*جواز إطلاق لفظ السيادة عند ذكر اسمه ﷺ*

*جواز إطلاق لفظ السيادة عند ذكر اسمه ﷺ*

1

اعلم أنّ سيِّدنا مُحمّدًا ﷺ هُو سيِّدُ العالمِين وأفضلُ خلقِ اللّهِ أجمعِين وهذا مُتّفقٌ عليهِ عِند العُلماءِ وهُو مأخُوذٌ مِن حدِيثٍ رواهُ التِّرمِذِىُّ «أنا سيِّدُ ولدِ ءادم يوم القِيامةِ ولا فخرُ»، أى لا أقُولُ ذلِك افتِخارًا إِنّما تحدُّثًا بِنِعمةِ اللّهِ وفِى ذلِك جوازُ وصفِهِ بِأنّهُ سيِّدُ البشرِ.

2

فإِذا قِيل اللّهُمّ صلِّ على سيِّدِنا مُحمّدٍ فهذِهِ زِيادةٌ تُناسِبُ الأصل فهُو أفضلُ الخلقِ وأعلاهُم منزِلةً.

ثُمّ اللّهُ تعالى سمّى نبِيّهُ يحيى فِى القُرءانِ سيِّدًا قال اللّهُ تعالى ﴿وسيِّدًا وحصُورًا﴾ وسيِّدُنا مُحمّدٌ ﷺ أفضلُ مِنهُ عِند اللّهِ، ولا ينكر أحد من علماء الأمة جميعا أن سيِّدنا محمدًا أفضل الأنبياء فهو أولى بالسيادة من غيره من الأنبياء عليهم السلام فإِذا جاز أن يُقال عنِ المفضُولِ سيِّدٌ فبِالأولى يجُوزُ أن يُقال عنِ الأفضلِ وهُو سيِّدُنا مُحمّدٌ ﷺ.

3

وقد جاء في الحديث الذي رواه البخاري وغيره «إنّ ابني هذا سيدٌ ولعلّ الله يصلحُ به بين فئتين من المسلمين عظيمتين» يعني ابن بنته الحسن بن علي رضي الله عنهما، وكذلك جاء فى الحديث الذي رواه الترمذي وحسنه عن حُذيفة عن النّبِيِّ ﷺ قال: «الحسن والحُسين سيِّدا شبابِ أهلِ الجنّةِ»، وفي الحديث الذي رواه ابن ماجه عن علي بن أبي طالب قال «كُنتُ عند النّبيِّ ﷺ، فأقبل أبو بكرٍ وعُمرُ رضِي اللهُ عنهما فقال: يا عليُّ، هذانِ سيِّدا كُهولِ أهلِ الجنّةِ من الأوّلين والآخِرين، ما خلا النّبيِّين والمُرسلين» وروى البخاري عن عائِشة رضِي اللّهُ عنها، أن النّبِيّ ﷺ قال لفاطمة رضي الله عنها : «أما ترضين أن تكُونِي سيِّدة نِساءِ أهلِ الجنّةِ، أو نِساءِ المُؤمِنِين» وفي حديث الصحيحين: «قوموا إلى سيدكم» أي سعد بن معاذ، وسيادته بالعلم والدِّين، فإذا جاز إطلاق ذلك على سيدنا يحيى وعلى الحسن والحسين وأبي بكر وعمر وفاطمة وسعد بن معاذ رضي الله عنهم جاز بالأولى إطلاقه على الرسول عليه الصلاة والسلام.

4

وقد يقول قائل إنه لم يرد في مخاطبات الصحابة للنبي عليه الصلاة والسلام فالجواب أن السيادة قد وردت فى بعض طرق ألفاظ الصلاة عليه عنه كما قدمنا وعن بعض الصحابة أيضا منها قول سهل بن حنيف للنبي ﷺ «يا سيدي» رواه النّسائِيّ فِي عملِ اليومِ واللّيلةِ، وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي ورواه أحمد وأبو داود والنسائي في الكبرى، وورد أيضا عن ابن مسعود مرفوعا وموقوفا وهو أصح كما ذكر ذلك الحافظ السخاوي «حسِّنوا الصلاة على نبيكم»، وذكر الكيفية وقال فيها: «اللّهُمّ صلِّ على سيِّدِ المُرسلِين» رواه الديلمى فى مسند الفردوس وعبد ابن حميد وابن ماجه فى سننه والبيهقى فى الدعوات، وفِي كُلِّ ما ذكرنا دلالةٌ واضِحةٌ وبراهِينُ لائِحةٌ على جوازِ ذلِك مع ما تقدّم من إطلاق النبي ﷺ لفظ السيادة على بعض صحابته رضوان الله عليهم.

