بُغْيَةُ الطَّالِبِ لِمَعْرِفَةِ الْعِلْمِ الدِّينِيِّ الْوَاجِبِ – الطَّبْعَةُ الثَّامِنَةُ 6

نَوَاقِضُ الْوُضُوءِ

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ: وَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَا خَرَجَ مِنَ السَّبِيلَيْنِ غَيْرَ الْمَنِيِّ، وَمَسُّ قُبُلِ الآدَمِيِّ أَوْ حَلْقَةِ دُبُرِهِ بِبَطْنِ الْكَفِّ بِلا حَائِلٍ، وَلَمْسُ بَشَرَةِ الأَجْنَبِيَّةِ الَّتِي تُشْتَهَى، وَزَوَالُ الْعَقْلِ لا نَوْمُ قَاعِدٍ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَتَهُ.

   الشَّرْحُ أَنَّ أَسْبَابَ الْحَدَثِ الأَصْغَرِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ.

أَوَّلُهَا مَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ أَيِ الْقُبُلِ أَوِ الدُّبُرِ وَهُمَا مَخْرَجُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ إِلَّا الْمَنِيَّ فَإِنَّهُ لا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عِنْدَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، فَمَنْ خَرَجَ مِنْهُ مَنِيٌّ بِتَفْكِيرٍ أَوْ نَظَرٍ وَكَانَ مُتَوَضِّئًا لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوؤُهُ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ أَعْظَمَ الأَمْرَيْنِ وَهُوَ الْغُسْلُ فَلَمْ يُوجِبْ أَصْغَرَهُمَا لِأَنَّ الْغُسْلَ أَعْظَمُ أَيْ أَشَقُّ مِنَ الْوُضُوءِ. هَذَا فِي مَنِيِّ الشَّخْصِ نَفْسِهِ أَمَّا مَنِيُّ غَيْرِهِ فَإِنَّ خُرُوجَهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، فَلَوْ جَامَعَ الْمَرْأَةَ زَوْجُهَا وَأَمْنَى وَلَمْ تُمْنِ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ بِحَيْثُ ارْتَفَعَ الْحَدَثَانِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا مَنِيُّ زَوْجِهَا لِأَنَّ زَوْجَهَا أَمْنَى انْتَقَضَ وُضُوؤُهَا بِهَذَا الْمَنِيِّ الَّذِي خَرَجَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنِيَّهَا، وَهَذَا عِنْدَ التَّأَكُّدِ أَيْ تَأَكُّدِ خُرُوجِ شَىْءٍ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ، أَمَّا لَوْ رَأَى الشَّخْصُ بَلَلًا عَلَى فَرْجِهِ وَاحْتَمَلَ طُرُوءَهُ مِنْ خَارِجٍ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوؤُهُ لِلشَّكِّ فِي أَنَّ هَذَا الْبَلَلَ خَرَجَ مِنْ فَرْجِهِ.

   وَالسَّبَبُ الثَّانِي: مَسُّ قُبُلِ الآدَمِيِّ أَوْ حَلْقَةِ دُبُرِهِ فَإِنَّهُ نَاقِضٌ سَوَاءٌ كَانَ حَيًّا أَوْ مَيْتًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا ذَكَرًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا إِنْ كَانَ بِلا حَائِلٍ، وَخَرَجَ بِالآدَمِيِّ الْبَهِيمَةُ فَلا نَقْضَ بِمَسِّ فَرْجِهَا.

   وَالنَّاقِضُ مِنَ الدُّبُرِ مُلْتَقَى الْمَنْفَذِ فَقَطْ فَلا يَنْقُضُ مَسُّ الأَلْيَةِ. وَالنَّاقِضُ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ مُلْتَقَى شُفْرَيْهَا عَلَى الْمَنْفَذِ فَقَطْ. وَلا يَنْقُضُ اللَّمْسُ بِظَهْرِ الْكَفِّ أَوِ اللَّمْسُ بِحَائِلٍ.

   وَيُعْرَفُ بَطْنُ الْكَفِّ مِنْ ظَاهِرِهَا بِوَضْعِ إِحْدَى الْكَفَّيْنِ عَلَى الأُخْرَى مَعَ تَحَامُلٍ يَسِيرٍ [التَّحَامُلُ الْيَسِيرُ أَيْ الْكَبْسُ الْخَفِيفُ] وَتَفْرِيقِ الأَصَابِعِ، فَالْقَدْرُ الَّذِي لا يَظْهَرُ عِنْدَ ذَلِكَ هُوَ بَطْنُ الْكَفِّ.

   وَالسَّبَبُ الثَّالِثُ: لَمْسُ بَشَرَةِ الأَجْنَبِيَّةِ مَعَ كِبَرٍ لِكُلٍّ مِنَ اللَّامِسِ وَالْمَلْمُوسِ، وَالْمُرَادُ بِالْكِبَرِ بُلُوغُ حَدٍّ يُشْتَهَى فِيهِ أَوْ تُشْتَهَى فِيهِ بِالنِّسْبَةِ لِأَهْلِ الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ [أَمَّا بِنْتُ خَمْسِ سِنِينَ مَثَلًا فَلا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لَمْسُهَا لِأَنَّهَا لا تُشْتَهَى عَادَةً] وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا جِنِّيًا، فَلَوْ لَمَسَ الرَّجُلُ امْرَأَةً جِنِّيَّةً انْتَقَضَ وُضُوؤُهُ، كَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إِذَا لَمَسَهَا جِنِّيٌّ انْتَقَضَ وُضُوؤُهَا، وَلا يَنْقُضُ إِلَّا لَمْسُ الْجِلْدِ فَلَوْ لَمَسَ سِنَّ الأَجْنَبِيَّةِ أَوْ شَعَرَهَا أَوْ ظُفْرَهَا لَمْ يَنْتَقِضِ الْوُضُوءُ وَلَكِنْ يَحْرُمُ لَمْسُ ذَلِكَ مِنَ الأَجْنَبِيِّ وَالأَجْنَبِيَّةِ مَعَ الْكِبَرِ.

   وَالسَّبَبُ الرَّابِعُ: زَوَالُ الْعَقْلِ أَيِ التَّمْيِيزِ بِنَحْوِ جُنُونٍ أَوْ صَرْعٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ نَوْمٍ إِلَّا نَوْمَ قَاعِدٍ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَتَهُ مِنْ مَقَرِّهِ كَأَرْضٍ وَظَهْرِ دَابَّةٍ وَلَوْ سَائِرَةً لِلأَمْنِ مِنْ خُرُوجِ الرِّيحِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ طَالَ الْوَقْتُ. وَأَمَّا خُرُوجُ الرِّيحِ مِنَ الْقُبُلِ فَلا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ.
   وَكَذَلِكَ الْوَلِيُّ الَّذِي غَابَ عَقْلُهُ بِالْوَجْدِ فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ وُضُوؤُهُ، الْوَلِيُّ إِنِ اسْتَغْرَقَ فِي حُبِّ اللَّهِ أَحْيَانًا يَنْسَى كُلَّ شَىْءٍ، لَكِنِ الْوَجْدُ الَّذِي يُغَيِّبُ الْعَقْلَ لا يَحْصُلُ لِكُمَّلِ الأَوْلِيَاءِ. وَالصَّحَابَةُ مَا حَصَلَ فِيهِمْ جَذْبٌ يُغَيِّبُ الْعَقْلَ.

