قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ: وَمِنْ شُرُوطِ الصَّلاةِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ.
الشَّرْحُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلاةِ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ أَيْ جِرْمِهَا أَوْ مَا يُحَاذِي جِرْمَهَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ أَوِ الأَرْضِ السَّابِعَةِ، فَلَوِ اسْتَقْبَلَ مُشَاهِدُ الْكَعْبَةِ الْكَعْبَةَ بِبَعْضِ بَدَنِهِ وَبَعْضُ بَدَنِهِ خَارِجٌ عَنْهَا لَمْ يَكْفِ. قَالَ اللَهُ تَعَالَى ﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة/144] مَعْنَى هَذِهِ الآيَةِ أَيْنَمَا كُنْتُمْ فِي الأَرْضِ فَوَجِّهُوا وُجُوهَكُمْ إِلَى الْكَعْبَةِ، أَيْ فَرْضٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تَتَجِهُوا إِلَى الْكَعْبَةِ فِي صَلاتِكِمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ. وَالْمُرَادُ بِالْكَعْبَةِ الْقَدْرُ الْقَائِمُ الآنَ الَّذِي هُوَ كَانَ قَائِمًا فِي زَمَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ قَالَ حِينَ صَلَّى إِلَيْهَا «هَذِهِ الْقِبْلَةُ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ].
فَتَعَلُّمُ دَلِيلِ الْقِبْلَةِ وَاجِبٌ، فِي الْحَضَرِ هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، أَمَّا فِي السَّفَرِ فَهُوَ فَرْضُ عَيْنٍ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرِهِ مَنْ يَعْلَمُ دَلائِلَ الْقِبْلَةِ لَيْسَ وَاجِبًا عَيْنِيًّا عَلَيْهِ.
وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِقْبَالِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِالصَّدْرِ فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَبِمُعْظَمِ الْبَدَنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، لَكِنْ لا يُشْتَرَطُ الِاسْتِقْبَالُ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ أَيْ عِنْدَ فَقْدِ الأَمْنِ مِنْ إِصَابَةِ الْعَدُوِّ، وَفِي نَفْلِ سَفَرٍ مُبَاحٍ وَلَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي لِجِهَةِ مَقْصَدِهِ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي التَّحَرُّمِ فَقَطْ هَذَا إِنْ كَانَ رَاكِبًا، وَإِنْ كَانَ مَاشِيًا يَسْتَقْبِلُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَيْضًا، وَأَمَّا الرَّاكِبُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَيَكْفِيهِ الإِيْمَاءُ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَيَكُونُ إِيْمَاؤُهُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ لِلسُّجُودِ أَخْفَضَ وُجُوبًا، هَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ رَاكِبًا نَحْوَ هَوْدَجٍ وَسَفِينَةٍ وَإِلَّا فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَيَسْتَقْبِلَ فِي جَمِيعِ صَلاتِهِ، هَذَا فِي غَيْرِ الْمَلَّاحِينَ، أَمَّا هُمْ فَإِنَّهُمْ يَكْتَفُونَ بِالِاسْتِقْبَالِ فِي التَّحَرُّمِ إِنْ سَهُلَ عَلَيْهِمْ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو زُرْعَةَ الْعِرَاقِيُّ فِي نُكَتِهِ عَلَى التَّنْبِيهِ وَالْمِنْهَاجِ وَالْحَاوِي مَا نَصُّهُ: «الْعَاجِزُ عَنِ الِاسْتِقْبَالِ لا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ كَمَرِيضٍ عَجَزَ عَنِ الِاسْتِقْبَالِ بِوَجْهِهِ إِلَى الْقِبْلَةِ وَمَرْبُوطٍ عَلَى خَشَبَةٍ وَغَرِيقٍ عَلَى لَوْحٍ يَخَافُ مِنَ اسْتِقْبَالِهِ الْغَرَقَ، وَمَنْ خَافَ مِنْ نُزُولِهِ عَنْ دَابَّتِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوِ انْقِطَاعًا عَنِ الرُّفْقَةِ فَيُصَلِّي عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَيُعِيدُ» اهـ.
وَالْمُجْتَهِدُ فِي الْقِبْلَةِ لا يَأْخُذُ بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ غَيْرِهِ وَإِنْ فَعَلَ لا تَنْعَقِدُ صَلاتُهُ بَلْ يَجْتَهِدُ هُوَ لِنَفْسِهِ وَأَمَّا إِنْ دَخَلَ بَيْتَ ثِقَةٍ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْبَيْتِ الثِّقَةُ عَنْ عِلْمٍ لا عَنِ اجْتِهَادٍ الْقِبْلَةُ هَكَذَا يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى كَلامِهِ عَلَى قَوْلٍ. وَأَمَّا الطِّفْلُ الْمُمَيِّزُ الَّذِي لا يُحْسِنُ الِاجْتِهَادَ فَيُقَالُ لَهُ الْقِبْلَةُ مِنْ هُنَا.
وَمَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا مِنَ الْمَسَاجِدِ فَكَذَلِكَ لا بُدَّ لَهُ مِنَ الِاجْتِهَادِ لِمَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ إِلَّا إِذَا كَانَ هَذَا الْمَسْجِدُ قَدِيـمًا مَضَى عَلَيْهِ نَحْوُ ثَلاثِمِائَةِ سَنَةٍ مَثَلًا أَوْ أَكْثَرَ وَصَلَّى فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْكِرُوا وُجْهَةَ مِحْرَابِهِ فَهَذَا تَصِحُّ الصَّلاةُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ الِاجْتِهَادِ لِمَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ مَا إِذَا ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُصَلِّي كَيْفَ شَاءَ ثُمَّ يُعِيدُ [الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ أَيْنَ الْقِبْلَةُ وَلَمْ يَجِدْ مَسْجِدًا صَلَّى فِيهِ الْمُسْلِمُونَ زَمَانًا طَوِيلًا فَقَالَ إِنِ اشْتَغَلْتُ الآنَ بِالِاجْتِهَادِ أَيْ بِالتَّفْتِيشِ عَلَى عَلامَاتِ الْقِبْلَةِ خَرَجَ الْوَقْتُ، هَذَا الرَّجُلُ يُصَلِّي قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ ثُمَّ يُعِيدُ تِلْكَ الصَّلاةَ].
وَمَنْ عَجَزَ عَنْ مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ يُصَلِّي إِلَى أَيِّ اتِّجَاهٍ ثُمَّ عِنْدَمَا يَعْرِفُ الِاتِّجَاهَ يُعِيدُ الصَّلاةَ [إِنِ احْتَارَ وَلَمْ يَدْرِ كَيْفَ يَسْتَدِلُّ عَلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَلا وَجَدَ مَنْ يَعْرِفُ يُصَلِّي كَيْفَمَا كَانَ ثُمَّ يُعِيدُ].
