بعض أذنابهم يتجرأ على تضليل وتكفير الأئمة كالنووي وابن حجر العسقلاني والطبري وابن الجزري وغيرهم ولو أنصفوا لعلموا أنهم لن يجدوا شارحا لصحيحي البخاري ومسلم إلا وهو أشعري أو ماتريدي وهما أهمُّ كتابين حديثين عند المسلمين وكذلك ينسحب الأمر على فحول المفسرين والمحدثين والأصوليين والمتكلمين.
فعلى سبيل المثال شراح البخاري هم الإمام الخطابي الشافعي وهو أشعري والإمام ابن بطال المالكي وهو أشعري والإمام أبو بكر بن العربي المالكي وهو أشعري والإمام النووي الشافعي وهو أشعري والإمام زين الدين بن المنير المالكي وهو أشعري والإمام ابن مالك المالكي وهو أشعري والإمام شمس الدين الكرماني الشافعي وهو أشعري والإمام بدر الدين الزركشي الشافعي وهو أشعري والإمام ابن الملقن الشافعي وهو أشعري والإمام ابن التين الصفاقسي المالكي وهو أشعري والإمام جلال الدين البلقيني الشافعي وهو أشعري والإمام الدماميني المالكي وهو أشعري والإمام البرماوي الشافعي هو أشعري والإمام ابن مرزوق الحفيد المالكي وهو أشعري والإمام ابن حجر العسقلاني الشافعي وهو أشعري والإمام بدر الدين العيني الحنفي وهو أشعري والإمام أحمد الكوراني الشافعي وهو أشعري والإمام جلال الدين السيوطي الشافعي وهو أشعري والإمام شهاب الدين القسطلاني الشافعي وهو أشعري والإمام الرصاع المالكي وهو أشعري والإمام أحمد زروق المالكي وهو أشعري والإمام عبد القادر الفاسي المالكي وهو أشعري والإمام الشبيهي الزرهوني المالكي وهو أشعري والإمام أبو الحسن المنوفي المالكي وهو أشعري، فهؤلاء كلهم شراح لصحيح البخاري وكلهم أشاعرة.
وبزعم المشبهة المجسمة في زماننا حين يتكلمون عن أهل السنة والجماعة تجدهم يُخرجون الأشعرية من دائرة أهل السنة والجماعة ويتكلمون عن أنفسهم كأنهم وحدهم أهل السنة والجماعة أقول لهم : اجلبوا سندًا لحديث نبوي صحيح متلقًى كابرًا عن كابرٍ ليس فيه أشعري أو ماتريدي وأنا أبشركم لن تجدوا إلى هذا سبيلا فدينكم منقطع إن تركتم أخذ الأحاديث وغيره من العلوم لمجرد أن فيها أشعري لأنه لا يخلو سند من الأسانيد من الأشاعرة أيدهم الله، ثم فحول العلماء في الحديث والفقه والأصول والعقائد والتفسير إما أشاعرة أو ماتريدية ولن تجدوا في سلف هذه الأمة متنًا في العقيدة تلقته الأمة بالقبول لمشبه مجسم ينفي التأويل أو التفويض مطلقا ويتمسك بظواهر الآيات المتشابهة.
ثم انظروا إلى أسماء هؤلاء الفحول من علماء الأشاعرة الآتية أسماؤهم إن تركتم الأخذ عنهم فلن يبقى لكم عالم تتصلون به في شتى الفنون ابتداء بأبي عبد الله محمد بن أحمد البصري البغدادي وبأبي الحسن الباهلي وأبي الحسن عبد العزيز بن محمد الطبري وأبي الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري وأبي بكر الصعلوكي وأبي بكر محمد بن الحسن ابن فورك وأبي إسحق الأسفراييني وأبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني القاضي وأبي بكر الإسماعيلي والنجم أبي نعيم الأصبهاني وصاحب الصحيح الحافظ ابن حبان وأبي عبد الله الحسين بن عبد الله ابن حاتم الأزدي والحافظ أبي عبد الله الحاكم صاحب المستدرك والحافظ أبي سليمان الخطابي والحافظ البيهقي والحافظ أبي الحسن الدارقطني والإمام المجدِّد أبي الطيب سهل ابن محمد الصعلوكي والقاضي أبي محمد عبد الوهاب المالكي والإمام أبي منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي والشيخ أبي محمد الجويني وابنه إمام الحرمين الجويني والأستاذ أبي القاسم القشيري وابنه أبي نصر والحافظ الجبل الخطيب البغدادي والقاضي عياض المالكي والفقيه أبي إسحق الشيرازي وأبي حامد الغزالي وإلكيا الهرَّاسي وأبي عبد الله الفراوي والمفسر ابن عطية وحافظ الشام أبي القاسم ابن عساكر وأبي الوليد الباجي والحافظ ابن السمعاني والقاضي أبي بكر بن العربي المالكي والحافظ الفقيه أبي زكريا النووي والمفسر فخر الدين الرازي وابن الحاجب المالكي وابن عبد السلام الشافعي وابن دقيق العيد والإمام المجتهد تقي الدين السبكي وأولاده والحافظ العلائي والمفسر ابن جُزي والإمام المجتهد سراج الدين البلقيني وولديه والحافظ زين الدين العراقي وابنه ولي الدين العراقي والحافظ أحمد ابن حجر العسقلاني والإمام السيّد أحمد الرفاعي وغيرهم من أئمة الدين كثير ومن لا يحصى منهم إلى يومنا هذا فمن يستطيع أن يعدّ نجوم السماء أو قطرات الأمطار كلهم كانوا أشاعرة ولله الحمد فإن كفرتم الأشاعرة فما لكم يا مشبهة سند الى أنواع العلوم لانقطاع أسانيدكم وذلك لوجود هؤلاء الأشاعرة الذين كانوا شموسًا وأقمارًا وجبالا راسخةً في شتى العلوم خبتم وخسرتم بمذهبكم وطريقتكم .وحالنا كما قال الشاعر:
هؤلاء ءابائي فجئني بمثلهم … إذا جمعتنا يا جريرُ المجامعُ
وإني أنبه من حملة جديدة مسعورة من قبل هؤلاء الأذناب على أئمة أعلام بالتكفير والتبديع والتضليل ساعين بهذه الحملة إلى فصل الأمة الآن عن علمائها الذين هم في الحقيقة شموس وأقمار وجبال راسيات وتزيين أشباه الرجال من هؤلاء الأذناب على أنهم علماء الأمة في أذهان من لا يعرف حقيقة العلم على قواعده.
