أخبرني عن حبيبي ﷺ 2

هو صلى الله عليه وسلم الموصوفُ بالصدقِ والإيمانِ والأمانةِ والفطانة والرحمة والرئفة والأناة والشجاعة والمروءة والمودة والصبر والحلم والإحسان والعدل والاعتدال والجود والكرم والإيثار والعفاف وسلامة الصدر والرفق والحياء والشكر والعفة والوفاء والتواضع والعزة والعفو والرضا والقناعة والبر والإعراضِ عن الجاهلين ومقابلةِ الإساءةِ بالإحسان وإفشاء السلام وإطعام الطعام وطيبِ الكلام وطلاقةِ الوجه وحسنِ الظن وحسن المعاملة وجبرِ الخواطر ومراعاةِ المشاعر ونُصرة الحق بالحق وعُلُوّ الهمة وكظم الغيظ، وَطَاعَةِ اللَّهِ فِى كُلِّ حَالٍ وَأَوَانٍ وَلَحْظَةٍ وَنَفَسٍ مَعَ الْفَصَاحَةِ الْبَاهِرَةِ وَالنُّصْحِ التَّامِّ وَالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ وَالإِحْسَانِ وَمُوَاسَاةِ الْفُقَرَاءِ وَالأَيْتَامِ وَالأَرَامِلِ وَالضُّعَفَاءِ وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ تَوَاضُعًا يُحِبُّ الْمَسَاكِينَ وَيَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ صلى الله عليه وسلم كلما ذكر اللهَ الذاكرون وغفلَ عن ذكره الغافلون.  

 أَخْبَارُ زُهْدِهِ صلى الله عليه وسلم وَتَوَاضُعِهِ وَاخْتِيَارِهِ الدَّارَ الآخِرَةَ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِىُّ وَالتِّرْمِذِىُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ اضْطَجَعَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ فَأَثَّرَ الْحَصِيرُ بِجِلْدِهِ فَجَعَلْتُ أَمْسَحُهُ عَنْهُ وَأَقُولُ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا أَذِنْتَنَا فَنَبْسِطَ لَكَ شَيْئًا يَقِيكَ مِنْهُ تَنَامُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَا لِى وَلِلدُّنْيَا مَا أَنَا وَالدُّنْيَا، إِنَّمَا أَنَا وَالدُّنْيَا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا. وهنا قد يسألك أحدهم: قد علمنا الفائدةَ من معرفةِ صفات النبيّ صلى الله عليه وسلّم الخُلُقية، وهي الاقتداءُ به والاهتداءُ بهديه في تلك الأخلاقِ التي تحتاج إليها البشرية، ولكن ماذا بالنسبة لبيان صفات النبيّ عليه الصلاة والسلام الخِلقية؟ لماذا نتكلم عن أوصافه الخِلقية وما النتيجةُ من معرفةِ الناس كونَ النبيِ صلى الله عليه وسلم معتدلَ القامة أميلَ إلى الطول، أبيضَ مُشربًا بحمرة وغيرَ ذلك من صفاته الخِلقية الشريفة صلى الله عليه وسلم. والأجوبة على مثل هذه التساؤلات كثيرة ومنها: «الحب»، نعم! الحب الذي لا يفهمُه بعضُ الجفاة الذين قست قلوبهم فهي كالحجارة أو أشدَ قسوة، ونحن مأمورون بحبه صلى الله عليه وسلم، والتأمّل في صفات النبي الجميلة لن يزيدنا إلا عِشقا وهِياما وحبًا وتعلّقا بالحبيب صلى الله عليه وسلم. إن الله وملا ئكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما

قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لا يؤمن أحدُكُم حَتَّی أكونَ أَحبَّ إليهِ مِنْ وَلَدِهِ ووالدِهِ والناسِ أَجْمَعينَ. وقال أيضًا: ثلاثٌ مَن كُنَّ فِيِهِ وَجَدَ بهنَّ حَلَاوَةَ الإيمانِ: أن يكونَ اللهُ ورَسولُهُ أَحبَّ إليهِ مما سِواهُمَا، وأنْ يُحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلا لله، وأن يكرهَ أنْ يعودَ في الكفرِ كَمَا يَكرَهُ أنْ يُقْذفَ في النارِ.  وليعلم يا أحبابنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكملُ الخلق، والنفسُ تحبّ الكمال، ثم هو أعظمُ الخلقِ صلى الله عليه وسلّم فضلًا علينا وإحسانًا إلينا، والنفسُ تحبّ مَن أحسن إليها، ولا إحسانَ لبشريٍّ أعظمَ من أنه أخرجنا من الظلمات إلى النور، ولذا فهو أولى بنا من أنفسنا، بل وأحبُ إلينا منها.  عبروا عن حبِكم واحترامِكم وتعظيمِكم وتوقيرِكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالإكثار من الصلاة عليه والتسليم. قال الله تعالى إن الله وملائكتَه يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما.