5

وأما قول بعض المانعين من لفظ اللهم صل على سيدنا محمد وحجتهم بأن الله هو السيد كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود «السيد الله» فأجاب العلماء عن ذلك أن معنى ذلك أن السيادة المطلقة لله، وإن سيادة غير الله تعالى سيادة نسبية، فإن معناه أن ذا السلطان الذي لا يزول هو الله وأن ذا الملك الحقيقي لكل شيء هو الله وحده هذا معنى السيد الله وهو حديث صحيح وليس معناه أنه لا يجوز أن يقال سيد عن غير الله، قال ابن مُفلِحٍ: «والسّيِّدُ يُطلقُ على الرّبِّ، والمالِكِ , والشّرِيفِ، والفاضِلِ، والحكِيمِ، ومُتحمِّلِ أذى قومِهِ، والزّوجِ، والرّئِيسِ، والمُقدّمِ» . فهذا الحديث لا ينافي إطلاق سيدنا على سيدنا محمد وعلى غيره من أهل الفضل كما أسلفنا وأمّا وصف اللّهِ جلّ ذِكرُهُ بِالسّيِّدِ فمعناه : أنّهُ مالِكُ الخلقِ أجمعِين، ولا مالِك لهُم سِواهُ والخلقُ كُلُّهُم عبِيدُهُ (أي فلا يُطلقُ لفظُ السّيِّدِ بِهذا المعنى على غيرِ اللّهِ تعالى)، وأما بغير هذا المعنى كما بينا فقد ثبت من جملة الأحاديث المتواترة إطلاق لفظ السيد على أفراد هذه الأمة، ووصل إلى حد التواتر عن جمع كبير من الصحابة أن النبى ﷺ أطلق لفظ السيد على نفسه وعلى غيره، والنبى ﷺ أحق وأولى من كل مخلوق بإجماع المسلمين.

6

وقد أجمعت الأمة على ثبوت السيادة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى علمِيته في السيادة، قال الشرقاوي شيخ الأزهر (1150 هـ – 1227 هـ): «فلفظ سيدنا علمٌ عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وأما ما شذ به البعض للتمسك بظاهر بعض الأحاديث متوهمين تعارضها مع هذا الحكم فلا يُعتد به ولذلك أجمع العلماء على استحباب اقتران اسمه الشريف -صلى الله عليه وآله وسلم- بالسيادة في غير الألفاظ الواردة المتعبد بها من قبل الشرع».

