1 البرهان في تنزيه الله عن المكان

الحمد لله رب العالمين أما بعد اعلم رحمك الله أن الله موجود لا شك في وجوده، ولا يشبه أحدا من خلقه، ليس جسما طويلا ولا قصيرا ولا سمينا ولا نحيلا، وليس له شكل ولا لون ولا وزن سبحانه، وأنه تعالى موجود قبل خلق المكان بلا مكان وهو الآن على ما عليه كان سبحانه يغيّر ولا يتغيّر، فالله تعالى لا يسكن في السماء ولا يجلس على العرش ولا يحل في مكان واحد ولا في كل مكان ومن قال بالحلول فدينه معلول، والله سبحانه الأعلى من كل شيء قدراً لا مكانا وهو سبحانه الأكبر من كل شيء قدرا لا حجما. هذه العقيدة لا ينكرها مسلم في الأرض ولا في السماء، هذه عقيدة الملائكة وكلِ الأنبياء، وهي عقيدة أهل السلف والخلف من المسلمين، وهي العقيدة المنجية يوم القيامة من الخلود الأبدي في النار.

وبيان ذلك أنّ الله هو الخالق، وكلّ ما سوى الله مخلوق. والخالق تعالى لا يشبه المخلوقات ولا يحتاج إليها، قال تعالى: {ليس كمثله شيء} وقال سبحانه: {فإنّ الله غنيّ عن العالمين} ، ومن جملة العالمين السماءُ والعرش والجهات الستّ وكلُّ الأمكنة، فالله سبحانه غنيّ عنها وعن غيرها كما أخبر، فالله تعالى لا يسكن السماء ولا أيّ مكان آخر، وهو تعالى لا يجلس على العرش، إذ الساكن في شيء أو الجالس على شيء لا يكون غنيّا عنه بل يكون بحاجة إليه، والمحتاج ضعيف لا يستحق الألوهية.

فمن زعم أو اعتقد أن الله تعالى ساكن في  السماء أو متحيّز فوقها، أو جالس على العرش أو حالّ في كل مكان أو في مكان واحد، لا يكون من المسلمين لأنه كذّب قول الله تعالى {فإنّ الله غنيّ عن العالمين}.

وأما من قال بقول أهل السنة إن الله تعالى استوى على العرش استواء يليق به سبحانه لا كما يخطر للبشر، فاعتقاده سليم لأنه لم يعتقد أن الله تعالى جسم جالس أو مستقرّ على العرش. واعلم أن من قال “الله في السماء” بمعنى أنه سبحانه عالي القدر جدًا فاعتقاده سليم لأنه لم يعتقد أنّ الله ساكن فيها. 

واعلم رحمك الله أن الله تعالى ليس جسما، قال الله تعالى: {ولم يكن له كفوا أحد} ، وقال الله تعالى: {ليس كمثله شيء}، معناه أن الله لا مثيل له ولا شبيه له ولا نظير له بأيّ وجه من الوجوه، لا شبيه له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله سبحانه. فالله تعالى ليس جسما كبيرا ولا صغيرا ولا طويلا ولا قصيرا ولا سمينا ولا نحيلا، الله سبحانه ليس له طول ولا عرض ولا لون ولا وزن ولا سمك ولا تركيب ولا يوصف بصفات الأجسام سبحانه لأنه ليس حجما.

ثم لو كان الله الخالق يشبه المخلوق لجاز عليه ما يجوز على المخلوق من عجز وموت ومرض وألم وهذا محال على الله، ولكان له سبحانه أمثال لا تعدّ ولا تحصى وهذا أيضا محال.

واعلم كذلك أن أهل السنة والجماعة لا يصفون الله بالكيف وهو كل ما كان من صفات المخلوقات، إنما يقولون: “الكيف عنه مرفوع” أي أن الكيفيات كلها مستحيلة على الله كما ثبت عن الإمام مالك،  وهو رضي الله عنه لم يقل (الكيف مجهول) بل قال “والكيف عنه مرفوع” أي غير معقول، معناه لا يجوز على الله تعالى.  

 واعلم رحمك الله أن من اعتقد أن الله جسم أو يشبه الأجسام أو اعتقد أن الله ساكن في السماء أو في مكان آخر أو منتشر في كل مكان، فليس بمسلم ولا هو مؤمن لأن في قلبه خللا في أصل العقيدة، وهذا كمن يعتقد أن لله تعالى زوجة أو ولدا، لا ينفعه أن يقول بلسانه أنا مسلم، ولا يُقبل منه وضوء ولا صلاة ولاصيام ولا حج ولا زكاة، ويجب على كلّ منهما تصحيح عقيدته والنطق بالشهادتين ليصير من المسلمين.

والشهادتان هما: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، أو ما يعطي هذا المعنى كأن يقول: لا ربّ إلا الله محمد نبيّ الله.

هذه عقيدة التنزيه وهي عقيدة أهل السنة والجماعة نصرهم الله، وتنزيه الله معناه نفي النقص عن الله.  أهل السنة والجماعة يثبتون ما أثبت الله لنفسه من الصفات من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف، وليس هذا منهم تعطيلا ولا نفيا لصفات الله تعالى. والحمد لله رب العالمين.

أقوال العلماء في أن الله موجود بلا مكان

الله موجود بلا مكان

الإمام أبو منصور البغدادي هو ممن نقل الإجماع على أنّ الله لا يحويه مكان منذ أكثر من ألف سنة.

وهذا في كتابه “الفرق بين الفرق”، الذي بيّن فيه عقيدة الفرقة الناجية بعد أن ذكر عقائد ومفاسد فرق أهل الضلال. طبع دار المعرفة ط۳\ص٢٩٢:

”وأجمعوا -أي أهل السنة والجماعة- على أنه لا يحويه مكان، ولا يجري عليه زمان، على خلاف قول من زعم من الهشاميّة والكرّاميّة أنه مماسّ لعرشه، وقد قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: إن الله تعالى خلق العرش إظهارًا لقدرته لا مكانًا لذاته، وقال أيضا: قد كان ولا مكان وهو الآن على ما كان”.

كتاب غاية المرام لسيف الدين الآمدي، طبع دار الكتب العلمية ط١\ ص١٥٩

معتقد أهل الحق أنّ البارئ لا يشبه شيئا من الحادثات ولا يماثله شيء من الكائنات بل هو بذاته منفرد عن جميع المخلوقات، وأنه ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض، ولا تحله الكائنات ولا تمازجه الحادثات ولا له مكان يحويه ولا زمان هو فيه، أوّل لا قبل له، وآخر لا بعد له، ليس كمثله شىء

كتاب “الأسماء والصفات” للحافظ البيهقي، طبع دار الكتاب العربي ط٢\ج٢\ص ١٤٤

قال: ”وَالَّذِي رُوِيَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى نَفْيِ الْمَكَانِ عَنِ الله تَعَالَى، وَأَنَّ الْعَبْدَ أَيْنَمَا كَانَ فَهُوَ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ مِنَ الله تَعَالَى سَوَاءٌ، وَأَنَّهُ الظَّاهِرُ، فَيَصِحُّ إِدْرَاكُهُ بِالْأَدِلَّةِ؛ الْبَاطِنُ، فَلَا يَصِحُّ إِدْرَاكُهُ بِالْكَوْنِ فِي مَكَانٍ”

ثم قال: ”وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي نَفْيِ الْمَكَانِ عَنْهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «أَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ. وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ». وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَوْقَهُ شَيْءٌ وَلَا دُونَهُ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ فِي مَكَانٍ”.

قال الرّازي في تفسيره المعروف بالتفسير الكبير طبع دار الكتب العلمية ط٢\ج١٤\ص٩۳ :

”قال الله تعالى: ﴿وَالله الغَنِيّ﴾ حكم بكونه غنيًا على الإطلاق، وذلك يوجب كونه تعالى غنيا عن المكان والجهة”.اهـ.

وفي ج٢٥\ص١٩٤: ”ولو تدبّر الإنسان القرءان لوجده مملوءا من عدم جواز كونه -تعالى- في مكان”. اهـ.

وفي تفسيره للآية ٥٤ من سورة الأعراف، ج١٤\ص٩٢ قال: ”فثبت أنّ القول بأنه تعالى حاصل في الحيّز والجهة قولٌ باطل على كل الاعتبارات”.اهـ.

أما في ج٢٧\ص١٢٤: ”قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ عَلِيًّا الْعُلُوَّ فِي الْجِهَةِ وَالْمَكَانِ لِمَا ثَبَتَتِ الدَّلَالَةُ عَلَى فَسَادِهِ”.اهـ.

كتاب “تفسير القرطبي”، والمعروف كذلك باسم “الجامع لأحكام القرءان”. طبع دار الكتب العلمية ط٢\ج١٨\ص١٤١

”وَوَصْفُهُ بِالْعُلُوِّ وَالْعَظَمَةِ لَا بِالْأَمَاكِنِ وَالْجِهَاتِ وَالْحُدُودِ لِأَنَّهَا صِفَاتُ الْأَجْسَامِ. وَإِنَّمَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي بِالدُّعَاءِ إِلَى السَّمَاءِ لِأَنَّ السَّمَاءَ مَهْبِطُ الْوَحْيِ، وَمَنْزِلُ الْقَطْرِ (أي المطر)، وَمَحَلُّ الْقُدُسِ (أي جبريل)، وَمَعْدِنُ (أي مكان) الْمُطَهَّرِينَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَإِلَيْهَا تُرْفَعُ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، وَفَوْقَهَا عَرْشُهُ وَجَنَّتُهُ، كَمَا جَعَلَ الله الْكَعْبَةَ قِبْلَةً لِلدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهُ خَلَقَ الْأَمْكِنَةَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهَا، وَكَانَ فِي أَزَلِهِ قَبْلَ خَلْقِ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ. وَلَا مَكَانَ لَهُ وَلَا زَمَانَ. وَهُوَ الْآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ”

وفي ج۳\ص١٨١: ”والعلي يراد به علوّ القدر والمنزلة لا علوّ المكان لأن الله منزه عن التحيّز”

قال الإمام محمد مرتضى الزبيدي في كتابه “إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين”، طبع دار الفكر ج٢\ص٢٥:

”والله تعالى مُنَزّه عن الجسمية، ولا يحُلّ فيه شيء تعالى وتقدّس عن أن يحويه مكان فيُشار إليه، أو تضمّه جهة، وإنما اختصّت السماء برفع الأيدي إليها عند الدعاء لأنها جُعلت قبلة الأدعية كما أنّ الكعبة جُعلت قبلة للمصلي يستقبلها في الصلاة، ولا يقال إن الله في جهة الكعبة”

وفي ج٢\ص٢٥: ”وإنه تعالى مقدس منزه عن التغير من حال إلى حال، والانتقال من مكان إلى مكان، وكذا الاتصال والانفصال، فإنّ كلًا من ذلك من صفات المخلوقين”.

وفي ج٢\ص١٠٤: ”فإن قيل فما بال الأيدي تُرفع إلى السماء وهي جهة العلو فأشار المصنف – أي الغزالي– إلى الجواب بقوله: فأما رفع الأيدي عند السؤال والدعاء إلى جهة السماء فهو لأنها قبلة الدعاء”. اهـ.

وفي ج٢\ص٢٥: ”قال أبو إسحاق الشيرازي : فلو كان في جهة فوق لما وُصف العبد بالقرب منه إذا سجد بل هو تعالى رفيع الدرجات”، ثم يقول : “وقال أبو منصور البغدادي: كونه على درجات مرتفعة لأنه يستحيل كونه في مكان”.

وفي ج٢\ص١٠۸: ”قال ابن القشيري: فالرب إذن موصوف بالعلو وفوقية الرتبة والعظمة منزّه عن الكون في مكان”.

وفي ج٢\ص١٠۳: ”الأصل السابع العلم بأن الله تعالى منزه الذات عن الاختصاص بالجهات، أي ليست ذاته في جهة من الجهات الست ولا في مكان من الأمكنة”. اهـ.

وفي ج٢\ص١٠٤: ”قال أبو منصور التميمي : وأما إحالة كونه في جهة فإن ذلك كإحالة كونه في مكان”.

وفي ج٢\ص١٠٤: ”وقال السبكي : صانع العالم لا يكون في جهة”.

وفي ج٤\ص۳٨٠: ”ومن ذلك دعاء أهل البيت في خصوص هذا الموقف المذكور في الصحيفة السجادية عن الإمام السجاد ذي النفقات زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين أنه كان يقول في يوم عرفة: أنت الله الذي لا يحويك مكان”.اهـ.

كتاب “الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد” طبع دار الكتب العلمية ط١\ص١٩

قال إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجويني : ”فصل: البارئ سبحانه وتعالى قائم بنفسه، متعال إلى الافتقار إلى محل يحله أو مكان يقله. واختلفت عبارات الأئمة رحمهم الله تعالى في معنى القائم بالنفس، فمنهم من قال هو الموجود المستغني عن المحل، وقال الأستاذ الإمام أبو إسحاق -أي الإسفراييني- : القائم بالنفس هو الموجود المستغني عن المحل والمخصص”.

ثم قال: ”والغرض المعني من هذا الفصل هو إقامة الدليل على تقدس الرب تبارك وتعالى عن الحاجة إلى محل”.اهـ.

وفي ص۲۱: ”ومذهب أهل الحق قاطبة أن الله سبحانه وتعالى يتعالى عن التحيّز والتخصّص بالجهات”. اهـ.