 قال الله تعالى إن الله وملائكتَه يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. ليعلم أنَّ الصَّلاةَ مِنَ اللَّهِ عَلَى النَّبِىِّ تَعْظِيمٌ وَرِفْعَةُ قَدْرٍ وَالصَّلاةَ مِنَ الْمَلائِكَةِ دُعَاءٌ. ومعنى الآية إن الله يَزيدُ محمدا شرفا وتعظيما والملائكةُ يسألون ربهم أن يزيد محمدا شرفا وتعظيما، يا أيها الذين آمنوا سلوا الله تعالى أن يزيدَ محمدًا شرفًا وتعظيمًا وسلوه أن يسلّم محمدًا مما يخافُ على أمته.   و رَوَى التِّرْمِذِىُّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَىَّ. رَغِمَ أَنْفُ فُلانٍ فِى الأَصْلِ مَعْنَاهُ جُعِلَ فِى الرَّغَامِ وَهُوَ التُّرَابُ وَالْمَقْصُودُ بِهِ هُنَا فَوَّتَ خَيْرًا كَثِيرًا. فصلوا وسلموا على رسول الله ولا تفوتوا عليكمُ الخير.    وَرَوَى الْبُخَارِىُّ فِى الأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى عَلَىَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا.    وَرَوَى النَّسَائِىُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً سَيَّاحِينَ فِى الأَرْضِ يُبَلِّغُونِى عَنْ أُمَّتِى السَّلامَ. الله أكبر ومن منا لا يحب أن تبلّغَ الملائكةُ النبيَّ صلاتَه وسلامَه عليه. تخيل أن تصليَ وتسلمَ على الحبيب صلى الله عليه وسلم فيقولُ الملَكُ لرسول الله فلانٌ يصلي ويسلم عليك يا رسول الله والرسول يرُدُ عليك السلام. وأيُ فرحةٍ هذه وأيُّ شرفٍ هذا.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَكْثِرُوا عَلَىَّ مِنَ الصَّلاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَىَّ. مَعْنَاهُ الْمَلائِكَةُ يَعْرِضُونَ عَلَيْهِ فُلانٌ صَلَّى عَلَيْكَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ، بَعْضُ النَّاسِ الرَّسُولُ يَسْمَعُ صَلاتَهُمْ وَسَلامَهُمْ هُوَ بِأُذُنِهِ يَسْمَعُ وَبَعْضٌ تَعْرِضُهُ الْمَلائِكَةُ عَلَيْهِ.  وَرَوَى الْحَافِظُ السَّخَاوِىُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ عَصْرَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثَمَانِينَ مَرَّةً غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُ ثَمَانِينَ سَنَةً. أَىْ لَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ ذنوبٌ تُقَدّر بذنوب من عاش ثمانين سنة، تُغفرُ له بصلاته على رسول الله عصرَ يوم الجمعة ثمانينَ مرة، وتكون بهذه الصيغة: اللهم صلِّ على محمدٍ عبدِك ونبيِك ورسولِك النبيِّ الأميّ.

وفي الختام نسأل الله تعالى أن يصليَ ويسلم على سيدنا محمد طب القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشفائها ونور الأبصار وضيائها وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين

قال سفيانُ الثوريُّ رضي الله عنه : رأيتُ رجلاً في الباديةِ لا يرفعُ قدمًا ولا يضعُ أُخرى إلا وهو يصلّي على النبيّ صلى الله عليه وسلّم. فقلت يا هذا قد تركتَ التسبيحَ والتهليلَ وأقبلتَ بالصلاةِ على النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم فهل عندك من هذا شىء ؟ قال: مَن أنت ؟ قلت: أنا سفيان الثوري، فقال: لولا أنت غريبٌ في أهلِ زمانِك ما كشفتُ عن حالي ولا أطلعتُك على سرِّي، ثُمّ قال: خرجتُ أنا ووالدي حاجّين إلى بيت الله الحرام حتى كنّا في بعض المنازلِ مرِضَ والدي فقمتُ لأعالجَهُ فبينما أنا عند رأسه ماتَ واسوَدّ وجهُه، فجرّيت الإزارَ على وجهه، فغلبتني عينايَ فنِمتُ فإذا أنا برجلٍ لم أرَ أجملَ منه وجهًا ولا أنظفَ منه ثوبًا ولا أطيبَ منه ريحًا يرفعُ قدَمًا ويضعُ قدمًا أخرى، حتى دنا من والدي فكشفَ الثوبَ عن وجهِه وأمرَّ بيدِه على وجهِه فعادَ وجهُه أبيض ثُمّ ولّى راجعًا، فتعلّقتُ بثوبِه فقلتُ له: مَن أنت يرحمُك الله لقد منّ اللهُ بكَ على والدي في دارِ الغربة؟ فقال: أوَ ما تعرفُني ؟ أنا محمّدُ بنُ عبدِ الله، أنا صاحبُ القرءان، أما إنَّ والدَك كان مُسرفًا على نفسه (أي يقعُ في المعاصي) ولكن كان يُكثِرُ الصلاةَ عليّ، فلمّا نزلَ به ما نزلَ استغاثَ بي فأنا غِياثُ من أكثرَ الصلاةَ عليّ ، قال : فانتبهتُ من نومي فكشفتُ عن وجهِ أبي فإذا وجهُهُ أبيض  . اللهم انفعنا ببركاتِ سيدنا محمد يا أكرم الأكرمين.

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الأَوْفَى إِذَا صَلَّى عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِىِّ وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى ءَالِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ جُرِّبَتْ كَثِيرًا لِرُؤْيَةِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الْمَنَامِ. فالنبي صلى الله عليه وسلم يجوز أن يُرى في المنام على صورتهِ الأصليَّةِ التي ذكرْنا، فقد روى البخاريُّ من حديثِ قتادَةَ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : مَنْ رءاني في المنامِ فقد رأى الحقَّ لأنَّ الشيطانَ لا يتزَيَّا بي. أي مَن رَأى صورتي الأصليةَ في المنامِ فقد رأى خاتمَ النبيينَ، وذلكَ لأنَّ اللهَ تعالى لم يُعطِ الشيطانَ القدرةَ على أن يتشكلَ بصورةِ سيدِنا محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. صلوا على الحبيب حتى القلب يطيب

ليُعلَم أنَّ من رأى النبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في المنامِ فذلكَ بشرى له بأنَّهُ يموتُ على الإيمانِ فقد روى البُخاريُّ من حديثِ أبي هريرة رضيَ اللهُ عنه أنَّ النبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ : مَن رءاني في المنامِ فَسَيَراني في اليقظةِ. وبيانُ ذلكَ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رؤيتُهُ في المنامِ فيها بشرى كبيرة للرائي وهيَ أنه لا بُدَّ أن يراهُ في اليقظةِ حتى لو كان حينَ رؤيَتِهِ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على غيرِ دينِ الإسلامِ فإنَّهُ لا بُدَّ أن يُسلِمَ ويرى رسولَ الله يقظَةً قبلَ أن يُفارِقَ الدنيا. وقد ورَدَ بالإسنادِ المتصلِ أنَّ رجلاً كانَ في عصرِ السلَفِ أي في وقتٍ قريبٍ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وذلكَ بعدَ نحوِ مائة وخمسينَ سنةٍ يُسَمَّى الحسنَ بنَ حيّ، هذا كان من العلماءِ العاملين من أهلِ الحديثِ الأتقياءِ ولهُ أخٌ مثلُهُ، هذا الحسنُ بنُ حيّ لما كانَ على فراشِ الموتِ سمعَهُ أخوهُ يقرأُ قولَ اللهِ تعالى : وَ مَن يُطِعِ اللهَ والرسولَ فأولئك مع الذينَ أنعمَ اللهُ عليهم من النبيين والصِدِّيقين والشهداءِ والصالحين وحَسُنَ أولئكَ رفيقا. وكان بجانبهِ أخوهُ ، فقالَ له : يا أخي تتلو تلاوةً أم ماذا ؟. قالَ : لا ، أرى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يضحَكُ إلَيَّ و يُبشرُني بالجنةِ وأرى الملائكةَ وأرى الحورَ العين، ثم مات. فالوعدُ الذي ورَدَ في الحديثِ فسيراني في اليقظَةِ فإنه يُرادُ بهِ الرؤيةُ في الدنيا قبلَ الموتِ. نسألُ اللهَ تعالى أن يرزُقَنا رؤيَتَهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في المنامِ هذه الليلة وكل ليلة والحمد لله رب العالمين.

