- الإمام مالك رضي الله عنه
- أبو حنيفة رضي الله عنه عن الاستواء
- إمامنا الشافعي رضي الله عنه لما سئل عن الاستواء
- سئل الإمام أحمد رضي الله عنه عن الاستواء
- لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي
- 1-معنى الكيف، والكيفية في لغة العرب
- 2-نفي الكيف و الكيفية عن الله تعالى من كلام السلف
- ملاحظة: ابن حجر نفى وصف الله بالكيف في فتح الباري و نقل ذلك عن السلف،
- 3- بيان ان الامام مالك لم يقل : الكيف مجهول
- لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي
الإمام مالك رضي الله عنه
ثبت عن الإمام مالك رضي الله عنه ما رواه الحافظ البيهقي في كتابه (( الأسماء والصفات ))(ص 408 ) ، بإسناد جيد كما قال الحافظ في (( الفتح )) (ج13/406-407) من طريق عبد الله بن وهب قال : كنا عند مالك بن أنس فدخل رجل فقال : يا أبا عبد الله الرحمن على العرش استوى كيف استواؤه؟ قال: فأطرق مالك وأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال : الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه ولا يقال كيف وكيف عنه مرفوع وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه ، قال : فأخرج الرجل “اهـ
فقول الإمام مالك : (( وكيف عنه مرفوع )) أي ليس استواؤه على العرش كيفًا أي هيئة كاستواء المخلوقين من جلوس ونحوه . وقوله :” أنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه”، وذلك لأن الرجل سأله بقوله كيف استواؤه ، ولو كان الذي حصل مجرد سؤال عن معنى هذه الآية مع اعتقاد أنها لا تؤخذ على ظاهرها ما كان اعترض عليه .
وروى الحافظ البيهقي في الأسماء والصفات (ص 408) من طريق يحيى بن يحيى قال :((” كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال : يا أبا عبد الله الرحمن على العرش استوى فكيف استوى ؟ قال : فأطرق مالك رأسه حتى علاه الرحضاء ثم قال :الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أراك إلا مبتدعا فأمر به أن يخرج” ، قال البيهقي : وروي في ذلك أيضا عن ربيعة بن عبد الرحمن أستاذ مالك بن أنس رضي الله عنهما )) ا هـ .
قال المحدث الشيخ سلامة العَزَّامي الشَّافعي–1 من علماء الأزهر – (فرقان القرءان بين صفات الخالق وصفات الأكوان ص 22): ” قول مالك عن هذا الرجل (( صاحب بدعة )) لأن سؤاله عن كيفية الاستواء يدل على أنه فهم الاستواء على معناه الظاهر الحسي الذي هو من قبيل تمكن جسم على جسم واستقراره عليه وإنما شك في كيفية هذا الاستقرار. فسأل عنها وهذا هو التشبيه بعينه الذي أشار إليه الإمام بالبدعة ” ا هـ.
قلنا : وهذا فيمن سأل كيف استوى فما بالكم بالذي فسره بالجلوس والقعود والاستقرار؟
ثم إن الإمام مالكا عالم المدينة وإمام دار الهجرة نجم العلماء أمير المؤمنين في الحديث رضي الله عنه ينفي عن الله الجهة كسائر أئمة الهدى ، فقد ذكر الإمام العلامة قاضي قضاة الإسكندرية ناصر الدين بن المنير المالكي من أهل القرن السابع الفقيه المفسر النحوي الأصولي الخطيب الأديب البارع في علوم كثيرة في كتابه (( المقتفى في شرف المصطفى)) لما تكلم عن الجهة وقرر نفيها ، قال : ولهذا المعنى أشار مالك رحمه الله في قوله صلى الله عليه وسلم : ” لا تفضلوني على يونس بن متى” ( رواه البخاري)، فقال مالك: إنما خص يونس للتنبيه على التنـزيه لأنه صلى الله عليه وسلم رُفع إلى العرش ويونس عليه السلام هُبط على قابوس البحر ونسبتهما مع ذلك من حيث الجهة إلى الحق جل جلاله نسبة واحدة ، ولو كان الفضل بالمكان لكان عليه الصلاة والسلام أقرب من يونس بن متى وأفضل مكانا ولما نهى عن ذلك”اهـ ، ثم أخذ الفقيه ناصر الدين يبين أن الفضل بالمكانة لا بالمكان )) ا هـ.