فعلماء أهل السنة من الأشاعرة والماتريدية الذين انتشروا في أنحاء الأرض لتعليم الناس عقيدة أهل الحق منذ ألف ومائة سنة تقريبًا لا يعلم عددهم على الحقيقة إلا الله تبارك وتعالى، وإذا أردنا أن نجمع أسماءهم فقط مع تعدد فنونهم إن كان في العقيدة أو الحديث أو الفقه أو التفسير أو غير ذلك لجاء ذلك في مجلدات كثيرة. ولو عُمل بقول الوهابية المشبهة بتضليل كل ماتريدي وأشعري في عقيدته لانقطع سند العدالة بيننا وبين السلف الصالح الذي يزعم الوهابية أنهم ينتسبون إليه، بل جميع شراح البخاري ومسلم هم أشاعرة وغيرهم كثير كما ذكرنا سابقا.
فإن كان هؤلاء يقولون عن النووي وابن حجر وغيرهما من الأشاعرة والماتريدية إنهم على البدعة والضلال والكفر، فلا عجب بعد ذلك من طعنهم بغيرهم من علماء أهل السنة.
ويكفي لبيان فضل الإمام الأشعري أن على مذهبه في الاعتقاد علماء مئات الملايين من المسلمين في الشرق والغرب تدريسًا وتعليمًا، ويشهد بذلك الواقع المشاهد، ويكفي أيضًا لبيان حقية مذهبه في الاعتقاد كون هؤلاء الحفاظ الذين هم رءوس أهل الحديث الحافظ أبو بكر الإسماعيلي صاحب المستخرج على البخاري، ثم الحافظ العلم المشهور أبو بكر البيهقي، ثم الحافظ الذي وُصف بأنه أفضل المحدثين بالشام في زمانه ابن عساكر أشاعرة، كان كل واحد من هؤلاء علمًا في الحديث في زمانه ثم جاء من هو على هذا المنوال الحافظ الموصوف بأنه أمير المؤمنين في الحديث أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المكنيُّ بأبي الفضل.
فمن حقق عرف أن الأشاعرة هم فرسان ميادين العلم والحديث وفرسان ميادين الجهاد والسنان، ومنهم الوزير المشهور نظام الملك والسلطان العادل العالم المجاهد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى وجزاه عن المسلمين الخير فإنه أمر أن تذاع أصول العقيدة على حسب عبارات الأشعري على المنابر بعد أذان الفجر وأن تُعلم المنظومة التي ألفها له ابن هبة الله المكي للأطفال في الكتاتيب. ومنهم الملك الكامل الأيوبي، والسلطان الأشرف خليل بن المنصور سيف الدين قلاوون بل وكل سلاطين المماليك رحمهم الله.
ومنهم السلطان محمد العثماني فاتح القسطنطينية الذي جاء فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش” رواه أحمد، وكذا سائر السلاطين العثمانيين الذين ذابوا عن عقيدة المسلمين وحموا حمى الملة قرونًا متتالية رحمهم الله.
وليس مرادنا بما ذكرنا إحصاء الأشاعرة فمن يحصي نجوم السماء أو يحيط علمًا بعدد رمال الصحراء؟! ولكن ما ذكرناه ينبئ عن المراد كما ينبئ عنوان الكتاب على مضمونه.