 أذكر لكم ما سيزيدُكم شوقا إلى رسول الله وحبا به صلى الله عليه وسلم، وهو ما حصل مع ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكان شديدَ الحبِ لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، قليلَ الصبرِ عنه، فأتاه ذاتَ يوم وقد تغيّرَ لونُه يُعْرَفُ الحزنُ في وجهه، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلّم: ما غير لونَك؟ فقال: يا رسول الله، ما بي مرضٌ ولا وجعٌ، غيرَ أنّي إذا لم أركَ استوحشتُ وَحشةً شديدةً حتى ألقاك، ثم ذكرتُ الآخرةَ فأخافُ أني لا أراك؛ لأنك تُرفَعُ مع النبيين، وإني إن دخلتُ الجنةَ، في منزلةٍ أدنى من منزلتِك، وإن لم أدخلِ الجنةَ لا أراكَ أبدًا! فنزلت هذه الآية وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا .

كم هو الشوقُ عظيمٌ لملاقاةِ رسول الله صلى الله عليه وسلّم! وكم هي اللهفةُ مشتعلةٌ في قلوبِنا لمرءاهُ والتمتعَ بمشاهدةِ جمالِه المحمديِّ الباهرِ الظاهر! وكم هي عاجزةٌ كلماتُنا أن تُوفيَ هذا الإنسانَ العظيمَ ما يناسبُ مقامَه الشامخَ العالي من وصفٍ يُحاکي صفاتِه النبيلةِ الجميلة التي جمّلَه بها ربُه سبحانه وكمّلَه بها وأعلاهُ بها! نبضاتُ أفئدتِنا بالشوقِ إليه لا تهدأُ أبدًا حتى وكأنها في ارتفاعٍ مستمرٍ لا تستكينُ إلا بانتهاءِ أعمارِنا معها! ولسنا أولَ من اشتاقَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم ولا ءاخرَ من سيشتاقُ إليه. وكما همُ المسلمونَ في كلِ زمانٍ ومکانٍ مشتاقون إليه صلى الله عليه وسلّم كذلك هو مشتاقٌ إليهم، فقد قال صلى الله عليه وسلّم: وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوانَنَا، قالوا: أولسنا إخوانَك يا رسول الله؟ قال: أنْتُم أصحابِي، وإخوَانُنَا الّذينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ، فقالوا: كيفَ تعرفُ مَنْ لَم يَأْتِ بَعْدُ مِن أمتك يا رسول الله؟ فقال: أَرَأَيْتَ لَوْ أنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟، قالوا: بلی یا رسول الله، قال: فإنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِين مِنَ الوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الحَوْضِ أي وأنا من سأتقدّمُهم على الحوض.  اللهم صل على سيدنا محمد طبِ القلوب ودوائها وعافيةِ الأبدان وشفائها ونورِ الأبصار وضيائِها وعلى آله وصحبه وسلم️   .