وَإِذَا اجْتَهَدَ شَخْصٌ لِمَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ وَبَعْدَ الصَّلاةِ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ وَظَنَّ الصَّوَابَ فَعَلَيْهِ إِعَادَةٌ، أَمَّا إِذَا ظَنَّ الْخَطَأَ وَظَنَّ الصَّوَابَ فَلا تَجِبُ الإِعَادَةُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أَقْوَى أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ النَّجْمُ وَهُوَ الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْقُطْبَ الشَّمَالِيَّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّجْمَ الَّذِي يُسَمَّى الْقُطْبَ يُلازِمُ جِهَةً وَاحِدَةً فِي كُلِّ اللَّيَالِي، وَقَالُوا الْبِلادُ الَّتِي تَكُونُ شَمَالِيَّ الْكَعْبَةِ أَيْ إِلَى جِهَةِ ذَلِكَ النَّجْمِ يَسْتَقْبِلُونَ الْجَنُوبَ كَبَرِّ الشَّامِ إِلَى ءَاخِرِ مَا يُسَامِتُهُ إِلَى أُورُوبا وَمَا يُسَامِتُهَا وَمَا وَرَاءَهَا كُلٌّ قِبْلَتُهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا ذَلِكَ النَّجْمَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، الشَّامُ وَتُرْكِيَا وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ إِلَى إِيطَالْيَا وَفَرَنْسَا وَأَلْمَانْيَا فِي كُلِّ هَذِهِ الْبِلادِ هَذَا النَّجْمُ يُتْرَكُ خَلْفَ الظَّهْرِ لَكِنْ فِي بَعْضِ الْبِلادِ يَكُونُ الْمَيْلُ إِلَى الشَّرْقِ أَكْثَرَ. وَالْبِلادُ الَّتِي تَكُونُ وَرَاءَ الْكَعْبَةِ إِلَى الْجَنُوبِ قِبْلَتُهُمْ أَنْ يَتَّجِهُوا إِلَى الشَّمَالِ عَكْسَ هَذِهِ الْبِلادِ فِي الْيَمَنِ وَالْحَبَشَةِ يَسْتَقْبِلُونَ هَذَا النَّجْمَ لِأَنَّ أُولَئِكَ الْكَعْبَةُ تَكُونُ فِي شَمَالِهِمْ الْيَمَنُ وَالْحَبَشَةُ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ كُلٌّ تَكُونُ قِبْلَتُهُمْ بِأَنْ يَسْتَقْبِلُوا هَذَا النَّجْمَ. لَكِنْ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْبِلادِ يَكُونُ الْمَيْلُ قَلِيلًا إِلَى سَمْتِ النَّجْمِ إِلَى الشَّرْقِ لِأَنَّ الْكَعْبَةَ فِي وَسَطِ الْمَعْمُورَةِ فَمَنْ لَمْ يَتَّجِهْ إِلَيْهَا لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ. عَلَى هَذَا انْعَقَدَ إِجْمَاعُ عُلَمَاءِ الإِسْلامِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَعَلَى هَذَا حَمَلُوا حَدِيثَ التِّرْمِذِيِّ: «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ] لِأَنَّ أَكْثَرَ الْبِلادِ عَلَى هَذَا يَكُونُ اتِّجَاهُهَا.
وَخَالَفَ هَذَا حِزْبُ الإِخْوَانِ فِي أَمْرِيكَا الشَّمَالِيَّةِ فَأَفْسَدُوا صَلَوَاتِ النَّاسِ فَإِنَّهُمْ يَسْتَقْبِلُونَ الشَّمَالَ الشَّرْقِيَّ لِأَنَّهُمْ لا يَعْتَبِرُونَ الْفِقْهَ مَرْجِعًا فِي تَطْبِيقِ الأَحْكَامِ بَلْ عِنْدَهُمُ الِاشْتِغَالُ بِالْفِقْهِ تَضْيِيعٌ لِلْوَقْتِ، أَفْسَدُوا ثَلاثَةَ ءَالافِ مُصَلًّى عَنِ الْقِبْلَةِ. بَدَلَ أَنْ يُصَلُّوا إِلَى جِهَةِ مَكَّةَ إِلَى الْجَنُوبِ صَارُوا يُصَلُّونَ إِلَى الشَّمَالِ الشَّرْقِيِّ، فَاللَّهُ يَجْزِيهِمْ بِمَا يَسْتَحِقُّونَ هَذَا الْحِزْبُ ضَرَرٌ عَلَى الدِّينِ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَدُخُولُ وَقْتِ الصَّلاةِ.
الشَّرْحُ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الصَّلاةِ مَعْرِفَةُ دُخُولِ الْوَقْتِ يَقِينًا كَأَنْ يُعَايِنَ الزَّوَالَ بِرُؤْيَةِ زِيَادَةِ الظِّلِّ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ بُلُوغِ الشَّمْسِ وَسَطَ السَّمَاءِ أَوْ يُعَايِنَ تَحَوُّلَهُ إِلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ بَعْدَ أَنْ كَانَتِ الشَّمْسُ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ، أَوْ ظَنًّا بِاجْتِهَادٍ بِنَحْوِ وِرْدٍ كَأَنْ كَانَ يَعْرِفُ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ إِذَا قَرَأَ وِرْدَهُ الْمُعْتَادَ مِنْ ذِكْرٍ أَوْ قِرَاءَةِ قُرْءَانٍ يَكُونُ قَدْ دَخَلَ وَقْتُ الصَّلاةِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَكَذَلِكَ الدِّيكُ الْمُجَرَّبُ يَكْفِي الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ لِمَعْرِفَةِ دُخُولِ الْوَقْتِ يُوجَدُ دِيَكَةٌ تَصِيحُ عَلَى الْوَقْتِ عَلَى التَّمَامِ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ دِيكٌ جَرَّبَهُ لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى صِيَاحِهِ هَكَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ. وَإِذَا عَمِلَ التَّقِيُّ الثِّقَةُ الْعَارِفُ تَقْوِيْمًا لِأَوْقَاتِ الصَّلاةِ اعْتِمَادًا عَلَى مُرَاقَبَتِهِ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ لَكِنَّ الأَفْضَلَ أَنْ يَنْظُرَ الشَّخْصُ بِنَفْسِهِ إِلَى الظِّلِّ لِصَلاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِلَى الأُفُقِ لِلصَّلَوَاتِ الثَّلاثِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ.
وَكَذَلِكَ يُعْرَفُ دُخُولُ الْوَقْتِ بِقَوْلِ الثِّقَةِ أَوْ بِسَمَاعِ أَذَانِهِ. وَلا يَكْفِي الْقِيَامُ لِلصَّلاةِ وَالدُّخُولُ فِيهَا لِمُجَرَّدِ التَّوَهُّمِ بَلْ تِلْكَ الصَّلاةُ فَاسِدَةٌ وَلَوْ صَادَفَتِ الْوَقْتَ، وَمَا أَكْثَرَ مَنْ يُصَلِّي عَلَى هَذِهِ الْحَالِ فَهَؤُلاءِ لا صَلاةَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِالْوَقْتِ وَالِاهْتِمَامُ لَهُ فَقَدْ رَوَيْنَا بِالإِسْنَادِ الصَّحِيحِ الْمُتَّصِلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ خِيَارَ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ يُرَاعُونَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالأَظِلَّةَ لِذِكْرِ اللَّهِ» [أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ] وَفِي ذَلِكَ أَنَّ الْقَمَرَ لَهُ دَخَلٌ فِي أَمْرِ الْوَقْتِ فَقَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ لِسُقُوطِ الْقَمَرِ لِثَالِثَةٍ يَعْنِي اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ [فِي سُنَنِهِ]. فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ الشَّهْرِ يَغِيبُ الْقَمَرُ بَعْدَ سَاعَةٍ وَثُلُثٍ تَقْرِيبًا فَيَكُونُ دَخَلَ الْعِشَاءُ وَهَذَا التَّقْدِيرُ ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِأَكْثَرِ الْبِلادِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَحْوَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَّا فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ وَأَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ مُضِيِّ الثُلُثِ.
