علم رحمك الله أن سيدَ أهلِ الأرضِ والسماء ومصباحَ الدنيا وخاتمَ الأنبياء هو سيدُنا محمدٌ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ صاحبُ الشأنِ العظيم والقدرِ الكريم، فقد اختارَه اللهُ واصطفاهُ على جميعِ البشر وفضلَّه على جميعِ المرسلين، شرحَ له صدرَه ورفعَ له ذكرَه ووضعَ عنه وزرَه وأعلى له قدرَه صلى الله عليه وسلم. هو بشرٌ لكنه أفضل بشر، يسري حبُه في الصالحين كمسرى الماءِ في الشجر، يُفدى بالآباء والأمهات ويقدّمُ حبُه على حبِ البنينِ والبنات إنه إمامُ الأئمة، نورُ الدجى وزعيمُ الأمة، إنه محمدُ بنُ عبدِ الله صلى الله عليه وسلم، سيدُ البشر وفخرُ ربيعةَ ومُضر ومن انشقَ له القمر وسلمَ عليه الحجر وسعى إلى خدمتِه الشجر وشهدَ له الضبُّ الميتُ أمام البشر… إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما
يقول الله تعالى في القرءان الكريم لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم وإنك لعلى خلق عظيم. وروى البُخاريُّ من حديثِ عائشةَ رضي الله عنها وعن أبيها في وصفِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : « كانَ خُلُقُهُ القرءانَ » أي من أرادَ أن يعرفَ خلُقَ الرسولِ فليقرأ القرءانَ وليفهمْهُ، فكلُ خصلةِ خيرٍ أمرَ اللهُ في القرءانِ بالتخلُقِ بـها فهي من خُلُقِ الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. وعن أم المؤمنين عائشةَ أيضا رضيَ اللهُ عنها وعن أبيها عندما سُئِلَت عن خُلُقِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَت : « لم يكنْ فاحشاً ولا متفحِشاً، ولا سَخَّاباً في الأسواقِ ولا يَجزي بالسيئةِ السيئةَ، ولكن يعفو ويصفحُ ». و قالت رضي الله عنها مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى. بالصلاة على الحبيب قلبكم يطيب. صلوا وسلموا عليه.
كان صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم، وكان يجلس على الأرض ويأكل على الأرض، لم يأكل قطُ على شىء مرتفع وهذا تواضعا. وكان أرحمَ الناس بالصبيان والعيال، رحيمًا، لا يأنفُ ولا يستكبرُ أن يمشيَ مع الأرملةِ والمسكين والعبدِ حتى يقضي له حاجتَه. كان أحسنَ الناس وأجودَ الناس وأشجعَ الناس ومع ذلك كان صلى الله عليه وسلم أشدَّ حياءً من العذراء في خِدرها ، وكان أكثرَ الناس تواضعاً وأحلَمَهم ، القريبُ والبعيدُ والقويُ والضعيفُ عنده في الحق سواء، ما عابَ طعاماً قط إن اشتهاهُ أكلَه وإلا تركَه ، يأكلُ الهديةَ ولا يأكلُ الصدقة ، يعود المريض ، ويُجيب من دعاه من غني أو فقير ، ويعينُ أهلَه صلى الله عليه وسلم. بالصلاة على الحبيب قلبكم يطيب. صلوا وسلموا عليه.
من رءاه صلى الله عليه وسلم بديهةً هابه ، ومن خالطه معرفةً أحبَّه ، ويبدأ من لقي بالسلام، ويُعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر، وكان أحسنَ الناس وأجودَ الناس وأشجعَ الناس وأحم الناس. يقول الله تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين. و يقول الله تعالى: بالمؤمنين رؤوف رحيم. وإن سألتم عن حب الله تعالى له فاعلم أن الله ما اقسم بحياة أحد من أنبيائه إلا بحياته صلى الله عليه وسلم فقال عز وجل: لعمرُك إنهم لفي سكرتهم يعمهون. لعمرُك اي وحياتك يا محمد! وإن سألتم عن حفظ الله له، يقول الله تعالى: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا، أي بحفظنا. و إن سألت عن صدره الشريف، قال الله تعالى: أَلمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ . وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ. الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ . وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ. صدق الله العظيم وصلى الله وسلم على نبيه الكريم. بالصلاة على الحبيب قلبكم يطيب. صلوا وسلموا عليه.