وحاول بعض المشبهة المجسمة مدعيى السلفية نفي أشعرية الإمام النووي أو أن يقول إن الإمام النووي ليس أشعريا ويكابرون بنفي أشعرية الإمام النووي، متعلقين بأوهام عارية عن الحجة والبرهان، ويكفي في الرد عليه أن نقول إن الإمام النووي رحمه الله تعالى أشعري وكتبه مليئة بما يدلُّ على أنه من الأشاعرة وبامتياز وسنذكر بعض الأمثلة على ذلك ومن ذلك نفي التجسيم والجهة عن الله تعالى وتأويله لعشرات النصوص القرءانية والحديثية المتشابهة وأن ظاهرها غير مراد كما هو مذهب الأشعرية وأذكر بعضا منها لا على سبيل الحصر تأويل: الرحمة والرضا والغضب والدنو والعلو والضحك والعَجَب والوجه واليد والعين والإصبع والقرب والبعد والاستواء والمناجاة والعندية والحياء وغيرها مما جاء في النصوص مضافة إلى الله تعالى تأويلا تفصيليا أو إجماليا مما لا يدع مجالا للشك أنه من الأشاعرة وليس هذا فحسب بل إن كتبه مليئة بالتوسل والتبرك وسؤال الله تعالى والطلب منه بما للذوات الفاضلة عنده من جاهٍ وقراءة القرءان على الميت وغير ذلك مما أجازه الأشاعرة الذين هم أهل السنة والجماعة، وحرمه المشبهة الوهابية بل وكفروا مرتكبه، فاعجب بعد هذا لمن يزعم أنه لم يكن أشعريا ولكنهم قديما قالوا الجنون فنون.
ولزيادة البيان والتأكيد نقلت بعض العبارات التي تظهر عقيدة الإمام النووي رحمه الله من عبارات العلماء ومن أقواله مما لا يدع مجالا للشك أنه أشعري العقيدة.
أولاً:
ما قاله الإمام تاج الدين السبكي في كتابه قاعدة في الجرح والتعديل حيث قال ما نصّه: «وقد وصل حال بعض المجسّمة في زماننا إلى أن كتب شرح صحيح مسلم للشيخ محيى الدين النووي رحمه الله وحذف من كلام النووي ما تكلّم به على أحاديث الصفات، فإنّ النووي أشعريّ العقيدة». انتهى بحروفه
ثم ما قاله الذهبي الذي قيل عنه الخبير بالطبقات وأحوال الرجال، والذي عُرفَ بمخالفته للأشعرية يقرر أشعرية الإمام النووي، قال في كتابه تاريخ الإسلام (15/ 332): «قلت: ولا يحتمل كتابنا أكثر ممّا ذكرنا من سيرة هَذَا السّيّد رحمة اللّه عليه، وكان مذهبه فِي الصّفات السّمعية السّكوت وإمرارها كما جاءت، وربّما تأوَّل قليلًا فِي شرح مسلم. والنووي رجل أشعري العقيدة معروف بذلك، يبدع من خالفه ويبالغ في التغليظ عليه». وهذه العبارة بخط الذهبي في الطبعة التي خرجها الدكتور بشار عواد وأظهر نسختها بخط المؤلف.
ثانياً:
قال الإمام النووي في تهذيب الأسماء واللغات (2/ 170) في ترجمة الإمام الكبير أبي إسحاق الإسفراينى: (كان الأستاذ أحد الثلاثة الذين اجتمعوا فى عصر واحد على نصر مذهب الحديث والسنة فى المسائل الكلامية، القائمين بنصرة مذهب الشيخ أبى الحسن الأشعرى، وهم الأستاذ أبو إسحاق الإسفراينى، والقاضى أبو بكر الباقلانى، والإمام أبو بكر بن فورك).
ومعلوم أن هؤلاء أئمة الأشعرية، ومسلكهم ظاهر في التأويل وبيان الصفات، وكتبهم في نُـصْرَة مذهب أهل السنة الأشاعرة واضح جلي ويظهر جليا أن الإمام النووي يوافقهم.
ثالثا:
يذكر مذهب الأشاعرة ويقول عنهم (أهل الحق)، ويقرر ما قالوه في إثبات الرؤية، وينفي الجهة التي يقول بها ابن تيمية ومن تبعه، فهل يمكن أن يختار النووي لنفسه طريقاً غير طريق أهل الحق، فقد قال في شرح صحيح مسلم: «ثم مذهب أهل الحق أن الرؤية قوة يجعلها الله تعالى في خلقه ولا يشترط فيها اتصال الأشعة ولا مقابلة المرئي ولا غير ذلك لكن جرت العادة في رؤية بعضنا بعضا بوجود ذلك على جهة الاتفاق لا على سبيل الاشتراط، وقد قرر أئمتنا المتكلمون ذلك بدلائله الجلية ولا يلزم من رؤية الله تعالى إثبات جهة تعالى عن ذلك بل يراه المؤمنون لا في جهة كما يعلمونه لا في جهة».
ثم لفظ (أصحابنا) المراد بها مذهبه الذي ينتمي إليه، فإذا قال أصحابنا فالمراد به في الفقه (الشافعية) وإذا قال (أصحابنا المتكلمين) في العقيدة فيريد الأشاعرة، وإليك النص، قال في شرح صحيح مسلم (1/ 148): (قال المحققون من أصحابنا المتكلمين نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص والإيمان الشرعي يزيد وينقص بزيادة ثمراته، وهي الأعمال ونقصانها قالوا وفي هذا توفيق بين ظواهر النصوص التي جاءت بالزيادة وأقاويل السلف وبين أصل وضعه في اللغة وما عليه المتكلمون وهذا الذي قاله هؤلاء وإن كان ظاهرا حسنا فالأظهر والله أعلم أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة).