7

وأما ما اشتُهِر عِند بعضِ النّاسِ وهُو قولهم حديث «لا تُسيِّدُونِى فِى الصّلاةِ» فهُو حدِيثٌ موضُوعٌ، مكذوب على رسول الله فقد نصّ على ذلك السخاوي في المقاصد الحسنة، والحوت في أسنى المطالب والعجلوني في كشف الخفاء فقال “لا أصل له” وبلفظ “تسودوني”، ملا علي القاري في الأسرار المرفوعة وكذلك في كتابه المصنوع في معرفة الحديث الموضوع، ومما يدل على عدم صحته ركاكة لفظه وهو مخالف لقواعد اللغة، إذ الحديث لو كان صحيحا لكان لا تسوّدوني. والنبي ﷺ لا يتكلم إلا بصحيح العبارة والمعنى فالرسول لا يتكلم بالغلط فهو أفصحُ الفصحاء كلامه كاللغة التي نزل بها القرءان ومستحيل أن يقع الرسول ﷺ في هذا اللحن اللغوي وقد ذكر شمس الدين الرّملِيُّ الشّافِعِيُّ ووالده الشهاب وغيرُهُ من علماء الشافعية كالشيخ زكريا الأنصاري والبيجوري حيث قالوا ما نصه « أما حديث لا تُسوِّدُونِي فِي الصّلاةِ فكذِبٌ وقولُهُم لا تُسيِّدُونِي بِالياءِ لحنٌ أيضًا والصّوابُ بِالواوِ» ونقله ابن عابدين في رد المحتار على الدر المختار عن شمس الدين الرملي وأقره، فكلمة لا تسيدوني هذا خلاف لغةِ العرب، العرب لا يقولون لا تسيدوني يُقال في اللغة سوّد فلانٌ فلانا معناه جعلهُ سيدا، فقوله لا تسيدوني هذا لا يتفق مع اللغة، فيُقالُ فِى لُغةِ العربِ ساد يسُودُ سِيادةً والِاسمُ سُؤدُدٌ وهُو المجدُ والشّرفُ. ولو كان يصح أن يقوله الرسول ﷺ لقال لا تُسوِّدوني ولا يقول لا تسيدوني لأن كلمة لا تسيدوني كلمةٌ مهملة ليس لها صحة في اللغة، هذا فيه افتراءٌ من وجهين: أحدهما أنهم أوهموا أن قول اللهم صلِّ على سيدنا محمد ممنوع، وهو ليس ممنوعا، والثاني أنهم نسبوا هذا اللفظ الذي هو غلط إلى الرسول الذي هو لا يقوله من يعرف اللغة العربية، والرسول ﷺ هو أفصح الفصحاء.

8

فالخلاصة أن الله تعالى علمنا الأدب مع سيدنا محمد ﷺ فلم يخاطبه باسمه مجردا بل قال له: ﴿يا أيُّها الرّسُولُ﴾، ﴿يا أيُّها النّبِيُّ﴾، وأمرنا بالأدب معه وتوقيره فقال: ﴿إِنّا أرسلناك شاهِدًا ومُبشِّرًا ونذِيرًا لِتُؤمِنُوا بِاللّهِ ورسُولِهِ وتُعزِّرُوهُ وتُوقِّرُوهُ وتُسبِّحُوهُ بُكرةً وأصِيلًا﴾ [الفتح: 8 – 9]، ومن توقيره تسويده كما قال السدي فيما ذكره القرطبي في تفسيره، وقال قتادة: “أمر الله بتسويده وتفخيمه وتشريفه وتعظيمه”. أخرجه عبد بن حميد وابن جرير الطبري في التفسير، ونهانا أن نخاطبه ﷺ كما يخاطب بعضنا بعضا فقال سبحانه: ﴿لا تجعلُوا دُعاء الرّسُولِ بينكُم كدُعاءِ بعضِكُم بعضًا﴾ [النور: 63]، قال قتادة: «أمر الله عز وجل أن يهاب نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم- وأن يبجل وأن يعظم وأن يسود». أخرجه ابن أبي حاتم وغيره في التفسير.

9

وقد استعرضنا القليل من الأدلة فى موضوع السيادة وإطلاقها عند ذكر اسم النبى المصطفى ﷺ، فإن موضوع تسويد النبى لفظا عند ذكر اسمه الشريف من الأمور المستحبة المتفق عليها بين جماهير أهل السنة فى جميع المواضع المرتجلة المبتكرة التى لم ترد عن الشارع وهنا تستحب السيادة كتابة ونطقا بلا خلاف فإِذا قِيل اللّهُمّ صلِّ على سيِّدِنا مُحمّدٍ فهُو جائِزٌ وفِيهِ ثوابٌ.

10

وأما في غير ذلك فإن العلماء اتفقوا على عدم زيادتها في التلاوة والرواية: أما التلاوة: فإن القرآن كلام الله تعالى لا يجوز أن يزاد فيه ولا أن ينقص منه، ولا يقاس كلام الله تعالى على كلام خلقه. وأما الرواية: فإنها حكاية للمروي وشهادة عليه؛ فلا بد من نقلها كما هي.