ونقل ذلك عنه أيضا الإمام الحافظ تقي الدين السبكي الشافعي في كتابه (( السيف الصقيل )) (ص 137) والإمام الحافظ محمد مرتضى الزبيدي الحنفي في (( إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين )) (ج2/105) وغيرهما .
وأما ما يرويه سُرَيْجُ بنُ النُّعْمَانِ عن عبد الله بن نافع عن مالك أنه كان يقول :” الله في السماء وعلمه في كل مكان” ، فغير ثابت . قال الإمام أحمد : عبد الله بن نافع الصائغ لم يكن صاحب حديث وكان ضعيفا فيه .قال ابن عدي: يروي غرائب عن مالك ، وقال برهان الدين إبراهيم بن فرحون المدني المالكي (ت ٧٩٩ هـ / ١٣٩٧ م) : كان أصم أميا لا يكتب . وراجع ترجمة سريج وابن نافع في كتب الضعفاء، وبمثل هذا السند لا ينسب إلى مثل مالك مثل هذا .
Ibn Farhoun ابن فرحون 2
فبان مما ذكرناه أن ما تنسبه المشبهة للإمام مالك تقوٌّلٌ عليه بما لم يقُل .
أبو حنيفة رضي الله عنه عن الاستواء
قد ورد قرءانًا وصف الله بأنه مستوٍ على العرش، فيجب الإيمان بذلك بلا كيف، فليس بمعنى الجلوس أو الاستقرار أو المحاذاة للعرش، لأن ذلك كَيْفٌ، والله منـزه عن الاستواء بالكيف، لأنه من صفات الأجسام، بل نقول: استوى على العرش استواء يليق به هو أعلم بذلك الاستواء، وهذا موافق ومنسجم مع الآية المحكمة : }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ {
*وسئل الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه عن الاستواء فقال : (( من قال لا أعرف الله أفي السماء هو أم في الأرض فقد كفر )) (الفقه الأبسط ص 49)، لأن هذا القول يوهم أن للحق مكانا ومن توهم أن للحق مكانا فهو مشبه . وهذا القول ثابت عن الإمام أبي حنيفة نقله من لا يحصى كالإمام ابن عبد السلام في حل الرموز ومفاتيح الكنوز والإمام تقي الدين الحصني في (( دفع شبه من شبه وتمرد )) (ص 18) والإمام أحمد الرفاعي في (( البرهان المؤيد )) (ص 24) وغيرهم .