   تَنْبِيهٌ شَذَّ حِزْبُ التَّحْرِيرِ فَحَلَّلَ لَمْسَ الأَجْنَبِيِّ الأَجْنَبِيَّةَ حَتَّى التَّقْبِيلَ. هَذَا الْحِزْبُ أَفْسَدَ إِفْسَادًا كَبِيرًا يَقُولُونَ الإِنْسَانُ هُوَ يَخْلُقُ عَمَلَهُ الِاخْتِيَارِيَّ، فَإِذَا فَكَّرَ الإِنْسَانُ أَوْ أَطْبَقَ عَيْنَهُ عَمْدًا كُلُّ ذَلِكَ عَلَى زَعْمِهِمُ الْعَبْدُ يَخْلُقُهُ لَيْسَ اللَّهُ يَخْلُقُهُ وَهَذَا كُفْرٌ بَلْ كُلُّ أَعْمَالِ الْعَبْدِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ لَهُ خَلْقٌ لِلْعَبْدِ وَلَيْسَ مَخْلُوقًا لِلَّهِ عِنْدَهُمْ، وَهَذَا إِشْرَاكٌ بِاللَّهِ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا بِذَلِكَ لِلْعَالَمِ مُدَبِّرَيْنِ مُدَبِّرًا لِلأَجْسَامِ وَهُوَ اللَّهُ وَمُدَبِّرًا لِلأَعْمَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَهُوَ الْعَبْدُ عِنْدَهُمْ، وَهَذَا يُنَافِي إِفْرَادَ اللَّهِ بِالأُلُوهِيَّةِ فَوَافَقُوا الْمُعْتَزِلَةَ فِي هَذَا الضَّلالِ.

الِاسْتِنْجَاءُ

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ: يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ [الِاسْتِنْجَاءُ وَاجِبٌ مَعَ إِرَادَةِ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلاةِ مِنْ نَجَوْتُ الشَّىْءَ أَيْ قَطَعْتُهُ فَكَأَنَّهُ قَطَعَ الأَذَى عَنْ نَفْسِهِ] مِنْ كُلِّ رَطْبٍ خَارِجٍ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ غَيْرَ الْمَنِيِّ بِالْمَاءِ إِلَى أَنْ يَطْهُرَ الْمَحَلُّ أَوْ بِمَسْحِهِ ثَلاثَ مَسَحَاتٍ أَوْ أَكْثَرَ إِلَى أَنْ يَنْقَى الْمَحَلُّ وَإِنْ بَقِيَ الأَثَرُ، بِقَالِعٍ طَاهِرٍ جَامِدٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ كَحَجَرٍ أَوْ وَرَقٍ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ انْتِقَالٍ وَقَبْلَ جَفَافٍ، فَإِنِ انْتَقَلَ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي اسْتَقَرَّ فِيهِ أَوْ جَفَّ وَجَبَ الْمَاءُ.

الشَّرْحُ هَذَا الْفَصْلُ مَعْقُودٌ لِلِاسْتِنْجَاءِ، وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ قَبْلَنَا مِنَ الأُمَمِ رُخْصَةٌ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ بَلْ كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْتَنْجُوا بِالْمَاءِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ. وَأَوْجَبُ مَا يُوجِبُ الِاسْتِنْجَاءَ وَأَشَدُّهُ الْبَوْلُ لِأَنَّ التَّضَمُّخَ بِالْبَوْلِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَهُوَ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِعَذَابِ الْقَبْرِ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ [فِي إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ] «اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» مَعْنَاهُ تَحَفَّظُوا مِنَ الْبَوْلِ لِئَلَّا يُلَوِّثَكُمْ مَعْنَاهُ لا تُلَوِّثُوا ثِيَابَكُمْ وَ[الْوَاوُ هُنَا بِمَعْنَى أَوْ] جِلْدَكُمْ بِهِ لِأَنَّ أَكْثَرَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ. أَمَّا التَّضَمُّخُ بِغَيْرِ الْبَوْلِ مِنَ النَّجَاسَاتِ فَهُوَ حَرَامُ إِذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ إِلَى ذَلِكَ [أَمَّا التَّضَمُّخُ بِالْبَوْلِ الْمُخْتَلِطِ بِالْمَاءِ وَنَحْوِهِ فَأَقَلُّ إِثْمًا مِنَ التَّضَمُّخِ بِعَيْنِ الْبَوْلِ]. وَالتَّضَمُّخُ بِغَيْرِ الْبَوْلِ مِنَ النَّجَاسَاتِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ مِنَ الصَّغَائِرِ بَلْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ يَجُوزُ التَّضَمُّخُ بِذَلِكَ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ بِيَدِهِ نَجَاسَةً مِنَ النَّجَاسَاتِ غَيْرِ الْبَوْلِ بِدُونِ عُذْرٍ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا عِنْدَهُمْ.

فَمَا كَانَ خَارِجًا مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ وَكَانَ رَطْبًا بِحَيْثُ لَوَّثَ الْمَخْرَجَ وَجَبَ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ إِنْ كَانَ مُعْتَادًا أَوْ غَيْرَهُ كَالدَّمِ، وَلا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنَ الْخَارِجِ الْجَامِدِ كَالْحَصَى الْخَارِجِ بِلا بَلَلٍ.

ثُمَّ إِنْ كَانَ الِاسْتِنْجَاءُ بِحَجَرٍ يُعْفَى عَنِ الأَثَرِ الَّذِي يَبْقَى وَهُوَ الَّذِي لا يُزِيلُهُ إِلَّا الْمَاءُ أَوْ صِغَارُ الْخَزَفِ أَيِ الْفَخَّار، ثُمَّ إِذَا عَرِقَ الْمَحَلُّ فَأَصَابَ مَا يَلِيهِ مِنَ الثَّوْبِ عُفِيَ عَنْهُ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَكْثُرُ الِابْتِلاءُ بِهِ وَلا سِيَّمَا فِي الْبِلادِ الْحَارَّةِ.

وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ «غَيْرَ الْمَنِيِّ» أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْمَنِيَّ لا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَكِنَّهُ يُسَنُّ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلافِ الأَئِمَّةِ الْقَائِلِينَ بِنَجَاسَتِهِ.

