كيفية الرجوع للاسلام وأحكام المرتد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر

 هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلىَ اللهُ عَليهِ وَسَلَم (سلسلة رقم5)

كيفية الرجوع للاسلام وأحكام المرتد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر



يجبُ على مَنْ وَقَعَت منه رِدَّةٌ العودُ فوراً إلى الإسلامِ بالنطق بالشهادَتَين، والإقلاعِ عمَّا وقعت به الردة.
الشرح: أنَّ من ارتد لا بد له حتى يرجِعَ إلى الإسلام من أن يُقْلِع عن سبب الردة وأن يَنْطِقَ بالشهادتين للتَّبَرؤِ مِنَ الكفر. أى أنَّ الإنسان إذا وقع فى الردة بقولِ كُفْرٍ أو فِعْلِ كُفْرٍ أو باعتقادٍ كفرىٍّ لا بد له حتى يرجع إلى الإسلام من أن يترُكَ هذا الكفر الذى وقع فيه وينطِقَ بالشهادتين. وهذا معناه أنَّه لا بُدَّ أن يَعرِف أن الأمرَ الذى وَقَعَ فيه هو كُفْرٌ. فلو حصلَ مِنَ الشخصِ كُفْرٌ صريح ثُمَّ تَشَهَّدَ بعدَ ذلك أَلْفَ مَرَّة مِنْ غَيرِ أَنْ يَعْرِف أَنَّ هذا الأمر هو أمرٌ كفرىٌّ لا تنفَعُهُ كُل هذه المرات التى تشهَّد فيها. وهذا أيضاً معناه أنَّ الشخصَ لا بد أن ينطِقَ بالشهادتين حتى يرجع إلى الإسلام، فلا يكفى أَنْ يترُكَ العقيدةَ الكفرية التى كان عليها حتى يصيرَ مسلماً من جديد. بل لا بد مع ذلك من أنْ ينطِقَ بالشهادتين للتبرؤ من الكفر.


  ويجبُ عليهِ النَّدَمُ عَلَى مَا صَدَرَ مِنْهُ والعَزْمُ عَلَى أَنْ لاَ يَعُودَ لِمِثْلِهِ.
الشرح: أن المرتد يجبُ عليه عَدَا الرجوع إلى الإسلام أن يَنْدَمَ أيضاً على الردة التى صدرت منه، فإذا لَم يستحضر الندم صحَّ رجوعُهُ إلى الإسلام مع حصول المعصية بترك الندم. هذا بِشَرْطِ أَنْ لا يكونَ عندَه عزمٌ على أن يكفرَ فى المستقبلِ، لأنَّه إذا كان عند تشهده عازماً على الكفرِ فى المستقبل فإن هذا التشهدَ لا ينفعُه فى الرجوع إلى الإسلام.
 ويَبْطُلُ بِهَا صَومُهُ.
الشرح: أنَّ مَنْ كان صائِماً صومَ فرض ثُمَّ ارتَدَّ فَسَدَ صومُهُ. ويجبُ عليه الرجوعُ فوراً إلى الإسلام، ثم الإمساكُ عن المفطّـِرات سائِرَ النهار، وأن يقضِىَ هذا اليومَ على الفور أى فى اليوم الثانى من شوّال إِنْ قَدَر.
 ويَبْطُلُ بِهَا تَيَمُّمُهُ.
الشرح: أنه إذا كان الشخصُ متيمِـّمَاً ثمَّ ارتدَّ فَسَدَ تَيَمُّمُهُ فوراً، فإنْ رَجَعَ إلى الإسلامِ لا بُدَّ لَهُ مِنْ طَهَارَةٍ جديدة. وهذا بخلافِ الوضوءِ، فإنه إذا كان الشخص متوَضِئاً ثم ارتدَّ ثم رَجَعَ إلى الإسلام قبلَ أنْ يحصُلَ  ما يَنْقُضُ الوضوءَ فَوضُوؤهُ يبقى، وذلك أنَّ التيَمُّمَ طهارةٌ ضعيفةٌ بخلاف الوضوء.
ويَبْطُلُ بِهَا نكاحُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ.
الشرح: أنه إذا ارتد أحدُ الزوجين قبلَ الدخول (اي مجامعتها) بَطَلَ العقدُ حالاً، فلو رَجَعَ المرتد منهما فوراً إلى الإسلامِ وأَرَادَا الرجوعَ إلى بعضِهِمَا فلا بد مِنْ عَقْدٍ جَدِيد.