ليُعلم يا أحبابنا أن سيدَ القوم أجلُهم وافضلُهم واعلاهم. وهو صلى الله عليه وسلم سيدُ الخلق كما جاء في حديث الترمذي  أنا سيد ولد ءادم يوم القيامة ولا فخر ، ولا يصح الإحتجاج بحديث السيدُ الله لمنع إطلاقِ لفظِ السيد على رسول الله  لى الله عليه وسلم فإن هذا الحديث لا يدلُ على ذلك وإنما معناه أنّ ذا السلطان الذي لا يزول هو الله ، وأن الذي لا يحصل في مِلكه إلا ما يريد هو الله، هذا معنى السيد الله وهو حديث صحيح وليس معناه أنه لا يجوز أن يقال سيد عن غير الله. وقد جاء في القرءان والحديث الصحيح إطلاق السيد على غير الله ، قال الله تعالى في حق سيدنا يحيى وسيداً وحصوراً . وحصوراً معناه الذى لا يأتِ النساء ليس عن عجز إنما هكذا كان شأنُ يحيى عليه السلام لا رغبة له بإتيانِ النساء، فهذا فيه إطلاقُ السيد على سيدِنا يحيى بنصِ القرءانِ الكريم. وكذلك جاءَ فى الحديثِ أن الرسولَ قال عن ابنَيْ بنته الحسن والحسين سيدا شبابِ أهل الجنة.  وقد قال عليه الصلاة السلام فيما رواه البخاري عن ابن بنته الحسنِ بنِ علي رضي الله عنهما إنّ ابني هذا سيدٌ ولعلّ الله َيُصلحُ به بين َفئتين من المسلمين عظيمتين، فإذا جاز إطلاق ذلك على سيدنا يحيى وعلى الحسن والحسين جاز بالأولى إطلاقه على الرسول عليه الصلاة والسلام . فيتبين مما قلناه أنه يجوز إطلاقُ السيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقال بلا شك سيدُنا محمد، صلوا عليه وسلموا تسليما.

ليعلم يا أحبابنا الكرام أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسماءُ كثيرة وذَلِكُم يدُلُ على فضله. قال عليه الصلاة والسلام لي خمسةُ أسماء أنا محمد وأحمد والماحي والعاقبُ والحاشر. ومعنى ذلك أن الرسول عليه السلام اختُصت به هذه الأسماء ولكنّه عليه الصلاة والسلام سُمّي بعشرات الأسماء. من أسمائه الشريفة محمد، وهو أشهرُ أسمائه وأشرفُها لإنبائِه عن كمالِ الحمدِ الْمُنبي عن كمال ذاته، سمي به إما لكثرة خصاله الحميدة وإما لأن الله تعالى وملائكتَه حمَدوه حمدًا كثيرًا بالغًا غاية الكمال، فهو محمدٌ من حُمِدَ لكثرةِ خصاله الحميدة. وقد حمى الله هذا الاسمَ فلم يتسمَّ به أحدٌ ممن ادعى النبوةَ في الإسلام مع كثرتهم ولم يتسمَّ به أحدٌ قبله، وإنما سمّتِ العربُ محمدًا قُربَ ميلاده لَمّا أخبر الأحبارُ والكهانُ أن نبيًا يُبعثُ في ذلك الزمان يُسمى محمدًا فسمُوا أبناءَهم بذلك، وهم ستة وقيل أكثر. وهو صلى الله عليه وسلم أحمد ومعناه أحمدُ الحامدين لربه، ويقال الأنبياء حمّادون وهو أحمدُهم أي أكثرُهم حمدًا وأعظمُهم في صفةِ الحمد.

 من أسمائه عليه السلام الْمُقَفِّي أي التابعُ للأنبياء فكان ءاخِرَهم، وهو الحاشرُ أي الذي يُحشر الناس على قدمِه أي على إثرِ زمنِ نبوّته إذ لا نبي بعده، أو على إثره في الحشر لأنه أولُ من تنشق عنه الأرض. وهو العاقب أي الذي لا نبيّ بعده. وهو الماحي الذي يمحو الله به الكفرَ أي أهلَه وهذا محمولٌ على الأغلب لأن الكفرَ ما انمحى من جميع البلاد أو أنه سينمحي أولاً فأوّلًا إلى أن يضمحلَ بعد نزول عيسى عليه السلام فإنّه يَرفعُ الجزيةَ ولا يَقبلُ إلا الإسلام أو السيف. وهو نبيّ الرحمة أي والمرحمة أي نبي التراحم بين الأمة. وهو نبيُّ التوبة أي نبيٌّ مُخْبِرٌ عن الله بقَبوله التوبةَ بشروطها، أو ءامرٌ بها. وهو نبيُّ الملحمةِ أي الحرب، سُمّي به لحرصه على الجهاد ومسارعتِه إليه، وفي الحديث: جُعِلَ رزقي تحت ظلِّ رُمحي . وهو الرسول أي رسولُ الرحمة، ورسول الملاحم.