فَيَجِبُ تَعَلُّمُ مَتَى يَدْخُلُ وَقْتُ الظُّهْرِ وَمَتَى يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ وَأَوْقَاتُ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ بِالْعَلامَاتِ الَّتِي عَلَّمَ الرَّسُولُ الصَّحَابَةَ، هَذِهِ فَرْضٌ تَعَلُّمُهَا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ لِأَنَّهَا هِيَ الأَصْلُ أَمَّا التَّقَاوِيْمُ الَّتِي عُمِلَتْ مِنْ قِبَلِ الثِّقَاتِ فَتُفِيدُ لِلْبَلَدِ الَّذِي عُمِلَتْ لَهُ فَرُزْنَامَةُ دِمَشْقَ لا تُفِيدُ لِبَيْرُوتَ وَلا لِحَلَبَ. ثُمَّ أَكْثَرُ الْبِلادِ الَّتِي فِيهَا مُسْلِمُونَ مَا عُمِلَ لَهَا تَقَاوِيْمُ أَيْ رُزْنَامَاتٌ فَكَيْفَ يَعْرِفُ الشَّخْصُ دُخُولَ الْوَقْتِ إِذَا لَمْ يَتَعَلَّمِ الْمَوَاقِيتَ الأَصْلِيَّةَ الَّتِي عَلَّمَهَا الرَّسُولُ الصَّحَابَةَ. ثُمَّ هَذِهِ الرُّزْنَامَاتُ قَدْ يَكُونُ الَّذِي عَمِلَهَا فَاسِقًا غَيْرَ تَقِيٍّ فَلا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا أَمَّا الَّتِي عَمِلَهَا عَالِمٌ تَقِيُّ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا. الَّذِينَ عَمِلُوا الرُّزْنَامَاتِ قَبْلَ هَذِهِ الأَزْمَانِ بِحَلَبَ وَمِصْرَ وَدِمَشْقَ كَانُوا عُلَمَاءَ أَتْقِيَاءَ يُرَاقِبُونَ الظِّلَّ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ثُمّ يُرَاقِبُونَ عِيَانًا لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَيُقَيِّدُونَ بِالسَّاعَاتِ وَالدَّقَائِقِ ثُمَّ لِلْفَجْرِ كَذَلِكَ رَاقَبُوا أُفُقَ السَّمَاءِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ، عَلَى هَذَا كَانَتِ الرُّزْنَامَاتُ الْقَدِيـمَةُ. أَمَّا الْفَلَكِيُّونَ الْجُهَّالُ بِعِلْمِ الدِّينِ تَقَاوِيْمُهُمْ لا تُعْتَمَدُ. كَانَ لِبَيْرُوتَ شَيْخٌ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدُ الْبَرْبِير عَمِلَ تَقْوِيْمًا لِبَيْرُوتَ كَانَ فَقِيهًا شَافِعِيًّا وَكَذَلِكَ كَانَ لِسَائِرِ الْبِلادِ كَمِصْرَ وَدِمَشْقَ وَحَلَبَ عُلَمَاءُ أَتْقِيَاءُ عَمِلُوا تَقَاوِيْمَ تِلْكَ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا، كَذَلِكَ الْمُؤَذِّنُ الْعَارِفُ التَّقِيُّ أَذَانُهُ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ لِلصَّلاةِ وَلِلإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ أَمَّا مُطْلَقُ مُؤَذِّنٍ لا يُعْرَفُ هَلْ تَعَلَّمَ عِلْمَ الدِّينِ أَمْ لا لا يُعْتَمَدُ عَلَى أَذَانِهِ بَلْ أَذَانُهُ كَلا شَىْءٍ. أَغْلَبُ الْمُؤَذِّنِينَ فِي هَذَا الزَّمَنِ لَوْ سَأَلْتَ أَحَدَهُمْ كَيْفَ يَدْخُلُ وَقْتُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لا يَعْرِفُ.
وَأَمَّا مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ لِأَجْلِ غَيْمٍ فَيَجْتَهِدُ بِنَاءً عَلَى مَا مَضَى مِنَ الأَيَّامِ الَّتِي رَاقَبَ فِيهَا عَلَى التَّحْقِيقِ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ مَنْ قَلَّدَ عَالِمًا لَقِيَ اللَّهَ سَالِمًا فَالْمُرَادُ بِالْعَالِمِ هُنَا الْمُجْتَهِدُ أَوْ مَنْ كَانَ دُونَ رُتْبَةِ الْمُجْتَهِدِ لَكِنْ كَانَ مُتَفَقِّهًا فِي مَذْهَبٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ الْمُعْتَبَرَةِ وَكَانَ تَقِيًّا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يُقَلِّدَ أَيَّ إِنْسَانٍ يَتَظَاهَرُ بِمَظْهَرِ عَالِمٍ، لِأَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يَلْبَسُونَ زِيَّ أَهْلِ الْعِلْمِ فُسَّاقٌ. الْمُؤَذِّنُ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَمِينًا يُهْلِكُ نَفْسَهُ وَيُهْلِكُ غَيْرَهُ. الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلامُ مَدَحَ الَّذِينَ يُرَاقِبُونَ الظِّلَّ لِصَلاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ أَيْ أَنَّ هَؤُلاءِ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ أَيْ مِنْ أَفْضَلِ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ لِسُقُوطِ الْقَمَرِ لِثَالِثَةٍ أَيْ لِمَغِيبِهِ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالإِسْلامُ وَالتَّمْيِيزُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ بَلَغَ مِنَ السِّنِّ إِلَى حَيْثُ يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ.
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الصَّلاةِ أَنْ يَكُونَ الْمُصَلِّي مُسْلِمًا فَالْكَافِرُ لا تَصِحُّ مِنْهُ الصَّلاةُ. كَذَلِكَ التَّمْيِيزُ شَرْطٌ فَالْوَلَدُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ لا تَصِحُّ مِنْهُ الصَّلاةُ، فَلا يُقَالُ لِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ صَلِّ بَلْ يُقَالُ لَهُ انْظُرْ كَيْفَ الصَّلاةُ، وَيَصِحُّ حَجُّ الطِّفْلِ وَلَهُ ثَوَابُ الْحَجِّ وَلَوْ كَانَ ابْنَ سَنَةٍ فَيُحْرِمُ وَلِيُّهُ عَنْهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحَجِّ وَيُشْهِدُهُ الْمَشَاهِدَ لِأَنَّ الْحَجَّ عَمَلٌ تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ. وَلا تَثْبُتُ حَجَّةُ الإِسْلامِ إِلَّا بِأَدَائِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ.