ثُمَّ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْتَنْجِي الْمَاءُ فَقَطْ أَوِ الْحَجَرُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَهَى عَنِ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاثَةِ أَحْجَارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي [أَبُو بَكْرِ بنُ الْمُقْرِي الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ الْيَمَنِيُّ] فِي تَمْشِيَتِهِ يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِحَجَرٍ لَهُ ثَلاثَةُ رُؤُوسٍ. وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِغَيْرِ الْمَاءِ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ الَّذِي رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ «فَإِنِ اسْتَطَابَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَطِبْ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ». وَكَيْفِيَّةُ الِاسْتِنْجَاءِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْمَخْرَجِ وَيَسْكُبَ الْمَاءَ وَيَدْلُكَ الْمَخْرَجَ إِلَى أَنْ يَذْهَبَ الْخَارِجُ عَيْنُهُ وَأَثَرُهُ، وَيَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي زَوَالِهِ. فَإِنْ مَسَحَ بِحَجَرٍ أَوْ نَحْوِهِ وَجَبَ أَنْ يَمْسَحَ ثَلاثَ مَسَحَاتٍ إِمَّا بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ وَإِمَّا بِحَجَرٍ وَاحِدٍ لَهُ ثَلاثَةُ أَطْرَافٍ أَوْ أَكْثَرَ إِلَى أَنْ يُنْقِيَ الْمَحَلَّ. وَفِي حُكْمِ الْحَجَرِ كُلُّ شَىْءٍ قَالِعٍ طَاهِرٍ جَامِدٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ، فَلا يُجْزِئُ أَيْ لا يَكْفِي غَيْرُ الْقَالِعِ لِمَلاسَتِهِ كَالزُّجَاجِ أَوِ الْقَصَبِ أَوْ لِغَيْرِ الْمَلاسَةِ كَالتُّرَابِ الْمُتَنَاثِرِ، وَلا يَكْفِي الْجَامِدُ النَّجِسُ أَوِ الْمُتَنَجِّسُ وَلا الرَّطْبُ كَالْجِلْدِ الرَّطْبِ وَلا مَا عَلَيْهِ رُطُوبَةٌ وَلَوْ خِرْقَةً مَبْلُولَةً بِالْمَاءِ فَإِنْ كَانَتْ جَافَّةً فَهِيَ مِثْلُ الْحَجَرِ فَيَكْفِي الِاسْتِنْجَاءُ بِهَا. وَلا يَكْفِي أَيْضًا لِلِاسْتِنْجَاءِ الْقَالِعُ الْمُحْتَرَمُ كَوَرَقَةٍ مِنْ كِتَابِ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ وَمَنِ اسْتَنْجَى بِهَا عَالِمًا بِمَا فِيهَا كَفَرَ.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «غَيْرِ مُحْتَرَمٍ» أَيْ غَيْرِ مَقْصُودٍ لِلأَكْلِ كَكِسْرَةِ الْخُبْزِ [لِأَنَّ قِطْعَةَ الْخُبْزِ تُقْصَدُ لِلأَكْلِ فَلا يَكْفِي الِاسْتِنْجَاءُ بِهَا]. وَمِنَ الْمُحْتَرَمِ مَأْكُولُ ابْنِ ءَادَمَ الْخَاصُّ أَوِ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ ابْنِ ءَادَمَ وَالْبَهَائِمِ إِلَّا مَا غَلَبَ أَكْلُ الْبَهَائِمِ لَهُ دُونَ الْبَشَرِ مِثْلُ الْفَصَّةِ، فَلا يَكْفِي الْعَظْمُ لِأَنَّهُ طَعَامُ الْجِنِّ أَيِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يُكْسَى لَهُمْ لَحْمًا فَالْعَظْمُ الَّذِي يَأْكُلُ بَنُو ءَادَمَ لَحْمَهُ ثُمَّ يَرْمُونَهُ اللَّهُ يَكْسُوهُ لَحْمًا حِينَ يَقَعُ فِي أَيْدِي الْجِنِّ الْمُؤْمِنِينَ فَيَأْكُلُونَهُ هَذَا إِنْ كَانَ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا قِشْرُ الرُّمَّانِ بَعْدَ جَفَافِهِ وَنَحْوُهُ كَالْجَوْزِ فَيُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ إِنْ كَانَ اللُّبُّ فِي بَاطِنِهِ.

ثُمَّ إِنَّمَا يَكْفِي الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ إِذَا لَمْ يَنْتَقِلِ الْخَارِجُ عَنِ الْمَخْرَجِ إِلَى غَيْرِهِ أَيْ لَمْ يُجَاوِزِ الصَّفْحَةَ – أَيْ مَا يَنْضَمُّ مِنَ الأَلْيَتَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ – وَالْحَشَفَةَ.

وَيُشْتَرَطُ لِكِفَايَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ لِلنِّسَاءِ أَنْ لا يَصِلَ الْبَوْلُ إِلَى مَدْخَلِ الذَّكَرِ وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْمَاءُ، وَأَمَّا مَخْرَجُ الْغَائِطِ فَيَكْفِي فِيهِ الْمَسْحُ بِالْحَجَرِ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ شَعَرٌ.

وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ قَبْلَ الْجَفَافِ، وَأَمَّا اخْتِلاطُ الْعَرَقِ بِهِ فَلا يَمْنَعُ إِجْزَاءَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ، وَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِنْ أَنَّهُ لا يُعْفَى عَنْ نَحْوِ الْعَرَقِ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ خِلافُ الصَّوَابِ. وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ مِنَ الْغَائِطِ مِنْ أَنْ يَأْخُذُوا بِالْكَفِّ الْيُسْرَى مَاءً ثُمَّ يَدْلُكُوا بِهِ الْمَخْرَجَ فَذَلِكَ قَبِيحٌ غَيْرُ كَافٍ.

وَيُسَنُّ تَقْدِيمُ الِاسْتِنْجَاءِ عَلَى الْوُضُوءِ، فَلَوْ أَخَّرَ الِاسْتِنْجَاءَ عَنِ الْوُضُوءِ صَحَّ.

فَائِدَةٌ.
فِي كِتَابِ «مَوَاهِبِ الْجَلِيلِ شَرْحِ مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ» لِلشَّيْخِ حَطَّابٍ الْمَالِكِيِّ مَمْزُوجًا بِالْمَتْنِ مَا نَصُّهُ:

«يَنْبَغِي لِلإِنْسَانِ عِنْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ أَنْ يَعْتَبِرَ بِمَا خَرَجَ مِنْهُ كَيْفَ صَارَ حَالُهُ فَإِنَّهُ كَانَ طَيِّبًا يُغَالِي فِيهِ وَيُزَاحِمُ عَلَيْهِ مَنْ يَشْتَرِي، فَبِمُجَرَّدِ مُخَالَطَتِهِ لِلآدَمِيِّ تَقَذَّرَ وَصَارَ نَجِسًا يَهْرُبُ مِنْهُ وَيَعَافُهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُخَالِطُهُ الآدَمِيُّ مِنَ الثِّيَابِ النَّظِيفَةِ وَالرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ عَنْ قَلِيلٍ يَتَقَذَّرُ وَيُعَافُ. وَيُتَنَبَّهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ يُحْذَرُ مِنْ مُخَالَطَةِ مَنْ لا يَنْفَعُهُ فِي دِينِهِ لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِ ءَاثَارُ الْخُلْطَةِ وَلِأَنَّهُ إِذَا خَالَطَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُغَيِّرَ أَحَدًا مِنْهُمْ بِسَبَبِ خُلْطَتِهِ كَمَا يُغَيِّرُ كُلَّ مَا خَالَطَهُ مِنَ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ. وَيُتَنَبَّهُ أَيْضًا إِلَى أَنَّهُ لا بُدَّ أَنْ يَرْجِعَ هُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا دُفِنَ أَكَلَهُ الدُّودُ ثُمَّ يَرْمِيهِ مِنْ جَوْفِهِ قَذَرًا مُنْتِنًا إِلَّا أَنَّ ثَمَّ قَوْمًا لا يَأْكُلُهُمُ الدُّودُ وَهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالْعُلَمَاءُ [أَيِ الْعُلَمَاءُ الْعَامِلُونَ فَقَطْ] وَالشُّهَدَاءُ وَالْمُؤَذِّنُونَ الْمُحْتَسِبُونَ، فَالدَّرَجَةُ الأُولَى لا سَبِيلَ إِلَيْهَا فَيَجْتَهِدُ فِي تَحْصِيلِ إِحْدَى الدَّرَجَاتِ الثَّلاثِ الْبَاقِيَةِ وَانْظُرِ الْمَدْخَلَ [أَيْ كِتَابَ الْمَدْخَلِ لِابْنِ الْحَاجِّ الْمَالِكِيِّ] وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ» اهـ.

