الدليل على أهمية بر الأم وقبح ما يسمى عيد الأم لمخالفته ما جاء في الشرع من الاعتناء ببر الأم كل يوم وليس يوما واحدا في السنة فقط
بر الام في كلّ الأيام وليسَ أن تحتفل بــ احتفالات بِدْعيّةٍ الاسلامُ برىء منها، فإكرامُ الأمّ وبِرُّها لا يختَصُّ بيَوم واحِد، بل هي دائما يَنبغى أن تكونَ معزَّزة مُكرَّمةً، فإنّ الإسلام أكرمَ الأمّ المسلمة ورفَع شأنها في مواضعَ كثِيرة وذلكَ ظاهر فى نصوص القرءان والحديث (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا الآية) سورة الإسراء / الآية 23.
وها هو أفضل الخلق سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم قد سئل : أيّ العمل أفضل ؟ أي بعد الإيمان بالله والرسول فقال : الصلاة في وقتها، قال السائل: ثمّ أيّ ؟ قال: برّك لوالديك
إخوة الإيمان ، إنّ فضل برِّ الوالدين عند الله عظيم ، ولذلك قال الله تعالى: {وبالوالدين إحسانًا} الآية . ثمّ إنّ برّ الأمّ أعظم ثوابًا من برّ الأب كما أنّ عقوق الأمّ أشدّ إثْمًا من عقوق الأب، والعقوق هو إيذاء أحدهما أذًى غير هيّن كضرب أحدهما أو كشتم أحدهما .
فمن هنا نجد أنّه لا بدّ لنا من أن نبيّن بعض ما ورد في أمر برّ الأمّ. ففي الحديث أنّ صحابيًّا قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم : من أحقّ الناس بحسن صحابتي ؟ فقـال لـه الرسول: أمّك . قال : ثمّ من ؟ قال : أمّك. قال : ثمّ من ؟ قال: أمّك. قال: ثمّ من ؟ قال: أبوك.
ففي برِّهما خير عظيم، ولكن يفهم من هذا الحديث وغيره أنّ فضل برِّ الأمِّ عند الله أعظم من برِّ الأب. فالأمّ هي التي حملت ولدها في بطنها تلك الشهور، والأمّ هي التي تألّمت عند الولادة تلك الآلام، والأمّ هي التي أرضعت ولدها الليل والنهار، والأمّ هي التي رعت في بيتها أسرتها فأوْلتها العناية وأعطتها الاهتمام لتخرج إلى المجتمع قادةً وسادة وأمراء ووزراء وعلماء وأمّهات وزوجات، فالأمّ قد قيل فيها:
الأمّ مدرسـة إذا أعددتَهـا أعددت شعبًا طيِّب الأعراقِ
فالأمّ أولى بالبرِّ من سائر الناس فهي أعظم الناس حقًّا على الرجل. وفي حكم الرجل المرأة غير ذات الزوج فهي والرجل في هذا سواء.
وقد ورد في الحديث الذي رواه الحاكم في مستدركه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “أعظم الناس حقّا على المرأة زوجها وأعظم الناس حقّا على الرجل أمّه” . فهذا الحديث فيه بيان أعظميّة حقّ الرجل على المرأة على حقّ غيره، وفيه أيضًا بيان عظم حقّ الأمِّ على الرجل.
إخوة الإيمان ، ها نصيحة من القلب لكل من أراد رضا الله وطلب الفوز بالمراتب العليا الزم طاعة الله وكن حريصًا على تحصيل الثواب في صحيفة عملك وتمسّك بهدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهو الذي أوصانا بوصايا، ومن جملة ما أوصى به برِّ الأم تلك الخصلة العظيمة.
وقد جاء عن بعض الصحابة أنه من شدّة حرصه على ذلك كان لا يأكل في قصعة أي في صحن واحد مع أمّه وذلك حتى لا يأكل شيئًا لعلّ عين أمّه وقعت عليه.
فانظروا رحمكم الله إلى هذا الأدب المحمّديّ، خصال خير إذا ما تمسكنا بها ازدادت البركات فيها بيننا.
واعلم اخي رحمك الله أنّ الإسلامَ غَني عمّا ابتَدعَه غَيرُ المسلمين سَواء المسمَّى عيدِ الأمّ أو المسمی عيد الأب، وفي شريعةِ الإسلام مِن البِرّ بالأمّهات والآباء الشّيء الكثير. فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لتَتَّبِعنّ سَنَن مَن قَبلَكُم شِبرًا بشِبرٍ وذِراعًا بذِراعٍ، حتى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلكتُموه، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمَن!؟”،معناه هم. رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تقُومُ السّاعةُ حتى تأخُذَ أُمّتي بأخذِ القُرون قَبلَها شِبرًا بشِبرٍ وذِراعًا بذراعٍ، فقيل: يا رسول الله كفَارسَ والرُّوم؟ فقال: ومَن الناسُ إلا أولئك؟”، رواه البخاري.
فالأفضل لك أخي أن لا تؤخر بر أمك ليكون يوما واحدا فقط في السنة، ولكن أن تَبرَّ أُمَّك كلَّ الأيام وليسَ أن تحتفل باحتفالات بِدْعيّةٍ الاسلامُ منها بريء. فإكرامُ الأمّ وبِرُّها وكذا الوالد لا يختَصُّ ذلك بيَوم واحِد في السنة فقط، بل هي دائما يَنبغى أن تكونَ معزَّزة مُكرَّمةً، فإنّ الإسلام أكرمَ الأمّ المسلمة ورفَع من شأنها في مواضعَ كثِيرة، وذلكَ ظاهر فى نصوص القران والحديث، وكذلك الوالد يهتم الولد لشأنه جدا.
قال الله تعالى: “وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً”.وقال تعالى: “وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً”. أمَرَ اللهُ عبادَهُ أمْرًا مَقْطوعًا بِهِ بأنْ لا يَعْبُدوا إلا إيَّاهُ، وأمَرَ بالإحسانِ للوالدينِ، والإحسانُ هوَ البِرُّ والإكرامُ. قالَ ابنُ عباسٍ:”لا تَنْفُضْ ثَوْبَكَ فَيُصيبَهُما الغُبارُ”. وقال عروة ” لا تمتنع عن شىء أحباه ” ويدخل فيه أيضًا الإحسانُ إليهما بالمالِ والخدمةِ والزيارةِ بل حتى بزيارة من يحبون.
فنحن مسلمون نحب أمهاتنا ونحترمهم ونطيعهم فيما ليس فيه معصية الله ونكرم أمهاتنا كل أيام العام وليس في يوم واحد فهذا ليس من عادتنا نحن المسلمون. وأما ما اشتهر عند الناس من أن يوم الحادي والعشرين من آذار على أنه يوم الأم فهذا ليس من عاداتنا بل هو من عادات من كان في كل السنة عاقا لوالديه ويريد أن يكرمهما في هذا اليوم كي يصرف النظر عن عقوقه لأمه.
وكما قال الشاعر:
ليس من يومٍ لأمّي *** بل لها كلّ الحياةِ
تستحقُّ الأمُّ منّا*** بِرَّنا حتّى المماتِ
إنَّ بِرَّ الأمِّ فَرضٌ *** من أجلِّ الواجباتِ
لا نَفيها باحتفالٍ *** حقَّ إحدى الطَّلَقاتِ
ليس حبُّ الأمِّ شِعراً *** أو بِرَصْفِ الكلماتِ
حبُّ أمّي يتراءى *** طاعةً حتّى الوفاةِ
وتذَكَّر أخيرًا أيُّها الابْنُ أنكَ لَنْ تُوَفّيَ حقَّ أُمّكَ ولا بِطَلْقَةٍ واحِدةٍ مِنْ ءالامِ الوِلادَةِ فالحذر الحذر إخوة الإيمان من العقوق، واللهَ الله بِبِرّ الوالدين فإن في ذلك النجاحَ والفلاحَ في الدنيا والآخرة وبركة في الدنيا وفي الآخرة وسببا للرزق ولتيسير الأمور وسببا للفتوح ونيل الأجر والدرجات.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من أبر الناس بوالدينا ومن أتقاهم ومن أحسنهم خلقا بفضلك وكرمك يا أكرم الأكرمين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