رابعا:
قرر في مسألة العلو ما قاله الأشاعرة، ومسألة العلو هي من أهم القضايا التي يتبناها الوهابية المشبهة، ويعتبرون من نفى العلو الحسي معطلا جهميا.
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (5/ 24): (قوله صلى الله عليه وسلم أين الله قالت في السماء قال من أنا قالت أنت رسول الله قال أعتقها فإنها مؤمنة هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيها مذهبان تقدم ذكرهما مرات في كتاب الإيمان أحدهما الإيمان به من غير خوض في معناه مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شيء وتنزيهه عن سمات المخلوقات والثاني تأويله بما يليق به فمن قال بهذا قال كان المراد امتحانها هل هي موحدة تقر بأن الخالق المدبر الفعال هو الله وحده وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء كما إذا صلى المصلي استقبل الكعبة وليس ذلك لأنه منحصر في السماء كما أنه ليس منحصرا في جهة الكعبة بل ذلك لأن السماء قبلة الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلين).
خامسا:
كلامه في نفى الجهة والتحيز والتجسيم وتقريره للتأويل في حديث (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)، قال في شرح صحيح مسلم (7/ 120): (قوله صلى الله عليه وسلم (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) قال القاضي إضافة الظل إلى الله تعالى إضافة ملك وكل ظل فهو لله وملكه وخلقه وسلطانه والمراد هنا ظل العرش كما جاء في حديث آخر مبينا والمراد يوم القيامة إذا قام الناس لرب العالمين ودنت منهم الشمس واشتد عليهم حرها وأخذهم العرق ولا ظل هناك لشيء إلا للعرش، وقد يراد به هنا ظل الجنة وهو نعيمها والكون فيها كما قال تعالى وندخلهم ظلا ظليلا قال القاضي وقال بن دينار المراد بالظل هنا الكرامة والكنف والكف من المكاره في ذلك الموقف قال وليس المراد ظل الشمس قال القاضي وما قاله معلوم في اللسان يقال فلان في ظل فلان أي في كنفه وحمايته قال وهذا أولى الأقوال وتكون إضافته إلى العرش لأنه مكان التقريب والكرامة وإلا فالشمس وسائر العالم تحت العرش وفي ظله).
سادسا:
تأويله للضحك بالرضا والمحبة، وهو عين ما قاله السادة الأشاعرة، فقال في شرح صحيح مسلم (3/ 24): (قوله فلا يزال يدعو الله تعالى حتى يضحك الله تعالى منه قال العلماء ضحك الله تعالى منه هو رضاه بفعل عبده ومحبته إياه وإظهار نعمته عليه وإيجابها عليه والله أعلم).
وقال في شرح صحيح مسلم أيضاً (13/ 36): (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة يقاتل هذا في سبيل الله فيستشهد ثم يتوب الله على القاتل فيسلم فيقاتل في سبيل الله فيستشهد) قال القاضي الضحك هنا استعارة في حق الله تعالى لأنه لا يجوز عليه سبحانه الضحك المعروف في حقنا لأنه إنما يصح من الأجسام وممن يجوز عليه تغير الحالات والله تعالى منزه عن ذلك وإنما المراد به الرضا بفعلهما والثواب عليه وحمد فعلهما ومحبته وتلقي رسل الله لهما بذلك لأن الضحك من أحدنا إنما يكون عند موافقته ما يرضاه وسروره وبره لمن يلقاه قال ويحتمل أن يكون المراد هنا ضحك ملائكة الله تعالى الذين يوجههم لقبض روحه وإدخاله الجنة كما يقال قتل السلطان فلانا أي أمر بقتله).
سابعا:
تأويله للرضا إما بصفة ذات ويكون المقصود الإرادة، أو صفة فعل ويكون المقصود الإحسان، فقال في شرح صحيح مسلم (13/ 48): (والرضى من الله تعالى إفاضة الخير والإحسان والرحمة فيكون من صفات الأفعال وهو أيضا بمعنى إرادته فيكون من صفات الذات).
ثامنا:
تأويله لـ (الوجه) و (الصورة) و (النور)، ونفى في هذا النص التالي (الجسم) و (الحد)، فقال في شرح صحيح مسلم (3/ 13): (وأما قوله صلى الله عليه وسلم (حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) فالسبحات بضم السين والباء ورفع التاء في آخره وهي جمع سبحة قال صاحب العين والهروي وجميع الشارحين للحديث من اللغويين والمحدثين معنى سبحات وجهه نوره وجلاله وبهاؤه وأما الحجاب فأصله في اللغة المنع والستر وحقيقة الحجاب إنما تكون للأجسام المحدودة والله تعالى منزه عن الجسم والحد والمراد هنا المانع من رؤيته وسمي ذلك المانع نورا أو نارا لأنهما يمنعان من الإدراك في العادة لشعاعهما والمراد بالوجه الذات والمراد بما انتهى إليه بصره من خلقه جميع المخلوقات لأن بصره سبحانه وتعالى محيط بجميع الكائنات).