قال الإمام القزويني كتاب “مفيد العلوم ومبيد الهموم” طبع دار الكتب العلمية ص۲٤:

”والتوحيد أن يعلم أنّ الله واحد قديم لم يزل ولا يزال، كان ولا مكان وهو الآن على ما عليه، فمن اعتقد هذا فمؤمن موحّد حقًا”. اهـ.

قال الشيخ كمال الدين البياضي في كتاب “إشارات المرام من عبارات الإمام أبي حنيفة النعمان في أصول الدين”، طبع دار الكتب العلمية ط۱\ص۱٦۳:

”وقال الإمام أبو حنيفة في الفقه الأبسط: كان الله تعالى ولا مكان، كان قبل أن يخلق الخلق، كان ولم يكن أين –أي مكان- ولا خلق ولا شيء وهو خالقُ كل شيء موجدٌ له بعد العدم فلا يكون شيء من المكان والجهة قديما”

في كتاب “لسان العرب”، طبع دار الكتب العلمية ط۱\ص٧٧٩

قال الإمام اللغوي جمال الدين ابن منظور الأنصاري: ”وفي الحديث – أي القدسي– : من تقرب إليّ شبرا تقرّبت إليه ذراعا. المراد بقرب العبد من الله عزّ وجلّ القرب بالذكر والعمل الصالح، لا قرب الذات والمكان، لأنّ ذلك من صفات الأجسام والله يتعالى عن ذلك ويتقدّس”.اهـ.

في كتاب “سنن النسائي بشرح الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي” طبع دار إحياء التراث العربي\ص٢٢٦ يشرح السيوطي قول النبي ﷺ: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.

قال: ”قال القرطبي: هذا أقرب بالرتبة والكرامة لا بالمسافة، لأنه منزهٌ عن المكان والمساحة والزمان، وقال البدر بن الصاحب في تذكرته: في الحديث إشارة إلى نفي الجهة عن الله تعالى”.اهـ.

كتاب “تفسير البحر المحيط” لأبي حيّان الأندلسي، طبع دار الكتب العلمية ط۱\ج٦ في تفسير سورة الأنبياء الآية ۱٩: ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَه﴾.

قال: ”و « عند » هنا -أي كلمة (عند) هنا– لا يراد بها ظرف المكان لأنه تعالى منزه عن المكان بل المعنى شرف المكان وعلو المنزلة”. اهـ.

وفي تفسيره لقول الله تعالى: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله﴾.

قال: ”رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ فِي حَيِّزٍ وَجِهَةٍ، لِأَنَّهُ لَمَّا خُيِّرَ فِي اسْتِقْبَالِ جَمِيعِ الْجِهَاتِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي جِهَةٍ وَلَا حَيِّزٍ، وَلَوْ كَانَ فِي حَيِّزٍ لَكَانَ اسْتِقْبَالُهُ وَالتَّوَجُّهُ إِلَيْهِ أَحَقَّ مِنْ جَمِيعِ الْأَمَاكِنِ. فَحَيْثُ لَمْ يُخَصِّصْ مَكَانًا، عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا فِي جِهَةٍ وَلَا حَيِّزٍ، بَلْ جَمِيعُ الْجِهَاتِ فِي مُلْكِهِ وَتَحْتَ مُلْكِهِ، فَأَيُّ جِهَةٍ تَوَجَّهْنَا إِلَيْهِ فِيهَا عَلَى وَجْهِ الْخُضُوعِ كُنَّا مُعَظِّمِينَ لَهُ مُمْتَثِلِينَ لِأَمْرِه”.

كتاب نهاية الإقدام للشهرستاني طبع دار الكتب العلمية ط۱\ص٦٣

قال: فمذهب أهل الحق أنّ الله سبحانه لا يشبه شيئا من المخلوقات ولا يُشبهُه شيء منها بوجه من وجوه الْمُشابهة والمماثلة ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ فليس البارئ سبحانه بجوهر ولا جسم ولا عرض ولا في مكان ولا في زمان ولا قابل للأعراض ولا محل للحوادث

كتاب تفسير النسفي للإمام عبد الله بن أحمد النسفي، طبع دار النفائس ط۱\ص۲۲٠

في تفسير سورة يونس، الآية ، قول الله تعالى: ﴿ثُمَّ استَوَى عَلَى العَرْشِ﴾. قال : ”أي استولى فقد يُقدَّس الديّان عن المكان والمعبود عن الحدود”.اهـ.

وفي كتابه “البحر الرائق في شرح كنز الدقائق في فروع الحنفية”، طبع دار الكتب العلمية ط۱\ص٢٠۲ قال: ”ويكفر بإثبات المكان لله تعالى. فإن قال: الله في السماء فإن قصد حكاية ما جاء في ظاهر الأخبار لا يكفر وإن أراد المكان كفر”.

من أشهر كتب علماء أهل السنة والجماعة في علم التوحيد، كتاب الفقه الأكبر، لمؤلفه الإمام العالم أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه. وقد شرحه الملا علي القاري في كتاب سماه: “منح الروض الأزهر في شرح الفقه الأكبر”. طبع دار البشائر ط۱

قال في ص١١٧: ”ويُعلم من قول أبي حنيفة: شيء لا كالأشياء، أنه سبحانه ليس في مكان من الأمكنة، ولا في زمان من الأزمنة، لأنّ المكان والزمان من جملة المخلوقات، وهو سبحانه كان موجودًا في الأزل ولم يكن معه شيء من الموجودات”. اهـ.

وفي ص٣٣٥: ”وقد ثبت عن إمام الحرمين في نفي صفة العلو –أي المكاني– قوله: كان الله ولا عرش وهو الآن على ما كان”. اهـ.

ثم قال: ”ومما ينقض القول بالعلوّ المكاني، وضع الجبهة على الأرض مع أنّه ليس في جهة الأرض إجماعًا، وأما قول بشر المريسي في حال سجوده: سبحان ربي الأعلى والأسفل، فهو زندقة وإلحاد في أسمائه تعالى، ومن الغريب أنّه استدل على مذهبه الباطل برفع الأيدي في الدعاء إلى السماء وهو مردود، لأنّ السماء قبلة الدعاء بمعنى أنها محل نزول الرحمة التي هي سبب أنواع النعمة”. ا.هـ.

وفي ص٣٣٣: ”ذكر الشيخ الإمام ابن عبد السلام في كتاب حلّ الرموز، أنه قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: من قال لا أعرف الله تعالى في السماء هو أم في الأرض كفر، لأنّ هذا القول يوهم أنّ للحقّ مكانًا، ومن توهم أنّ للحق مكانًا فهو مشبه” ثم قال: ”ولا شك أنّ ابن عبد السلام من أجلّ العلماء وأوثقهم، فيجب الاعتماد على نقله”

وفي ص٣٥٥: ”فمَن أظلم ممن كذب على الله أو ادعى ادعاءً معينًا مشتملا على إثبات المكان والهيئة والجهة، من مقابلة وثبوت مسافة وأمثال تلك الحالة، فيصير كافرا لا محالة”.

كتاب “إحياء علوم الدين” للغزالي. طبع دار الكتب العلمية ط١\ج١\ص١٣٠

قال : ”تعالى عن أن يحويه مكان، كما تقدس على أن يحدَّه زمان، بل كان قبل أن خلق الزمان والمكان وهو الآن على ما عليه كان”.

وقال ص١٥٣: ”فأمّا رفع الأيدي عند السؤال إلى جهة السماء فهو لأنّها قبلة الدعاء”.اهـ.

في كتاب “طبقات الشافعية الكبرى”، طبع دار الكتب العلمية ط١\ج٤\ص٣٣٦ يتكلم الإمام تاج الدين السبكي في ترجمة الشيخ الكبير أبي منصور فخر الدين بن عساكر، صاحب العقيدة المشهورة والمعروفة بالعقيدة المرشدة.

ذكر السبكي العقيدة المرشدة التي فيها : ”موجود قبل الخلق، ليس له قبلٌ ولا بعد ولا فوقٌ ولا تحت ولا يمينٌ ولا شمال ولا أمامٌ ولا خلف ولا كلٌ ولا بعض ولا يقال متى كان ولا أين كان ولا كيف، كان ولا مكان، كوّن الأكوان، ودبّر الزمان، لا يتقيّد بالزمان، ولا يتخصّص بالمكان”… إلى آخر العقيدة المرشدة.

ثم قال: ”هذا آخر العقيدة وليس فيها ما ينكره سني”.اهـ. فهذه عقيدة أهل السنة والجماعة التي تُدَرَّس وتُـحَفَّظ لأطفال المسلمين شرقًا وغربًا والحمد لله رب العالمين.

وفي ص٣٤٠: ”ونقلتُ من خط الحافظ صلاح الدين العلائي رحمه الله ما يلي: وهذه العقيدة المرشدة جرى قائلها على المنهاج القويم والعقد المستقيم وأصاب فيما نزّه به العليّ العظيم”.

وفي ص٣٥٤ قال السبكي في ترجمة عبد العزيز بن عبد السلام: ”شيخ الإسلام والمسلمين، وأحد الأئمة الأعلام، سلطان العلماء، إمام عصره بلا مدافعة، القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في زمانه، ولد ٥٧٨ هـ”. ثم بعد ذلك قال:

”قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله ورضي عنه: الحمد لله ذي العزّة والجلال والقدرة والكمال والإنعام والإفضال الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ليس بجسم مصوّر ولا جوهر محدود مقدّر ولا يشبه شيئًا ولا يشبهه شيءٌ ولا تحيط به الجهات ولا تكتنفه الأرَضون ولا السموات كان قبل أن كوّن المكان ودبّر الزمان وهو الآن على ما عليه كان”.اهـ.

كتاب حاشية السنديّ على شرح الحافظ جلال الدين السيوطي على “سنن النسائي”. طبع دار إحياء التراث العربي ج٣\ص٢٢٧ عند شرح السيوطي لقول النبي ﷺ: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد). قال السندي:

”قال القرطبي : هذا أقرب بالرتبة والكرامة، لا بالمسافة والمساحة، لأنه منزه عن المكان والزمان، وقال البدر بن الصاحب في تذكرته : في الحديث إشارة إلى نفي الجهة عن الله تعالى”. ثم قال السندي: ”ثم الكلام في دلالة الحديث على نفي الجهة وإلا فكونه تعالى منزه عن الجهة معلوم بأدلته والله أعلم”.اهـ.

كتاب “التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين” لأبي المظفر الإسفرايني، طبع دار الكتب العلمية ط٢\ص١٤٨ قال في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة نصرهم الله:

”وَأَن تعلم أَنه لَا يجوز عَلَيْهِ الْكَيْفِيَّة والكميّة والأينية لِأَن من لَا مثل لَهُ لَا يُمكن أَن يُقَال فِيهِ كَيفَ هُوَ وَمن لَا عدد لَهُ لَا يُقَال فِيهِ كم هُوَ وَمن لَا أول لَهُ لَا يُقَال لَهُ مِم كَانَ وَمن لَا مَكَان لَهُ لَا يُقَال فِيهِ أَيْن كَانَ وَقد ذكرنَا من كتاب الله تَعَالَى مَا يدل على التَّوْحِيد وَنفي التَّشْبِيه وَنفي الْمَكَان والجهة وَنفي الِابْتِدَاء والأولية وَقد جَاءَ فِيهِ عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ أشفى الْبَيَان حِين قيل لَهُ: أَيْن الله فَقَالَ إِن الَّذِي أَيْن الأين لَا يُقَال لَهُ أَيْن فَقيل لَهُ كَيفَ الله فَقَالَ إِن الَّذِي كَيفَ الكيف لَا يُقَال لَهُ كَيفَ”.

وفي ص١٤٦: ”وَأَن تعلم أَن الْحَرَكَة والسكون والذهاب والمجيء والكون فِي الْمَكَان والإجتماع والإفتراق والقرب والبعد من طَرِيق الْمسَافَة والإتصال والإنفصال والحجم والجرم والجثة وَالصُّورَة والحيز والمقدار والنواحي والأقطار والجوانب والجهات كلهَا لَا تجوز عَلَيْهِ تَعَالَى لِأَن جَمِيعهَا يُوجب الْحَد وَالنِّهَايَة وَقد دللنا على اسْتِحَالَة ذَلِك على الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأصل هَذَا فِي كتاب الله تَعَالَى وَذَلِكَ أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لما رأى هَذِه العلامات على الْكَوَاكِب وَالشَّمْس وَالْقَمَر قَالَ ﴿لَا أحب الآفلين﴾ فَبيّن (أي إبراهيم) أَنّ مَا جَازَ عَلَيْهِ تِلْكَ الصِّفَات لَا يكون خَالِقًا”.

كتاب “الدر الثمين والمورد المعين شرح المورد المعين على الضروري من علوم الدين” لمحمد بن أحمد ميارة المالكي طبع دار الحديث القاهرة

قال في ص٤٥: ”نقول ونجزم ونعتقد أنّ الله لا داخل العالم ولا خارج العالم، لقيام الدلائل الواضحة على ذلك عقلا ونقلا. أما النقل فالكتاب والسنة والإجماع، وأما الكتاب فقوله تعالى : ﴿لَيْسَ كَمِثْلٍهٍ شَيْء﴾، وأما السنة فقوله ﷺ: (كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما كان عليه)، وأما الإجماع فأجمع أهل الحقّ قاطبة على أنّ الله تعالى لا جهة له فلا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا أمام ولا خلف”.