Hall Al Rumuz
وأما ما قاله المجسم ابن القيم في نونيته :
كذلك قال النعمان وبعده يعقوب والألفاظ للنعمان
من لم يقر بعرشه سبحانه فوق السماء وفوق كل مكان
ويقر أن الله فوق العرش لا يخفى عليه هواجس الأذهان
فهو الذي لا شك في تكفيره لله درك من إمام زمان
هو الذي في الفقه الأكبر عندهم وله شروح عدة لبيان
نقول : إن هذا المجسم يريد أن يروج بدعته هذه بالكذب على الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه . وهذا الفقه الأكبر بين أيدينا فليراجعه من شاء، وغير غريب أن يكذب هذا الرجل فإنه مبتدع داعية إلى بدعته غال فيها كل الغلو وكل مبتدع هذا شأنه لا يتوقى الكذب لينصر بدعته ، فهذا (( الفقه الأكبر)) (ص 30 – 31) فيه : (( والله واحد لا من طريق العدد ولكن من طريق أنه لا شريك له لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد لا يشبه شيئا من الأشياء من خلقه ولا يشبهه شئ من خلقه )) وفيه أيضا (ص 136-137): (( ويراه المؤمنون وهم في الجنة بأعين رؤوسهم بلا تشبيه ولا كيفية ولا كمية ولا يكون بينه وبين خلقه مسافة )) ، وفي ” الوصية” للإمام (انظر شرح الفقه الأكبر ص 138) : (( لقاء الله تعالى لأهل الجنة حق بلا كيفية ولا تشبيه ولا جهة )) ، وفي (( الوصية )) (انظر شرح الفقه الأكبر ص 70) : ((نقر بأن الله على العرش استوى من غير أن يكون له حاجة إليه واستقرار عليه وهو الحافظ للعرش وغير العرش من غير احتياج ، فلو كان محتاجا لما قدر على إيجاد العالم وتدبيره كالمخلوق ولو كان محتاجا إلى الجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان الله تعالى ! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا” اهـ.
وفي (( الفقه الأبسط ))(ص 57) :” كان الله ولا مكان كان قبل أن يخلق الخلق كان ولم يكن أين ولا خلق ولا شئ وهو خالق كل شئ”اهـ
وقال أيضا : (( فمن قال لا أعرف ربي أفي السماء هو أم في الأرض فهو كافر ، كذلك من قال إنه على العرش ولا أدري العرش أفي السماء أم في الأرض)) اهـ.
وإنما كفر الإمام قائل هاتين العبارتين لأنه جعل الله مختصا بجهة وحيز وكل ما هو مختص بالجهة والتحيز فإنه محتاج محدث بالضرورة أي بلا شك، وليس مراده كما زعم المشبهة إثبات أن السماء والعرش مكان لله تعالى، بدليل كلامه السابق الصريح في نفي الجهة عن الله – وقد نقلنا ذلك-، ومن ذلك قوله : ((ولو كان محتاجا إلى الجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان !)). ففي هذه إشارة من الإمام رضي الله عنه إلى إكفار من أطلق التشبيه والتحيز على الله كما قال العلامة البياضي الحنفي في (( إشارات المرام )) (ص 200) والشيخ الكوثري في ((تكملته )) (ص 180) وغيرهما .
وفي (( شرح الفقه الأكبر )) (ص 197-198) لملا علي القاري : (( وما روي عن أبي مطيع البلخي أنه سأل أبا حنيفة رحمه الله عمن قال لا أعرف ربي في السماء هو أم في الأرض ، فقال: قد كفر لأن الله تعالى يقول : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [سورة طه ] ، وعرشه فوق سبع سمواته ، قلت : فإن قال إنه على العرش ولا أدري العرش أفي السماء أم في الأرض !، قال : هو كافر لأنه أنكر كونه في السماء فمن أنكر كونه في السماء فقد كفر لأن الله تعالى في أعلى عليين وهو يدعى من أعلى لا من أسفل )) اهـ.
والجواب أنه ذكر الشيخ الإمام ابن عبد السلام في كتابه (( حل الرموز)) أن الإمام أبا حنيفة قال : (( من قال لا أعرف الله تعالى في السماء هو أم في الأرض كفر لأن هذا القول بوهم أن للحق مكانا ومن توهم أن للحق مكانا فهو مشبه )) اهـ ولا شك أن ابن عبد السلام من أجل العلماء وأوثقهم فيجب الاعتماد على نقله لا على ما نقله الشارح شارح عقيدة الطحاوي ، مع أن أبا مطيع رجل وضاع عند أهل الحديث كما صرح به غير واحد)) انتهى كلام ملا علي القاري .