تاسعا:
تأويله لـ (النفس)، ونقل في مسألة من مسائل العقائد مقراً قابلاً لكلام الإمام المازي المالكي الأشعري، قال في شرح صحيح مسلم (17/ 2): (قوله تعالى إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي قال المازري النفس تطلق في اللغة على معان منها الدم ومنها نفس الحيوان وهما مستحيلان في حق الله تعالى ومنها الذات والله تعالى له ذات حقيقة وهو المراد بقوله تعالى في نفسي ومنها الغيب وهو أحد الأقوال في قوله تعالى تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما فى نفسك أي ما في غيبي فيجوز أن يكون أيضا مراد الحديث أي إذا ذكرني خاليا أثابه الله وجازاه عما عمل بما لا يطلع عليه أحد).
عاشرا:
وفي هذا النص بيان من الإمام النووي لمذهب أهل السنة الذي يرتضيه ويعتقده، وهو التفويض أو التأويل، وأما التفسير بالحقيقة والظاهر فهو عند الإمام النووي تفسير المجسمة والمشبهة.
فقال في شرح صحيح مسلم (17/ 133): (ثم قال والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم فيما ورد في هذه الأحاديث من مشكل ونحن نؤمن بالله تعالى وصفاته ولا نشبه شيئا به ولا نشبهه بشيء ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عنه فهو حق وصدق فما أدركنا علمه فبفضل الله تعالى وما خفي علينا آمنا به ووكلنا علمه إليه سبحانه وتعالى، وحملنا لفظه على ما احتمل في لسان العرب الذي خوطبنا به، ولم نقطع على أحد معنييه بعد تنزيهه سبحانه عن ظاهره الذي لا يليق به سبحانه وتعالى وبالله التوفيق).
الحادي عشر:
تأويله لـ (اليد)، وبيانه أيضا للمنهج الذي يرضاه ويعتقد أنه الحق، فقال في شرح صحيح مسلم (17/ 135): (وقد سبق الكلام في اليد في حق الله تعالى وتأويلها قريبا مع القطع باستحالة الجارحة ليس كمثله شيء).
وقال في شرح صحيح مسلم (3/ 55): (قوله: “في آدم خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه” هو من باب إضافة التشريف).
الثاني عشر:
تأويله لوصف الله بالنور، ونقله لكلام القاضي عياض المالكي الأشعري مقراً له وراضيا به، وما كان الإمام النووي ليحقق أو ينقل في العقائد ما لا يقتنع به، قال في شرح صحيح مسلم (3/ 12)،: (قال القاضي عياض رحمه الله هذه الرواية لم تقع إلينا ولا رأيتها في شئ من الأصول ومن المستحيل أن تكون ذات الله تعالى نورا إذ النور من جملة الأجسام والله سبحانه وتعالى يجل عن ذلك هذا مذهب جميع أئمة المسلمين ومعنى قوله تعالى الله نور السماوات والأرض وما جاء في الأحاديث من تسميته سبحانه وتعالى بالنور معناه ذو نورهما وخالقه وقيل هادى أهل السماوات والأرض وقيل منور قلوب عباده المؤمنين وقيل معناه ذو البهجة والضياء والجمال والله أعلم).
الثالث عشر:
يقرر في الكرامات ما يقرره السادة الأشاعرة، ويسميهم (أصحابنا المتكلمين)، فقال في شرح صحيح مسلم (16/ 108): (ومنها إثبات كرامات الأولياء وهو مذهب أهل السنة خلافا للمعتزلة وفيه أن كرامات الأولياء قد تقع باختيارهم وطلبهم وهذا هو الصحيح عند أصحابنا المتكلمين ومنهم من قال لا تقع باختيارهم وطلبهم).
الرابع عشر:
يقرر في الرؤية ما يقرره السادة الأشاعرة، وينفي المقابلة والجهة وغيرهما، فقال في شرح صحيح مسلم (3/ 15): (ثم مذهب أهل الحق أن الرؤية قوة يجعلها الله تعالى في خلقه ولا يشترط فيها اتصال الأشعة ولا مقابلة المرئي ولا غير ذلك لكن جرت العادة في رؤية بعضنا بعضا بوجود ذلك على جهة الاتفاق لا على سبيل الاشتراط وقد قرر أئمتنا المتكلمون ذلك بدلائله الجلية ولا يلزم من رؤية الله تعالى إثبات جهة تعالى عن ذلك بل يراه المؤمنون لا في جهة كما يعلمونه لا في جهة والله أعلم).
الخامس عشر:
يقرر في هذا النص أن مذهب التفويض في المعنى، والتأويل وينسبه لبعض السلف، وينفي في هذا النص التالي التجسيم والانتقال والتحيز والجهة، فقال في شرح صحيح مسلم (3/ 19): (اعلم أن لأهل العلم في أحاديث الصفات وآيات الصفات قولين أحدهما وهو مذهب معظم السلف أو كلهم أنه لا يتكلم في معناها بل يقولون يجب علينا أن نؤمن بها ونعتقد لها معنى يليق بجلال الله تعالى وعظمته مع اعتقادنا الجازم أن الله تعالى ليس كمثله شيء وأنه منزه عن التجسم والانتقال والتحيز في جهة وعن سائر صفات المخلوق وهذا القول هو مذهب جماعة من المتكلمين واختاره جماعة من محققيهم وهو أسلم والقول الثاني وهو مذهب معظم المتكلمين أنها تتأول على ما يليق بها على حسب مواقعها وإنما يسوغ تأويلها لمن كان من أهله بأن يكون عارفا بلسان العرب وقواعد الأصول والفروع ذا رياضة في العلم).