أما بالنسبة للوارد كالأذان والإقامة والصلاة في التشهد وغيرها من العبادات فلا خلاف في جوازه ولا كراهة في ذلك ولا حرمة بين العلماء وإنما الخلاف بينهم هلِ الأفضلُ التّسوِيدُ أو تركُهُ فالخلاف إنما هو في الأفضلية لا في الجواز؛ فإن الجميع متفقون على جواز كلا الأمرين، وعلى ذلك فليس تسويده ﷺ في الأذان والإقامة والتشهد مخالفة للشرع، بل فاعل ذلك محمود ومثاب على فعله هذا.

11

وخلاف العلماء مبني على هذه القاعدة: ” هل الأفضل سلوك الأدب بذكر التسويد أم امتثال الأمر بالاقتصار على الوارد في الصيغة التي علمها النبي ﷺ أصحابه، وقد ذكر العلماء أدلة في كلا الأمرين سنبين بعضها ونبين الراجح من القولين.

12

أما أدلة من قال الأفضل سلوك الأدب بذكر التسويد فمنها حدِيثُ أبِي بكرٍ يؤم الناس في الصلاة حين تأخر النبي ﷺ عن الإمامة بسبب الانشغال في الإصلاح بين المتخاصمين فأمرهُ رسُولُ اللّهِ ﷺ أن يثبُت ويبقى مكانهُ فلم يمتثِل ثم سأله بعد الفراغ عن ذلك فأبدى له أنه إنما فعله تأدبا بقوله: «ما كان لِابنِ أبِي قُحافة أن يتقدّم بين يدي رسُولِ اللّهِ ﷺ،» فأقره النبي ﷺ على ذلك.

13

ومنها كذلِك امتِناعُ علِيّ بن أبي طالب عن محوِ اسمِ النّبِيِّ ﷺ حين كتب الكتاب للمصالحة فِي صُلحِ الحُديبِيةِ: «بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة، فقال سهيل: والله لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال رسول الله ﷺ يا علي «أمحه مِن الصّحِيفةِ» فأمرهُ بِذلِك فقال علي : «لا أمحُو اسمك أبدًا»، قال العلماء وهذا الذى فعله علي رضي الله عنه من الأدب المستحب، وكِلا الحدِيثينِ فِي الصّحِيحِ فتقرِيرُهُ ﷺ لهُما على الِامتِناعِ مِن امتِثالِ الأمرِ تأدُّبًا مُشعِرٌ بِأولوِيّتِهِ وقال أصحاب هذ الرأي لا يقال امتثال الأمر أفضل من الأدب لأنا نقول فى الأدب امتثال الأمر وزيادة.

14

وقد قال الإسنوي في كتابه المهمات في شرح الروضة: «في حفظي قديما أن الشيخ العز بن عبد السلام بناه (أعني الإتيان بسيِّدنا قبل محمد في التشهد) على أن الأفضل هل هو سلوك الأدب أو امتثال الأمر، فعلى الأول (سلوك الأدب) مستحب دون الثاني (امتثال الأمر) لقوله ﷺ: “قولوا اللهم صلِّ على محمد”».اهـ

15

وقال الحافظ السخاوي: «وقول المصلين: “اللهم صلِّ على سيِّدنا محمد” فيه الإتيان بما أُمرنا به وزيادة الإخبار بالواقع الذي هو أدبٌ فهو أفضل من تركه فيما يظهر من الحديث (يعني ما ورد عن ابن مسعود مرفوعا وموقوفا وهو أصح) قوله: “أحسنوا الصلاة على نبيكم”». اهـ

16

واتفق الإمامان الشمس الرملي والشهاب ابن حجر على استحباب زيادة السيادة في الصلاة على النبيِّ ﷺ في التشهد وغيره وقال العلامة الشبراملسي في حاشيته على النهاية: «قوله: لأن فيه الإتيان… إلخ. يؤخذ من هذا سن الإتيان بلفظ السيادة في الأذان، وهو ظاهر؛ لأن المقصود تعظيمه -صلى الله عليه وآله وسلم- بوصف السيادة حيث ذكر. ولا يقال: لم يرد وصفه بالسيادة في الأذان؛ لأنا نقول كذلك هنا، وإنما طلب وصفه بها للتشريف، وهو يقتضي العموم في جميع المواضع التي يذكر فيها اسمه عليه الصلاة والسلام». اهـ. ووافقهم الجلال المحلي والقرافي، وقليوبي، والشرقاوي من الشافعية، والحصفكي، وابن عابدين من الحنفية، والنفراوي من المالكية، وغيرهم.