وَمَا ذَكَرَهُ الْحَطَّابُ هُوَ مِصْدَاقُ حَدِيثِ أَبي دَاوُدَ [فِي سُنَنِهِ]: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» مَعْنَاهُ انْتَقُوا مَنْ تَتَّخِذُونَهُ خَلِيلًا أَيْ صَدِيقًا فَمَنْ كَانَ يَنْفَعُكُمْ فِي دِينِكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِمُصَادَقَتِهِ وَمَنْ كَانَ لا يَنْفَعُكُمْ فِي دِينِكُمْ بَلْ يَضُرُّكُمْ فَابْتَعِدُوا مِنْهُ وَلا تُصَادِقُوهُ وَلْيُعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ابْتَلَى الْبَشَرَ بِثَلاثَةِ أَشْيَاءَ شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَهَوَى النَّفْسِ وَشَيَاطِينِ الإِنْسِ.

ثُمَّ إِنَّ الْجَمْعَ بَيْنِ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ أَفْضَلُ مِنَ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَاءِ أَفْضَلُ مِنَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَجَرِ، وَكَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ كَانُوا يَقْتَصِرُونَ عَلَى الْحَجَرِ لِقِلَّةِ وُجُودِ الْمَاءِ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنَ الْمَذْهَبِ.

وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِ الأَوْسَطِ كَلامًا نَصُّهُ:

«ذِكْرُ الِاسْتِبْرَاءِ مِنَ الْبَوْلِ:

رَوَيْنَا [يَجُوزُ رَوَيْنَا وَيَجُوزُ رُوِّينَا بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ] عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ» [أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ]. وَرَوَيْنَا عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ الرَّجُلَ يَشْكُو إِلَيْهِ الأَبْرِدَةَ أَيِ التَّقَطُّرَ مِنَ الْبَوْلِ فَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ لَهُ: إِذَا بُلْتَ فَامْسَحْ مَا بَيْنَ الْمَقْعَدَةِ وَالذَّكَرِ ثُمَّ اغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ تَوَضَّأْ فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ وُضُوئِكَ فَخُذْ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَانْضَحْهُ فِي إِزَارِكَ ثُمَّ احْمِلْ عَلَيْهِ كُلَّ شَىْءٍ غَيْرَهُ اهـ، وَقَالَ جَابِرُ بنُ زَيْدٍ: إِذَا بُلْتَ فَامْسَحْ ذَكَرَكَ مِنْ أَسْفَلَ اهـ قَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ: فَيَنْقَطِعُ عَنْكَ» انْتَهَى.

وَالِاسْتِبْرَاءُ هُوَ إِخْرَاجُ بَقِيَّةِ الْبَوْلِ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ وَيَكُونُ وَاجِبًا فِي حَالٍ وَسُنَّةً فِي حَالٍ. يَكُونُ وَاجِبًا إِذَا كَانَ يَخْشَى مِنْ تَرْكِهِ تَلْوِيثَ نَفْسِهِ وَثَوْبِهِ بِالْبَوْلِ، وَيَكُونُ سُنَّةً إِذَا كَانَ لا يَخْشَى مِنْ تَرْكِهِ تَلْوِيثَ نَفْسِهِ بِالْبَوْلِ أَيْ كَانَ لا يُخْشَى نُزُولُهُ بِتَنَحْنُحٍ أَوْ نَحْوِهِ.

فَائِدَةٌ كَانَ الْبَوْلُ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا أَمْرُهُ شَدِيدٌ حَتَّى الَّذِي يُصِيبُ الْبَوْلُ ثَوْبَهُ لا يُطَهِّرُهُ ثَوْبَهُ الْمَاءُ، كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِمْ قَطْعُ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهُ وَلا يَكْفِي غَسْلُهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَوْلُ يَقْطَعُونَهُ بِالْمِقْرَاضِ» أَيْ بِالْمِقَصِّ وَوَرَدَ حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ غَيْرُ قَوِيٍّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْطَعُونَ الْجِلْدَ أَيْضًا [أَيْ يَكْشِطُونَهُ] أَيْ إِذَا لَمْ يَخْشَوِا الْهَلاكَ. فَالَّذِي يَعْرِفُ مَا كَانَ شَرْعُ مُوسَى وَعِيسَى يَرَى فِي شَرْعِ مُحَمَّدٍ تَسْهِيلًا كَبِيرًا .

 قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فَصْلٌ): وَمِنْ شُرُوطِ الصَّلاةِ الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَدَثِ الأَكْبَرِ بِالْغُسْلِ أَوِ التَّيَمُّمِ لِمَنْ عَجَزَ عَنِ الْغُسْلِ، وَالَّذِي يُوجِبُهُ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ خُرُوجُ الْمَنِيِّ، وَالْجِمَاعُ، وَالْحَيْضُ، وَالنِّفَاسُ، وَالْوِلادَةُ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الصَّلاةِ الَّتِي لا تَصِحُّ الصَّلاةُ بِدُونِهَا الطَّهَارَةَ عَنِ الْحَدَثِ الأَكْبَرِ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الطَّهَارَةُ الْغُسْلَ، وَالَّذِي يُوجِبُ ذَلِكَ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ.

الأَوَّلُ: خُرُوجُ الْمَنِيِّ أَيْ ظُهُورُهُ إِلَى ظَاهِرِ الْحَشَفَةِ وَوُصُولُهُ إِلَى ظَاهِرِ فَرْجِ الْبِكْرِ أَوْ وُصُولُهُ إِلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِ الثَّيِّبِ عِنْدَ قُعُودِهَا عَلَى قَدَمَيْهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ أَوْ لِلِاسْتِنْجَاءِ، فَمَا لَمْ يَصِلْ إِلَى ذَلِكَ فَلا يُوجِبُ الْغُسْلَ. الْبِكْرُ مِثْلُ الرَّجُلِ فِي أَنَّهُ لا يُوجِبُ مَنِيُّهُمَا الْغُسْلَ إِلَّا أَنْ يَصِلَ إِلَى الظَّاهِرِ فَلَوْ وَقَفَ مَنِيُّ الرَّجُلِ فِيمَا دُونَ الظَّاهِرِ لا يَجِبُ الْغُسْلُ كَذَلِكَ الْبِكْرُ إِذَا لَمْ يَظْهَرِ الْمَنِيُّ إِلَى ظَاهِرِ فَرْجِهَا لا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ، أَمَّا الثَّيِّبُ فَحُكْمُهَا يَخْتَلِفُ إِذَا وَصَلَ مَنِيُّهَا إِلَى حَيْثُ يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِهَا عِنْدَمَا تَقْعُدُ [أَيْ عَلَى قَدَمَيْهَا] لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ. وَالْمُرَادُ خُرُوجُ مَنِيِّ الشَّخْصِ نَفْسِهِ، فَلَوْ جُومِعَتِ الْمَرْأَةُ جِمَاعًا قَضَتْ شَهْوَتَهَا بِهِ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا الْمَنِيُّ الْمُخْتَلِطُ مِنْ مَنِيِّهَا وَمَنِيِّ زَوْجِهَا وَجَبَ عَلَيْهَا إِعَادَةُ الْغُسْلِ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ تَقْضِ شَهْوَتَهَا فَاغْتَسَلَتْ مِنْ أَجْلِ الْجِمَاعِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا الْمَنِيُّ أَيْ بَقِيَّةُ مَنِيِّ زَوْجِهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا إِعَادَةُ الْغُسْلِ لِأَنَّ هَذَا مَنِيُّ غَيْرِهَا.