السادس عشر:
يقرر التفويض والتأويل، وينفي النزول الحسي، ويؤوله بنزول الرحمة، فقال في شرح صحيح مسلم (6/ 36): (قوله صلى الله عليه وسلم ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول من يدعوني فأستجيب له هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيه مذهبان مشهوران للعلماء سبق إيضاحهما في كتاب الإيمان ومختصرهما أن أحدهما وهو مذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق والثاني مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي هنا عن مالك والأوزاعي أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها فعلى هذا تأولوا هذا الحديث تأويلين أحدهما تأويل مالك بن أنس وغيره معناه تنزل رحمته وأمره وملائكته كما يقال فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره، والثاني أنه على الاستعارة ومعناه الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف والله أعلم).
السابع عشر:
يؤول قوله (يمين الرحمن)، ويقرر التفويض والتأويل، وينفي المعنى الظاهر، قال في شرح صحيح مسلم (12/ 211): (أما قوله صلى الله عليه وسلم عن يمين الرحمن فهو من أحاديث الصفات وقد سبق في أول هذا الشرح بيان اختلاف العلماء فيها وأن منهم من قال نؤمن بها ولا نتكلم في تأويله ولا نعرف معناه لكن نعتقد أن ظاهرها غير مراد وأن لها معنى يليق بالله تعالى وهذا مذهب جماهير السلف وطوائف من المتكلمين والثاني أنها تؤول على ما يليق بها وهذا قول أكثر المتكلمين وعلى هذا قال القاضي عياض رضي الله عنه المراد بكونهم عن اليمين الحالة الحسنة والمنزلة الرفيعة قال قال ابن عرفة يقال أتاه عن يمينه إذا جاءه من الجهة المحمودة والعرب تنسب الفعل المحمود والإحسان إلى اليمين وضده إلى اليسار قالوا واليمين مأخوذة من اليمن وأما قوله صلى الله عليه وسلم وكلتا يديه يمين فتنبيه على أنه ليس المراد باليمين جارحة تعالى الله عن ذلك فإنها مستحيلة في حقه سبحانه وتعالى).
الثامن عشر:
ينفي (الصورة)، ويقرر بأن اللفظ ليس على ظاهره، فقال في شرح صحيح مسلم (16/ 166): ((فإن الله خلق آدم على صورته) فهو من أحاديث الصفات وقد سبق في كتاب الإيمان بيان حكمها واضحا ومبسوطا وأن من العلماء من يمسك عن تأويلها ويقول نؤمن بأنها حق وأن ظاهرها غير مراد ولها معنى يليق بها وهذا مذهب جمهور السلف وهو أحوط وأسلم والثاني أنها تتأول على حسب ما يليق بتنزيه الله تعالى وأنه ليس كمثله شيء).
التاسع عشر:
تأويله لــ (القدم)، وتقريره أنه لابد من صرفه عن ظاهره لقيام الدليل القطعي العقلي على استحالة الجارحة على الله تعالى، قال في شرح صحيح مسلم (17/ 182): (فيضع قدمه عليها هذا الحديث من مشاهير أحاديث الصفات وقد سبق مرات بيان اختلاف العلماء فيها على مذهبين أحدهما وهو قول جمهور السلف وطائفة من المتكلمين أنه لا يتكلم في تأويلها بل نؤمن أنها حق على ما أراد الله ولها معنى يليق بها وظاهرها غير مراد. والثاني وهو قول جمهور المتكلمين أنها تتأول بحسب ما يليق بها فعلى هذا اختلفوا في تأويل هذا الحديث فقيل المراد بالقدم هنا المتقدم وهو شائع في اللغة ومعناه حتى يضع الله تعالى فيها من قدمه لها من أهل العذاب قال المازري والقاضي هذا تأويل النضر بن شميل ونحوه عن ابن الأعرابي الثاني أن المراد قدم بعض المخلوقين فيعود الضمير في قدمه إلى ذلك المخلوق المعلوم الثالث أنه يحتمل أن في المخلوقات ما يسمى بهذه التسمية وأما الرواية التي فيها يضع الله فيها رجله فقد زعم الإمام أبو بكر بن فورك أنها غير ثابتة عند أهل النقل ولكن قد رواها مسلم وغيره فهي صحيحة وتأويلها كما سبق في القدم ويجوز أيضا أن يراد بالرجل الجماعة من الناس كما يقال رجل من جراد أي قطعة منه قال القاضي أظهر التأويلات أنهم قوم استحقوها وخلقوا لها قالوا ولابد من صرفه عن ظاهره لقيام الدليل القطعي العقلي على استحالة الجارحة على الله تعالى).
العشرون:
تأويله لـ (الساق)، قال في شرح صحيح مسلم (3/ 27): (قوله صلى الله عليه وسلم (فيكشف عن ساق) ضبط يكشف بفتح الياء وضمها وهما صحيحان وفسر ابن عباس وجمهور أهل اللغة وغريب الحديث الساق هنا بالشدة أي يكشف عن شدة وأمر مهول وهذا مثل تضربه العرب لشدة الأمر ولهذا يقولون قامت الحرب على ساق).