هو صلى الله عليه وسلم عبدُ الله، ووصفُ العبودية أشرفُ الأوصاف وقد جاء وصفُه به في التنزيل {وأنَّهُ لَمَّا قامَ عبدُ اللهِ يدْعُوهُ} وهو صلى الله عليه وسلم أفضلُ عباد الله . وهو المتوكل أي الذي يَكِلُ أمورَه إلى الله. وهو الرءوفُ الرحيم بشهادة قوله تعالى{حريصٌ عليكُم بالمؤمنينَ رءوفٌ رحيمٌ} والرأفةُ شدةُ الرحمةِ فهو شديدُ الرحمةِ على المؤمنين. وهو الشاهدُ يومَ القيامة على أُمَتِه قال تعالى: {وجِئنا بكَ على هؤلاءِ شهيدًا}  وهو الْمُبَّشِرُ لأهلِ الإيمان بالرِضوانِ في هذه الدارِ وفي دارِ القرار، والْمُنذِرُ لأهلِ الكُفْر بالخِذْلانِ والهوانِ في دارِ البوار. وهو السراجُ الْمُنير قال تعالى: {وسِراجًا مُنيرًا} إذ به انجلَت ظُلُماتُ الشِركِ كما ينجلي ظلامُ اللّيلِ بالسراجِ واهتدت بنورِ نبوَّتِه البصائرُ كما تهتدي بنورِ السراجِ الأبصار، ووصفُه بالإنارةِ لأنَّ منَ السراجِ ما لا يكونُ نَيِّرًا.  وهو الْمُزَّملُ أَىِ الْمُتَزَمِّلُ وَهُوَ الَّذِى تَزَمَّلَ فِى ثِيَابِهِ أَىْ تَلَفَّفَ بِهَا، كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَائِمًا بِاللَّيْلِ مُتَزَمِّلًا فِى ثِيَابِهِ فَأُمِرَ بِالْقِيَامِ لِلصَّلاةِ. والْمُدَّثرُ أي الْمُتَلَفِّفُ بِثِيَابِهِ عِنْدَ نُزُولِ الوحي.

هو صلى الله عليه وسلم الداعي إلى الله بإذنه كما في قوله تعالى: {وداعيًا إلى اللهِ بإذنِهِ} وهو الْمُذكِّر أي الواعظ قال تعالى: {إنَّما أنتَ مُذَكِّرٌ}. وهو نعمةُ الله إذْ هو نعمةٌ على من ءامن به في الدارين. وهو الهادي إلى الصراط المستقيم بواضح الحُجَج وساطع البراهين ، وله غيرُ ذلك من الاسماء التي تَعظُم عن العد لكثرتها، ومن أسمائه المشهورة الْمُختار والمصطفى والشفيعُ والمشفَّع والصادقُ والمصدوق وغيرُ ذلك. ثمَّ إنَّ القاضي أبا بكرٍ محمدَ بنَ العربيِ المالكيَ قد جَمَعَ في كتابه الُمسمى بعارضةِ الأحْوَذي في شرح الترمذيّ للمصطفى عليه السلام سبعةً وستينَ اسمًا، كما أنّه أوصلها بعضُهم إلى تسعةٍ وتسعين موافقةً لعدد الأسماء الحسنى، وأوصلها ابنُ دحية إلى ثلاثمائة، وبعضهم إلى أربعمائة، وبعضُ الصُوفية إلى ألف، بل قال ابنُ فارس: هي ألفان وعشرون، وأكثرها من قبيل الصفات.

هو صلى الله عليه وسلم النبيُ الأميُ الذي لا يكتبُ بيده ولا يقرأُ المكتوبَ وهذا معلومٌ منتشرٌ بين المسلمين وهو حق. وأما ما تقولُه وتنشرُه بعض الفرقِ من غيرِ أهلِ السنة والجماعة من أن النبيَّ كان يقرأ ويكتب فهو باطل. فهو صلى الله عليه وسلم قد جاءَ بكلامٍ أعجزَ الشعراءَ والكتّابَ والبُلَغاءَ فكانت معجزةً من معجزاته أنه أميٌّ ملأ الدنيا علماً وحضارةً وأحاديثُهُ عمدةٌ يُحتجُ بها وكلامُه قاعدةٌ يُلجأُ إليها في اللغةِ والنحوِ والبيانِ والخَطابةِ والكتابةِ، كيف لا وهو الذي قال الله تعالى فيه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ . إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَىٰ} . وثبتت أميتهُ عليه الصلاة والسلام بنصِ الحديث عند أولِ نزولِ الوحي لما قال له جبريل: اقرأ فقال ما أنا بقارِئ، معناه لا أعرفُ قراءةَ المكتوب. والأميةُ في حقه عليه الصلاة والسلام مدحٌ، والمدحُ فيها أنه أميٌ مُعلِّم، وأميٌّ أعجزَ بلغاءَ العربِ وتحداهم بلغتهم فعجزوا عن التحدي ولجؤوا إلى الافتراءِ والحربِ والمكيدةِ مع علمهم بأنه لا يقرأُ المكتوبَ ولا يكتبُ بيده صلى الله عليه وسلم، ولو استطاعوا أن يتحدُوه بمثل ما جاء به لَما كلّفوا أنفسهم الحربَ والموتَ وخرابَ الديار. وقد وصف الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بالأمي بقوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ}.  

ليعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صاحبُ نسبٍ شريف، فهو محمدُ بنُ عبدِ الله بنِ عبد المطلب بنِ هاشم بنِ عبد مناف بنِ قُصي بنِ كلابٍ بنِ مُرَّةَ بنِ كعبِ بنِ لؤي بنِ غالب بنِ فِهْر بنِ مالك بنِ النضر بنِ كنانة بنِ خزيمة بنِ مُدركة بنِ الياس بنِ مُضر بنِ نزار بنِ معدِّ بنِ عدنان أبو القاسم سيّدُ ولدِ ءادم صلى الله عليه وسلّم كلّما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون. وجدّه الأعلى عدنان من سلالة إسماعيل نبيِّ الله ابنِ نبيِّ الله إبراهيم، خليلِ الرحمن صلى الله عليه وسلّم وعلى جميع إخوانه الأنبياء والمرسلين. فمحمّدٌ صلى الله عليه وسلّم صاحبُ هذا النسب الشريف، نخبةُ بني هاشم وعظيمُها. روى مسلم وغيرُه عن واثلةَ بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذيّ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ وَاصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشًا وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فهو صلى الله عليه وسلّم خيارٌ من خيار كما دلت عليه النُقولُ والآثار.

والد النبي صلى الله عليه وسلم اسمه عبد الله وقد توفاه الله فى المدينة وكان عمره خمساً وعشرين سنة والنبي حمل في بطن أمه ، وأما أمه رضي الله عنها فاسمها ءامنة بنتُ وهب بنِ عبد مناف بنِ زُهْرة  وتوفيت بالأبواء بين مكة والمدينة وكان له عليه الصلاة والسلام ستُ سنوات من العمر. وهو صلى الله عليه وسلم عبدُ اللهِ ورسولُه ونبيُه وخليلُه وهذا فيه وصفُ النبي صلى الله عليه وسلم بالعبودية لله مع إثبات وصفه بالنبوة والرسالةِ كما قال عليه الصلاة والسلام :  يا أيها الناسُ قولوا بِقَولِكُم ولا تَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشياطينُ أنا محمدُ بنُ عبدِ الله ِ، أنا عبدُ الله ِورسولُه وما أُحِبُ أن ترفعوني فوقَ منزلتي التي أنزلنيَ الله . رواه أحمد وفى هذا الحديث إثبات أن النبى لا يُمدح بما هو مخالف لشريعته، لا يجوز أن يصفَه الإنسانُ بما فيه مخالفةٌ لشرعه ولو كان قصدُه ومرادُه أن يمدحَ الرسول عليه الصلاة والسلام مثلُ بعضِ الناس الذين قالوا إن الرسول يعلم كلّ ما يعلمه الله فهذا مخالفةٌ للدين توقع صاحبَها فى الكفر. أو مثلُ قولِ بعض الناس إنّ أولَ خلق الله هو النبى وهذا غلط فهذا وإن كان أُريد منه مدحَ النبى ِصلى الله عليه وسلم لكنه فيه مخالفة لشرعه فلا يجوز ذلك لأن أول مخلوقات الله هو الماء والنبى عليه الصلاة والسلام نهانا عن الغلو فقد روى البخارى فى الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تُطْرونى (أى لا تمدحونى)  كما أطْرَتِ النصارى عيسى ابنَ مريم إنما أنا عبدُ الله ِورسولُه فقولوا عبدُ الله ِورسولُه.