وَالْمُمَيِّزُ هُوَ الَّذِي يَفْهَمُ الْحِوَارَ مَعَ النَّاسِ فَيَفْهَمُ السُّؤَالَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ. وَقَالَ بَعْضٌ الْمُمَيِّزُ هُوَ الَّذِي يُحْسِنُ أَنْ يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِيَ لِنَفْسِهِ. فَمَنْ صَارَ مُمَيِّزًا تَصِحُّ صَلاتُهُ وَيَخْتَلِفُ وَقْتُ حُصُولِ ذَلِكَ بِحَسَبِ الأَشْخَاصِ. فَبَعْضُ النَّاسِ يُمَيِّزُونَ عِنْدَ سَبْعِ سِنِينَ وَبَعْضُهُمْ عِنْدَ سِتِّ سِنِينَ وَبَعْضُهُمْ عِنْدَ خَمْسٍ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْعِلْمُ بِفَرْضِيَّتِهَا.
الشَّرْحُ أَنَّهُ كَذَلِكَ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلاةِ الْمَفْرُوضَةِ الْعِلْمُ بِفَرْضِيَّتِهَا فَلَوْ كَانَ يَتَرَدَّدُ فِيهَا هَلْ هِيَ فَرْضٌ أَمْ لا أَوِ اعْتَقَدَ أَنَّهَا نَفْلٌ لَيْسَتْ فَرْضًا لَمْ تَنْعَقِدْ صَلاتُهُ حَتَّى يَعْرِفَ أَنَّهَا فَرْضٌ فَتَصِحَّ مِنْهُ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَنْ لا يَعْتَقِدَ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِهَا سُنَّةً.
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلاةِ أَنْ لا يَعْتَقِدَ أَنَّ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِهَا سُنَّةٌ أَيْ غَيْرُ وَاجِبٍ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِرَاءَةِ لِلْفَاتِحَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فَرْضٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْتَقِدَ فَرْضِيَّةَ مَا هُوَ فَرْضٌ فِي ذَلِكَ الْمَذْهَبِ. أَمَّا مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ أَفْعَالَهَا أَوْ أَقْوَالَهَا كُلَّهَا فُرُوضٌ صَحَّتْ صَلاتُهُ، وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ بَعْضَ أَفْعَالِهَا فَرْضٌ وَبَعْضَ أَفْعَالِهَا سُنَّةٌ وَلَمْ يَقْصِدْ بِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ فَإِنَّ صَلاتَهُ صَحِيحَةٌ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَامِّيُّ وَغَيْرُهُ [أَيِ الَّذِي تَعَلَّمَ وَالَّذِي لَمْ يَتَعَلَّمْ مَا لَمْ يَقْصِدِ النَّفْلِيَّةَ بِالْفَرْضِ لا يُؤَثِّرُ].
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالسَّتْرُ بِمَا يَسْتُرُ لَوْنَ الْبَشَرَةِ لِجَمِيعِ بَدَنِ الْحُرَّةِ إِلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ وَبِمَا يَسْتُرُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لِلذَّكَرِ وَالأَمَةِ مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ لا الأَسْفَلِ.
الشَّرْحُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلاةِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ عَنْ عُيُونِ الإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلائِكَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَلَوْ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ خَالِيًا تَأَدُّبًا مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْعَوْرَةُ فِي الصَّلاةِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ أَيِ الأُنْثَى الَّتِي هِيَ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ جَمِيعُ بَدَنِهَا إِلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ.
وَالسَّتْرُ يَحْصُلُ بِمَا يَسْتُرُ لَوْنَ الْجِلْدِ وَالشَّعَرِ، وَأَمَّا مَا لا يَسْتُرُ اللَّوْنَ فَلا يَكْفِي، فَلا يَكْفِي الثَّوْبُ الرَّقِيقُ الَّذِي يُمَيَّزُ مِنْ خَلْفِهِ الْبَشَرَةُ السَّمْرَاءُ مِنَ الْبَشَرَةِ الْبَيْضَاءِ. وَهَذَا السَّتْرُ الْمُشْتَرَطُ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الأَعْلَى وَالْجَوَانِبِ لا مِنَ الأَسْفَلِ، فَإِنَّهُ لَوْ صَلَّى الشَّخْصُ عَلَى مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ وَكَانَتْ تُرَى عَوْرَتُهُ لِمَنْ نَظَرَ مِنْ أَسْفَلَ لَكِنَّهَا لا تُرَى مِنَ الأَعْلَى وَالْجَوَانِبِ صَحَّتْ صَلاتُهُ. وَأَمَّا لَوْ لَبِسَتِ الْمَرْأَةُ سِرْوَالًا وَاسِعَ الأَسْفَلِ لا يُغَطِّي الْقَدَمَيْنِ بَلْ هُوَ إِلَى مَا فَوْقَ ذَلِكَ وَلَبِسَتْ تَحْتَهُ جَوْرَبًا إِلَى نِصْفِ السَّاقِ مَثَلًا فَلا تَصِحُّ صَلاتُهَا فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.
وَأَمَّا حَدُّ الْعَوْرَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلذَّكَرِ وَالأَمَةِ فَهُوَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَلَيْسَتِ السُّرَّةُ وَالرُّكْبَةُ عَوْرَةً إِنَّمَا الْعَوْرَةُ مَا بَيْنَهُمَا، هَذَا فِي مَذْهَبِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعِنْدَ غَيْرِهِ كَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَمَنْ وَافَقَهُمَا فِي عَوْرَةِ الرَّجُلِ قَوْلانِ قَوْلٌ بِأَنَّهُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَقَوْلٌ بِأَنَّ عَوْرَتَهُ السَّوْأَتَانِ فَقَطْ أَيِ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ الإِمَامِ التَّابِعِيِّ وَمُحَمَّدِ بنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنِ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ، وَقَالَ بِأَنَّ فَخِذَ الرَّجُلِ لَيْسَ عَوْرَةً أَئِمَّةٌ ءَاخَرُونَ مِنْهُمُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، بَلْ ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْئَلَةِ ثَلاثَةَ أَقْوَالٍ.
وَالأَمَةُ هِيَ الْمَمْلُوكَةُ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ بِطَرِيقِ السَّبْيِ وَالأَسْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إِذَا غَزَوُا الْكُفَّارَ لِلْحَرْبِ فَكَسَرُوهُمْ فَاسْتَوْلَوْا عَلَى نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمُ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا صَارُوا مِلْكاً لِلْمُسْلِمِينَ يَقْسِمُهُمُ الإِمَامُ الْقِسْمَةَ الشَّرْعِيَّةَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ بَقِيَ عَلَى الرِّقِّيَّةِ أَيِ الْمِلْكِيَّةِ وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ فَأَمْرُهُ كَذَلِكَ. وَكَذَلِكَ إِذَا قَهَرَ الْكُفَّارُ الْحَرْبِيُّونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَبَاعُوهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَلَّ اسْتِرْقَاقُهُمْ.