كتاب “غاية المرام في علم الكلام” للإمام العلامة سيف الدين الآمدي. طبع دار الكتب العلمية ط١\ص١٥٩

قال: ”معتقد أهل الحقّ أنّ البارئ لا يشبه شيئًا من الحادثات ولا يماثله شيء من الكائنات ولا له مكان يحويه ولا زمان هو فيه أوّل لا قبل له وآخر لا بعد له، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير”.

قال الشيخ كمال الدين البياضي في كتاب “إشارات المرام من عبارات الإمام أبي حنيفة النعمان في أصول الدين” طبع دار الكتب العلمية ط۱\ص۱٦٤:

”ولو كان (تعالى) في مكان محتاجا إلى الجلوس والقرار، مختصا بجهة من الجهات فإما أن يكون ذلك القرار والاختصاص في الأزل، أو يحدث له بعد حدوث العرش وحدوث الجهات. فإن كان الأول فقبل خلق العرش أين كان الله؟ وكيف كان في ‘أين’ ولا جهة في الأزل. وإن كان الثاني فكيف صار مختصا بمكان وجهة وعرض له ذلك الاختصاص فيما لا يزال بعد أن لم يكن متصفا بذلك الاختصاص في الأزل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا”.

ص۱٦٣: ”وقال أبو حنيفة في الوصية وهو حافظ العرش وغير العرش من غير احتياج ولو كان في مكان لكان محتاجًا إليه بالضرورة ولم يكن حافظًا له لأنّ المتمكّن محتاج إلى مكانه بحيث يستحيل وجوده بدونه فلو كان محتاجًا إليه بالقرار لما قدر على إيجاد العالم وتدبيره وحفظه لأنّ المحتاج عاجز في نفسه فكيف يقدر على تدبير غيره”.

وقال: ”وقال الإمام أبو حنيفة في الفقه الأبسط: كان الله تعالى ولا مكان، كان قبل أن يخلق الخلق، كان ولم يكن أين –أي مكان- ولا خلق ولا شيء وهو خالقُ كل شيء موجدٌ له بعد العدم فلا يكون شيء من المكان والجهة قديما”. اهـ.

كتاب “الفتاوى الهندية” المعروفة بالفتاوى العالِمْكيرية في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان طبع دار الكتب العلمية ط۱\ج٢

قال ص٢٨٢: ”يكفر بإثبات المكان لله تعالى، فلو قال لا محلّ خالي من الله يكفر، ولو قال الله تعالى في السماء، فإن قصد به حكاية ما جاء فيه ظاهر الأخبار لا يكفر وإن راد به المكان يكفر”. اهـ

كتاب “المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على كثير من الألسنة” للإمام السخاوي، طبع دار الكتب العلمية ط٢

قال ص٣٩٤: ”والله سبحانه وتعالى منزه عن الحلول في الأماكن فإنه سبحانه وتعالى كان قبل أن تحدث الأماكن”.

كتاب “مفيد العلوم ومبيد الهموم” للقازويني طبع دار الكتب العلمية

ص٢٤: ”والتوحيد أن يعلم أنّ الله واحد قديم لم يزل ولا يزال، كان ولا مكان وهو الآن على ما عليه، فمن اعتقد هذا فمؤمن موحّد حقًا”.

كتاب “روض الرياحين في حكايا الصالحين” لليافعي. طبع المكتبة التوفيقية ص٤٢٤

قال : ”قد ذكرت عقائد أئمتنا رضي الله عنهم، فأنا الآن أذكر عقيدتي معهم على جهة الاختصار وحذف حجج الأصوليين النظّار، فأقول وبالله التوفيق: الذي نعتقد أنّ أحاديث الصفات ليست على ظاهرها وأنّ لها تأويلات تليق بجلال الله تعالى الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وكذلك نعتقد ما اعتقده العارفون والعلماء العاملون أنّه سبحانه وتعالى استوى على العرش على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده استواءً منزهًا عن الحلول والاستقرار والحركة والانتقال لا يحمله العرش بل العرش وحملتُه محمولون بلطف قدرته لا يقال أين كان ؟ ولا كيف كان ولا متى، كان ولا زمان وهو الآن على ما عليه كان، تعالى عن الجهات والأقطار والحدود والمقدار لا يحلّه شيء ولا يحلّ في شيء”.

ثم قال: ”وجميع ما ذكرته في هذا الفصل هو معتقد أئمتنا من الأولياء والعلماء رضي الله عنهم وهو مذهب أهل السنة من السلف والخلف”. اهـ

قال الإمام أبو القاسم عبد الكريم القشيري في كتابه “الرسالة القشيرية” طبع مؤسسة الكتب الثقافية ط١\ص١٣ :

”وَقَالَ جَعْفَر الصادق: من زعم أَن اللَّه فِي شَيْء أَوْ من شَيْء أَوْ عَلَى شَيْء فَقَدْ أشرك إذ لو كَانَ عَلَى شَيْء لكان محمولا ولو كَانَ فِي شَيْء لكان محصورا ولو كَانَ من شَيْء لكان مُحْدَثًا [أي مخلوقًا]”

قال أبو المظفر الإسفرايني في كتابه “التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين” طبع دار الكتب العلمية، ط٢\ص١٤٨ في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة نصرهم الله:

”وَأَن تعلم أَنه لَا يجوز عَلَيْهِ الْكَيْفِيَّة والكمية والأينيّة لِأَن من لَا مثل لَهُ لَا يُمكن أَن يُقَال فِيهِ كَيفَ هُوَ وَمن لَا عدد لَهُ لَا يُقَال فِيهِ كم هُوَ وَمن لَا أول لَهُ لَا يُقَال لَهُ مِم كَانَ وَمن لَا مَكَان لَهُ لَا يُقَال فِيهِ أَيْن كَانَ وَقد ذكرنَا من كتاب الله تَعَالَى مَا يدل على التَّوْحِيد وَنفي التَّشْبِيه وَنفي الْمَكَان والجهة وَنفي الِابْتِدَاء والأولية وَقد جَاءَ فِيهِ عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ أشفى الْبَيَان حِين قيل لَهُ: أَيْن الله فَقَالَ إِن الَّذِي أَيْن الأين لَا يُقَال لَهُ أَيْن فَقيل لَهُ كَيفَ الله فَقَالَ إِن الَّذِي كَيفَ الكيف لَا يُقَال لَهُ كَيفَ”. اهـ

وقال في ص١٤٦:

”وَأَن تعلم أَن الْحَرَكَة والسكون والذهاب والمجيء والكون فِي الْمَكَان والإجتماع والإفتراق والقرب والبعد من طَرِيق الْمسَافَة والإتصال والإنفصال والحجم والجرم والجثة وَالصُّورَة والحيز والمقدار والنواحي والأقطار والجوانب والجهات كلهَا لَا تجوز عَلَيْهِ تَعَالَى لِأَن جَمِيعهَا يُوجب الْحَد وَالنِّهَايَة وَقد دللنا على اسْتِحَالَة ذَلِك على الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأصل هَذَا فِي كتاب الله تَعَالَى وَذَلِكَ أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لما رأى هَذِه العلامات على الْكَوَاكِب وَالشَّمْس وَالْقَمَر قَالَ ﴿لَا أحب الآفلين﴾ فَبيّن (أي إبراهيم) أَنّ مَا جَازَ عَلَيْهِ تِلْكَ الصِّفَات لَا يكون خَالِقًا”.

قال الزبيدي في “كتابه إتحاف السادة المتقين” طبع دار الفكر ج٢\ص٢٥:

”وهذا معنى قولِه تعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيد﴾ أي أعلم منه بنفسه، وقوله عزّ وجلّ لنبيّه ﷺ: ﴿وَاسْجُدْ واقْتَرِبْ﴾ دليل على أنّ المراد به قرب المنزلة لا قرب المكان كما زعمت المجسمة أنه مماس لعرشه إذ لو كان كذلك لازداد بالسجود منه بعدًا لا قربًا”.

حديث الجارية

سؤال النبيّ ﷺ للجارية السوداء: أين الله، كان سؤالا عن تعظيمها لله وأما قولها: في السماء، معناه عالي القدر جدا. وهذا ما عليه علماء الإسلام الأجلّاء. ومن هؤلاء الإمام النووي، إذ يقول في شرحه على صحيح مسلم، طبع دار الكتب العلمية ج٥\ص۲۲:

*”قَوْلُهُ ﷺ أَيْنَ الله قَالَتْ فِي السَّمَاءِ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ الله قَالَ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَفِيهَا مَذْهَبَانِ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا مَرَّاتٍ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ

أَحَدُهُمَا الْإِيمَانُ بِهِ مِنْ غَيْرِ خَوْضٍ فِي مَعْنَاهُ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ الله تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَتَنْزِيهِهِ عَنْ سِمَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ

وَالثَّانِي تَأْوِيلُهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ فَمَنْ قَالَ بِهَذَا قَالَ كَانَ الْمُرَادُ امْتِحَانَهَا هَلْ هِيَ مُوَحِّدَةٌ تُقِرُّ بِأَنَّ الْخَالِقَ الْمُدَبِّرَ الْفَعَّالَ هُوَ الله وَحْدَهُ وَهُوَ الَّذِي إِذَا دَعَاهُ الدَّاعِي اسْتَقْبَلَ السَّمَاءَ كَمَا إِذَا صَلَّى الْمُصَلِّي اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُنْحَصِرٌ فِي السَّمَاءِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مُنْحَصِرًا فِي جِهَةِ الْكَعْبَةِ بَلْ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّمَاءَ قِبْلَةُ الدَّاعِينَ كَمَا أَنَّ الْكَعْبَةَ قِبْلَةُ الْمُصَلِّينَ أَوْ هِيَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ الْعَابِدِينَ لِلْأَوْثَانِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَلَمَّا قَالَتْ فِي السَّمَاءِ عُلِمَ أَنَّهَا مُوَحِّدَةٌ وَلَيْسَتْ عَابِدَةً لِلْأَوْثَانِ”.

ثم قال: ”قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قَاطِبَةً فَقِيهُهُمْ وَمُحَدِّثُهُمْ وَمُتَكَلِّمُهُمْ وَنُظَّارُهُمْ وَمُقَلِّدُهُمْ أَنَّ الظَّوَاهِرَ الْوَارِدَةَ بِذِكْرِ الله تَعَالَى فِي السَّمَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ءَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرضَ﴾ وَنَحْوِهِ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا بَلْ مُتَأَوَّلَةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ”.

قال السّندي في حاشيته على شرح الحافظ جلال الدين السيوطي على “سنن النسائي”. طبع دار إحياء التراث العربي ج٣\ص١٨:

”قول النبي ﷺ: أين الله، قيل معناه في أي جهة يتوجه المتوجهون إلى الله تعالى، وقولها: في السماء، أي في جهة السماء يتوجهون، والمطلوب معرفة أن تعترف بوجوده تعالى لا إثبات الجهة لله”.

كتاب “تفسير القرطبي”، المعروف كذلك باسم “الجامع لأحكام القرءان”. طبع دار الكتب العلمية ط٢\ج٦ في تفسير قول الله تعالى: ﴿وَهُوَ الله فِي السَّمَـــوَاتِ وَفِي الأَرْض﴾:

”أي وهو الله الْمُعظّم أو المعبود – أي بحق – في السمــوات وفي الأرض” ثم قال: “والقاعدة تنزيهه جلّ وعزّ عن الحركة والانتقال وشغل الأمكنة”. اهـ.

كتاب تفسير القرطبي، طبع دار الكتب العلمية ط٢ ﴿وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾:

”الْقَهْرُ الْغَلَبَةُ، وَالْقَاهِرُ الْغَالِبُ”.

ثم قال: ”وَمَعْنَى ﴿فَوْقَ عِبادِهِ﴾ فَوْقِيَّةُ الِاسْتِعْلَاءِ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ عَلَيْهِمْ، أَيْ هُمْ تَحْتَ تَسْخِيرِهِ لَا فَوْقِيَّةَ مَكَانٍ، كَمَا تَقُولُ: السُّلْطَانُ فَوْقَ رَعِيَّتِهِ أَيْ بِالْمَنْزِلَةِ وَالرِّفْعَةِ”.