أَبُو مُطِيع الْبَلْخِي صَاحب الإِمَام الحكم بن عبد الله بن مسلمة ابْن عبد الرَّحْمَن القَاضِي الْفَقِيه رَاوِي كتاب الْفِقْه الْأَكْبَر عَن الإِمَام أبي حنيفَة وروى عَن ابْن عون وَهِشَام بن حسان وَمَالك بن أنس وَإِبْرَاهِيم بن طهْمَان روى عَنهُ أَحْمد بن منيع
قال الشيخ مصطفى أبو سيف الحمّامي في كتابه (( غوث العباد ببيان الرشاد )) ( ص 341-342) بعد أن نقل كلام ملا علي القاري : ومن هذا الكلام يعلم أمور منها
الأمر الأول: أن تلك المقالة ليست في (( الفقه الأكبر)) ، وإنما نقلها عن أبي حنيفة رحمة الله عليه ناقل فيكون إسنادها إلى الفقه الأكبر كذبا يراد به ترويج البدعة.
الأمر الثاني: أن هذا الناقل مطعون فيه بأنه وضاع لا يحل الاعتماد عليه في نقل يبنى عليه حكم فرعي فضلا عن أصلي فالاعتماد عليه وحاله ماذكر خيانة يريد الرجل بها أن يروج بدعته .
الأمر الثالث : أن هذا النقل صرح به إمام ثقة هو ابن عبد السلام بما يكذبه عن أبي حنيفة رحمة الله عليه بالنقل الذي نقله عن هذا الإمام الأعظم رضي الله عنه، فاعتماد الكذاب وإغفال الثقة خيانة يراد به تأييد بدعته وهي جرائم تكفي واحدة منها فقط لأن تسقط الرجل من عداد العدول العاديين لا أقول من عداد العلماء أو أكابر العلماء أو الأئمة المجتهدين ، ويعظم الأمر إذا علمنا أن الخيانات الثلاث في نقل واحد وهو مما يرغم الناظر في كلام هذا الرجل على أن لا يثق بنقل واحد ينقله فإنه لا فرق بين نقل ونقل ، فإذا ثبت خيانته في هذا جاز أن تثبت في غيره وغيره )) انتهى كلام الحمامي .
ولهذا قال الشيخ العلامة الفقيه أبو المحاسن محمد القاوقجي الطرابلسي الحنفي [1305هـ] في كتابه الاعتماد في الاعتقاد ما نصه: «ولا يقال لا يعلم مكانه إلا هو، ومن قال لا أعرف الله في السماء أم في الأرض كفر، لأنه جعل أحدهما له مكانا. فإن قال لك: ما دليلك على ذلك؟ فقل لأنه لو كان له جهة أو هو في جهة لكان متحيزا، وكل متحيز حادث (مخلوق)، والحدوث عليه محال»اهـ.
وقال ملا علي القاري في “شرح الفقه الأكبر” :” فمن أظلم ممن كذب على الله أو ادعى ادعاء معينًا مشتملاً على إثبات المكان والهيئة والجهة من مقابلة وثبوت مسافة وأمثال تلك الحالة، فيصير كافرًا لا محالة.اهـ
وقال:” البدعة لا تزيل الإيمان والمعرفة”. ثم استثنى منها فقال: إلا التجسيم وإنكار علم الله سبحانه بالجزئيات فإنه يكفر بهما بالإجماع من غير نزاع. اهـ
وقال ملا عليّ القاري في شرحه على الفقه الأكبر”: ثم قال القونوي: وفي قوله “بذنب” إشارة إلى تكفيره بفساد اعتقاده كفساد اعتقاد المجسمة والمشبهة والقدرية ونحوهم.اهـ
وقال ملا علي القاري ما نصه: نعم من اعتقد أن الله لا يعلم الأشياء قبل حصولها فهو كافر وإن عد قائله من أهل البدع، وكذا من قال بأنه سبحانه جسم وله مكان ويمر عليه زمان ونحو ذلك فإنه كافر حيث لم تثبت له حقيقة الإيمان.اهـ
وأما ما نسبه المجسم ابن القيم إلى يعقوب وهو الإمام أبو يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنهما ، قال الشيخ مصطفى الحمامي – من علماء الأزهر – (ص 342) : (( لا شك أنه كذب يروج به هذا الرجل بدعته )) ا هـ
وكذا قال الكوثري في (( تكملته ))(ص 108) .