وَلا يَبْطُلُ حُكْمُ الِاسْتِرْقَاقِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنْ أَلْغَاهُ بَعْضُ حُكَّامِ الأَرْضِ فِي هَذَا الْعَصْرِ اعْتِقَادًا وَعَمَلًا، وَعِنْدَ بَعْضٍ غَيْرِهِمْ عَمَلًا لَكِنَّهُ فِي حُكْمِ شَرْعِ اللَّهِ ثَابِتٌ. كَانَ فِي مَكَّةَ سُوقٌ تُسَمَّى «سُوقَ النَّخَّاسِينَ» يُبَاعُ فِيهَا الرَّقِيقُ عَلانِيَةً عُطِّلَتْ أَيَّامَ الْمَلِكِ فَيْصَلَ لِأَنَّ الدُّوَلَ شَنَّعُوا عَلَيْهِ أَمْرَ الِاسْتِرْقَاقِ فَأَصْدَرَ مَرْسُومًا بِأَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ رَقِيقٌ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى يَأْخُذُ الْقِيمَةَ مِنَ الْحُكُومَةِ وَيُسَرِّحُ الرَّقِيقَ الذَّكَرَ أَوِ الأُنْثَى فَاخْتَفَى هَذَا الأَمْرُ.
وَلَمْ يَدْعُ الإِسْلامُ إِلَى إِلْغَاءِ الرِّقِّيَّةِ بَلْ رَغَّبَ فِي الإِعْتَاقِ، وَمَنِ ادَّعَى أَنَّ الإِسْلامَ جَاءَ لِيَقْطَعَ الِاسْتِرْقَاقَ فَقَدِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، كَيْفَ وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ كُلُّهُمْ كَانَ لَهُمْ رَقِيقٌ فَقَدْ كَانَ لِعَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عِنْدَ مَوْتِهِ نَحْوُ عِشْرِينَ أَمَةً اتَّخَذَهُنَّ فِرَاشًا فَوَلَدَ مِنْ بَعْضِهِنَّ أَوْلادًا وَبَعْضُهُنَّ كُنَّ حُبَالَى وَبَعْضُهُنَّ كُنَّ حَوَائِلَ، وَكَذَلِكَ كَانَ الأَمْرُ فِي عَهْدِ الأُمَوِيِّينَ وَالْعَبَّاسِيِّينَ وَفِي عَهْدِ الْعُثْمَانِيِّينَ أَيْضًا، وَمِنْ مَشَاهِيرِ الْمَشَايِخِ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ فِي الْقَرْنِ السَّادِسِ الْهِجْرِيِّ كَانَ لَهُ أَلْفُ جَارِيَةٍ. فَلا عِبْرَةَ بِمَا قَالَهُ بَعْضُ أَدْعِيَاءِ الدِّينِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى الإِسْلامِ فَإِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ فِي بَعْضِ مُؤَلَّفَاتِهِمْ أَنَّ الإِسْلامَ جَاءَ لِيَقْطَعَ الرِّقَّ بِالتَّدْرِيجِ، هَذَا كَذِبٌ عَلَى شَرْعِ اللَّهِ، كَذَّبُوا قَوْلَ اللَّهِ ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ [سُورَةَ الْمَعَارِج] فِعِنْدَهُمْ كَأَنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، لَكِنْ فِي شَرْعِ اللَّهِ حُكْمُهَا مُسْتَمِرٌّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. هَذَا وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَةً لِي جَارِيَةً أَمْلِكُهَا فَقَالَ «لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ. فَضَّلَ تَرْكَ جَارِيَتِهَا عَلَى الرِّقِّيَّةِ وَأَنْ تَهَبَهَا لِأَخْوَالِهَا فَتَكُونَ مِلْكًا يَنْتَفِعُونَ بِهَا عَلَى الإِعْتَاقِ لِمَا عَلِمَ مِنْ شِدَّةِ حَاجَتِهِمْ لِاسْتِخْدَامِ الرَّقِيقِ، فَمَاذَا يَقُولُ فَيْصَلُ مَوْلَوِي الَّذِي قَالَ إِنَّ الإِسْلامَ جَاءَ لِيَقْطَعَ الرِّقَّ. وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ إِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَتَى اسْتَعْبَدْتُمُ النَّاسَ وَقَدْ وَلَدَتْهُمْ أُمَّهَاتُهُمْ أَحْرَارًا فَهُوَ كَذِبٌ عَلَى عُمَرَ. بَلِ الَّذِي ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ إِمَاءٌ وَعِبِيدٌ، وَابْنُهُ كَذَلِكَ.
ثُمَّ إِنَّ الِاسْتِرْقَاقَ تَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ، مِنْهَا أَنَّ الَّذِي يُجَامِعُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَمْدًا يُعْتِقُ عَبْدًا مَمْلُوكًا وَالَّذِي يَقْتُلُ مُسْلِمًا خَطَأً كَذَلِكَ فَرْضٌ عَلَيْهِ دَفْعُ الدِّيَةِ وَعِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ.
وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ حَلَفَتْ ذَاتَ مَرَّةٍ أَنَّ قَرِيبًا لَهَا لا يَدْخُلُ إِلَيْهَا لِأَنَّهُ أَغْضَبَهَا بِسَبَبِ كَلامٍ تَكَلَّمَهُ فِيهَا، ثُمَّ النَّاسُ تَوَسَّطُوا لِقَرِيبِهَا هَذَا حَتَّى سَمَحَتْ لَهُ، ثُمَّ كَفَّرَتْ عَنْ يَمِينِهَا. أَعْتَقَتْ أَرْبَعِينَ رَقِيقًا أَيْ زَادَتْ فِي الإِعْتَاقِ مِنْ بَابِ التَّطَوُّعِ. فَحُكْمُ الِاسْتِرْقَاقِ بَاقٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
ثُمَّ الِاسْتِرْقَاقُ لَيْسَ خَاصًّا بِشَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ بَلْ كَانَ أَيَّامَ إِبْرَاهِيمَ وَقَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَهُ.
مَسْئَلَةٌ إِذَا رَأَيْنَا مُسْلِمًا يُصَلِّي وَهُوَ سَاتِرٌ سَوْأَتَيْهِ فَقَطْ فَلا يُنْكَرُ عَلَيْهِ إِلَّا إِذَا كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ كَشْفَ الْفَخِذِ حَرَامٌ وَمَعَ ذَلِكَ صَلَّى كَاشِفًا فَإِنَّهُ يُنْكَرُ عَلَيْهِ، أَمَّا الَّذِي لا يَرَى ذَلِكَ حَرَامًا لا يُنْكَرُ عَلَيْهِ عَمَلًا بِقَاعِدَةِ «لا يُنْكَرُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ إِنَّمَا يُنْكَرُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ» وَهِيَ قَاعِدَةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا نَصَّ عَلَيْهَا الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنْبَلِيَّةُ، لَكِنَّ هَذَا الْمُصَلِّي مَعَ كَشْفِ الْفَخِذِ يُرْشَدُ إِرْشَادًا بِلا إِنْكَارٍ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ لَوْ غَطَّيْتَ مَا بَيْنَ سُرَّتِكَ وَرُكْبَتَيْكَ كَانَ خَيْرًا.