كتاب الـمُعْلِم بفوائد مسلم للمازري. طبع المؤسسة الوطنية للكتاب\الجزائر ط٢\ج١\ص٤١٢

”إنما وجّه السؤال بــ (أين) ها هنا سؤال عمّا تعتقده من جلال البارئ سبحانه وعظمته، وإشارتها إلى السماء إخبار عن جلالته تعالى في نفسها، والسماء قبلة الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلين فكما لم يدلّ استقبال الكعبة على أنّ الله جلّت قدرته فيها، لم يدلّ التوجه إلى السماء والإشارة على أنّ الله سبحانه حالّ فيها”

كتاب القبس لأبي بكر بن العربي المعافري. طبع دار الغرب الإسلامي ط٢\ج٣\ص٩٦٧

بعد أن بيّن أنّ كلمة (أين) قد يُراد بها السؤال عن المكان وعن المكانة

قال: ”والنبي ﷺ قد أطلق اللفظ وقصد به الواجب لله وهو شرف المكانة الذي يُسألُ عنها بــ (أين) ولم يجز أن يريد المكان لأنه محالٌ عليه”

كتاب دفع شبهة التشبيه لابن الجوزي

”قد ثبت عند العلماء أن الله تعالى لا تحويه السماء ولا الأرض ولا تضمه الأقطار، وإنما عرف بإشارتها تعظيم الخالق جلّ جلاله عندها”

كتاب إشارات المرام للبياضي طبع دار الكتب العلمية ط١\ص١٦٦

”فقال لها النبي ﷺ: أمؤمنة أنت؟ قالت: نعم، فقال النبي ﷺ: أين الله؟ سائلا عن المنزلة والعلوّ على العباد علوّ القهر والغلبة، ومشيرا أنه إذا دعاه العباد استقبلوا السماء دون ظاهره من الجهة. ثم قال: فأشارت إلى السماء، إشارة إلى أعلى المنازل، كما يقال: فلان في السماء أي رفيع القدر جدا”

ءَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرضَ

كتاب التفسير الكبير للطبراني ﴿ءَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرضَ﴾:

”ءَأَمنتم من في السماء وهو الملك الموكّل بالعذاب، يعني جبريل أن يخسف بكم الأرض بأمر الله تعالى”

كتاب التفسير الكبير للرازي. طبع دار الكتب العلمية ط٢ تفسير قوله تعالى: ﴿ءَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرضَ﴾

”لا يمكن إجراؤها على ظاهرها باتفاق المسلمين”

وقال في ج٣٠\ص٦١:

”وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُشَبِّهَةَ احْتَجُّوا عَلَى إِثْبَاتِ الْمَكَانِ لِلَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: ءَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةُ لَا يُمْكِنُ إِجْرَاؤُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ كَوْنَهُ فِي السَّمَاءِ يَقْتَضِي كَوْنَ السَّمَاءِ مُحِيطًا بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ، فَيَكُونُ أَصْغَرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَالسَّمَاءُ أَصْغَرُ مِنَ الْعَرْشِ بِكَثِيرٍ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الله تَعَالَى شَيْئًا حَقِيرًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَرْشِ، وَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مُحَالٌ، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: ﴿قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ﴾ [سورةَ الْأَنْعَامِ\1٢] فَلَوْ كَانَ الله فِي السَّمَاءِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِنَفْسِهِ وَهَذَا مُحَالٌ، فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ يَجِبُ صَرْفُهَا عَنْ ظَاهِرِهَا إِلَى التَّأْوِيلِ”. اهـ. فالله تعالى خلق السماء وجعلها مسكنا للملائكة فلا يحتاج إليها، لأنّ الاحتياجية تنافي الألوهية.

كتاب تفسير القرطبي. ﴿ءَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرضَ﴾

“وَقِيلَ: هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَلَائِكَةِ. وَقِيلَ: إلى جبريل وهو الملك الموكل بالعذاب. قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: أَأَمِنْتُمْ خَالِقَ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ كَمَا خَسَفَهَا بِقَارُونَ”.اهـ.

وقال: ”وَوَصْفُهُ بِالْعُلُوِّ وَالْعَظَمَةِ لَا بِالْأَمَاكِنِ وَالْجِهَاتِ وَالْحُدُودِ لِأَنَّهَا صِفَاتُ الْأَجْسَامِ. وَإِنَّمَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي بِالدُّعَاءِ إِلَى السَّمَاءِ لِأَنَّ السَّمَاءَ مَهْبِطُ الْوَحْيِ، وَمَنْزِلُ الْقَطْرِ (أي المطر)، وَمَحَلُّ الْقُدُسِ (أي جبريل)، وَمَعْدِنُ (أي مكان) الْمُطَهَّرِينَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَإِلَيْهَا تُرْفَعُ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، وَفَوْقَهَا عَرْشُهُ وَجَنَّتُهُ، كَمَا جَعَلَ الله الْكَعْبَةَ قِبْلَةً لِلدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهُ خَلَقَ الْأَمْكِنَةَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهَا، وَكَانَ فِي أَزَلِهِ قَبْلَ خَلْقِ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ. وَلَا مَكَانَ لَهُ وَلَا زَمَانَ. وَهُوَ الْآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ”

وفي ج١١ في تفسير سورة الأنبياء الآية ٨٨:

”وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: قَوْلُهُ ﷺ (لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى) الْمَعْنَى فَإِنِّي لَمْ أَكُنْ وَأَنَا فِي سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى بِأَقْرَبَ إِلَى الله مِنْهُ، وَهُوَ فِي قَعْرِ الْبَحْرِ فِي بَطْنِ الْحُوتِ. وَهَذَا يدل على أن الباري سبحانه وتعالى لَيْسَ فِي جِهَةٍ”.

كتاب تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي

﴿ءَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرضَ﴾ ﴿ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾ ”هذا مجاز وقد قام البرهان العقلي على أنّه تعالى ليس بمتحيّز في جهة”

ثم قال: ”لكن خصّ السماء بالذكر لأنها مسكن ملائكته”

ثم قال: ”وقيل جبريل وهو الملك الموكل بالخسف وغيره وقيل « من » بمعنى علا والمراد بالعلو القهر والقدرة لا بالمكان”

الاستواء

كتاب تفسير الطبري

﴿ثُمَّ اسْتوى إلى السماء﴾.

علا عليها عُلُوَّ مُلكٍ وسُلطانٍ لا عُلُوَّ انتقالٍ وزوال

كتاب إيضاح الدليل لبدر الدين بن جَماعة. طبع دار اقرأ ص١٣١

”واتّفق السلف وأهل التأويل على أنّ ما لا يليق من ذلك بجلال الرب تعالى غير مراد، كالقعود والاعتدال، واختلفوا في تعيين ما يليق بجلاله من المعاني المحتملة كالقصد والاستيلاء، فسكت السلف عنه وأوّله المؤوّلون على الاستيلاء والقهر، لتعالي الرب عن سِمات الأجسام، من الحاجة إلى الحيّز والمكان، وكذلك لا يوصف بحركة أو سكون أو اجتماع وافتراق لأن ذلك كله من سمات المحدثات وعروض الأعراض والربّ مقدّس عنه. فقوله تعالى ﴿اسْتوى﴾ يتعيّن فيه معنى الاستيلاء والقهر لا القعود والاستقرار، إذ لو كان وجوده تعالى مكانيًا أو زمانيًا للزم قِدم الزمان والمكان أو تقدمهما عليه، وكلاهما باطل. فقد صح في الحديث:”كان الله ولا شيء معه”

كتاب “الأسماء والصفات” للحافظ البيهقي، طبع دار الكتاب العربي، ط٢\ج٢\ص ١٣٩

”وليس معنى قول المسلمين: إن الله استوى على العرش، هو أنه مماس له أو متمكّن فيه أو متحيّز في جهة من جهاته، لكنه بائن (أي غير مشابه) من جميع خلقه، وإنما هو خبر جاء به التوقيف فقلنا به، ونفينا عنه التكييف، إذ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير”

“الاعتقاد على مذهب السلف أهل السنة والجماعة” للحافظ البيهقي، طبع دار الكتب العلمية، ط۲\ص٥٤ – ٥٥

“باب القول في الاستواء”. ”وَالْأَخْبَارُ فِي مِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ، وَفِيمَا كَتَبْنَا مِنَ الْآيَاتِ دَلَالَةٌ عَلَى إِبْطَالِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ أَنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾، إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ بِعِلْمِهِ لَا بِذَاتِهِ”.اهـ. فيُفهم من هذا أنّه لا يقال عن الله تعالى موجود بذاته في كلّ مكان، إنما الصواب أن يقال الله موجود بلا جهة ولا مكان.

وقال في ص٥٧:

”وَفِي الْجُمْلَةِ يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ اسْتِوَاءَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ بِاسْتِوَاءِ اعْتِدَالٍ عَنِ اعْوِجَاجٍ وَلَا اسْتِقْرَارٍ فِي مَكَانٍ، وَلَا مُمَّاسَّةٍ لِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ، لَكِنَّهُ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ بِلَا كَيْفٍ بِلَا أَيْنَ، بَائِنٌ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ، وَأَنَّ إِتْيَانَهُ لَيْسَ بِإِتْيَانٍ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، وَأَنَّ مَجِيئَهُ لَيْسَ بِحَرَكَةٍ، وَأَنَّ نُزُولَهُ لَيْسَ بِنَقْلَةٍ، وَأَنَّ نَفْسَهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ، وَأَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِصُورَةٍ، وَأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بجَارِحَةٍ، وَأَنَّ عَيْنَهُ لَيْسَتْ بِحَدَقَةٍ، وَإِنَّمَا هَذِهِ أَوْصَافٌ جَاءَ بِهَا التَّوْقِيفُ، فَقُلْنَا بِهَا وَنَفَيْنَا عَنْهَا التَّكْيِيفَ، فَقَدْ قَالَ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾، وَقَالَ: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾، وَقَالَ: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾” وهذا ما عليه أئمة السلف والخلف.

كتاب “التفسير الكبير”. طبع دار الكتب العلمية ط٢\ج٢٢\ص٦ يقول الإمام الرازيّ:

”قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ﴾ فَإِذَا كَانُوا حَامِلِينَ لِلْعَرْشِ وَالْعَرْشُ مَكَانُ مَعْبُودِهِمْ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْمَلَائِكَةُ حَامِلِينَ لِخَالِقِهِمْ ومعبودهم وذلك غير معقول لأنّ الخالق هُوَ الَّذِي يَحْفَظُ الْمَخْلُوقَ أَمَّا الْمَخْلُوقُ فَلَا يَحْفَظُ الْخَالِقَ وَلَا يَحْمِلُهُ”

وفي ج١٤\ص٩۳:

”أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ﴾ فَلَوْ كَانَ إِلَهُ الْعَالَمِ فِي الْعَرْشِ لَكَانَ حَامِلُ الْعَرْشِ حَامِلًا لِلْإِلَهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْإِلَهُ مَحْمُولًا حَامِلًا وَمَحْفُوظًا حَافِظًا وَذَلِكَ لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ”

وفي ج٤\ص٨۳ ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْش﴾

قال : ”أما قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْش﴾، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ كَوْنَهُ مُسْتَقِرًّا عَلَى الْعَرْشِ وَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِهِ وُجُوهٌ عَقْلِيَّةٌ وَوُجُوهٌ نَقْلِيَّةٌ”.

ثم قال: “وَالْكُلُّ بَاطِلٌ فَالْقَوْلُ بِكَوْنِهِ فِي الْمَكَانِ وَالْحَيِّزِ بَاطِلٌ قَطْعًا”.

وفي ج١٤\ص٩٤ ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ﴾

قال: ”فثبتت بمجموع هذه الدلائل العقلية والنقلية أنه لا يمكن حمل قوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ﴾ على الجلوس والاستقرار وشغل المكان والحيّز”.

كتاب الوصية لأبي حنيفة (١٥٠هـ)

”ونُقِرّ بأنّ الله سبحانه وتعالى على العرش استوى من غير أن يكون له حاجة واستقرار عليه وهو حافظ العرش وغير العرش من غير احتياج فلو كان محتاجًا لما قدر على إيجاد العالم وتدبيره كالمخلوقين ولو كان محتاجًا إلى الجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان الله ؟! تعالى عن ذلك علوًا كبيرا”

كتاب تفسير البيضاوي

”﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ استوى أمره أو استولى، وعن أصحابنا أن الاستواء على العرش صفة لله بلا كيف، والمعنى أنّ له تعالى استواء على العرش على الوجه الذي عناه منزَّهًا عن الاستقرار والتمكّن”

كتاب تفسير النسفي

”﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ أي استولى، فقد يُقَدَّسُ الديّانُ عن المكان والمعبود [أي بحقّ] عن الحدود [أي الحجم]”

كتاب تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي

”﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ لا يتعيّن حمل الآية على ظاهرها، هذا مع الدلائل العقلية التي أقاموها على استحالة ذلك. وقال الحسن استوى أمره.

كتاب تفسير الثعالبي

”﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ معناه عند أبي المعالي وغيره من حذّاق المتكلمين: الْمُلْكُ والسلطان، وخصَّ العرش بالذكر تشريفا له إذ هو أعظم المخلوقات [أي حجمًا]”

كتاب إرشاد الساري إلى شرح صحيح البخاري للقسطلاني طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر ط٧\ص١٤٤

”﴿ثُمَّ اسْتَوَى﴾ استولى ﴿عَلَى الْعَرْشِ﴾ أضاف الاستيلاء إلى العرش وإن كان سبحانه مستوليا على جميع المخلوقات لأن العرش أعظمها [أي حجمًا] وأعلاها، وتفسير العرش بالسرير والاستواء بالاستقرار كما يقوله المشبهة باطل لأنه تعالى كان قبل العرش ولا مكان وهو الآن كما كان لأن التغيّر من صفات الأكوان [أي المخلوقات]”

كتاب “الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد” طبع دار الكتب العلمية ط١\ص٢٢

”لم يمتنع منا حمل الاستواء على القهر والغلبة، وذلك شائع في اللغة، إذ العرب تقول استوى فلان على الممالك إذا احتوى على مقاليد الْمُلك واستعلى على الرقاب. وفائدة تخصيص العرش بالذكر أنه أعظم المخلوقات [أي حجمًا] في ظنّ البريّة، فنَصّ تعالى عليه تنبيها بذكره على ما دونه”

كتاب “التفسير الكبير”. طبع دار الكتب العلمية ط٢\ج٢٢\ص٦ يقول الإمام الرازيّ:

”﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرَشِ اسْتَوَى﴾ المشبّهة تعلّقت بهذه الآية في أن معبودهم جالس على العرش وهذا باطل بالعقل والنقل من وجوه”.