   وَعَلامَةُ الْمَنِيِّ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا ثَلاثٌ أَحَدُهَا التَّدَفُّقُ أَيِ الِانْصِبَابُ بِشِدَّةٍ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَثَانِيهَا التَّلَذُّذُ بِخُرُوجِهِ بِحَيْثُ يَعْقُبُهُ فُتُورُ الشَّهْوَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مُجَرَّدَ اللَّذَّةِ بَلِ اللَّذَّةُ الَّتِي يَعْقُبُهَا انْكِسَارُ الشَّهْوَةِ، وَثَالِثُهَا رِيحُ طَلْعِ النَّخْلِ أَوِ الْعَجِينِ فِي حَالِ الرُّطُوبَةِ وَرِيحُ بَيَاضِ الْبَيْضِ بَعْدَ الْجَفَافِ، وَهِيَ عَلامَاتٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي سَأَلَتْهُ بِقَوْلِهَا هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ قَالَ «نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [فِي صَحِيحِهِ]. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ هُنَا خُصُوصَ الرَّؤْيَةِ بِالْعَيْنِ إِنَّمَا الْمُرَادُ الْعِلْمُ بِخُرُوجِهِ. فَإِنَّ الرُّؤْيَةَ فِي اللُّغَةِ تَكُونُ لِلرُّؤْيَةِ بِالْعَيْنِ وَتَكُونُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ قَالَ الشَّاعِرُ:

رَأَيْتُ اللَّهَ أَكْبَرَ كُلِّ شَىْءٍ                      مُحَاوَلَةً وَأكْثَرَهَمْ جُنُودًا

   أَيْ عَلِمْتُ اللَّهَ أَكْبَرَ كُلِّ شَىْءٍ قُدْرَةً وَعَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ أَكْثَرُ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ جُنُودًا لِأَنَّ مِنْ جُنُودِهِ الْمَلائِكَةَ وَهُمْ أَكْثَرُ خَلْقِ اللَّهِ مِنْ ذَوِي الأَرْوَاحِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَلائِكَةُ أَكْثَرَ مِنَ الْجَمَادَاتِ أَيْضًا.

   وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلاءِ الصِّفَاتِ الثَّلاثِ تَكْفِي بِنَفْسِهَا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَىْءٌ مِنْهَا فَلا يَجِبُ الْغُسْلُ.

   وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَنِيِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَنَّ مَنِيَّ الرَّجُلِ أَبْيَضُ ثَخِينٌ، وَمَنِيَّ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ رَقِيقٌ. أَمَّا الْخَوَاصُّ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا الْمَنِيُّ فَهِيَ تِلْكَ الثَّلاثُ. وَأَمَّا طَلْعُ النَّخْلِ الْمَارُّ ذِكْرُهُ فَهُوَ شَىْءٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ مِنَ النَّخْلِ الذَّكَرِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ الطَّلْعُ بِالْفَتْحِ مَا يَطْلَعُ مِنَ النَّخْلَةِ ثُمَّ يَصِيرُ تَمْرًا إِنْ كَانَتْ أُنْثَى وَإِنْ كَانَتِ النَّخْلَةُ ذَكَرًا لَمْ يَصِرْ تَمْرًا بَلْ يُؤْكَلُ طَرِيًّا وَيُتْرَكُ عَلَى النَّخْلَةِ أَيَّامًا مَعْلُوَمةً حَتَّى يَصِيرَ فِيهِ شَىْءٌ أَبْيَضُ مِثْلُ الدَّقِيقِ وَلَهُ رَائِحَةٌ زَكِيَّةٌ فَيُلَقَّحُ بِهِ الأُنْثَى. وَأَمَّا الْمَذْيُ فَلا يُوجِبُ خُرُوجُهُ الْغُسْلَ وَلَكِنَّهُ يُثْبِتُ الْحَدَثَ الأَصْغَرَ وَهَذَا الْمَذْيُ يَشْتَرِكُ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَهُوَ مَاءٌ لَزِجٌ يَخْرُجُ عِنْدَ ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ.

   تَنْبِيهٌ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إِنَّ الْمَنِيَّ فِيهِ رُوحٌ أَوْ حَيَوَانٌ مَنَوِيٌّ بَاطِلٌ، فَمَنْ قَالَ فِيهِ رُوحُ إِنْسَانٍ كَفَرَ، أَمَّا إِنْ قَالَ فِيهِ دُودٌ ثُمَّ هَذَا الدُّودُ يَمُوتُ ثُمَّ مِنَ النُّطْفَةِ الْمَيِّتَةِ يُخْلَقُ الإِنْسَانُ لا يَكْفُرُ، أَمَّا إِنْ أَرَادَ أَنَّ تِلْكَ الدِّيدَانَ الْحَيَّةَ تَتَحَوَّلُ إِنْسَانًا فَيَكْفُرُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الدُّودَ انْقَلَبَ إِنْسَانًا مَعَ التَّحَوُّلِ إِلَى شَكْلِ بَشَرٍ وَهَذَا تَكْذِيبٌ لِلْقُرْءَانِ وَمُخَالِفٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ أَتْبَاعُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ ءَادَمَ إِلَى عِيسَى إِلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وَمُخَالِفٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْحُكَمَاءُ وَفُقَهَاءُ الإِسْلامِ.

   قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة/28] كُنْتُمْ أَمْوَاتًا أَيْ نُطَفًا لا رُوحَ فِيهَا، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. فَدَلَّ كَلامُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ أَنَّ الْمَنِيَّ لا رُوحَ فِيهِ وَأَنَّ الرُّوحَ تُنْفَخُ فِي الْجَنِينِ بَعْدَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنَ الْحَمْلِ.

   وَمِمَّا يَجِبُ التَّحْذِيرُ مِنْهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إِنَّ الْمَرْأَةَ لا مَنِيَّ لَهَا لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ، وَكَذَا قَوْلُهُمْ بِمَا أَسْمَوْهُ بِالِاسْتِنْسَاخِ وَيُرِيدُونَ بِهِ أَنَّ الْوَلَدَ قَدْ يُولَدُ بِأَخْذِ شَىْءٍ مِنْ جِسْمِ الرَّجُلِ يُسَمُّونَهُ خَلِيَّةً غَيْرِ الْمَنِيِّ وَوَضْعِهِ فِي رَحِمِ الْمَرْأَةِ فَتَحْمِلُ مِنْهُ بِوَلَدٍ مُشَابِهٍ لِهَذَا الرَّجُلِ وَهَذَا كَذِبٌ وَبَاطِلٌ وَمُعَارِضٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾ [سُورَةَ الإِنْسَان/2] أَيْ مِنْ نُطْفَةٍ قَدِ امْتَزَجَ فِيهَا الْمَاءَانِ، وَمُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَّاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾ [سُورَةَ الطَّارِق] فَمَنِيُّ الرَّجُلِ يَرْشَحُ مِنْ صُلْبِهِ أَيْ ظَهْرِهِ وَمَنِيُّ الْمَرْأَةِ يَرْشَحُ مِنَ التَّرَائِبِ وَهِيَ عِظَامُ الصَّدْرِ، فَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَثْبَتَ وُجُودَ الْمَاءَيْنِ مَنِيِّ الرَّجُلِ وَمَنِيِّ الْمَرْأَةِ. وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «إِذَا عَلا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ أَخَذَ الشَّبَهَ وَإِذَا عَلا مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ أَخَذَ الشَّبَهَ». وَقَالَ أَيْضًا: «إِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ، (أَيْ يَأْتِيَانِ بِوَلَدٍ ذَكَرٍ) وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ ءَانَثَا بِإِذْنِ اللَّهِ» أَيْ يَأْتِيَانِ بِوَلَدٍ أُنْثَى.

   وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ» أَيْ إِذَا رَأَتِ الْمَنِيَّ وَإِلَّا فَلا غُسْلَ عَلَيْهَا لِمُجَرَّدِ أَنَّهَا رَأَتْ فِي مَنَامِهَا شَيْئًا. فَهَؤُلاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِأَنَّهُ قَدْ يَأْتِي الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِ مَنِيِّ الْمَرْأَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ مَنِيِّ الرَّجُلِ كَلامُهُمْ بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ. يَجِبُ تَحْذِيرُ النَّاسِ مِنْهُمْ.

   وَالثَّانِي: الْجِمَاعُ وَهُوَ إِيلاجُ أَيْ إِدْخَالُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ فَاقِدِهَا [إِذَا كَانَ مَقْطُوعَ الْحَشَفَةِ فَإِنْ دَخَلَ قَدْرُهَا مِنْ حَيْثُ الطُّولُ وَجَبَ الْغُسْلُ] فِي فَرْجٍ وَلَوْ دُبُرًا أَوْ فَرْجَ بَهِيمَةٍ أَوْ مَيِّتَةٍ وَلَوْ كَانَ مِنْ صَغِيرٍ لَمْ يُنْزِلْ مَنِّيًا سَوَاءٌ جَامَعَ بِحَائِلٍ أَوْ بِغَيْرِ حَائِلٍ، وَلا يَجِبُ غَسْلُ الْمَيِّتَةِ مِنْ ذَلِكَ. فَمَنْ رَأَى مَنِيًّا فِي ثَوْبِهِ أَوْ فِي فِرَاشِهِ الَّذِي لا يَنَامُ فِيهِ غَيْرُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَإِعَادَةُ كُلِّ فَرْضٍ صَلَّاهُ إِذَا كَانَ لا يَحْتَمِلُ حُدُوثُهُ بَعْدَهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْ إِذَا الْتَقَى مَوْضِعُ الْخِتَانَيْنِ مَوْضِعُ خِتَانِ الرَّجُلِ وَمَوْضِعُ خِتَانِ الْمَرْأَةِ أَيْ بِغَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ إِلَى ذَلِكَ الْحَدِّ أَيْ صَارَ أَحَدُهُمَا مُحَاذِيًا لِلآخَرِ لَيْسَ مُجَرَّدَ اللَّمْسِ.

   وَالثَّالِثُ: الْحَيْضُ وَهُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ رَحِمِ الْمَرْأَةِ وَإِمْكَانُهُ بُلُوغُ تِسْعِ سِنِينَ تَقْرِيبًا بِالسِّنِينَ الْقَمَرِيَّةِ. وَتَرَائِي أَهِلَّةِ الشُّهُورِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالصَّوْمِ وَانْتِهَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِهْمَالُهُ مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيعًا لِهَذِهِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.

   وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَيْ مِقْدَارُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَاعَةً سَوَاءٌ كَانَ مُتَّصِلًا أَوْ مُتَقَطِّعًا فِي ظَرْفِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَلَوْ رَأَتْ سِتَّةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعَ سَاعَاتٍ دَمًا ثُمَّ انْقَطَعَ كَانَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ كُلُّهَا حَيْضًا. وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَعَ أَوْقَاتِ النَّقَاءِ الَّتِي يَتَخَلَّلُهَا [أَيِ النَّقَاءُ] وَغَالِبُهُ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ.

   وَالْحَيْضُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لَهُ خَمْسَةُ أَلْوَانٍ: الأَسْوَدُ وَالأَحْمَرُ وَالأَشْقَرُ وَالأَصْفَرُ وَالأَكْدَرُ.

   وَالأَشْقَرُ مِنْ أَلْوَانِ الْحَيْضِ غَيْرُ مَا يُعْرَفُ الآنَ عِنْدَ النَّاسِ بِالأَشْقَرِ بَلِ الأَشْقَرُ مِنْ أَلْوَانِ الْحَيْضِ أَخَفُّ مِنَ الأَحْمَرِ وَهُوَ الْمُشْرِقُ الَّذِي يَلْمَعُ، وَأَمَّا الأَكْدَرُ فَهُوَ الَّذِي لَوْنُهُ قَرِيبٌ مِنْ لَوْنِ التُّرَابِ.

   وَالرَّاجِحُ أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ إِنْ كَانَا فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ فَهُمَا حَيْضٌ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ فَلَيْسَا بِحَيْضٍ وَكِلاهُمَا يُشْبِهَانِ غُسَالَةَ اللَّحْمِ أَيْ كَهَيْئَةِ الْمَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ اللَّحْمُ وَلَكِنَّهُمَا لَيْسَا لَوْنًا وَاحِدًا فَمَا كَانَ صُفْرَةً قَوِيَّةً أَوْ كُدْرَةً قَوِيَّةً فَهُوَ حَيْضٌ، قَالَتِ الصَّحَابِيَّةُ أُمُّ عَطِيَّةَ: «كُنَّا لا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ شَيْئًا».

   وَصَحَّ حَدِيثُ: «إِنَّمَا الْحَيْضُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ] أَيْ مِنْ شِدَّةِ حُمْرَتِهِ يُتَخَيَّلُ كَأَنَّهُ أَسْوَدُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَغْلَبَ الْحَيْضِ هَذَا لَوْنُهُ [أَيْ عِنْدَ غَالِبِ النِّسَاءِ أَوَّلُ نُزُولِهِ يَكُونُ أَسْوَدَ]. أَمَّا الأَسْوَدُ الْخَالِصُ فَلَيْسَ حَيْضًا وَكَذَا الأَخْضَرُ وَالأَبْيَضُ أَمَّا الأَحْمَرُ الْمُشْرِقُ  فَهُوَ حَيْضٌ كَمَا مَرَّ وَكَذَا الأَحْمَرُ الضَّعِيفُ فَهُوَ مِنْ أَلْوَانِ الْحَيْضِ.

   وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ حُدُوثِ الْحَيْضِ فِي النِّسَاءِ فَقَالَ بَعْضٌ لَمْ يَكُنِ الْحَيْضُ قَبْلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَإِسْرَائِيلُ هُوَ نَبِيُّ اللَّهِ يَعْقُوبُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَيْضًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ: «هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ ءَادَمَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [فِي صَحِيحِهِ]، وَلَمْ يَرِدْ فِي حَوَّاءَ أَنَّهَا كَانَتْ تَحِيضُ وَإِنْ كَانَ حَصَلَ ذَلِكَ فَهُوَ بَعْدَ نُزُولِهَا مِنَ الْجَنَّةِ.