  وكذا بَعْدَهُ إِنْ لَمْ يَعُدْ إِلَى الإِسلامِ فِى العِدَّة.
الشرح: أنه إذا ارتدَّ أحدُ الزوجين بعد الدخول ثم مضَت العِدة ولم يَرْجِع الذى ارتدَّ إلى الإسلام بَطَلَ العقدُ بينَهُمَا، وأما قبل الدخولِ فلا عِدَّةَ عليها. أما إن رَجَعَ الذى ارتد منهما إلى الإسلام فى خلالِ العِدة فيعود حلّ العلاقة بينهما من غير حاجة إلى عقد جديد.
  ولا يَصِحُّ عَقْدُ نِكَاحِهِ عَلَى مُسْلِمَةٍ وغيرِهَا.
الشرح: أن المرتدلا يجوز أن يتزوجَ من مسلمةٍ ولا من غيرِها، وذلك لأنَّ اللهَ حَرَّمَ على المسلِمَةِ الزِّواجَ من كافر، والمرتدُّ كافرٌ.
  وَتَحْرُمُ ذَبِيحَتُهُ.
الشرح: أن ذبيحة المرتد تكون مَيْتَةً ، ولو كان ارتدَّ عن الإسلام إلى النصرانية أو إلى اليهودية ، لأنَّه لا يُعَدُّ بذلك من النصارى واليهود الأصلِيين الذين يَحِلُّ لَنَا أَكْلُ ذبائِحِهِم.
  ولا يَرِثُ ولاَ يُوْرَثُ.
الشرح: أن المرتدَ إذا مات لا يَرِثُهُ أقارِبُهُ المسلمون، ولا غيرُ المسلمين. ولا يجوزُ أنْ يَرِثَ هو من غيرِه لا من مسلم ولا من كافر.
ولا يُصَلَّى عليهِ ولا يُغَسَّلُ ولا يُكَفَّنُ ولا يُدْفَنُ فى مقابر المسلمين.
الشرح: أن المرتدَ إذا مات لا يجوز أن يُصَلَّى عليهِ، وذلك لأنَّه كافر ولا يجوز أن يُصَلَّى على كافرٍ. ولا يَجِبُ تَغْسِيلُهُ، ولا تكفينُه، ولا يجوزُ أن يدفنَ فى مقابر المسلمين، لأن هذه المقابر وُقِفَت لدفنِ مَوتَى المسلمينَ وهو ليس منهم.
مسئلة: لو ماتت زوجة المسلم الكافرة وهى حامل فمات الجنين فى بطنها لم يجز دفنها فى مقابر المسلمين لكفرها ولا دفنها فى مقابر الكفار لأجل الجنين الذى فى بطنها إنما تدفن فى مكان لا هو من مقابر المسلمين ولا من مقابر الكفار ويُوَجّهُ ظهرها إلى القبلة حتى يكون صدر الجنين متوجهاً إلى القبلة.
  ومالُهُ فَىءٌ.
الشرح: أن المرتدَ إذا مات يكونُ مالُه فيئاً يُصرَفُ فى مصالح المسلمين، ولا يرثه أقارِبُهُ إنما يُسْتَعْمَلُ فِى بناءِ مسجد أو مدرسةٍ شرعية أو يُوَزَّعُ على الفقراء أو نحوِ ذلك.


يجبُ على كُلِّ مكلَّفٍ أَداءُ جميعِ ما أوجَبَهُ اللهُ عليهِ. ويجبُ عليه أنْ يُؤَدِّيَهُ على مَا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ مِنَ الإِتْيَانِ بأَرْكانِهِ وشروطِهِ ويجتَنِبَ مُبْطِلاَتِهِ.