فَائِدَةٌ ذَكَرَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ مَيَّارَةُ الْمَالِكِيُّ فِي الدُرِّ الثَّمِينِ مَا نَصُّهُ:
«وَسُئِلَ عِزُّ الدِّينِ عَنِ الرَّجُلِ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ فَيَجْلِسُ بِمَعْزِلٍ عَنِ النَّاسِ إِلَّا أَنَّهُ يَعْرِفُ بِالْعَادَةِ أَنَّهُ يَكُونُ مَعَهُ فِي الْحَمَّامِ مَنْ هُوَ كَاشِفٌ لِعَوْرَتِهِ، هَلْ يَجُوزُ حُضُورُهُ عَلَى هَذا الْحَالِ أَمْ لا، فَأَجَابَ: يَجُوزُ لَهُ حُضُورُ الْحَمَّامِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الإِنْكَارِ أَنْكَرَ وَيَكُونُ مَأْجُورًا عَلَى إِنْكَارِهِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنِ الإِنْكَارِ كَرِهَ بِقَلْبِهِ وَيَكُونُ مَأْجُورًا عَلَى كَرَاهَتِهِ، وَيَحْفَظُ بَصَرَهُ عَنِ الْعَوْرَاتِ مَا اسْتَطَاعَ وَلا يَلْزَمُ الإِنْكَارُ إِلَّا فِي السَّوْأَتَيْنِ [أَيْ وَمَا لا بُدَّ مِنْهُ لِسَتْرِهِمَا] لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ الْعَوْرَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ «لا عَوْرَةَ إِلَّا السَّوْأَتَانِ» فَلا يَجُوزُ الإِنْكَارُ عَلَى مَنْ قَلَّدَ بَعْضَ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ ذَلِكَ مُعْتَقِدًا لِتَحْرِيْمِهِ فَيُنْكَرُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَمَا زَالَ النَّاسُ يُقَلِّدُونَ الْعُلَمَاءَ فِي مَسَائِلِ الْخِلافِ وَلا يُنْكَرُ عَلَيْهِمْ» اهـ.
مُبْطِلاتُ الصَّلاةِ
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ: وَتَبْطُلُ الصَّلاةُ بِالْكَلامِ وَلَوْ بِحَرْفَيْنِ أَوْ بِحَرْفٍ مُفْهِمٍ إِلَّا أَنْ نَسِيَ وَقَلَّ.
الشَّرْحُ الصَّلاةُ تَبْطُلُ بِمَا هُوَ مِنْ كَلامِ النَّاسِ عَمْدًا مَعَ ذِكْرِ أَنَّهُ فِي الصَّلاةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَغْلُوبًا أَيْ لا يَسْتَطِيعُ تَرْكَ ذَلِكَ النُّطْقِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ النُّطْقُ بِحَرْفَيْنِ كَهَلْ وَبَلْ فَأَكْثَرَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَعْنًى، وَبِحَرْفٍ مَمْدُودٍ كَأَنْ يَقُولَ «ءَا» أَوْ «إِيْ» أَوْ «أُو» فَإِنَّهُ بِسَبَبِ الْمَدِّ صَارَ حَرْفَيْنِ، وَفِي الْمَذْهَبِ وَجْهٌ بِأَنَّ مَدَّ الْحَرْفِ الْوَاحِدِ لا يُبْطِلُ الصَّلاةَ كَقَوْلِ «ءَا».
وَكَذَلِكَ تَبْطُلُ الصَّلاةُ بِالنُّطْقِ بِحَرْفٍ مُفْهِمٍ وَذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ «قِ» بِقَافٍ مَكْسُورَةٍ لا يَتْبَعُهَا شَىْءٌ وَكَذَلِكَ «عِ» بِعَيْنٍ مَكْسُورَةٍ وَكَذَلِكَ «فِ» بِكَسْرِ الْفَاءِ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ الثَّلاثَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَهُ مَعْنًى يُفْهَمُ مِنْهُ، فَقِ يُفْهَمُ مِنْهُ الأَمْرُ بِالْوِقَايَةِ، وَعِ يُفْهَمُ مِنْهُ الأَمْرُ بِالْوَعْيِ، وَفِ يُفْهَمُ مِنْهُ الأَمْرُ بِالْوَفَاءِ، فَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ يُبْطِلُ الصَّلاةَ إِنْ كَانَ عَمْدًا أَيْ مَعَ ذِكْرِ أَنَّهُ فِي الصَّلاةِ وَكَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ.
فَأَمَّا النَّاسِي أَنَّهُ فِي الصَّلاةِ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلامٍ قَلِيلٍ أَيْ سِتِّ كَلِمَاتٍ عُرْفِيَّةٍ فَأَقَلَّ فَلا يُبْطِلُ نُطْقُهُ هَذَا صَلاتَهُ، وَهَذَا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ «اذْهَبْ إِلَى السُّوقِ وَاشْتَرِ لِي خُبْزًا ثُمَّ أَحْضِرْهُ لِي ثُمَّ ضَعْهُ فِي مَكَانِ كَذَا» وَنَحْوَ هَذَا، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ جَاهِلًا بِحُرْمَةِ الْكَلامِ فِي الصَّلاةِ لِكَوْنِهِ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ وَقْتٍ قَرِيبٍ أَوْ لِكَوْنِهِ نَشَأَ فِي بَلَدٍ بَعِيدَةٍ عَمَّنْ يَعْرِفُ أَحْكَامَ الشَّرْعِ.
وَأَمَّا التَّنَحْنُحُ فَفِي مَذْهَبِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِيهِ رَأْيَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُبْطِلُ وَالآخَرُ لا يُبْطِلُ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهَيْنِ فِي التَّنَحْنُحِ وَالضَّحِكِ وَالْبُكَاءِ وَالأَنِينِ وَالنَّفْخِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إِنْ ظَهَرَ بِهِ حَرْفَانِ بَطَلَتِ الصَّلاةُ وَإِلَّا فَلا وَالثَّانِي عَدَمُ الإِبْطَالِ مُطْلَقًا، وَجَعَلَ صَاحِبُ التِّتِمَّةِ وَهُوَ الْمُتَوَلِّي الْخِلافَ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ لِلإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَحَكَى الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يُعْذَرُ مَنْ لَمْ يُخَالِطِ الْعُلَمَاءَ فَلا تَبْطُلُ الصَّلاةُ بِكَلامِ مَنْ جَهِلَ [وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَحْدِيدَ قَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْكَلامِ إِنَّمَا عَلَى حَسَبِ مَا يَحْتَمِلُ عِنْدَ الَّذِي جَهِلَ الْحُكْمَ لِأَنَّهُ لا يَرَى كُلَّ كَلامٍ مَهْمَا طَالَ لا يُفْسِدُ الصَّلاةَ إِنَّمَا يَظُنُّ مِقْدَارًا خَاصًّا].