وقال في شرح صحيح مسلم أيضاً (18/ 77): (قوله (فذلك يوم يكشف عن ساق) قال العلماء معناه ومعنى ما في القرآن يوم يكشف عن ساق يوم يكشف عن شدة وهول عظيم أي يظهر ذلك يقال كشفت الحرب عن ساقها إذا اشتدت).
الواحد والعشرون:
تأويله لـ (الأصبع)، وتقريره للتنزيه بقوله (يد الجارحة مستحيلة)، قال في شرح صحيح مسلم (17/ 129): (قوله (إن الله يمسك السماوات على أصبع والأرضين على أصبع إلى قوله ثم يهزهن) هذا من أحاديث الصفات وقد سبق فيها المذهبان التأويل والإمساك عنه مع الإيمان بها مع اعتقاد أن الظاهر منها غير مراد فعلى قول المتأولين يتأولون الأصابع هنا على الاقتدار أي خلقها مع عظمها بلا تعب ولا ملل والناس يذكرون الإصبع في مثل هذا للمبالغة والاحتقار فيقول أحدهم بأصبعي أقتل زيدا أي لا كلفة علي في قتله وقيل يحتمل أن المراد أصابع بعض مخلوقاته وهذا غير ممتنع والمقصود أن يد الجارحة مستحيلة).
الثاني والعشرون:
تأويله للفظ (اليمين)، قال في شرح صحيح مسلم (7/ 98): (قوله صلى الله عليه وسلم (إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل) قال المازري قد ذكرنا استحالة الجارحة على الله سبحانه وتعالى وأن هذا الحديث وشبهه إنما عبر به على ما اعتادوا في خطابهم ليفهموا فكنى هنا عن قبول الصدقة بأخذها في الكف وعن تضعيف أجرها بالتربية قال القاضي عياض لما كان الشيء الذي يرتضى ويعز يتلقى باليمين ويؤخذ بها استعمل في مثل هذا واستعير للقبول والرضا …).
الثالث والعشرون:
تقريره لمسلكي أهل الحق (التفويض والتأويل)، وتأويله لـ (الإتيان) و (المجيء)، قال في شرح صحيح مسلم (3/ 19): (قوله صلى الله عليه وسلم (فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه) اعلم أن لأهل العلم في أحاديث الصفات وآيات الصفات قولين أحدهما وهو مذهب معظم السلف أو كلهم أنه لا يتكلم في معناها بل يقولون يجب علينا أن نؤمن بها ونعتقد لها معنى يليق بجلال الله تعالى وعظمته مع اعتقادنا الجازم أن الله تعالى ليس كمثله شيء وأنه منزه عن التجسم والانتقال والتحيز في جهة وعن سائر صفات المخلوق وهذا القول هو مذهب جماعة من المتكلمين واختاره جماعة من محققيهم وهو أسلم والقول الثاني وهو مذهب معظم المتكلمين أنها تتأول على ما يليق بها على حسب مواقعها وإنما يسوغ تأويلها لمن كان من أهله بأن يكون عارفا بلسان العرب وقواعد الأصول والفروع ذا رياضة في العلم فعلى هذا المذهب يقال في قوله صلى الله عليه وسلم فيأتيهم الله أن الإتيان عبارة عن رؤيتهم إياه لأن العادة أن من غاب عن غيره لا يمكنه رؤيته إلا بالإتيان فعبر بالإتيان والمجئ هنا عن الرؤية مجازا وقيل الإتيان فعل من أفعال الله تعالى سماه إتيانا وقيل المراد بيأتيهم الله أي يأتيهم بعض ملائكة الله قال القاضي عياض رحمه الله هذا الوجه أشبه عندي بالحديث).
الرابع والعشرون:
نفي ما يفهم المشبهة من قوله صلى الله عليه وسلم (إن الله تبارك وتعالى ليس بأعور)، فقال في شرح صحيح مسلم أيضاً (18/ 60): (وأما قوله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى ليس بأعور والدجال أعور فبيان لعلامة بينة تدل على كذب الدجال دلائل قطعية بديهية يدركها كل أحد ولم يقتصر على كونه جسما أو غير ذلك من الدلائل القطعية لكون بعض العوام لا يهتدى إليها والله أعلم).
الخامس والعشرون:
تأويله للأصبع، وتقريره لمسلكي أهل الحق في طريقة التعامل مع نصوص الصفات، فقال في شرح صحيح مسلم (16/ 204): ((إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء) هذا من أحاديث الصفات وفيها القولان السابقان قريبا أحدهما الإيمان بها من غير تعرض لتأويل ولا لمعرفة المعنى بل يؤمن بأنها حق وأن ظاهرها غير مراد قال الله تعالى ليس كمثله شئ والثاني يتأول بحسب ما يليق بها فعلى هذا المراد المجاز كما يقال فلان في قبضتي وفي كفي لا يراد به أنه حال في كفه بل المراد تحت قدرتي ويقال فلان بين إصبعي أقلبه كيف شئت أي أنه مني على قهره والتصرف فيه كيف شئت فمعنى الحديث أنه سبحانه وتعالى متصرف في قلوب عباده وغيرها كيف شاء لا يمتنع عليه منها شئ ولا يفوته ما أراده كما لا يمتنع على الإنسان ما كان بين إصبعيه فخاطب العرب بما يفهمونه ومثله بالمعاني الحسية تأكيدا له في نفوسهم فإن قيل فقدرة الله تعالى واحدة والإصبعان للتثنية فالجواب أنه قد سبق أن هذا مجاز واستعارة فوقع التمثيل بحسب ما اعتادوه غير مقصود به التثنية والجمع والله أعلم).