فبهذا ينتسف ما قاله المجسم ابن القيم
وكذلك ما تنسبه الوهابية إلى أبي حنيفة أنه قال : (( الله في السماء )) فغير ثابت ففي سنده أبو محمد بن حيان ونعيم بن حماد (انظر تهذيب التهذيب ج10/409)) ونوح بن أبي مريم أبو عصمة (انظر تهذيب التهذيب ج10/433)، فالأول ضعفه بلديُّه الحافظ العسال . ونعيم بن حماد مجسم. وكذا زوج أمه نوح ربيب مقاتل بن سليمان شيخ المجسمة . فنوح أفسده زوج أمه ونعيم أفسده زوج أمه ، وقد ذكره كثير من أئمة أصول الدين في عداد المجسمة ، فأين التعويل على رواية مجسم فيما يحتج به لمذهبه ؟!، قال الحافظ ابن الجوزي في (( دفع شبه التشبيه)) (الباز الأشهب ص 69-70) عن نعيم بن حماد : ” قال ابن عدي (الكامل في الضعفاء ج 7/16 ) : كان يضع الأحاديث وسئل عنه الإمام أحمد فأعرض بوجهه عنه وقال : حديث منكر مجهول ” ا هـ.
نوح بن أبي مَرْيَم أَبُو عصمَة وَاسم أبي مَرْيَم يزِيد بن جَعونَة يروي عَن الزُّهْرِيّ وَمُقَاتِل بن حَيَّان قَالَ احْمَد يروي مَنَاكِير وَقَالَ يحيى لَيْسَ بِشَيْء وَلَا يكْتب حَدِيثه وَقَالَ ابْن حَمَّاد يروي مَنَاكِير وَقَالَ ابْن حَمَّاد وَمُسلم بن الْحجَّاج والرازي والدراقطني مَتْرُوك وَقَالَ ابْن حبَان كَانَ يقلب الْأَسَانِيد ويروي عَن الثِّقَات مَا لَيْسَ من احاديث الْأَثْبَات لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ بِحَال وَذكر أَبُو عبد الله الْحَاكِم أَن نوحًا وضع حَدِيث فَضَائِل الْقُرْآن
العَسَّالُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الأَصْبَهَانِيُّ
ابْنِ سُلَيْمَانَ بنِ مُحَمَّدٍ القَاضِي، أَبُو أَحْمَدَ
الأَصْبَهَانِيُّ، الحَافِظُ، المَعْرُوفُ بِالعَسَّالِ، صَاحِبُ المُصَنَّفَاتِ.رَأَيْتُ لَهُ تَرْجَمَةً مُفْرَدَةً فِي جُزْءٍ لِلْحَافِظِ أَبِي مُوْسَى، قَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ المَقْدِسِيُّ.
فإن قالت الوهابية : ذكره الذهبي نقلا عن البيهقي في (( الأسماء والصفات)).
قلنا : رواه البيهقي في (( الأسماء والصفات )) (ص 429) وقال : (( إن صحت الحكاية ))، فهذا يدل على عدم أمانة الذهبي في النقل حيث أغفل هذا القيد ليوهم القارئ أن القول بأن الله في السماء كلام إمام مثل أبي حنيفة .
قال الشيخ الكوثري في تكملته (ص 180) : ((وقد أشار البيهقي بقوله : (( إن صحت الحكاية)) إلى ما في الرواية من وجوه الخلل )) ا هـ.