ثم قال: ”وسادسها: قوله تعالى ﴿ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية﴾ فإذا كانوا حاملين للعرش والعرش مكان معبودهم فيلزم أن تكون الملائكة حاملين لخالقهم ومعبودهم وذلك غير معقول لأنّ الخالق هو الذي يحفظ المخلوق أما المخلوق فلا يحفظ الخالق ولا يحمله”

كتاب بهجة النفوس لأبي جمرة. طبع دار الكتب العلمية ج٣\ص١٧٦:

”﴿الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ أي استوى أمره ونهيه وما شاء من حكمه”

كتاب شرح العقيدة الصغرى لاسماعيل الحامدي. طبع مطبعة مصطفى الحلبي وأولاده بمصر ص٢٠

”وأما قوله تعالى في سورة طه ﴿الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ فمعناه والله أعلم أنه مستول بقهره وعظمته وسلطانه، وليس المعنى أنه جالس على العرش لأن هذا من صفات الحوادث وهو محال في حقه تعالى، وبالجملة فكل ما خطر ببالك من صفات الحوادث فالله بخلاف ذلك”

كتاب “تفسير النسفي”. طبع دار النفائس ط١\ص۲۲٠، في تفسير قول الله تعالى: ﴿ثُمَّ استَوَى عَلَى العَرْشِ﴾ في سورة يونس

قال: *”أي استولى فقد يقدس الديّان عن المكان والمعبود عن الحدود”

كتاب “إحياء علوم الدين”. طبع دار الكتب العلمية ط١\ج١\ص ١٢٩

قال الإمام الغزالي: ”وأنه لا يحده المقدار ولا تحويه الأقطار، ولا تحيط به الجهات، ولا تكتنفه الأرضون ولا السموات، وأنه مستوٍ على العرش على الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده، استواءً منزّهًا عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال، لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته ومقهورون في قبضته”

ثم قال ص١٣٠: تعالى عن أن يحويه مكان كما تقدّس عن أن يحدّه زمان، بل كان قبل أن خلق الزمان والمكان وهو الآن على ما عليه كان.

قال الشيخ كمال الدين البياضي في كتاب “إشارات المرام من عبارات الإمام أبي حنيفة النعمان في أصول الدين”، طبع دار الكتب العلمية ط١\ص١٦٣

”وقال أبو حنيفة في الوصية وهو حافظ العرش وغير العرش من غير احتياج ولو كان في مكان لكان محتاجًا إليه بالضرورة ولم يكن حافظًا له لأنّ المتمكّن محتاج إلى مكانه بحيث يستحيل وجوده بدونه فلو كان محتاجًا إليه بالقرار لما قدر على إيجاد العالم وتدبيره وحفظه لأنّ المحتاج عاجز في نفسه فكيف يقدر على تدبير غيره”.

إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ

كتاب التفسير الكبير للطبراني ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾.

”ومعنى ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ﴾ أي يعلم ذلك كما يُقال: ارتفع الأمرُ إلى القاضي والسلطان أي عَلِمَهُ. وقيل صعود الكلم الطيّب أن يُرفَعَ ذلك مَكتوبًا أو مقبولا إلى حيث لا مالِكَ إلا الله، أي إلى سمائه يصعدُ الكلم الطيّب”

كتاب تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾.

”وصعود الكلام إليه تعالى مَجاز في الفاعل وفي المسمى إليه لأنه تعالى ليس في جهة ولأنّ الكَلِمَ ألفاظٌ لا توصف بالصعود لأن الصعود من الأجرام يكون وإنّما ذلك كناية عن القبول ووصفه بالكمال كما يقال علا كعبه وارتفع شأنه. ومنه ترافعوا إلى الحاكم ورُفِعَ الأمر إليه وليس هناك علوّ في الجهة”

كتاب التفسير الكبير للطبراني ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾.

”﴿إِلَيْهِ﴾ أي إلى الموضع الذي لا يجري لأحد سواه فيه حكم”

كتاب “فتح الباري شرح صحيح البخاري” للإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني، طبع دار الكتب العلمية ط١\ج ١٣\ص۳٥٥، يشرح قول الله تعالى: ﴿تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُوحُ إِلَيْه﴾ وقول الله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِب﴾.

فيقول: ”قَالَ الْبَيْهَقِيُّ صُعُودُ الْكَلَامِ الطَّيِّبِ وَالصَّدَقَةِ الطَّيِّبَةِ عِبَارَةٌ عَنِ الْقَبُولِ وَعُرُوجُ الْمَلَائِكَةِ هُوَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ فِي السَّمَاءِ”.

ثم قال : ”وَقَالَ ابن بَطَّالٍ غَرَضُ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ الرَّدُّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ الْمُجَسِّمَةِ فِي تَعَلُّقِهَا بِهَذِهِ الظَّوَاهِرِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الله لَيْسَ بِجِسْمٍ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مَكَانٍ يَسْتَقِرُّ فِيهِ فَقَدْ كَانَ وَلَا مَكَانَ وَإِنَّمَا أَضَافَ الْمَعَارِجَ إِلَيْهِ إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ وَمَعْنَى الِارْتِفَاعِ إِلَيْهِ اعْتِلَاؤُهُ مَعَ تَنْزِيهِهِ عَنِ الْمَكَانِ”

كتاب “التفسير الكبير”. طبع دار الكتب العلمية ط٢\ج۳٠\ص١٠٩

يقول: ” احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الله فِي مَكَانٍ، إِمَّا فِي الْعَرْشِ أَوْ فَوْقَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ”:

”الْأَوَّلُ: أَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الله تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ ذُو الْمَعَارِجِ وَهُوَ إِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي جِهَةِ فَوْقٍ”.

وَالثَّانِي: قَوْلُهُ: ﴿تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ فَبَيَّنَ أَنَّ عُرُوجَ الْمَلَائِكَةِ وَصُعُودَهُمْ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ تَعَالَى فِي جِهَةِ فَوْقٍ وَالْجَوَابُ: لَمَّا دَلَّتِ الدَّلَائِلُ عَلَى امْتِنَاعِ كَوْنِهِ فِي الْمَكَانِ وَالْجِهَةِ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ التَّأْوِيلِ”.

كتاب تفسير النسفي ﴿ثُمَ يَعرُجُ إِلَيْهِ﴾.

”ولا تمسُّك للمشبهة بقوله ﴿إِلَيْهِ﴾ في إثبات الجهة لأنَّ معناه إلى حيث يرضاه، أو أَمَرَه، كما لا تشَبُّثَ لهم بقوله: ﴿إنّي ذاهبٌ إلى ربّي﴾ ﴿إنّي مُهاجِرٌ إلى ربي﴾ ﴿ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله﴾”

وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

ممن نقل إجماع المسلمين أنّ الله تبارك وتعالى موجود بلا مكان، الإمام فخر الدين الرازي الشافعي في كتابه “التفسير الكبير” طبع دار الكتب العلمية ط٢\ج٢٩ ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ قال:

”قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ: هَذِهِ الْمَعِيَّةُ إِمَّا بِالْعِلْمِ وَإِمَّا بِالْحِفْظِ وَالْحِرَاسَةِ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَقَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَيْسَ مَعَنَا بِالْمَكَانِ وَالْجِهَةِ وَالْحَيِّزِ، فَإِذَنْ قَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ﴾ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ التَّأْوِيلِ وَإِذَا جَوَّزْنَا التَّأْوِيلَ فِي مَوْضِعٍ وَجَبَ تَجْوِيزُهُ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ” (أي حيث لا يصح الحمل على الظاهر)

في ” تفسير البحر المحيط”، طبع دار الكتب العلمية ط،١ قال أبو حيان الأندلسي في تفسير قوله تعالى ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ﴾:

”﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ﴾ أَيْ بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ. قَالَ الثَّوْرِيُّ: الْمَعْنَى عِلْمُهُ مَعَكُمْ، وَهَذِهِ آيَةٌ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فِيهَا، وَأَنَّهَا لَا تُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنَ الْمَعِيَّةِ بِالذَّاتِ، وَهِيَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ مَنَعَ التَّأْوِيلَ فِي غَيْرِهَا مِمَّا يُجْرَى مَجْرَاهَا مِنِ اسْتِحَالَةِ الْحَمْلِ عَلَى ظَاهِرِهَا”

في كتاب تفسير القرطبي

”﴿وَهُوَ مَعَكُمْ﴾ يعني بقدرته وسلطانه وعلمه ﴿أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ يبصر أعمالكم ويراها ولا يخفى عليه شيء منها. وقد جمع في هذه الآية بين ﴿ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ﴾ وبين ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ﴾ والأخذ بالظاهرين تناقض فدل على أنه لا بدّ من التأويل، والإعراضُ عن التأويل ٱعتراف بالتناقض. وقد قال الإمام أبو المعالي: إن محمداً ﷺ ليلة الإسراء لم يكن بأقرب إلى الله عز وجل من يونس بن متى حين كان في بطن الحوت. وقد تقدّم. “

حديث النزول

كتاب “شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك”، طبع دار الحديث القاهرة. ص٤٤ عن حديث النزول قال:

” كَذَا حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَوَّلَهُ بِنُزُولِ رَحْمَتِهِ وَأَمْرِهِ أَوْ مَلَائِكَتِهِ، كَمَا يُقَالُ فَعَلَ الْمَلِكُ كَذَا أَيْ أَتْبَاعُهُ بِأَمْرِهِ”

ثم قال ”وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ لَكَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَغْلَبَ فِي الِاسْتِجَابَةِ ذَلِكَ الْوَقْتُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ إِجَابَةِ الدَّاعِي وَغُفْرَانِهِ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ وَتَنْبِيهٌ عَلَى فَضْلِ الْوَقْتِ كَحَدِيثِ: ” إِذَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا. الْحَدِيثَ، لَمْ يُرِدْ قُرْبَ الْمَسَافَةِ لِعَدَمِ إِمْكَانِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْعَمَلَ مِنَ الْعَبْدِ وَمِنْهُ تَعَالَى الْإِجَابَةُ. وَحَكَى ابْنُ فُورَكَ أَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ ضَبَطَهُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى حَذْفِ الْمَفْعُولِ أَيْ يُنْزَلُ مَلَكًا، قَالَ الْحَافِظُ: وَيُقَوِّيِهِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ: «أَنَّ الله يُمْهِلُ حَتَّى يَمْضِيَ شَطْرُ اللَّيْلِ، ثُمَّ يَأْمُرُ مُنَادِيًا يَقُولُ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَيُسْتَجَابُ لَهُ؟» ” الْحَدِيثَ. وَحَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ عِنْدَ أَحْمَدَ: ” «يُنَادِي مُنَادٍ: هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ؟» الْحَدِيثَ”

ثم قال: ”وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: لَمَّا ثَبَتَ بِالْقَوَاطِعِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الْجِسْمِيَّةِ وَالتَّحَيُّزِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ النُّزُولُ عَلَى مَعْنَى الِانْتِقَالِ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ أَخْفَضَ مِنْهُ”

يقول الإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في كتابه “صيد الخاطر”، طبع دار الكتاب العربي ص٣١٢:

”فترى أقوامًا يسمعون أخبار الصفات فيحملونها على ما يقتضيه الحس، كقول قائلهم ينزل بذاته إلى السماء وينتقل وهذا فهم رديء، لأنّ المنتقل يكون من مكان إلى مكان، ويوجب ذلك كون المكان أكبر منه ويَلزم منه الحركة وكل ذلك محال على الحق عزّ وجلّ”.