فَخَرَجَ بِكَلامِ النَّاسِ ذِكْرُ اللَّهِ فَإِنَّهُ لا يُبْطِلُ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ إِذَا رَأَى الشَّيْطَانَ يَهْجُمُ عَلَيْهِ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَإِنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ إِلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ إِبْلِيسُ وَبِيَدِهِ شُعْلَةُ نَارٍ لِيُلْقِيَهَا عَلَيْهِ فَقَالَ «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ» فَأَعَانَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَمَكَّنَهُ مِنْهُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يَرْبِطَهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَيَرَاهُ النَّاسُ إِذَا أَصْبَحُوا ثُمَّ تَذَكَّرَ دَعْوَةَ سُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ [سَيِّدُنَا سُلَيْمَانُ كَانَ يَحْبِسُ الْجِنَّ إِنِ اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ، اللَّهُ أَعْطَاهُ الْقُدْرَةَ عَلَى ذَلِكَ. حَبَسَ سِتَّةَ عَشَرَ مِنْ كِبَارِ الشَّيَاطِينِ فِي سِتَّ عَشْرَةَ جَرَّةً وَأُلْقِيَتِ الْجِرَارُ فِي الْبَحْرِ. هَذِهِ الْجِرَارُ مَخْتُومَةٌ بِخَاتَمِ سُلَيْمَانَ. فِي زَمَنِ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ قَاِئدٌ مِنَ الْقُوَّادِ الْمُجَاهِدِينَ وَجَدَ هَذِهِ الْجِرَارَ فَأَخْرَجَ وَاحِدَةً فَكَسَرَهَا فَقَفَزَ مِنْهَا شَيْطَانٌ أَسْوَدُ وَهُوَ يَقُولُ لا أَعُودُ أُفْسِدُ فِيهَا أَبَدًا مَعْنَاهُ لا أَعْمَلُ فَسَادًا فِي الأَرْضِ بَعْدَ الآنَ وَكَانَ هَذَا الشَّيْطَانُ يَظُنُّ أَنَّ سُلَيْمَانَ بَعْدُ حَيُّ فَرِحَ بِخَلاصِهِ مِنْ هَذَا الْحَبْسِ] حَيْثُ إِنَّهُ قَالَ ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي﴾[سُورَةَ ص/35] فَتَرَكَ ذَلِكَ [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ].
وَكَذَلِكَ لا تَبْطُلُ بِالْكَلامِ الَّذِي هُوَ نَذْرٌ فَلَوْ قَالَ نَذَرْتُ لِلَّهِ أَنْ أَصُومَ الْخَمِيسَ لَمْ تَفْسُدْ صَلاتُهُ بِشَرْطِ أَنْ لا يَكُونَ فِيهِ خِطَابٌ لِمَخْلُوقٍ كَنَذَرْتُ لَكَ كَذَا.
تَنْبِيهٌ مِمَّا يُبْطِلُ الصَّلاةَ أَيْضًا خِطَابُ غَيْرِ اللَّهِ فِي الصَّلاةِ كَقَوْلِ الْمَدَدَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي. فَلْيُحْذَرْ ذَلِكَ وَأَمَّا إِذَا قَالَ اللَّهُمَّ أَمِدَّنِي بِمَدَدِ النَّبِيِّ فَلا تَفْسُدُ الصَّلاةُ.
مَجْذُوبٌ غَائِبُ الْعَقْلِ مِنَ الْمَجَاذِيبِ بِالشَّامِ كَانَ يَقُولُ فِي صَلاتِهِ الْمَدَدَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. هَؤُلاءِ الْمَجَاذِيبُ لا يُقْتَدَى بِهِمْ إِنْ فَعَلُوا أَوْ قَالُوا مَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ لِأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلامٍ بِغَيْرِ إِرَادَةٍ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبِالْفِعْلِ الْكَثِيرِ وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مَا يَسَعُ قَدْرَ رَكْعَةٍ مِنَ الزَّمَنِ، وَقِيلَ ثَلاثُ حَرَكَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ، وَالأَوَّلُ أَقْوَى دَلِيلًا.
الشَّرْحُ أَنَّ مِمَّا يُبْطِلُ الصَّلاةَ الْفِعْلَ الْكَثِيرَ الْمُتَوَالِيَ سَوَاءٌ كَانَ بِثَلاثَةِ أَعْضَاءٍ كَحَرَكَةِ يَدَيْهِ وَرَأْسِهِ عَلَى التَّعَاقُبِ أَوْ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ ثَلاثَ خَطَوَاتٍ هَذَا عِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَمَّا ثَلاثُ حَرَكَاتٍ غَيْرُ مُتَوَالِيَاتٍ أَوْ أَرْبَعُ حَرَكَاتٍ بِلا تَوَالٍ فَلا تُفْسِدُ الصَّلاةَ عِنْدَهُمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لا يُبْطِلُ الصَّلاةَ مِنَ الْفِعْلِ إِلَّا مَا وَسِعَ مِقْدَارَ رَكْعَةٍ مِنَ الزَّمَنِ فِي ءَانٍ وَاحِدٍ أَيْ مُتَوَالِيًا، وَبَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فَرْقٌ كَبِيرٌ وَهَذَا الْوَجْهُ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ لِأَنَّهُ أَوْفَقُ لِلأَحَادِيثِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحَرَّكَ فِي الصَّلاةِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثِ حَرَكَاتٍ كَحَدِيثِ أَنَّهُ فَتَحَ الْبَابَ الَّذِي كَانَ مُغْلَقًا فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ثُمَّ اسْتَمَرَّ فِي صَلاتِهِ وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَائِشَةَ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا أَنَّهُ حَصَلَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلاثِ حَرَكَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ وَيَبْعُدُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى حَرَكَتَيْنِ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبِالْحَرَكَةِ الْمُفْرِطَةِ وَبِزِيَادَةِ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ وَبِالْحَرَكَةِ الْوَاحِدَةِ لِلَّعِبِ.
الشَّرْحُ أَنَّ مِنَ الْفِعْلِ الْمُبْطِلِ الْحَرَكَةَ الْمُفْرِطَةَ كَالْوَثْبَةِ الْفَاحِشَةِ.
وَمِنَ الْمُبْطِلِ أَيْضًا الْحَرَكَةُ الْوَاحِدَةُ لَوْ لَمْ تَكُنْ مُفْرِطَةً إِذَا كَانَتْ لِلَّعِبِ أَمَّا إِذَا ابْتَسَمَ أَوْ مَسَحَ عَلَى رَأْسِ وَلَدٍ صَغِيرٍ مَثَلًا لإِينَاسِهِ فَلا يُبْطِلُ ذَلِكَ الصَّلاةَ. وَلا يُفْسِدُ الصَّلاةَ تَحْرِيكُ الأَصَابِعِ مَعَ اسْتِقْرَارِ الْكَفِّ وَإِنْ كَثُرَ، وَكَذَلِكَ تَحْرِيكُ الْجَفْنِ أَوِ اللِّسَانِ أَوِ الأُذُنِ وَحَلُّ زِرٍّ وَعَقْدُهُ وَلَوْ كَثُرَ إِنْ كَانَ الْكَفُّ قَارًّا وَلَمْ يَكُنْ لِلَّعِبِ.