السادس والعشرون:
تأويله للهرولة بأنها قرب الله من عباده برحمته، وليس كما يقول المشبهة أنها هرولة حقيقية تليق بجلاله، قال في شرح صحيح مسلم (17/ 3): (وإن أتاني يمشي أتيته هرولة هذا الحديث من أحاديث الصفات ويستحيل إرادة ظاهره وقد سبق الكلام في أحاديث الصفات مرات ومعناه من تقرب إلي بطاعتي تقربت إليه برحمتي والتوفيق والإعانة وإن زاد زدت فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيته هرولة أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها).
السابع والعشرون:
تأويله للكف الوارد في الحديث: “ما تصدق أحد بصدقة من طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل” قال النووي في شرحه على مسلم ما نصه: قال المازري: قد ذكرنا استحالة الجارحة على الله سبحانه وتعالى وأن هذا الحديث وشبهه إنما عبر به على ما اعتادوا في خطابهم ليفهموا فكنى هنا عن قبول الصدقة بأخذها في الكف، وعن تضعيف أجرها بالتربية. قال القاضي عياض: لما كان الشىء الذي يرتضى ويعز يتلقى باليمين ويؤخذ بها استعمل في مثل هذا واستعير للقبول والرضى. انتهى كلام النووي
ويختصر ما ذكرنا من أشعرية النووي قوله ما نصه «إن الله تعالى ليس كمثله شيء، منزه عن التجسيم والانتقال والتحيز في جهة وعن سائر صفات المخلوق» ونقله الإجماعَ في شرحِه على صحيح مسلمٍ عن القاضي عياضٍ المالكيُّ حيث قال ما نصه «أنهُ لا خلافَ بينَ المسلمينَ قاطبةً فقيهِهِم ومحدِثِهِم ومتكلِمِهِم ونُظارِهم ومُقلِّدهم أن الظواهرَ الواردةَ بذكرِ اللهِ في السماءِ كقولِهِ تعالى: {ءأمنتم من في السماء} ونحوِهِ ليسَ على ظاهرِها بل متأولةٌ عندَ جميعهِم». وما نقلَهُ النوويُ أيضا في الروضةِ وأقره عن الإمامُ المُتولّي الشافعيُّ في كتابِهِ الغُنيةِ: «أو أثبتَ ما هو منفيٌ عنهُ بالإجماعِ كالألوانِ، أو أثبتَ لهُ الاتصالَ والانفصالَ، كانَ كافرًا».
وليس ما ذكرناه فحسب بل إن كتبه مليئة بالتوسل والتبرك وسؤال الله تعالى والطلب منه بما للذوات الفاضلة عنده من جاهٍ وقراءة القرءان على الميت وغير ذلك مما أجازه الأشاعرة الذين هم أهل السنة والجماعة، وحرمه المشبهة الوهابية بل وكفروا مرتكبه، فاعجب بعد هذا لمن يزعم أنه لم يكن أشعريا ويقول الإمام النووي ليس أشعريا ولكن تأثر بالأشاعرة ولكنهم قديما قالوا الجنون فنون.
والله أعلم وأحكم
كيف لا يكون الإمامان النووي وابن حجر العسقلاني رحمهما الله تعالى أشعريين وكتبهما مليئة بما يدلُّ على أنهما أشاعرة وبامتياز ومن ذلك نفي التجسيم والجهة عن الله تعالى وتأويلهما لعشرات النصوص القرءانية والحديثية المتشابهة وأن ظاهرها غير مراد كما هو مذهب الأشعرية وأذكر بعضا منها لا على سبيل الحصر
تأويل:
الرحمة
والرضا
والغضب
والعلو
والضحك
والعَجَب
والوجه
واليد
والعين
والإصبع
والقرب
والبعد
والاستواء
والمناجاة
والعندية
والحياء
وغيرها مما جاء في النصوص مضافة إلى الله تعالى تأويلا تفصيليا أو إجماليا مما لا يدع مجالا للشك أنهما أشاعرة وليس هذا فحسب بل إن كتبهما مليئة بالتوسل والتبرك وسؤال الله تعالى والطلب منه بما للذوات الفاضلة عنده من جاهٍ.
وأيضا كانا صوفيين صافيين من أدران خزعبلات بعض دعاة التصوف فكانا على قدم الجنيد البغدادي رضي الله عنه قال ابن العطار تلميذ الحافظ النووي ( لم يمت النووي رحمه الله حتى تقطَّب ) أي صار قطبا في الولاية كالسيد أحمد الرفاعي والسيد عبد القادر الجيلاني نفعنا الله بالمذكورين في هذا المقال جميعا فاعجب بعد هذا لمن يزعم أنهما لم يكونا أشعريين ولكنهم قديما قالوا الجنون فنون
شاركه غيرك وساهم في نشر المفاهيم الصحيحة لله .