الشرح: أنه يجبُ تأْدِيَةُ الفرائضِ التِى فَرَضَهَا اللهُ تبارك وتعالى، يعنى معَ تطبيقِ الأركان والشروط، ولا يكفى مجردُ القيامِ بصُوَرِ الأعمال مع الإخلالِ ببعضِ الشروطِ أو الأركان. ويجبُ أنْ يجتَنِبَ الشخصُ مبطلاتِ هذه الواجبات، وإلا يكونُ داخِلاً تحتَ حديثِ رسولِ اللهِ: “رُبَّ قائِمٍ حَظُّهُ من قيامِهِ السَّهَر ورُبَّ صَائِمٍ حظُّهُ من صيامِه الجوعُ والعَطَش “. رواه ابنُ حبان. يُعْلَم من ذلك أَهَميةُ تَعَلُّمِ عِلمِ الدّين،لأنَّ مَنْ لم يتعلم الكفاية من هذا العلم كيف يعرف ما هى الشروط وما هى الأركان وما هى المبطلات حتى يؤدّىَ الشروطَ والأركان ويجتنب المبطلات؟
ويجبُ عليه أَمْرُ مَنْ رَءَاهُ تَارِكَ شىءٍ منها أو يأتى بها على غير وَجْهِهَا بالإتيانِ بِهَا على وَجْهِهَا.
الشرح: أَنَّ الشخصَ إذا عَرَفَ مِنْ إنسانٍ أنَّه تَرَكَ فرضاً من فرائض الله تبارك وتعالى يجب عليه أن يأمُرَه بأداء هذا الفرض. أو إنْ عَرَفَ أنه يأتى به على غيرِ وجهِه الذى يَصِحُّ بِهِ يجب عليه أن يأمره بالإتيان به على الوجه الذى يصح به. هذا إذا كان الشخص يُخِلُّ بفرضٍ مجمَعٍ على فرضيتهِ أو يترك شرطاً مجمعاً عليه. وإلا إذا كان الشخصُ لا يأتى بهذا الفرض أو الشرطِ لكونِه يَتْبَعُ إماماً لا يرى أنَّ هذا الأمر واجب فهُنَا لا يجبُ على الشخصِ أَنْ يأمُرَهُ بِفِعْلِهِ. مثالُ ذلك أنّ مَسْحَ كلِّ الرأس فرضٌ فى الوضوء عند المالكية على قول، وأما عند الشافعِىّ فيكفى مسحُ جُزءٍ منه. فإذا إنسانٌ مالكىّ رأى شخصاً يتوضأ ويمسحُ بعضَ رأسِه فى الوضوء لا ينبغى أن يَتَسَرَّعَ بالإنكارِ على هذا الشخص، إلا إذا كان هذا الشخصُ الثانِى يعتقد أَنَّ مِن فرائض الوضوء مسحَ كلِّ الرأس كأن كان مالكياً أو يَتْبَعُ مذهباً من المذاهب التى توجب ذلك، فعندئذٍ يُنْكِرُ عليه.
ويجبُ عليه قَهْرُهُ على ذلك إِنْ قَدَرَ عَلَيهِ.
الشرح: أنَّ مَنْ عَلِمَ أنَّ إنساناً لا يؤدِى هذه الفرائض مثلاً، أو يأتى بها على غير وجهها، وكان لا يَمْتَثِلُ إلا بالقهر يجبُ عليه أن يقهَرَهُ إن كان قادراً على ذلك.
وإلا وَجَبَ عليه الإنكارُ بقلبِهِ إنْ عَجَزَ عن القَهْرِ والأمرِ وذلك أَضْعَفُ الإيمانِ أى أَقَلُّ ما يلزَمُ الإنسانَ عندَ العَجْزِ.
الشرح: أنَّ مَنْ عَلِمَ بمنكر وكان يستطيعُ أنْ يُغَيّـِرَ هذا المنكر بلسانه عليه أن يفعل. كأن كان يعرف أنه إذا نصحَ هذا الإنسان الذى يأتـى هذا المنكر يَرْتَدِعُ هذا الإنسان. هنا يجبُ عليهِ ذلك. فإنْ كان فاعل المنكر لا يستَمِعُ للنصيحة وكان الشخصُ قادِراً على قهرِهِ يجبُ عليه ذلك، يَقْهَرُهُ حتى يترُك المنكر الذى يفعَلُهُ، وهذا لحديثِ رسولِ اللهِ: “مَنْ رأى مِنْكُم مُنْكَرًا -يعنى من عَلِمَ منكم بمنكر- فَليُغَيّرْهُ بيدِه فإنْ لم يستَطِع فبلسانه فإن لم يستَطِعْ فبقلبِهِ وذلك أضعفُ الإيمان”، رواه البخارى. فمَنْ عَرَفَ بمنكر فَغَيَّرَهُ بيدِه فهو سالم، فإِنْ عَجَزَ تَكَلَّمَ بلسانِهِ، إما يُكَلّـِمُ من يفعل المنكر أو إن كان لا يقبلُ منه يكلمُ إنساناً يعرف أنه يقبلُ منه لِيُكَلّـِمَهُ، فإنْ فعَلَ ذلك فهو سالم. فإن عجز عن الأمرين القهرِ والأمرِ يجبُ أن يُنكرَ بقلبِهِ، فإن فعل ذلك فهو سالم. أما إذا لم يُنكر بقلبِهِ عند العجز عن القهر والأمر فهو ءاثِم. وما ذكرناه عن القهرِ والأمر مُقَـيَّدٌ بأن لا يكونَ هذا القهرُ أو الأمرُ يؤدِى إلى منكرٍ أعظمَ وإلا حَرُمَ. لأنَّ مِنْ شَرْطِ إنكارِ المنكر باليدِ أو باللسان أن لا يؤدِّىَ ذلك إلى منكرٍ أعظم.  