   وَالرَّابِعُ: النِّفَاسُ وَهُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَلَدِ وَلَوْ مَجَّةً أَيْ قَدْرَ بَزْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ أَقَلُّ النِّفَاسِ، وَأَكْثَرُهُ سِتُّونَ يَوْمًا، وَغَالِبُهُ أَرْبَعُونَ.

   وَالْمُوجِبُ لِلْغُسْلِ مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ هُوَ انْقِطَاعُ الدَّمِ، فَلَوْ جَاءَ الْمَرْأَةَ الدَّمُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ انْقَطَعَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ عَاوَدَهَا الدَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهَذَا الدَّمُ نِفَاسٌ لِأَنَّهُ ضِمْنَ السِّتِّينَ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ انْقِطَاعُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ، وَأَمَّا إِذَا جَاءَهَا الدَّمُ ثَلاثِينَ يَوْمًا فِي ضِمْنِ السِّتِّينَ ثُمَّ انْقَطَعَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَالدَّمُ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ إِنِ اسْتَمَرَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَهُوَ حَيْضٌ وَلَيْسَ نِفَاسًا.

   وَالْخَامِسُ: الْوِلادَةُ وَلَوْ لَمْ يَخْرُجِ الدَّمُ بَعْدَهَا وَلَوْ كَانَ الَّذِي خَرَجَ مِنْهَا عَلَقَةً [وَالْعَلَقَةُ الْقِطْعَةُ الْغَلِيظَةُ مِنَ الدَّمِ الْمُتَجَمِّدِ] أَوْ مُضْغَةً [وَالْمُضْغَةُ هِيَ الْمَنِيُّ عِنْدَمَا يَتَحَوَّلُ إِلَى قِطْعَةِ لَحْمٍ وَتَكُونُ بِقَدْرِ مَا يُمْضَغُ] أَخْبَرَتِ الْقَوَابِلُ أَنَّهَا أَصْلُ ءَادَمِيٍّ وَلَوْ بِلا بَلَلٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَنِيٌّ مُنْعَقِدٌ فَتُعْطَى الْوِلادَةُ حُكْمَ الأَصْلِ.

   فَهَذَا الْقَدْرُ مِنَ الْعَدَدِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَيِّ، أَمَّا الْمَيِّتُ فَيَجِبُ غَسْلُهُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ لَيْسَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنِ التَّكْلِيفِ.

  • وَمِنْ مَسَائِلِ الْحَيْضِ:

   أَنَّ الْحَيْضَ لا يُعْتَبَرُ حَيْضًا إِلَّا أَنْ تَرَاهُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ تِسْعِ سِنِينَ قَمَرِيَّةً أَوْ قَبْلَهَا بِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ حُكْمُهُ كَالْبَوْلِ تَسْتَنْجِي مِنْهُ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ فَتُصَلِّي.

   وَمِنْهَا أَنَّ الْمَرْأَةَ مَتَى مَا رَأَتِ الدَّمَ فِي وَقْتِ الْحَيْضِ تَتَجَنَّبُ مَا تَجْتَنِبُهُ الْحَائِضُ مِنْ صَوْمٍ وَصَلاةٍ وَوَطْءٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلا تَنْتَظِرُ بُلُوغَهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ إِنْ نَقَصَ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَضَتْ مَا كَانَتْ قَدْ تَرَكَتْهُ مِنْ صَوْمٍ وَصَلاةٍ وَلا يَلْزَمُهَا غُسْلٌ عِنْدَ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْحَيْضِ.

   وَمِنْهَا أَنَّهُ مَتَى مَا انْقَطَعَ الدَّمُ بَعْدَ بُلُوغِ أَقَلِّهِ أَيْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَاعَةً تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَيَحِلُّ وَطْؤُهَا فَإِنْ عَادَ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ تَبَيَّنَ وُقُوعُ عِبَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ فَتُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ فَقَطْ وَلا إِثْمَ بِالْوَطْءِ لِبِنَاءِ الأَمْرِ عَلَى الظَّاهِرِ، فَإِذَا انْقَطَعَ حُكِمَ بِطُهْرِهَا وَهَكَذَا مَا لَمْ يَعْبُرْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.

   وَمِنْهَا أَنَّ الاِنْقِطَاعَ يُعْرَفُ بِأَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ أَدْخَلَتِ الْقُطْنَةَ فَرْجَهَا خَرَجَتْ بَيْضَاءَ، وَلَكِنْ لَيْسَ شَرْطًا أَنْ تُدْخِلَ الْقُطْنَةَ فَرْجَهَا لِتَعْرِفَ انْقِطَاعَ الدَّمِ، وَلَيْسَ شَرْطًا أَنْ تَنْظُرَ كُلَّ سَاعَةٍ لِتَتَأَكَّدَ مِنْ نَقَائِهَا لِأَنَّ الْحَيْضَ لَهُ عَلامَاتٌ حِينَ يَكُونُ مَوْجُودًا النِّسَاءُ يُحْسِسْنَ بِحُرْقَةٍ فِي الْفَرْجِ ثُمَّ إِذَا رَأَتِ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ كَانَ ذَلِكَ عَلامَةً لِانْتِهَاءِ حَيْضِهَا.

   وَمِنْهَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَ يَأْتِيهَا الْحَيْضُ لِمُدَّةِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ وَبَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَتْ وَوَضَعْتْ فِي رَحِمِهَا شَيْئًا لِكَيْ لا تَحْمِلَ أَتَاهَا الدَّمُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهَذِهِ تَغْتَسِلُ عِنْدَ انْتِهَاءِ يَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ، فَإِنْ كَانَ الدَّمُ يَأْتِيهَا قَوِيًّا فِي الأَيَّامِ الثَّمَانِيَةِ الأُولَى وَبَعْدَ ذَلِكَ يَأْتِيهَا خَفِيفًا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ فَهَذِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِلأَئِمَّةِ تَعْتَبِرُ الدَّمَ الْقَوِيَّ هُوَ الْحَيْضَ وَالْخَفِيفَ لَيْسَ حَيْضًا.

   وَأَمَّا الدَّمُ الَّذِي تَرَاهُ الْمَرْأَةُ الْحَامِلُ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهُ حَيْضٌ إِنْ نَزَلَ قَدْرَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا مِثْلُ الْبَوْلِ تَسْتَنْجِي مِنْهُ فَقَطْ.

   وَالْمَرْأَةُ إِذَا أُجْهِضَتْ وَنَزَلَ مِنْهَا مَا فِيهِ مَبْدَأُ خَلْقِ الْبَشَرِ فَالدَّمُ الَّذِي يَنْزِلُ مِنْهَا بَعْدَ هَذَا الإِجْهَاضِ يَكُونُ نِفَاسًا.

   وَإِذَا وَلَدَتِ الْمَرْأَةُ وَلَمْ تَرَ الدَّمَ ثُمَّ مَكَثَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلا دَمٍ ثُمَّ رَأَتْ دَمًا فَهُوَ حَيْضٌ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفُرُوضُ الْغُسْلِ اثْنَانِ نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ الأَكْبَرِ أَوْ نَحْوُهَا، وَتَعْمِيمُ جَمِيعِ الْبَدَنِ بَشَرًا وَشَعَرًا وَإِنْ كَثُفَ بِالْمَاءِ.