17

بينما يرى بعض العلماء أولوية الاقتصار في الألفاظ المتعبد بها على ما ورد؛ اتباعا للفظ الوارد وفرارا من الزيادة فيه وقالوا إن اتباع الوارد من كمال الأدب وتعظيمه ﷺ باتباعه، واحتجوا بعدم ورود ذلك عن الصحابة والتابعين والسلف الصالحين، وأن ذلك لو كان راجحا لورد عنهم.

18

فقد نُقل عن ظاهر المذهب اعتماد أن الأفضل عدم الزيادة انظر كلام الخطيب الشربيني في مغني المحتاج وزكريا الأنصاري في أسنى المطالب والشرواني في حاشية تحفة المحتاج وقال الإسنوي ظاهر كلام المذهب اعتماد اتباع الوارد.

19

وهذا رأي الحافظ ابن حجر العسقلاني أيضا وباعتباره أحد كبار علماء الشافعية الجامعيين بين الحديث والفقه حيث قال ما نصه: «اتباع الألفاظ المأثورة أرجح، ولا يقال: لعله ترك ذلك تواضعا منه ﷺ، كما لم يكن يقول عند ذكره ﷺ: “صلى الله عليه وسلم” وأمته مندوبة إلى أن تقول ذلك كلما ذكر، لأنا نقول: لو كان ذلك راجحا لجاء عن الصحابة ثم عن التابعين، ولم نقف في شيء من الآثار عن أحد من الصحابة ولا التابعين لهم، قال: ذلك مع كثرة ما ورد عنهم من ذلك».

20

وقال الحطاب المالكي في مواهب الجليل «واختار شيخُ شُيُوخِنا المجدُ اللُّغوِيُّ صاحِبُ القامُوسِ ترك ذلِك فِي الصّلاةِ اتِّباعًا لِلفظِ الحدِيثِ والإِتيان بِهِ فِي غيرِ الصّلاةِ وذكر الحافِظُ السّخاوِيُّ فِي آخِرِ البابِ الأوّلِ مِن القولِ البدِيعِ كلامهُ وذكر عن ابنِ مُفلِحٍ الحنبلِيِّ نحو ذلِك» اهـ وقال ابن عجيبة فى حاشيته على الجامع الصغير: «وقد اختلف هل الأولى الإتيان بلفظ السيادة فى نحو الصلاة عليه أم لا، ورجح بعضهم أن اللفظ الوارد ألا يزاد عليه بخلاف غيره قاله المناوى» اهـ .

21

وقال الطحطاوي في حاشيته على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح: «ويندب السيادة وفي شرح الشفاء للشهاب عن الحافظ ابن حجر أن اتباع الآثار الواردة أرجح ولم تنقل عن الصحابة والتابعين ولم ترو إلا في حديث ضعيف عن ابن مسعود ولو كان مندوبا لما خفي عليهم قال وهذا يقرب من مسألة أصولية وهي أن الأدب أحسن أم الاتباع والامتثال ورجح الثاني بل قيل إنه الأدب» اهـ ، وقال الصاوي في بلغة السالك لأقرب المسالك: «وأفضلها أي لكونها أصح ما ورد والاقتصار على الوارد أفضل، حتى إن الأفضل فيها ترك السيادة لورودها كذلك».