إن سألتم عن إكرام الله له صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَإِنَّ لَكَ لأجراً غَيْرَ مَمْنُونٍ، وإن سألتم عن إظهارِ الله تعالى لقدره ، قال تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِم. وإن سألتم عن عقاب الذين يريدون أن يؤذوه، قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وإن سألتم عن تأييد الله له ، قال الله تعالى: فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بجُنُودٍ لمْ تَرَوْهَا. وإن سألتَم عن بركةِ حبه صلى الله عليه وسلم واتّباعه اتباعا كاملا، قال تعالى: قلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. وإن سألتم عن إظهارِ اللهِ شأنَ رسولِه ووجوبِ طاعته صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ. وإن سألتم عن وجوب توقيره وتعظيمه، قال الله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا . لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ. تعزّروه أي تعظموه صلى الله عليه وسلم. إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما
إن سألتم عن يده الشريفةِ المباركة فاعلموا أنها يدٌ هامَ بحسنها ووصفها العاشقون، فهذا أنسٌ رضي الله عنه يقول: مَا شَمَمْتُ شَيْئًا قَطُّ مِسْكًا وَلا عَنْبَرًا أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللَّهِ وَلا مَسَسْتُ شَيْئًا قَطُّ حَرِيرًا وَلا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مَسًّا مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. نعم! بأبي وأمي وولدي وروحي وأهلي ومالي تلك اليدُ المحمديةُ الشريفةُ الطاهرةُ التي ما خانت ولا غشت ولا سرقت ولا ظلمت ولا نهبت ولا سفَكت. يدٌ بيضاءُ لو مُدَّت بليلٍ عظيمِ الهولِ أشرقت الليالي. يدٌ مسكيةٌ عنبريةٌ يا سعدَ من لَمَسها، ويا طيبَ من شمَها ويا أنسَ من رآها، يد ردّ اللهُ بها البصرَ بعد العمى وسبحَ لله فيها الطعامُ والحصى، يدٌ مسحَ بها على رؤوسِ بعضِ أصحابه فهذا عاشَ مائةً ولم ير الشيب وذلك شابَ كلُه إلا موضعُ كفِ النبيِ صلى الله عليه وسلم بقيَ أسودًا، وثالثٌ مسحَ النبيُ شعرَه فعاشَ ما بقيَ من حياتِه وأثرُ الطيبِ في شعَرِه من تلك اليد. رفعَ يدَه صلى الله عليه وسلم بدعاءِ الاستسقاء فما أنزلها إلا والمطرُ على لحيتِه الشريفة فاشتكَوا إليه كثرةَ المطر فأشارَ بيدِه الشريفةِ وقال: حوالينا ولا علينا، فصار المطرُ حولَ المدينة كالحلَقَة ولم ينزل في المدينة المنورة قطرة. بأبي وأمي تلك اليد التي تشيرُ إلى السحابِ فيطيعُها. تلك اليد التي كان الصحابةُ يتبركون ليس بها فحسب بل بمكانِ موضعها على المنبر، كانوا يمسحونَ موضعَ اليدِ ويدعون الله رجاءَ البركةِ والإجابة. إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما
إن سألتم عن جماله، فاعلموا أن الحديث عن جمالِ سيدِ الخلق وحبيبِ الحق نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلّم يأخذ بمجامع القلوب، وتَشْرَئِبُّ له أعناقُ المحبين وعُشاقُ المعالي، وتهتزُ القلوبُ المحِبَّةُ بذكره، وتتعطّرُ الأرواحُ بحبه. لقد منح الله نبيّه محمدًا صلى الله عليه وسلّم الكمالَ البشريَّ في كل صفاته الخَلقية والخُلُقية. فهو صلى الله عليه وسلّم أجملُ مخلوق خلقه الله فقد أُعْطِيَ صلى الله عليه وسلّم الحسن َوالجمالَ كلَّه، ولم يَفتتن به من يراه كما افتتنتِ النسوةُ بنبيِ الله يوسفَ الصديق عليه السلام، فمن رأى سيدَنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم هابَه للهيبة الجلالية المضافة على جماله، وكان أصحابُه الكرام رضي الله عنهم لا يستطيعون إثباتَ النظرِ في وجهِه الشريف لقوةِ مهابتِه ومزیدِ وَقاره، قال عمرو بنُ العاص رضي الله عنه وهو يُحْتضَر: وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم، وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ؛ لِأَنّي لمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم. إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما
خلق الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلّم في أجملِ صورةٍ بشرية، فكمّلَه بجميعِ المحاسنِ والفضائلِ والكمالاتِ الخُلُقية والخَلْقية، وقد أجمعت كلمةُ الذين رأوه ووصفوه عليه الصلاة والسلام بأنهم لم يَرَوا له مثيلًا سابقًا ولا نظيرًا لاحقًا. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَا بعث اللهُ نبيًّا إلاّ حَسَنَ الوجهِ حسنَ الصوتِ و إنَّ نبيَّكُم أحسنُهُم وجها و أحسنُهم صَوتا . الله تعالى خلقه في غايةِ الحسنِ والجمالِ والبهاءِ والكمالِ الذي لم يكن لأحدٍ من بني آدمَ مثلُه. لا والذي خلقَ الجمالَ بصورة ما مثلُ محمدٍ صورةً وجمالا. يا بروحي ذلك الوجهُ الذي سجدَ الحسنُ له واقتربا. وعلى تفنُّنِ واصفيه بحسنهِ يفنى الزمانُ وفيه ما لم يوصفِ. كان فخماً مفخماً أي عظيماً في نفسه معظّماً في صدرِ وعينِ من يراه صلى الله عليه وسلم، يتلألأُ وجهُه تلألؤَ القمرِ ليلةَ البدر، معتدلَ القامةِ أميلَ إلى الطول لم يكنْ قصيراً بل هو إلى الطولِ أقرب، وكان بعيدَ ما بينَ الكتفين، وكان أبيضَ مشرباً بحُمرةٍ، أجملَ من الوردِ الأحمرِ على الثلجِ الأبيض. إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما
كان صلى الله عليه وسلم مُشرِقَ الوجهِ ، لَوْ رَأَيْتَهُ لَقُلْتَ الشَّمْسُ طَالِعَةٌ. قال أبو هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِى فِى وَجْهِهِ وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِى مَشْيِهِ مِنْهُ كَأَنَّ الأَرْضَ تُطْوَى لَهُ.. وكانَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ دقيقَ الحاجبينِ لم يكن غليظَهما وكان واسعَ العينينِ، وكانَ كثيرَ شعرِ الجفون، ولم يكنْ نَحيفَ الكفِّ ولا نحيفَ القدمينِ، وكانَ طويلَ الذراعِ، وكان سواءَ البطنِ والصدرِ. وكانَ في صوتِهِ جَهْرٌ، لم يكن ضعيفَ الصوتِ، وكان من صفاته صلى الله عليه وسلّم أنه لم يكن يرفعُ صوتَه إلا عندَ الحاجةِ وبقدرِ الحاجة، وهذا من حسنِ خُلُقهِ صلى الله عليه وسلّم. وكان أشكلَ العينينِ أي في بياضِهما خطوطٌ حُمرةٌ، مما يزيدُهما جمالا. لم تلد النساء ولن تلد أجمل منه ولم يمش على الأرض أحدٌ أحسنَ منه صلى الله عليه وسلم. بالصلاة على الحبيب قلبكم يطيب. صلوا وسلموا عليه
كان صلى الله عليه وسلم أقنى الأنفِ ومعناه المرتفعُ أعلاه، لمْ يكنْ أعلاه منخفضاً بالنسبةِ للطرفِ، بلْ كان مرتفعاً أعلاه قليلا كما أن طرفَهُ مرتفعٌ. وكان أجلى الجبهةِ واسعَ الجبينِ لمْ يكنْ ناتئَ الجبهةِ. وكان صلى اله عليه وسلم مفلّجَ الأسنان أي بين أسنانه يوجد فراغٌ وكانت أسنانُه الشريفةُ كأنها حبُ السماء أي كأنها البَرَدُ النازلُ من السماء من حيثُ البياض، إذا ضحك يتلألأُ وجهُه تلألأَ القمر ليلة البدر، وكان شَعَرُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أسودَ شديدَ السوادِ لم يظهرْ في شَعَرِهِ منَ الشيبِ إلاَّ نحوُ عشرينَ شَعَرةً وما سوى ذلكَ بقيَ على لونِهِ الأصليِّ أي السوادِ. وكانَ شعره يبلغُ شحمةَ أذنِهِ أحيانا، وأحيانا كان يضربُ منكِبيه، وأحيانا يطولُ حتى يعلوَ ظهرَهُ. فإذا لَم يقصِّرْهُ بلغَ الكتف وإذا قَصَّرَهُ كان إلى أنصَافِ أُذُنَيهِ، وكانَ يَفْرِقُ شعرَهُ من الوسط ولا يَحلِقُ رأسَه إلا لأجلِ النُسك ، وكان كَثَّ اللِّحيةِ أي كثيرَ شعَرِها لا يُرى جلدُ وجهِه الشريف من خلال لحيته صلى الله عليه وسلم. رزقني الله وإياكم رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام يضحك إلينا ويبشرنا بالجنة. آمين.