   الشَّرْحُ فَرْضُ الْغُسْلِ يَحْصُلُ بِأَمْرَيْنِ:

   الأَوَّلُ: النِّيَّةُ فَيَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ الأَكْبَرِ بِقَلْبِهِ أَوْ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ يَنْوِي فَرْضَ الْغُسْلِ أَوْ يَنْوِي الْغُسْلَ الْوَاجِبَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ كَاسْتِبَاحَةِ الصَّلاةِ أَوِ الطَّوَافِ بِالْكَعْبَةِ، بِخِلافِ نِيَّةِ الْغُسْلِ فَقَطْ أَوِ الطَّهَارَةِ فَقَطْ فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَكْفِي. وَيَجِبُ قَرْنُ النِّيَّةِ الْقَلْبِيَّةِ بِأَوَّلِ مَغْسُولٍ فَلَوْ غَسَلَ بَعْضَ جِسْمِهِ بِدُونِ هَذِهِ النِّيَّةِ ثُمَّ نَوَى فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ وَجَبَ إِعَادَةُ مَا غَسَلَ قَبْلَ النِّيَّةِ.

   وَالثَّانِي: تَعْمِيمُ جَمِيعِ الْبَدَنِ أَيْ ظَاهِرِهِ بِالْمَاءِ مَعَ ذَلِكَ، فَيَجِبُ تَعْمِيمُ الْبَشَرِ أَيِ الْجِلْدِ وَالشَّعَرِ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ، وَيَجِبُ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى مَا يَظْهَرُ مِنَ الصِّمَاخِ أَيْ خَرْقِ الأُذُنِ وَالأَنْفِ لا بَاطِنِ فَمٍ وَأَنْفٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَجِبُ.

   وَمِمَّا يَجِبُ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَيْهِ فِي الْغُسْلِ مَا يَظْهَرُ مِنْ فَتْحَةِ الذَّكَرِ عِنْدَ غَمْزِهِ غَمْزًا خَفِيفًا، وَكَذَا الثُقْبُ الَّذِي تَفْعَلُهُ النِّسَاءُ فِي ءَاذَانِهِنَّ لِوَضْعِ الْحَلَقِ، وَمَا يَظْهَرُ مِنَ السُرَّةِ [وَكَذَا إِلَى مَعَاطِفِ الْبَدَنِ وَإِلَى مَا يَظْهَرُ مِنَ الدُّبُرِ عِنْدَ الْجُلُوسِ وَمِنْ فَرْجِ الثَّيِّبِ إِذَا قَعَدَتِ الْقُرْفُصَاء] وَيَلْزَمُ إِزَالَةُ الْوَسَخِ الَّذِي فِيهَا إِنْ كَانَ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إِلَى ظَاهِرِهَا.

   وَمَا سِوَى هَذَا فَهُوَ مِنْ سُنَنِ الْغُسْلِ وَمِنْهَا التَّسْمِيَةُ فَلَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا كُرِهَ الْغُسْلُ وَكَذَا لَوْ تَرَكَهَا فِي الْوُضُوءِ، وَمِنْهَا غَسْلُ الْكَفَّيْنِ وَالْوُضُوءُ قَبْلَ الْغُسْلِ فَلَوْ أَخَّرَ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ إِلَى إِنْهَاءِ الْغُسْلِ حَصَلَتْ سُنَّةُ الْوُضُوءِ لِلْغُسْلِ، وَالتَّقْلِيلُ مِنَ الْمَاءِ فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ بِقَدْرِ صَاعٍ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ وَاغْتَسَلَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ [الْمُرَادُ بِالأَكْثَرِ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ بِخَمْسَةِ مَكَاكِيكَ وَالْمَكُّوكُ فُسِّرَ بِصَاعٍ وَنِصْفٍ كَمَا ذَكَرَهُ شَارِحُ الْقَامُوسِ الزَّبِيدِيُّ. انْظُرْ صَحِيحَ مُسْلِمٍ: كِتَابَ الْحَيْضِ: بَابَ الْقَدْرِ الْمُسْتَحَبِّ مِنَ الْمَاءِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ]، وَلا يُكْرَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا مَا وَصَلَ إِلَى حَدِّ الإِسْرَافِ، وَعَلَى قَوْلٍ يَحْرُمُ الإِسْرَافُ.

   قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: مَنِ اغْتَسَلَ عَارِيًا سُنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ نَزْعِ ثِيَابِهِ: «بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ» لِأَنَّهُ سِتْرٌ عَنْ أَعْيُنِ الْجِنِّ.

   وَيُسَنُّ قَبْلَ صَبِّ الْمَاءِ تَخْلِيلُ الشَّعَرِ ثَلاثًا بِيَدَيْهِ الْمَبْلُولَتَيْنِ بِأَنْ يُدْخِلَ أَصَابِعَهُ الْعَشَرَةَ فِي الْمَاءِ ثُمَّ فِي شَعَرِهِ وَلَوْ كَانَ مُحْرِمًا لَكِنْ بِرِفْقٍ حَتَّى لا يَنْتِفَ شَيْئًا مِنْ شَعَرِهِ، ثُمَّ إِفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ شِقِّهِ الأَيْمَنِ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ ثُمَّ مَا أَدْبَرَ مِنْهُ ثُمَّ عَلَى شِقِّهِ الأَيْسَرِ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ ثُمَّ مَا أَدْبَرَ مِنْهُ، وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ كُلُّ ذَلِكَ ثَلاثًا، وَإِمْرَارُ الْيَدِ كُلَّ مَرَّةٍ، وَأَنْ تُتْبِعَ الْمَرْأَةُ غَيْرُ الْمُعْتَدَّةِ لِلْوَفَاةِ وَالْمُحْرِمَةِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَثَرَ الدَّمِ بِنَحْوِ مِسْكٍ.

   وَيُسَنُّ لِلْجُنُبِ غَسْلُ الْفَرْجِ وَالْوُضُوءُ إِذَا أَرَادَ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا أَوْ نَوْمًا أَوْ جِمَاعًا وَيُكْرَهُ تَرْكُ ذَلِكَ، وَمِثْلُ الْجُنُبِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فِيمَا يُسَنُّ لِلْجُنُبِ عِنْدَ إِرَادَةِ الأَكْلِ وَالشُرْبِ وَالنَّوْمِ بَعْدَ انْقِطَاعِ دَمِهِمَا.

   فَيَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِالطَّهَارَتَيْنِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيـمَانِ» أَيْ نِصْفُ الإِيـمَانِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ [فِي صَحِيحِهِ]. وَلا يُتْقِنُ صَلاتَهُ مَنْ لا يُتْقِنُ طَهَارَتَهُ أَيْ مَنْ لا يُؤَدِّي طَهَارَتَهُ عَلَى الْوَجْهِ التَّامِّ لا يَكُونُ مُؤَدِّيًا صَلاتَهُ عَلَى التَّمَامِ بَلْ لا بُدَّ مِنْ أُمُورٍ تَنْقُصُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [أَيْ بِالْمَاءِ]﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة/222]، قَالَ رَبِيعَةُ الرَّأْي: «مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يَسَّرَ لَهُ أُمُورَ طَهَارَتِهِ» اهـ مَعْنَاهُ بِلا وَسْوَسَةٍ يُنْهِي وُضُوءَهُ وَغُسْلَهُ، هَذَا عَلامَةُ خَيْرٍ.