22

وقال الونشريسي في المعيار المعرب والجامع المغرب: «هل يزاد لفظ سيدنا في الصلاة على النبي ﷺ؟ وسئل سيدي قاسم العقباني رحمه الله هل يجوز أن يقال اللهم صل على سيدنا محمد أو لا؟ فأجاب: الصلاة على نبينا محمد ﷺ من أفضل العبادات، ومن معنى الوارد في الذكر، لأن ذكره ﷺ يقارنه أبدا في القلب وفي اللسان ذكر مولانا جل جلاله. وأفضل الأذكار ما جيء به على الوجه الذي وصفه صاحب الشريعة ولكن ذكر نبينا ﷺ بالسيادة وما أشبهها من الصفات التي تدل على التعزيز والتوقير ليس بممنوع، بل هو زيادة عبادة وإيمان، ولا سيما بعد ثبوت “أنا سيد ولد آدم”. إذ ذكره ﷺ بسيدنا بعد ورود هذا الخبر، إيمان بهذا الخبر. وكل تصديق بما جاء به المصطفى ﷺ فهو إيمان وعبادة والله الموفق بفضله». انتهى. ثم قال: «وأجاب سيدي عبد الله العبدوسي عن مثل هذه فقال: ينبغي أن لا يزاد فيها ولا ينقص منها فإن زاد فيها سيدنا ومولانا فجائز، لأنه ﷺ أتى بها تعليما لهم حين قالوا له: إن الله سبحانه أمرنا أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ وأما الصلاة المرتجلة التي لم ترد بلفظه، فتزيد فيها سيدنا ومولانا محمد إذ هو سيدنا ومولانا ﷺ وقد نص على المسألة بعينها الإمام الباقلي في شرح الحزب الصغير للقطب سيدنا ومولانا أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه وبالله التوفيق» اهـ.

23

فالخلاصة أن الخلاف كما قلنا إنما هو في الأفضلية لا في الجواز؛ فإن الجميع متفقون على جواز كلا الأمرين ولم يحرم أحد منهم ذلك وقد أجاز الشافعية وهم أكثر علماء هذه الأمة تصنيفا للكتب أن تقول في التشهد وأشهد أن “سيدنا” محمدا رسول الله، وعجبًا من أولئك الذين يمنعون الناس من قول اللهم صل على سيدنا محمد ويتلفظون بهذا اللفظ عمن هو أقل مرتبة من الأنبياء فيقولون السيد الملك والسيد فلان وغير ذلك فلا مانع من زيادة أي لفظ أو صيغة شرط أن تناسب الأصل.

24

فهذا عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الذي هو من كبار الصحابة وعلمائهم كان يزيد في الصلاة عند التشهد فيقول أشهد أن لا إله إلا الله (وحده لا شريك له) ويقول أنا زدتها أي أنا زدت (وحده لا شريك له) رواه أبو داود. ” كتاب الصلاة باب التشهد”. وما أنكر عليه علماء الحديث والتابعون، لأنّها زيادة توافق الأصل، ماذا يقول هؤلاء عن عبد الله بن عمر، هل يقولون مبتدع؟ بعضهم قال عبد الله بن عمر مبتدع أعوذ بالله منهم، فنحن إن زدنا سيدنا ليس فيه ضررٌ، هو الصلاة على النبي تعظيم فإدخال سيدنا زيادةٌ في التعظيم ما فيه ضرر، هؤلاء الذين يحاربون هذه الأشياء نعوذ بالله فهمهم فاسد، الشيء الذي ما فيه ضرر يجعلونه كأكبر الذنوب ولا دليل لهم على التحريم، إذا قالوا النبي لم يقل لفظ سيدنا في الصلاة نقول لهم ولم ينه عن ذلك، وهذه زيادةٌ تناسب الأصل، ولا يصح الاحتجاج بمجرد الترك على التحريم أو الكراهة أو البدعية، لا سيما فيما له أصل صحيح متقرر في الشرع لا مخصص له. فهذه زيادة لا تخالف الأصل، الأصل الذي هو الصلاة على النبي، هذه زيادة تناسب الأصل وتوافقه ولا تخالفه فكانت جائزة، كما فعل عبد الله بن عمر في التشهد في الصلاة.

25

وهلِ الأفضلُ التّسوِيدُ أو تركُهُ فالمُعتمدُ أنّ التّرك أفضلُ اتِّباعًا لِلوارِدِ عنِ النّبِىِّ ﷺ كما ذكرنا لِأنّهُ لم يأتِ عنهُ فِى رِواياتِ الصّلاةِ عليهِ أنّهُ علّمهُمُ التّسوِيد فإِذا قِيل اللّهُمّ صلِّ على سيِّدِنا مُحمّدٍ فليس مكرُوهًا إِنّما الأحسنُ أن نقُول فِى الصّلاةِ اللّهُمّ صلِّ على مُحمّدٍ لِأجلِ الِاتِّباعِ.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه الطاهرين.