وَكَذَلِكَ تَبْطُلُ الصَّلاةُ بِزِيَادَةِ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ كَأَنْ عَمِلَ رُكُوعَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ ذَاكِرًا ذَلِكَ، أَمَّا الرُّكْنُ الْقَوْلِيُّ لَوْ كَرَّرَهُ لا يُبْطِلُ الصَّلاةَ، فَلَوْ كَرَّرَ الْفَاتِحَةَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ مَثَلًا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لا تَفْسُدُ صَلاتُهُ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبِالأَكْلِ وَالشُّرْبِ إِلَّا أَنْ نَسِيَ وَقَلَّ.
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مُبْطِلاتِ الصَّلاةِ الأَكْلَ وَالشُّرْبَ إِلَّا مَا كَانَ مَعَ النِسْيَانِ فَإِنَّهُ لا يُبْطِلُ إِنْ كَانَ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ قَلِيلًا. وَكَذَا تَبْطُلُ الصَّلاةُ إِذَا تَقَايَأَ عَامِدًا أَوْ مَغْلُوبًا وَكَذَا لَوْ تَجَشَّأَ فَوَصَلَ مَاءُ الْجُشَاءِ إِلَى ظَاهِرِ الْفَمِ وَلَوْ لَمْ يَبْلَعْهُ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ. أَمَّا إِنْ شَكَّ هَلْ خَرَجَ شَىْءٌ مِنَ الْجَوْفِ إِلَى ظَاهِرِ الْفَمِ عِنْدَمَا تَجَشَّأَ أَمْ لا فَلا تَفْسُدُ صَلاتُهُ بِذَلِكَ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبِنِيَّةِ قَطْعِ الصَّلاةِ وَبِتَعْلِيقِ قَطْعِهَا عَلَى شَىْءٍ وَبِالتَّرَدُّدِ فِيهِ.
الشَّرْحُ أَنَّ مَنْ نَوَى فِي قَلْبِهِ أَنْ يَقْطَعَ الصَّلاةَ فِي الْحَالِ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ رَكْعَةٍ مَثَلًا بَطَلَتْ صَلاتُهُ. وَكَذَلِكَ تَبْطُلُ بِتَعْلِيقِ الْقَطْعِ بِشَىْءٍ كَأَنْ قَالَ فِي نَفْسِهِ «إِنْ حَصَلَ كَذَا فَإِنِّي أَقْطَعُهَا» فَإِنَّهَا تَبْطُلُ حَالًا، وَكَذَلِكَ بِالتَّرَدُّدِ فِيهِ كَأَنْ قَالَ «هَلْ أَقْطَعُهَا أَمْ أَسْتَمِرُّ فِيهَا» فَإِنَّهَا تَبْطُلُ. هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ خَاطِرًا بَلْ كَانَ إِرَادَةً. أَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ ثُمَّ رَجَعَ قَالَ لا أَقْطَعُ هَذَا الَّذِي يُؤَثِّرُ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبِأَنْ يَمْضِيَ رُكْنٌ مَعَ الشَّكِّ فِي نِيَّةِ التَّحَرُّمِ أَوْ يَطُولَ زَمَنُ الشَّكِّ.
الشَّرْحُ أَنَّ مَنْ شَكَّ فِي نِيَّةِ الصَّلاةِ هَلْ نَوَى فِي التَّحَرُّمِ أَمْ لا، أَوْ شَكَّ هَلْ نَوَى ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا أَيْ أَنَّهُ إِنِ اسْتَمَرَّ هَذَا الشَّكُّ حَتَّى مَضَى رُكْنٌ وَهُوَ يَشُكُّ فَإِنَّ صَلاتَهُ تَبْطُلُ كَأَنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَهُوَ فِي هَذَا الشَّكِّ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ، أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ ثُمَّ رَكَعَ وَهُوَ شَاكٌّ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ، وَكَذَلِكَ إِذَا طَالَ زَمَنُ الشَّكِّ وَلَوْ لَمْ يَمْضِ مَعَهُ رُكْنٌ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ لَمْ يَمْضِ مَعَ الشَّكِّ رُكْنٌ وَلا طَالَ وَقْتُهُ ثُمَّ تَذَكَّرَ لَمْ تَبْطُلْ وَذَلِكَ بِأَنْ يَشُكَّ فَيَزُولَ سَرِيعًا.
وَأَمَّا ظَنُّ أَنَّهُ فِي صَلاةٍ غَيْرِ الصَّلاةِ الَّتِي دَخَلَ بِنِيَّتِهَا فَلا يُبْطِلُ الصَّلاةَ وَلَوْ أَتَمَّهَا وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لا تَنْقَلِبُ صَلاتُهُ نَفْلًا إِنْ كَانَتْ فَرْضًا.
وَقَدْ تَنْقَلِبُ الصَّلاةُ الْمَفْرُوضَةُ نَفْلًا بِأَنِ اجْتَهَدَ لِمَعْرِفَةِ دُخُولِ الْوَقْتِ اجْتِهَادًا مُعْتَبَرًا وَظَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ فَدَخَلَ فِيهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ عَدَمُ دُخُولِهِ فَإِنَّهَا لا تَفْسُدُ بَلْ تَنْقَلِبُ نَفْلًا، كَذَلِكَ لَوْ دَخَلَ فِي صَلاةٍ ظَانًّا أَنَّهَا عَلَيْهِ فَبَانَ لَهُ خِلافُ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا.
فَائِدَةٌ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي حَوَاشِي الرَّوْضَةِ: «قَوْلُهُ مِنْ زِيَادَاتِهِ – يَعْنِي النَّوَوِيَّ – «قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ شَكَّ هَلْ نَوَى ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ وَاحِدَةٍ». فَائِدَةٌ: مَا ذَكَرَهُ عَنِ الْمَاوَرْدِيِّ هُوَ أَحَدُ وُجُوهٍ ثَلاثَةٍ أَحَدُهَا مَا ذَكَرَهُ عَنِ الْمَاوَرْدِيِّ وَكَلامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ عَلَى مُوَافَقَتِهِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لا أَثَرَ لِهَذَا الشَّكِّ وَلَوْ مَضَى فِي التَّرَدُّدِ رُكْنٌ، ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ فِي فَتَاوِيْهِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ فَإِنَّ الشَّكَّ فِي صِفَةِ النِّيَّةِ [كَأَنْ شَكَّ هَلْ نَوَى ظُهْرًا أَمْ عَصْرًا] أَخَفُّ مِنَ الشَّكِّ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ [كَأَنْ شَكَّ هَلْ نَوَى أَمْ لَمْ يَنْوِ]، وَالثَّالِثُ عَنِ الْقَفَّالِ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْفَرْضُ وَيَنْقَلِبُ نَفْلًا لِأَنَّهُ حَصَلَ مَا يُنَافِي الْفَرِيضَةَ فَيَنْقَلِبُ نَفْلًا لِلْعُذْرِ. هَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ كَلامِ الْقَفَّالِ الَّذِي حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ قَدْ لا يُفْهِمُ هَذَا» انْتَهَى كَلامُ الْبُلْقِينِيِّ.