على أن الإمام البيهقي ذكر في (( الأسماء والصفات )) في كثير من المواضع أن الله منـزه عن المكان والحد ومن ذلك قوله (ص 400) :
(( واستدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه – تعالى – بقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( أنت الظاهر فليس فوقك شئ وأنت الباطن فليس دونك شئ )) (رواه مسلم) وإذا لم يكن فوقه شئ ولا دونه شئ لم يكن في مكان )) ا هـ.
وقوله (ص 415) : (( وما تفرد به الكلبي وأمثاله يوجب الحد والحد يوجب الحدث لحاجة الحد إلى حاد خصه به والبارئ قديم لم يزل ))ا هـ.
878 – أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن إبراهيم بن مهران المزكي ، ثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن حامد العطار ، أخبرني أبو عبد الله الراوساني ، قال : سمعت محمد بن إسماعيل البخاري ، يقول : محمد بن مروان الكوفي صاحب الكلبي سكتوا عنه ، لا يكتب حديثه البتة قلت : وكيف يجوز أن يكون مثل هذه الأقاويل صحيحة عن ابن عباس رضي الله عنهما ، ثم لا يرويها ولا يعرفها أحد من أصحابه الثقات الأثبات ، مع شدة الحاجة إلى معرفتها ، وما تفرد به الكلبي وأمثاله يوجب الحد ، والحد يوجب الحدث لحاجة الحد إلى حاد خصه به ، والباري قديم لم يزل
وقوله (ص 448-449) : ((وانّ الله تعالى لا مكان له )) ، ثم قال : (( فإن الحركة والسكون والاستقرار من صفات الأجسام والله تعالى أحد صمد ليس كمثله شئ )) اهـ.
فوضح بعد هذا البيان الشافي أن دعوى إثبات المكان لله تعالى أخذا من كلام أبي حنيفة رضي الله عنه افتراء عليه وتقويل له بما لم يقل .
إمامنا الشافعي رضي الله عنه لما سئل عن الاستواء
*وقال إمامنا الشافعي رضي الله عنه لما سئل عن الاستواء : (( ءامنت بلا تشبيه وصدقت بلا تمثيل واتهمت نفسي في الإدراك وأمسكت عن الخوض فيه كل الإمساك ))اهـ
ذكره الإمام أحمد الرفاعي في (( البرهان المؤيد)) (ص 24) والإمام تقي الدين الحصني في ((دفع شبه من شبه وتمرد )) (ص 18) وغيرهما كثير ، وقال أيضا : (( ءامنت بما جاء عن الله على مراد الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله )). ذكره الإمام المحدث عبد الله الهرري في كتابه (( الصراط المستقيم ))(50) والإمام الحصني في (( دفع شبه من شبه وتمرد)) (ص 56) والشيخ سلامة العزامي وغيرهم ، ومعناه لا على ما قد تذهب إليه الأوهام والظنون من المعاني الحسية والجسمية التي لا تجوز في حق الله تعالى.
ولما سئل عن صفات الله تعالى قال : (( حرام على العقول أن تمثل الله تعالى وعلى الأوهام أن تحد وعلى الظنون أن تقطع وعلى النفوس أن تفكر وعلى الضمائر أن تعمق وعلى الخواطر أن تحيط إلا ما وصف به نفسه – أي الله – على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم )). اهـ
ذكره الشيخ ابن جهبل في رسالته(انظر طبقات الشافعية الكبرى ج 9/40 ) في نفي الجهة عن الله التي رد فيها على المجسم ابن تيمية.
وقــــال الإمـــــام المجتهد محمد بن إدريــــس الشـــــافعي رضي الله عنه ما نصه: “إنه تعالى كــــان ولا مكان فخلق المكان وهو على صفة الأزلية كما كــــــان قبل خلقــــــه المكــــــانَ لا يجوز عليه التغييرُ في ذاته ولا التبديل في صفاته” اهـ. كما نقله عنه الزبيدي فـي كتابه (إتحاف السادة المتقين ج 2/24)
وقال الشافعي رضي الله عنه أيضا جامعا جميع ما قيل في التوحيد : (( من انتهض لمعرفة مدبره فانتهى إلى موجود ينتهي إليه فكره فهو مشبه وإن اطمأن إلى العدم الصرف فهو معطل وإن اطمأن لموجود واعترف بالعجز عن إدراكه فهو موحد)) (انظر شرح الفقه الأكبر ص 152 ).