ويجبُ تركُ جميعِ المحرماتِ ونهىُ مرتَكِبِهَا ومنعُهُ قَهْرًا منها إن قَدَرَ عليه وإلا وَجَبَ عليه أَن يُنْكِرَ ذلكَ بقَلْبِهِ. والحرام ما توعَّد الله مرتكبه بالعقاب ووعد تاركه بالثواب وعكسه الواجب.
الشرح: أنه يتبيّن مِنْ كُلِّ ما تقدم شدةُ أهمية تعليمِ الناسِ العلمَ الشرعىَّ الصحيح ولا سيما علم العقيدة، وأهميةِ النهى عن المنكر ولا سيما النهىِ عن الكفر، فإنه إذا كان يجبُ نهىُ شاربِ الخمرِ عن معصيته ونهىُ السارقِ عن السرقة ونهىُ الكاذِبِ عن الكذب فكيف بالذى يقعُ فى الردة؟! لا شك أَنّهُ واجب عظيمٌ أنْ ينهَاهُ الإنسانُ عن هذا الكفر وأن يأمرَهُ بالرجوع إلى الإسلام. ويكفى فى بيان فضل هذا الأمر حديث رسول الله: “مَنْ أَحْيَى سُنَّتِى عندَ فَسَادِ أُمَّتِى كَانَ لَهُ أَجْرُ شَهِيد” رواه البيهقىّ . وأجر الشهيد هو الجنة من غيرِ عذاب. فهذا الحديثُ يُستَدَلُّ منه على أنَّ الذى تَعَلَّم العقيدةَ  والأحكام الصحيحة وعلَّمها للناس فى هذه الأيام يدخُلُ الجنةَ إن شاء الله مِنْ غيرِ عذاب، ولو كانت له زَلاَّتٌ. فلا ينبغى للشخصِ أن يَنْزَوِىَ ويترُكَ الأمرَ بالمعروف والنهىَ عن المنكر لا سيما إذا نشط أهلُ البِدَع فى نَشْرِ بِدَعِهِم بين المسلمين كما الحال الآن. فى الزَّمَنِ الماضِى فى ناحيةٍ من نواحى المسلمين اشتدت شوكَةُ أَهْلِ البِدَع، حتى إنّ بَعضَ العلماء من شدة ما تضايقوا منهم تركوا البَلَد الذى كانوا فيه وانفردوا فى الجبال هرباً من مضايقاتِهِم، فصار أبو إسحَق الأسْفَرَايِـنِى يَلْحَق هؤلاء العلماءَ إلى الجبال ويقول لهم: “يا أَكَلَةَ الحشيش؟ تتركون دينَ محمد للذئاب؟” معناه أنتم خير لكم أن تنكروا هذه البدعَ بدلاً من عُزلتكم في الجبال، لِمَ لَمْ تثبتوا بين الناس حتى تدافعوا عن الدين؟ وذلك لأن إنكارَ المنكر باللسانِ معَ القدرَةِ واجب. فنسألُ اللهَ تعالى أَنْ يجعلنا من هؤلاء، وأن يجعَلَنَا من الذين يَحْرِصون على تعليم عقيدةِ أهل السنة ونشرِها فى الليلِ والنهار، وأن يرزقَنَا أَجْرَ الشهداء، ولو مِتْـنَا على الفراش. والله أعلم