كتاب المنهل العميم بحاشية المنهج القويم للترمسي. طبع دار المنهاج ج٣\ص٦٠٥

”قال ابن المقري: النزول راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته، بل ذاك عبارة عن مَلَكِهِ الذي ينزل بأمره ونهيه”

كتاب القبس لأبي بكر بن العربي المعافري. طبع دار الغرب الإسلامي ط٢\ج١\ص٢٨٩

”والنزول في اللغة في الحقيقة حركة، والحركة لا تجوز على الله سبحانه وتعالى، فلم يبق إلا العدول عن حقيقة النزول إلى مجازه”

قول الإمام مالك في الاستواء

كتاب تفسير السمرقندي (٣٧٥ هـ). طبع دار الكتب العلمية ج١\ص٥٤٥

وذكر أن رجلا دخل على مالك بن أنس فسأله عن قوله ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرَشِ اسْتَوَى﴾ فقال: الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهول والكَيْفِيَّةُ غيرُ معقولة والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أراك إلا ضالا. فأخرجوه

كتاب “الأسماء والصفات” للحافظ البيهقي (٤٥٨ هـ)، طبع دار الكتاب العربي، ط٢\ج٢\ص ١٥٠ – ١٥١

جاء رجلٌ فقال: يا أبا عبد الله، ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرَشِ اسْتَوَى﴾ فكَيْفَ اسْتَوَى فَأَطْرَقَ رَأْسَهُ مَلِيًّا وَعَلَتْهُ الرُّحَضَاءُ ثُمَّ قَالَ: الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهول، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ والْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ وَمَا أراك إلا مبتدِعًا، فأمر به أن يخرج

قال الحافظ البيهقي (٤٥٨ هـ) في كتابه “الاعتقاد على مذهب السلف أهل السنة والجماعة”، طبع دار الكتب العلمية، ط۲\ص٥٦

جاء رجلٌ فقال: يا أبا عبد الله، ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرَشِ اسْتَوَى﴾ كَيْفَ اسْتَوَى فَأَطْرَقَ رَأْسَهُ مَلِيًّا وَعَلَتْهُ الرُّحَضَاءُ ثُمَّ قَالَ: الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهول، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ والْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ وَمَا أراك إلا مبتدِعًا، فأمر به أن يخرج

كتاب دفع شبه التشبيه لابن الجوزي (٥٩٧ هـ). طبع دار الإمام الروّاس ص١٢٢

دخل رجلٌ فقال: يا أبا عبد الله، ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرَشِ اسْتَوَى﴾ فكَيْفَ اسْتَوَى؟ فَأَطْرَقَ مالك وأخذته الرُّحَضَاءُ ثُمَّ رفع رأسه فقَالَ: الرَّحْمَنُ عَلَى العَرَشِ اسْتَوَى كما وصف نفسه ولا يُقال له كيف، وكيف عنه مرفوع وأنت رجل سوء صاحب بدعة فأخرجوه فأُخرِج

كتاب الذخيرة للقرافي (٦٨٤ هـ) طبع دار الغرب الإسلامي ص٢٤٢

قال رجل لمالك: يا أبا عبد الله، ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرَشِ اسْتَوَى﴾ كَيْفَ اسْتَوَى؟ قال: الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهول والكَيْف غيرُ معقول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب وأراك صاحب بدعة أخرِجوه

كتاب تفسير الخازن (٧٢٥هـ). طبع دار الفكر ص٢٣٨

دخل رجل فقال يا أبا عبد الله ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرَشِ اسْتَوَى﴾ كيف استواؤه، قال فأطرق مالك وأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال الرَّحْمَنُ عَلَى العَرَشِ اسْتَوَى كما وصف نفسه ولا يُقال له كيف، وكيف عنه مرفوع وأنت رجل سوء صاحب بدعة فأخرجوه فأُخرِج

في “تفسير البحر المحيط”، طبع دار الكتب العلمية، ط۱\ج٤\ص٣۱٠ يقول أبو حيّان الأندلسي (٧٤٥هـ):

وَسَأَلَ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ رَجُلٌ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: كَيْفَ اسْتَوَى فَأَطْرَقَ رَأْسَهُ مَلِيًّا وَعَلَتْهُ الرُّحَضَاءُ ثُمَّ قَالَ: الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ والْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ وَمَا أَظُنُّكَ إِلَّا ضَالًّا ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ.

كتاب تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور (١٣٩٣ هـ). طبع الدار التونسية للنشر ص١٦٣

سأل رجل مالكا فقال: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرَشِ اسْتَوَى﴾. كيف استوى يا أبا عبد الله، فسكت مالك مليًّا حتى علاه الرحضاء ثم سُرِّيَ عنه فقال: الِاسْتِوَاءُ معلوم، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ والسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ والإيمان به واجب وإنّي لأظنّك ضالًا

هذا كلام العلماء فيما نقلوه عن الإمام مالك رحمه الله في نفيه الكيف عن الله سبحانه وتعالى، وليس الأمر كما تزعم الْمُشَبِّهة، الذين يحرّفون الرواية فيقولون إنّ الإمام مالك قال: الاستواء معلوم والكيف مجهول. فما أبعد قولهم هذا عن قول الإمام مالك رضي الله عنه.

السماء قبلة الدعاء

كتاب “تفسير القرطبي”، والمعروف كذلك باسم “الجامع لأحكام القرءان”. طبع دار الكتب العلمية ط٢\ج١٨\ص١٤١

”وَوَصْفُهُ بِالْعُلُوِّ وَالْعَظَمَةِ لَا بِالْأَمَاكِنِ وَالْجِهَاتِ وَالْحُدُودِ لِأَنَّهَا صِفَاتُ الْأَجْسَامِ. وَإِنَّمَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي بِالدُّعَاءِ إِلَى السَّمَاءِ لِأَنَّ السَّمَاءَ مَهْبِطُ الْوَحْيِ، وَمَنْزِلُ الْقَطْرِ (أي المطر)، وَمَحَلُّ الْقُدُسِ (أي جبريل)، وَمَعْدِنُ (أي مكان) الْمُطَهَّرِينَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَإِلَيْهَا تُرْفَعُ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، وَفَوْقَهَا عَرْشُهُ وَجَنَّتُهُ، كَمَا جَعَلَ الله الْكَعْبَةَ قِبْلَةً لِلدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهُ خَلَقَ الْأَمْكِنَةَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهَا، وَكَانَ فِي أَزَلِهِ قَبْلَ خَلْقِ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ. وَلَا مَكَانَ لَهُ وَلَا زَمَانَ. وَهُوَ الْآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ”

قال الإمام محمد مرتضى الزبيدي في كتابه “إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين”، طبع دار الفكر ج٢\ص٢٥:

”والله تعالى مُنَزّه عن الجسمية، ولا يحُلّ فيه شيء تعالى وتقدّس عن أن يحويه مكان فيُشار إليه، أو تضمّه جهة، وإنما اختصّت السماء برفع الأيدي إليها عند الدعاء لأنها جُعلت قبلة الأدعية كما أنّ الكعبة جُعلت قبلة للمصلي يستقبلها في الصلاة، ولا يقال إن الله في جهة الكعبة”

وفي ج٢\ص١٠٤: ”فإن قيل فما بال الأيدي تُرفع إلى السماء وهي جهة العلو فأشار المصنف – أي الغزالي– إلى الجواب بقوله: فأما رفع الأيدي عند السؤال والدعاء إلى جهة السماء فهو لأنها قبلة الدعاء”. اهـ.

من أشهر كتب علماء أهل السنة والجماعة في علم التوحيد، كتاب الفقه الأكبر، لمؤلفه الإمام العالم أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه. وقد شرحه الملا علي القاري في كتاب سماه: “منح الروض الأزهر في شرح الفقه الأكبر”. طبع دار البشائر ط۱

ص٣٣٥: ”ومما ينقض القول بالعلوّ المكاني، وضع الجبهة على الأرض مع أنّه ليس في جهة الأرض إجماعًا، وأما قول بشر المريسي في حال سجوده: سبحان ربي الأعلى والأسفل، فهو زندقة وإلحاد في أسمائه تعالى، ومن الغريب أنّه استدل على مذهبه الباطل برفع الأيدي في الدعاء إلى السماء وهو مردود، لأنّ السماء قبلة الدعاء بمعنى أنها محل نزول الرحمة التي هي سبب أنواع النعمة”. ا.هـ.

كتاب “إحياء علوم الدين” للغزالي. طبع دار الكتب العلمية ط١\ج١\ص١٣٠

ص١٥٣: ”فأمّا رفع الأيدي عند السؤال إلى جهة السماء فهو لأنّها قبلة الدعاء”.اهـ.

شرح الإمام النووي على صحيح مسلم، طبع دار الكتب العلمية ج٥\ص۲۲:

”الْخَالِق الْمُدَبِّر الْفَعَّال هُوَ الله وَحْدَهُ وَهُوَ الَّذِي إِذَا دَعَاهُ الدَّاعِي اسْتَقْبَلَ السَّمَاءَ كَمَا إِذَا صَلَّى الْمُصَلِّي اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُنْحَصِرٌ فِي السَّمَاءِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مُنْحَصِرًا فِي جِهَةِ الْكَعْبَةِ بَلْ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّمَاءَ قِبْلَةُ الدَّاعِينَ كَمَا أَنَّ الْكَعْبَةَ قِبْلَةُ”.

كتاب الـمُعْلِم بفوائد مسلم للمازري. طبع المؤسسة الوطنية للكتاب\الجزائر ط٢\ج١\ص٤١٢

”والسماء قبلة الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلين فكما لم يدلّ استقبال الكعبة على أنّ الله جلّت قدرته فيها، لم يدلّ التوجه إلى السماء والإشارة على أنّ الله سبحانه حالّ فيها”

تفسير قوله تعالى

وَرَافِعُكَ إِلَيَّ

كتاب التفسير الكبير للرازي تفاسير قوله تعالى: ﴿وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ ومنها قوله: ”إلى محلّ كرامتي” ومنها قوله: ”ورافعك إلى محلّ ثوابك ومُجازاتك”

كتاب تفسير النسفي قوله تعالى: ﴿وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ ”إلى سمائي ومقرّ ملائكتي”

كتاب تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي

”قوله تعالى ﴿وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ إلى سمائي ومقرّ ملائكتي، وقيل إلى مكان لا يملك الحكم فيه في الحقيقة ولا في الظاهر إلا أنا”

وقال: ”قال ابن عباس: رفعه إلى السماء، سماء الدنيا فهو فيها يُسبّح مع الملائكة”

تفسير قوله تعالى وَهُوَ الْعَلِيُّ

كتاب تفسير الطبري “﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ﴾ ذو العُلُوِّ والارتفاع على خلقه بقدرته”

كتاب الجامع لأحكام القرءان وهو تفسير القرطبي “﴿الْعَلِيُّ﴾ يُراد به علوّ القدر والمنزلة لا علوّ المكان لأنَّ اللهَ مُنَزّهٌ عن التحيّز”

تفسير قوله تعالى وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ

كتاب التفسير الكبير للطبراني

“﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ أي وهو الغالبُ على أمر عباده. والقهرُ هو الاستعلاء بالاقتدار على الغلبة. وأراد بقوله ﴿فَوْقَ﴾ أنهم تحت التسخير والتذليل عمّا علاهم من الاقتدار عليهم”

كتاب تفسير القرطبي، طبع دار الكتب العلمية ط٢ ﴿وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾:

”الْقَهْرُ الْغَلَبَةُ، وَالْقَاهِرُ الْغَالِبُ”.

ثم قال: ”وَمَعْنَى ﴿فَوْقَ عِبادِهِ﴾ فَوْقِيَّةُ الِاسْتِعْلَاءِ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ عَلَيْهِمْ، أَيْ هُمْ تَحْتَ تَسْخِيرِهِ لَا فَوْقِيَّةَ مَكَانٍ، كَمَا تَقُولُ: السُّلْطَانُ فَوْقَ رَعِيَّتِهِ أَيْ بِالْمَنْزِلَةِ وَالرِّفْعَةِ”.

تفسير قوله تعالى يَخَافُونَ رَبَّهُم مِنْ فَوْقِهِم

كتاب الجامع لأحكام القرءان وهو تفسير القرطبي

“﴿يَخَافُونَ رَبَّهُم مِنْ فَوْقِهِم﴾ أي عقاب ربهم وعذابه، لأنّ العذاب الْمُهلِك إنما ينزل من السماء. وقيل المعنى يخافون قدرة ربهم التي هي فوق قدرتهم”

تفسير قوله تعالى وَهُوَ الله فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ

كتاب الجامع لأحكام القرءان وهو تفسير القرطبي

”قوله تعالى ﴿وَهُوَ الله فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ﴾ أي وهو الله الْمُعَظّم أو المعبود في السموات وفي الأرض، كما تقول زيد الخليفة في الشرق والغرب أي حُكمُه”

ثم قال: ”وقيل المعنى وهو الله يعلم سرّكم وجهركم في السموات وفي الأرض فلا يخفى عليه شيء”.

ثم قال: ”والقاعدة تنزيهه -جلّ وعزّ- عن الحركة والانتقال وشُغلِ الأمكنة”

تفسير قوله تعالى أَوْيَأْتِي رَبُّك

كتاب التفسير الكبير للطبراني

”﴿أَوْيَأْتِي رَبُّك﴾ معناه: أو يأتي أمر ربك بإهلاكهم والانتقام منهم إما بعقاب عاجل أو بالقيامة”

كتاب الجامع لأحكام القرءان وهو تفسير القرطبي

”﴿أَوْيَأْتِي رَبُّك﴾ قال ابن عباس والضحاك: أمر ربك فيهم بالقتل أو غيره”.

ثم قال: ”كذلك هنا: يأتي أمر ربك، أي عقوبة ربك وعذاب ربك”

قال الشافعي: لا يكفر أحد من أهل القبلة، واستثنى من ذلك المجسّم ومنكر علم الجزئيات

في كتاب “الفتاوى الهندية” المعروفة بالفتاوى العالِمْكيرية في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان طبع دار الكتب العلمية ط١\ج٢\ص٢٨٢:

”يكفر بإثبات المكان لله تعالى، فلو قال لا محلّ خالي من الله يكفر، ولو قال الله تعالى في السماء، فإن قصد به حكاية ما جاء فيه ظاهر الأخبار لا يكفر وإن راد به المكان يكفر”.

قال الإمام أبو القاسم عبد الكريم القشيري في كتابه “الرسالة القشيرية” طبع مؤسسة الكتب الثقافية ط١\ص۱٠:

“وسمعت الإمام أبا بكر ابن فورك رحمه الله يقول: سمعت أبا عثمان المغربي يقول : كنت أعتقد شيئا من حديث الجهة، فلما قدمت بغداد زال ذلك عن قلبي، فكتبت إلى أصحابنا بمكة أني أسلمت الآن إسلاما جديدا”.اهـ.