كانَ صلى الله عليه وسلم إذا مَشَى واسعَ الخَطو بلا تكلّف كأنما ينحَطُّ مِنْ صَبَبٍ أي ينحَدِرُ مِنْ مكانٍ عالٍ، وكان إذا مشَى قويَّ الْمَشيِ، يدل مشيُه أنه ليس بعاجزٍ ولا كسلان. وكان يُقبِلُ بكلِّ جسمِهِ إذا التفت فلا يُسارِقُ النظرَ ولا يلوي عُنقَهُ في حالِ تَلفُتِهِ فكانَ يُقبِلُ جَميعًا ويُدبرِ جَميعًا أي بِجَمِيعِ أجزاءِ بدنِهِ، فإذا توجَّهَ إلى شىءٍ توجَّهَ بِكُلّيتِهِ ولا يُخالِفُ ببعضِ جسَدِهِ بعضًا، وكان صلى الله عليه وسلم خافضَ الطَرْفِ أي نظرُه إلى الأرضِ أكثر من نظره إلى السماء، أي غالبُ نظره إلى الأرض، وكانَ عرقُهُ إذا رَشَحَ جسَدُهُ الشريف كاللؤلؤِ فِي البياضِ والصَّفاءِ إذا نظرَ إليه الرائي، وكان ريحُ عرقِهِ أطيبُ مِنَ المسك الأذفر وهو أفضلُ وأطيبُ وأحسنُ وأحلى من أطيب الطيبِ ، الصَّحَابَةُ كانُوا يَأْخُذُونَ عَرَقَ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَضَعُونَهُ فِي القَوَارِيْرِ حتَى يُضِيْفُوهُ إلى العِطْرِ حتّى يَزْدادَ طِيْبًا لأنّهُ أطْيَبُ مِنَ الطِّيْبِ. هنيئا لمن آمن بك وشم ريحك ورآك يا سيدي يا رسول الله،، ونحن إليك مشتاقون
كانَ صلى الله عليه وسلم إذا مَرَّ في طريقٍ مِنْ طُرُقِ المدينة وُجِدَ منها رائحةُ المسك فيُقال مَرَّ من هنا رسولُ الله، وكانَ من شأنِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إن تطَيَّبَ وإن لم يتطَيَّبْ طيبَ الرائحةِ، كانَ صحابِيٌّ اسمُهُ عقبةُ بنُ غزوانَ قد أصابَهُ الشَّرَى وهوَ ورمٌ حكّاكٌ مزعجٌ، يُحدِثُ كرباً وإزعاجاً شديداً لصاحبِهِ فقالَ له النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : تجَرَّدْ ، أي جَرِّدْ ظَهْرَكَ من ثوبكَ، فجرَّدَ ثوبَه، فوضعَ النبيُّ يدَهُ عليه، فعبِقَ الطيبُ بهِ بعدَ ذلكَ إلى ءاخرِ حياتِهِ، وكانَ له أربعَةُ أزواجٍ كلُّ واحدةٍ تجتهدُ في أن تتطيَّبَ أكثرَ منَ الأخرى فكانَ هو الذي يعبَقُ بالطيبِ، من غيرِ أن يتَطَيَّبَ، مِنْ أجلِ أنَّ الرسولَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أمَرَّ يده عليهِ حتى يذهبَ عنهُ الورم. فبمسحِ رسولِ اللهِ عليه ذهبَ عنه الشَّرَى وبقيَ الطيبُ إلى ءاخرِ حياتِهِ مِنْ غيرِ أن يتطيَّبَ، ويكونُ طيبُ هذا الصحابي أحسنَ ممَّن يتطيَّبُ بالمسكِ أو العنبَرِ أو غيرِ ذلكَ منَ الأطياب. إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما
لما مر النبيُ صلى الله عليه وسلم في الهجرة على خيمة أم معبد، واسمُها عاتكةُ بنتُ خالد الخُزاعية، وهي على طريقهم، وصفته لزوجها عندما سأل عنه فقالت: ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ أَبْلَجُ الْوَجْهِ حَسَنُ الْخُلُقِ لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةٌ وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ وَسِيمٌ قَسِيمٌ فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ وَفِي صوَتِهِ صَحَلٌ وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ. وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ أَحْوَرُ أَكْحَلُ أَزَجُّ أَقْرَنُ شَدِيدُ سَوَادِ الشّعْرِ، إذَا صَمَتَ عَلاهُ الْوَقَارُ وَإِذَا تَكَلّمَ عَلاهُ الْبَهَاءُ، أَجْمَلُ النّاسِ وَأَبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ وَأَحْسَنُهُ وَأَحْلاهُ مِنْ قَرِيبٍ. حُلْوُ الْمَنْطِقِ. فصلٌ لا نَزْرٌ ولا هَذَرٌ كَأَنّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَنحدِرنَ، رَبْعَةٌ لا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ ولا تَشْنَؤُهُ مِنْ طُولٍ. غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ فَهُوَ أَنْضَرُ الثلاثَةِ مَنْظَرًا، وَأَحْسَنُهُمْ قَدًا. لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفّونَ بِهِ، إن قَالَ اسْتَمَعُوا لِقَوْلِهِ، وَإن أَمَرَ تَبَادَرُوا إلَى أَمْرِهِ مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ. لا عَابِسٌ وَلا مُفْنِدٌ، صلى الله عليه وسلم.إن شاء الله تعالى في حلقانا المقبلة من سلسلة أخبرني عن حبيبي صلى الله عليه وسلم نشرح لكم كلام أم معبد في وصف الحبيب الذي بالصلاة عليه قلوبنا تطيب.
قولُ أم معبد الخزاعية في وصفه صلى الله عليه وسلم (ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ) أي ظاهرُ الجمال، (أَبْلَجُ الْوَجْهِ) أي مشرقُ الوجه مُضيؤه، (حَسَنُ الْخُلُقِ) (لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَة) الثُجلةُ عِظَمُ البطنِ مع استرخاءِ أسفَلِه (وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ) أي ليس صغير الرأس (وَسِيمٌ) وهو المشهورُ بالحسن كأنه صار الحسنُ له سِمَةٌ (قَسِيمٌ) أي كلُ موضع منه أخذ قسما من الجمال (فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ) أي اشتدَ سوادُها وبياضُها واتَّسعت (وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ) أي طول (وَفِي صوَتِهِ صَحَلٌ) أي شِبْهُ البُحّة (وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ) أي طولُ العنُق (وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ) (أَحْوَرُ) أي اشتد بياضُ عينيه مع سوادِ سوادِهما (أَكْحَلُ) أي ذو كُحْلٍ (أَزَجُّ أَقْرَنُ) أي مقوّسُ الحاجبين أي طويلُهما دقيقُهُما مُمتدُّهُما إلى مؤخَّر العين، (سوابغُ في غيرِ قرَن) كان بِحَسَبِ ما يبدو للناظر من بُعدٍ أو بغيرِ تأمّلٍ أقرن وأما القريبُ المتأملُ فيبصرُ بين حاجبيهِ فاصلاً لطيفًا فهو أبلَجُ فِي الواقع، أقرنُ بحسب الناظرِ من بُعْدٍ أو بغير تأمُّلٍ، وليعلم أن بين حاجبيه الشريفين عِرقٌ يُدِرّهُ الغضب أي يظهر عند الغضب (شَدِيدُ سَوَادِ الشّعْرِ) (إذَا صَمَتَ عَلاهُ الْوَقَارُ) أي الرزانةُ والحِلْم (وَإِذَا تَكَلّمَ عَلاهُ الْبَهَاءُ) أي من الحُسن والجلال والعظمة (أَجْمَلُ النّاسِ وَأَبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ وَأَحْسَنُهُ وَأَحْلاهُ مِنْ قَرِيبٍ حُلْوُ الْمَنْطِقِ) (فصْلٌ لا نَزْرٌ وَلا هَذرٌ) أي لا قليلٌ ولا كثيرٌ أي ليسَ بقليلٍ فيدلُ على عِيٍّ ولا كثيرٌ فاسد (كَأَنّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَنحدرنَ) أي كلامُه مُحكم بليغ (رَبْعَةٌ) (لا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ) أي لا تزدريه لِقِصَرِه فتجاوزُه إلى غيره بل تهابُه وتَقبَلُه (وَلا تَشْنَؤُهُ مِنْ طُولٍ) أي لا يُبْغَضُ لفرطِ طولِه (غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ فَهُوَ أَنْضَرُ الثّلاثَةِ مَنْظَرًا) (وَأَحْسَنُهُمْ قَدًا) أي قامةً (لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفّونَ بِهِ. إذَا قَالَ اسْتَمَعُوا لِقَوْلِهِ. وَإذَا أَمَرَ تَبَادَرُوا إلَى أَمْرِهِ) (مَحْفُودٌ) أي مخدوم (مَحْشُودٌ) الذي يجتمع الناس حوله (لا عَابِسٌ) (وَلا مُفْنِدٌ) أي ليس منسوبا إلى الجهل وقلةِ العقل صلى الله عليه وسلم.
إنْ ذُكِرَ أهلُ الحلم فهو صلى الله عليه وسلم أحلمُ الناس، وإنْ ذُكِرَ أهلُ الغيرة على الدين فهو أغيرُ الناس، وإنْ ذُكِرَ أهلُ الشجاعة فهو أشجعُ الناس، وإنْ ذُكِرَ أهلُ الجود فهو أجودُ الناس، فهو في كلِّ باب من أبواب الخُلُق الحسن، قد بلغ أحسنَ غايةٍ يمكنُ أن يبلَغَها أحدٌ من الناس. جمع الله تبارك وتعالى فيه كمالَ الخُلق في كل مجال خيِّرٍ وفي كلٍ بابٍ حَسَنٍ، تحدَّث عما شئت، وائتِ بالشواهد من هنا وهناك فلن ترى أصدقَ شاهداً مما رُوِي عن هذا الرجل العظيم، تحدَّث عن الجودِ والكرم، وتحدَّث عن الحلمِ والرحمةِ والصبر، عن أي خُلُقٍ حسن، فسترى النبيَّ عليه الصلاة والسلام قد بلغ الغايةَ فيه. وأقسم بربِّ الكعبةِ أنك لن تجدَ في البشريةِ جمعاء أفضلَ وأنفعَ وأنجحَ وأكملَ وأفخمَ وأعظمَ وأجلَّ وأوقرَ وأكرمَ وأرحمَ وأحكم وأعلم وأحزم وأحسن وأخلص وأجمل وأوسم وأبهج وأنبل وأعزّ وأعقل وأفهم وأكيس وألطف وأرأف وأعرف وأبرع وأرفع وأهمّ وأمجد وأنجدَ وأشجع وأبسل وأهيب وأنصف وأصرح وأجرأ وأصدق وأصبرَ وأعدل وأنزه وأصلح وأورع وأكرم وأجود وأفصح وأبلغ وأشرف وأفطن وأذكى وأزكى وأزهى وأعلى وأنقى وأتقى وأسمى وأسنى وأوفى وأندى وأرضى وأرقى وأسخى وأحلى وأبهى منه صلى الله عليه وسلم.