كتاب الفقه الأبسط للإمام أبي حنيفة

”من قال لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض فقد كفر، وكذا من قال إنه على العرش. قال الكوثري: ولم يذكر في المتن وجه كفره فبيّنه الشارح أبو الليث السمرقندي بقوله: لأنه بهذا القول يوهم أن يكون له تعالى مكان فكان مشركا”

كتاب الأشباه والنظائر للسيوطي. طبع دار الكتب العلمية ط١\ص٤٨٨

”قال الشافعي: لا يكفر أحد من أهل القبلة، واستثنى من ذلك المجسّم ومنكر علم الجزئيات”

كتاب العقيدة الطحاوية لأبي جعفر الطحاوي

”ومن وصف الله بمعنى [أي بصفة] من معاني البشر فقد كفر”

كتاب شعب الإيمان للبيهقي. طبع مكتبة الرشد ج١\ص١٩٢

”وأما البراءة من التشبيه بإثبات أنه -تعالى- ليس بجوهر ولا عَرَض فلأنّ قومًا زاغوا عن الحق فوصفوا البارئ جلَّ وعزّ ببعض صفات الْمُحْدَثين [أي المخلوقين]، فمنهم من قال: إنه جوهر، ومنهم من قال إنه جسم، ومنهم من أجاز أن يكون على العرش كما يكون الملِك على سريره، وكان ذلك في وجوب اسم الكفر لقائله كالتعطيل والتشريك”

كتاب شرح عقيدة مالك الصغير للقاضي عبد الوهاب المالكي. طبع دار الكتب العلمية ط١\ص٢٨

”ولا يجوز أن يثبت له (أي لله) كيفية لأن الشرع لم يرد بذلك ولا أخبر النبيّ عليه السلام فيه بشىء ولا سألته الصحابة عنه، ولأن ذلك يرجع إلى التنقّل والتحوّل وإشغال الحيّز والافتقار إلى الأماكن، وذلك يَؤُول إلى التجسيم وإلى قِدم الأجسام، وهذا كفر عند كافة أهل الإسلام” اهـ. [أي أنّ الإجماعَ انعقد على أنَّ من نسب إلى الله الجسمية فهو كافر، وأن القائل بقِدَم الأجسام وأزليتها كافر أيضًا]

كتاب الغنية في أصول الدين للمتولي. طبع مؤسسة الكتب الثقافية ص٧٤

”والغرض من هذا الفصل نفي الحاجة إلى المحلّ والجهة خلافا للكرّاميّة والحشَويّة والمشبّهة الذين قالوا إن لله جهة فوق. وأطلق بعضهم القول بأنه جالس على العرش مستقر عليه تعالى الله عن قولهم. والدليل على أنه مستغني عن المحلّ أنّه لو افتقر إلى المحل لزم أن يكون المحل قديما لأنه قديم، أو يكون حادثًا كما أن المحل حادث وكلاهما كفر”. ثم قال: “والدليل عليه أنه لو كان على العرش على ما زعموا لكان لا يخلو إمّا أن يكون مثل العرش أو أصغر منه أو أكبر، وفي جميع ذلك إثبات التقدير والحد [أي الحجم] والنهاية وهو كفر”

كتاب مجموعة رسائل الإمام الغزالي. طبع المكتبة التوفيقية ص٣٢١

”فإن خطر بباله أنَّ الله جسم مركّب من أعضاء فهو عابد صنم، فإنَّ كلّ جسم مخلوق وعبادة المخلوق كفر، وعبادة الصنم كانت كفرًا لأنه مخلوق، وكان مخلوقًا لأنه جسم، فمن عبد جسمًا فهو كافر بإجماع الأمة السلف منهم والخلف”

كتاب تبصرة الأدلة لأبي المعين النسفي

”والله تعالى نفى المماثلة بين ذاته وبين غيره من الأشياء فيكون القول بإثبات المكان له ردًا لهذا النص المحكم [ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ ] الذي لا احتمال فيه بوجه ما سوى ظاهره ورادُّ النص كافر عصمنا الله تعالى عن ذلك”

كتاب أصول الدين للرازي . طبع المكتبة الأزهرية للتراث ص١٤٤

”المجسمة كفار لأنهم اعتقدوا أن كل ما لا يكون متحيزًا ولا في جهة ليس بموجود، ونحن نعتقد أن كل متحيز فهو محدَث، وخالقه موجود ليس بمتحيز ولا في جهة. فالمجسمة نفَوا ذات الشىء الذي هو الإله، فيلزمهم الكفر”

كتاب التفسير الكبير للرازي. طبع دار الكتب العلمية ط٢\ج١٤\ص٩۳ :

*”وعدم وصفه بالمكان والجهة دين موسى، وسائر جميع الأنبياء، وجميع وصفه تعالى بكونه في السماء [أي ساكن السماء] دين فرعون وإخوانه من الكفرة”

كتاب المفهم للقرطبي. دار الكلم الطيب ج٦\ص٦٩٧

”و(قوله: إذا رأيتم الذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم) يعني: يتّبعونه ويجمعونه طلبًا للتشكيك في القرءان وإضلال العوامّ كما فعلته الزنادقة والقرامطة الطاعنون في القرءان، أو طلبًا لاعتقاد ظواهر المتشابه كما فعلته المجسمة الذين جمعوا ما في الكتاب والسّنة مما ظاهره الجسمية، حتى اعتقدوا أن البارئ تعالى جسم مجسَّم وصورة مصوَّرة ذات وجه وعين ويد وجنب ورِجل وإصبع تعالى الله عن ذلك، فحذّر النبي ﷺ عن سلوك طريقهم” ثم قال: “فالصحيح القول بتكفيرهم، إذ لا فرق بينهم وبين عبّاد الأصنام والصور”

كتاب حل الرموز للعز بن عبد السلام. طبع جريدة الإسلام ص٤٤

”وقال أبو حنيفة: من قال (لا أعرف الله أفي السماء هو أم في الأرض هو) فقد كفر لأن هذا القول يوهم أنّ لله مكانا ومن توهم أن لله مكانا فهو مشبّه”

كتاب روضة الطالبين للنووي. في أوّل كتاب الردة

”وأما التفصيل فقال المتولّي: من اعتقد قِدَم العالم أو حدوث الصانع أو نفى ما هو ثابت للقديم بالإجماع ككونه عالِمًا قادرًا، أو أثبت ما هو منفي عنه بالإجماع كالألوان، أو أثبت له الاتصال والانفصال كان كافرًا”

كتاب الاختيار لتعليل المختار لابن مودود الموصلي الحنفي. طبع دار الكتب العلمية ج٢\ص١٤٩

”ولا تُقبل شهادة المجسّمة لأنهم كَفَرَة”

كتاب البحر الرائق لحافظ الدين النسفي. طبع دار الكتب العلمية ج٥\ص٢٠٣

”ويكفر بقوله يجوز أن يفعل الله فعلا لا حكمة فيه وبإثبات المكان لله تعالى فإن قال الله في السماء فإن قصد حكاية ما جاء في ظاهر الأخبار لا يكفر، وإن أراد المكان كفر، وإن لم يكن له نية كُفُر عند الأكثر وهو الأصح وعليه الفتوى”

كتاب تشنيف المسامع للزركشي. طبع دار الكتب العلمية ج٢\ص٢٤٩

”ونقل صاحب الخصال من الحنابلة عن أحمد أنه قال: من قال إن الله جسم لا كالأجسام كفر” [صاحب الخصال هو أبو محمد البغدادي كما رواه الزركشي في تشنيف المسامع، وهو والد ابن أبي يعلى مؤلف كتاب طبقات الحنابلة]

كتاب المنهج القويم لابن حجر الهيتمي. طبع دار المنهاج ص٢٥٤

”واعلم أن القَرَافيّ وغيره حكوا عن الشافعيّ ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم، وهم حقيقون بذلك”

كتاب منح الروض الأزهر لملا علي القاري. طبع دار البشائر ص٣٥٥

”فمن أظلم ممن كذّب على الله أو ادّعى ادّعاء معيّنا مشتملا على إثبات المكان والهيئة والجهة من مُقابلةٍ وثبوت مسافة وأمثال تلك الحالة، فيصير كافرا لا محالة”

كتاب فيض القدير للمناوي. طبع دار المعرفة ج١\ص٧٢

عند الكلام على تقسيم البدعة إلى كفرية وغير كفرية قال ما نصُّه: ”أمّا من كفر بها كمنكر العلم بالجزئيّات وزاعم التجسيم أو الجهة أو السكون أو الاتّصال بالعالم أو الانفصال عنه فلا يوصف عمله بقبول ولا رد، لأنه أحقر من ذلك”

كتاب الفتاوى الهندية للشيخ نظام. طبع دار الكتب العلمية ط١\ج٢\ص٢٨٢

”يكفر بإثبات المكان لله”

كتاب المنهج الأحمد للقذومي. طبع دار الكتب العلمية ط١\ ص١٠٠

”فمن اعتقد أن الله بذاته في كل مكان أو في مكان فهو كافر”. ثم قال “فمن شبّهه بخلقه فقد كفر، كمن اعتقده تعالى جسما، أو قال: إنه تعالى جسم لا كالأجسام”

كتاب إتحاف الكائنات لمحمود محمد خطاب السبكي

قال فيمن يعتقد أن الله عزّ وجلّ له جهة وأنه جالس على العرش زاعمًا أنّ هذا عقيدة السلف: ”أما بعد، فالحكم أن هذا الاعتقاد باطل ومعتقده كافر بإجماع من يُعتّدُّ به من علماء المسلمين. والدليل العقلي على ذلك قِدَمُ الله تعالى ومخالفته للحوادث [أي عدم مشابهته للمخلوقات] . والنقلي قوله تعالى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ فكل من اعتقد أنه تعالى حلّ في مكان أو اتصل به أو بشيء من الحوادث كالعرش والكرسي أو السماء أو الأرض أو غير ذلك فهو كافر قطعا ويبطل جميع عمله من صلاة وصيام وحج وغير ذلك وتَبينُ منه زوجه ووجب عليه أن يتوب فورا [بتصحيح عقيدته والنطق بالشهادتين والندم على ما صدر منه والعزم على أن لا يعود إليه] وإذا مات على هذا الاعتقاد -والعياذ بالله تعالى- لا يُغَسّل ولا يُصلى عليه ولا يُدفَن في مقابر المسلمين، ومثله في ذلك كله من صدّقه في اعتقاده أعاذنا الله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. وأما حمله الناس على أن يعتقدوا هذا الاعتقاد الْمُكَفِّر وقوله لهم من لم يعتقد ذلك يكون كافرا فهو كفر وبهتان عظيم، واستدلاله على زعمه الباطل بهاتين الآيتين ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرَشِ اسْتَوَى﴾ و ﴿ءَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾ استدلال فاسد”.

ثم قال: ”وعلى الجملة فهذا القائل المجازف وأمثاله قد ادّعوا ما لا يقبل الثبوت لا عقلا ولا نقلا وقد كفروا وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعا، والطامة الكبرى التي نزلت بهؤلاء دعواهم أنهم سلفيون، وهم عن سبيل الحق زائغون، وعلى خيار المسلمين يعيبون، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم”.

كتاب إتحاف الكائنات لمحمود محمد خطاب السبكي

“وقد قال جمع من السلف والخلف: إن من اعتقد أن الله في جهة فهو كافر كما صرّح به العراقي، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأبو الحسن الأشعري والباقلاني، ذكره العلامة مُلّا علي قاري في شرح المشكاة”

كتاب طالع البشرى للمارغني

”وخرج بـ “الْمُطابق للواقع” الجزم الغير المطابق له، ويُسمى الاعتقاد الفاسد، كاعتقاد قِدَمِ العالم، أو تعدد الإله، أو أنّ الله تعالى جسم. وصاحب هذا الاعتقاد مُجمع على كفره”

كتاب مقالات الكوثري. طبع المكتبة التوفيقية ص٢٦٩

”وقال البياضي في (إشارات المرام): “قال أبو حنيفة من قال (لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض) فهو كافر، وكذا من قال (إنه على العرش ولا أدري العرش أفي السماء أم في الأرض) ثم ذكر وجه إكفاره فقال: “لكونه قائلا باختصاص البارئ تعالى بجهة وحيّز، وكل ما هو مختص بالجهة والحيّز فإنه محتاج مُحدث [أي مخلوق] بالضرورة: وهو قول بالنقص الصريح في حقه تعالى، والقائل بالجسمية والجهة منكرٌ وجودَ موجود سوى الأشياء التي يمكن الإشارة إليها حِسًّا، فهم منكرون لذات الإله الْمُنَزَّهِ عن ذلك فلزمهم الكفر لا محالة”

كتاب مقالات الكوثري. طبع المكتبة التوفيقية ص٢٧٤

”ولا إشكال لذي لُبّ [أي عقل] في تكفير الكرّامية مجسمة خراسان في قولهم إنه تعالى جسم له حدّ [أي حجم] ونهاية من تحته وأنه مماس لعرشه وأنه محلّ الحوادث”

كتاب مقالات الكوثري. طبع المكتبة التوفيقية ص٢٧٩

”وكُفْرُ من يُثبت الحركة والقعود والحدود له تعالى، مما لا يتناطح فيه كبشان ولا يتنازع فيه مسلمان”

كتاب مقالات الكوثري. طبع المكتبة التوفيقية ص٢٩٤

”وليس القول بالتجسيم وما إلى ذلك بالأمر الهيّن عند أئمة أصول الدين، وقد جزم النووي في صفة الصلاة من شرح المهذب بتكفير المجسمة. ويقول عنهم ابن فرح القرطبي صاحب جامع أحكام القرآن في التذكار: والصحيح القول بتكفيرهم إذ لا فرق بينهم وبين عبّاد الأصنام والصور”

البرهان في تنزيه الله عن المكان

الإمام الحافظ أبي بكر أحمد البيهقي

۳۸٤-٤٥٨هـ

1/ في كتاب “الأسماء والصفات“، طبع دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية ١٤١٥هـ، في الجزء الثاني، صحيفة ١٤٤ يقول الإمام : “وَالَّذِي رُوِيَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى نَفْيِ الْمَكَانِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ الْعَبْدَ أَيْنَمَا كَانَ فَهُوَ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ، وَأَنَّهُ الظَّاهِرُ، فَيَصِحُّ إِدْرَاكُهُ بِالْأَدِلَّةِ؛ الْبَاطِنُ، فَلَا يَصِحُّ إِدْرَاكُهُ بِالْكَوْنِ فِي مَكَانٍ” اهـ.

2/ في كتاب “الأسماء والصفات“، طبع دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية ١٤١٥هـ، الجزء الثاني في الصحيفة ١٤٤، يقول الإمام البيهقي رحمه الله : ” وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي نَفْيِ الْمَكَانِ عَنْهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ» . وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ “. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَوْقَهُ شَيْءٌ وَلَا دُونَهُ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ فِي مَكَانٍ“. اهـ.

3/ يقول الإمام الحافظ الكبير أبو بكر أحمد البيهقي رحمه الله، المتوفى سنة ٤٥۸هـ في كتابه الذي سماه “الاعتقاد على مذهب السلف أهل السنة والجماعة“، في هذا الكتاب، الذي هو طبع دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية سنة ١٤٠٦هـ في الصحيفة رقم ٥٤ يقول : “باب القول في الاستواء“. ثم يقول في الصحيفة رقم ٥٥  : ” وَالْأَخْبَارُ فِي مِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ، وَفِيمَا كَتَبْنَا مِنَ الْآيَاتِ دَلَالَةٌ عَلَى إِبْطَالِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] ، إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ بِعِلْمِهِ لَا بِذَاتِهِ”.اهـ. فيُفهم من هذا أنّه لا يقال عن الله تعالى موجود بذاته في كلّ مكان، إنما الصواب أن يقال الله موجود بلا جهة ولا مكان.

4/ في كتاب “الاعتقاد على مذهب السلف أهل السنة والجماعة” يقول الإمام الكبير الحافظ أبو بكر أحمد البيهقي في الصحيفة ٥٧ : ” وَفِي الْجُمْلَةِ يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ اسْتِوَاءَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ بِاسْتِوَاءِ اعْتِدَالٍ عَنِ اعْوِجَاجٍ وَلَا اسْتِقْرَارٍ فِي مَكَانٍ، وَلَا مُمَّاسَّةٍ لِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ، لَكِنَّهُ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ بِلَا كَيْفٍ بِلَا أَيْنَ، بَائِنٌ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ، وَأَنَّ إِتْيَانَهُ لَيْسَ بِإِتْيَانٍ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، وَأَنَّ مَجِيئَهُ لَيْسَ بِحَرَكَةٍ، وَأَنَّ نُزُولَهُ لَيْسَ بِنَقْلَةٍ، وَأَنَّ نَفْسَهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ، وَأَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِصُورَةٍ، وَأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بجَارِحَةٍ، وَأَنَّ عَيْنَهُ لَيْسَتْ بِحَدَقَةٍ، وَإِنَّمَا هَذِهِ أَوْصَافٌ جَاءَ بِهَا التَّوْقِيفُ، فَقُلْنَا بِهَا وَنَفَيْنَا عَنْهَا التَّكْيِيفَ، فَقَدْ قَالَ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ، وَقَالَ: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] ، وَقَالَ: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65]. انتهى كلام الإمام الحافظ الكبير البيهقي رحمه الله، وهذا ما عليه أئمة السلف والخلف.

الإمام أبو منصور عبد القاهر التميمي البغدادي

۳٥٠-٤٢٩هـ

5/ الإمام أبو منصور البغدادي هو ممن نقل الإجماع على أنّ الله لا يحويه مكان منذ أكثر من ألف سنة. وهذا في كتابه “الفرق بين الفرق“، الذي بيّن فيه عقيدة الفرقة الناجية بعد أن ذكر عقائد ومفاسد فرق أهل الضلال. ففي الكتاب المذكور، الطبعة الثالثة لدار المعرفة سنة ١٤٢١هـ، في الصحيفة ٢٩٢هـ يقول الإمام أبو منصور : “وأجمعوا – أي أهل السنة والجماعة – على أنه لا يحويه مكان، ولا يجري عليه زمان، على خلاف قول من زعم من الهشامية والكرامية أنه مماسّ لعرشه، وقد قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : إن الله تعالى خلق العرش إظهارًا لقدرته لا مكانًا لذاته، وقال أيضا : قد كان ولا مكان وهو الآن على ما كان”.

 الحافظ ابن حجر العسقلاني

٧٧۳-٨٥٢هـ

6/ في كتاب “فتح الباري شرح صحيح البخاري” للإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني، الذي طُبع في دار الكتب العلمية سنة ١٤٢٥ الطبعة الأولى. في المجلد الرابع عشر، في الجزء الثالث عشر، في الصحيفة ۳٥٥، العسقلاني رحمه الله يشرح قول الله تعالى : }تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرُوحُ إِلَيْه{ وقول الله تعالى : }إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِب{. فيقول : ” قَالَ الْبَيْهَقِيُّ صُعُودُ الْكَلَامِ الطَّيِّبِ وَالصَّدَقَةِ الطَّيِّبَةِ عِبَارَةٌ عَنِ الْقَبُولِ وَعُرُوجُ الْمَلَائِكَةِ هُوَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ فِي السَّمَاءِ. ثم قال : وقال ابن بطال – وابن بطال هو أحد شراح البخاري توفي سنة ٤٤٩هـ. العسقلاني ينقل ما قال ابن بطال ويقره عليه فيقول –  وَقَالَ ابن بَطَّالٍ غَرَضُ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ الرَّدُّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ الْمُجَسِّمَةِ فِي تَعَلُّقِهَا بِهَذِهِ الظَّوَاهِرِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِجِسْمٍ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مَكَانٍ يَسْتَقِرُّ فِيهِ فَقَدْ كَانَ وَلَا مَكَانَ وَإِنَّمَا أَضَافَ الْمَعَارِجَ إِلَيْهِ إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ وَمَعْنَى الِارْتِفَاعِ إِلَيْهِ اعْتِلَاؤُهُ مَعَ تَنْزِيهِهِ عَنِ الْمَكَانِ انْتَهَى”.

الإمام فخر الدين الرازي

٥٤۳٦٠٤هـ

7/ ممن نقل إجماع المسلمين أنّ الله تبارك وتعالى موجود بلا مكان، الإمام فخر الدين الرازي الشافعي في كتابه الذي سماه “التفسير الكبير“. هذا الكتاب في الجزء ٢٩ من طبعة دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية سنة ١٤٢٥هـ، في تفسيره للآية رقم ٤ من سورة الحديد. في الصحيفة ١٨٧ يقول الإمام الرازي في قول الله تعالى }و َهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{ : ” قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ: هَذِهِ الْمَعِيَّةُ إِمَّا بِالْعِلْمِ وَإِمَّا بِالْحِفْظِ وَالْحِرَاسَةِ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَقَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَيْسَ مَعَنَا بِالْمَكَانِ وَالْجِهَةِ وَالْحَيِّزِ، فَإِذَنْ قَوْلُهُ: وَهُوَ مَعَكُمْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ التَّأْوِيلِ وَإِذَا جَوَّزْنَا التَّأْوِيلَ فِي مَوْضِعٍ وَجَبَ تَجْوِيزُهُ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ”.اهـ.

8/ وفي “التفسير الكبير”، في الجزء رقم ٢٢ طبعة دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية سنة ١٤٢٥هـ، في الصحيفة رقم ٦، يقول الإمام فخر الدين الرازي الشافعي: ” قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ [الْحَاقَّةِ: 17] فَإِذَا كَانُوا حَامِلِينَ لِلْعَرْشِ وَالْعَرْشُ مَكَانُ مَعْبُودِهِمْ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْمَلَائِكَةُحَامِلِينَ لِخَالِقِهِمْ ومعبودهم وذلك غير معقول لأن الخلق هُوَ الَّذِي يَحْفَظُ الْمَخْلُوقَ أَمَّا الْمَخْلُوقُ فَلَا يَحْفَظُ الْخَالِقَ وَلَا يَحْمِلُهُ”.اهـ.

9/ في “التفسير الكبير”، في الجزء الرابع، طبعة دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية سنة ١٤٢٥هـ،  في الصحيفة ٨۳ يفسر قول الله تعالى : }ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْش{، فيقول : “أما قوله تعالى : }ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْش{، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ كَوْنَهُ مُسْتَقِرًّا عَلَى الْعَرْشِ وَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِهِ وُجُوهٌ عَقْلِيَّةٌ وَوُجُوهٌ نَقْلِيَّةٌ.”. ثم قال: “وَالْكُلُّ بَاطِلٌ فَالْقَوْلُ بِكَوْنِهِ فِي الْمَكَانِ وَالْحَيِّزِ بَاطِلٌ قَطْعًا”. اهـ.

10/ في “التفسير الكبير”، المجلد رقم ٧، في الجزء رقم ١٤، في الصحيفة رقم ٩٤ يفسّر قول الله تبارك وتعالى : }ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ{ فيقول: “فثبت بمجموع هذه الدلائل العقلية والنقلية أنه لا يمكن حمل قوله : }ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ{ على الجلوس والاستقرار وشغل المكان والحيز”. اهـ.

11/ في “التفسير الكبير”، يقول الرازي في الجزء الرابع عشر، في الصحيفة ٩۳ : “قال الله تعالى : }وَالله الغَنِيّ{، حكم بكونه غنيًا على الإطلاق، وذلك يوجب كونه تعالى غنيا عن المكان والجهة”.اهـ.

12/ كتاب “التفسير الكبير”، في المجلد ١۳، في الجزء ٢٥، في الصحيفة ١٩٤ يقول الإمام الرازي : “ولو تدبّر الإنسان القرءان لوجده مملوءا من عدم جواز كونه في مكان”. اهـ.

13/ في “التفسير الكبير”، وفي تفسيره للآية رقم ٥٤ من سورة الأعراف، في المجلد السابع من الكتاب المذكور، في الجزء الرابع عشر، في الصحيفة ٩٢   يقول: “فثبت أنّ القول بأنه تعالى حاصل في الحيز والجهة قول باطل على كل الاعتبارات”.اهـ.

14/ في “التفسير الكبير”، وفي الصحيفة ٩۳ من نفس المجلد ونفس الجزء يقول الإمام الرازي: ” أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ [الْحَاقَّةِ: 17] فَلَوْ كَانَ إِلَهُ الْعَالَمِ فِي الْعَرْشِ لَكَانَ حَامِلُ الْعَرْشِ حَامِلًا لِلْإِلَهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْإِلَهُ مَحْمُولًا حَامِلًا وَمَحْفُوظًا حَافِظًا وَذَلِكَ لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ “.اه

15/ في “التفسير الكبير”،  في المجلد الرابع عشر، في الجزء ٢٧، في الصحيفة ١٢٤ يقول : ” قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ عَلِيًّا الْعُلُوَّ فِي الْجِهَةِ وَالْمَكَانِ لِمَا ثَبَتَتِ الدَّلَالَةُ عَلَى فَسَادِهِ “.اهـ.

16/ في “التفسير الكبير”، يقول في المجلد الخامس عشر، في الجزء ۳٠، في الصحيفة ٦١ : ” وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُشَبِّهَةَ احْتَجُّوا عَلَى إِثْبَاتِ الْمَكَانِ لِلَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةُ لَا يُمْكِنُ إِجْرَاؤُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ كَوْنَهُ فِي السَّمَاءِ يَقْتَضِي كَوْنَ السَّمَاءِ مُحِيطًا بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ، فَيَكُونُ أَصْغَرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَالسَّمَاءُ أَصْغَرُ مِنَ الْعَرْشِ/ بِكَثِيرٍ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا حَقِيرًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَرْشِ، وَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مُحَالٌ، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ [الْأَنْعَامِ: 12] فَلَوْ كَانَ اللَّهُ فِي السَّمَاءِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِنَفْسِهِ وَهَذَا مُحَالٌ، فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ يَجِبُ صَرْفُهَا عَنْ ظَاهِرِهَا إِلَى التَّأْوِيلِ “. اهـ. فالله تعالى خلق السماء وجعلها مسكنا للملائكة فلا يحتاج إليها، لأنّ الاحتياجية تنافي الألوهية.