قلنا : ما أدقها من عبارة وما أوسع معناها شفى فيها صدور قوم مؤمنين فرضي الله عنه وجزاه عنا وعن الإسلام خيرا وقد أخذها من قوله تعالى : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ } [سورة الشورى] ، ومن قوله عز وجل : { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ } [سورة النحل] . ومن قوله تعالى :{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } [سورة مريم] ،ومن قوله تعالى : {أَفِي اللّهِ شَكٌّ} [سورة إبراهيم] . وكل هذا يدل على أن الإمام الشافعي رضي الله عنه على تنـزيه الله عما يخطر في الأذهان من معاني الجسمية وصفاتها كالجلوس والتحيز في جهة وفي مكان والحركة والسكون ونحو ذلك، نعم فقد روى السيوطي ( الأشباه والنظائر ص 598 ) وغيره أن الإمام الشافعي قال : (( المجسم كافر )) .
قال الشيخ الإمام المتكلم ابن المعلم القرشي في كتابه (( نجم المهتدي ))(ق/287 مخطوط) ما نصه : (( نقلا عن الشيخ الإمام أقضى القضاة نجم الدين في كتابه المسمى (( كفاية النبيه في شرح التنبيه )) في قول الشيخ أبي إسحاق رضي الله عنه في باب صفة الأئمة :ولا تجوز الصلاة خلف كافر لأنه لا صلاة له فكيف يقتدى به )). قال : (( وهذا يفهم من كفره مجمع عليه ومن كفرنا من أهل القبلة كالقائلين بخلق القرءان وبأنه لا يعلم المعدومات قبل وجودها ومن لم يؤمن بالقدر وكذا من يعتقد أن الله جالس على العرش كما حكاه القاضي حسين هنا عن نص الشافعي رضي الله عنه )) اهـ
أحمد بن محمد بن علي الأنصاري، أبو العباس، نجم الدين، المعروف بابن الرفعة (ت ٧١٠هـ)
القاضي حسين ابن محمد بن أحمد العلامة شيخ الشافعية بخراسان أبو علي المَرُّوْذِيُّ. وَيُقَالُ لَهُ أَيْضاً: المَرْوَرُّوْذِيّ الشَّافِعِيّ.
462 هـ (1069م
أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ المُطَّلِبِيّ القُرَشِيّ . (150 هـ – 204 هـ / 767م – 820م) هو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي
وأما ما ترويه المشبهة عن الشافعي مما هو خلاف العقيدة السنية ففي سنده أمثال العشارى وابن كادش . أما ابن كادش فهو أبو العز بن كادش أحمد بن عبيد الله المتوفى سنة 526هـ من أصحاب العشارى اعترف بالوضع ، راجع الميزان (ج1/118) وحكم مثله عند أهل النقد معروف . وأما العشارى فهو أبو طالب محمد بن علي العشارى المتوفى سنة 452 هـ مغفل وقد راجت عليه العقيدة المنسوبة إلى الشافعي كذبا وكل ذلك باعتراف الذهبي نفسه في الميزان (ج3/656) وغيره ، وكذا ما ينسب للشافعي
(( وصية الشافعي )) فهو رواية أبي الحسن الهكاري المعروف بوضعه كما هو معروف في كتب الجرح والتعديل (انظر ميزان الاعتدال ج3/112 و ذيل تاريخ بغداد ج18 / 173 لابن النجار) ، فليحذر تمويهات المجسمة فإن هذا دأبهم ذكر ما يوافق هواهم وإن كان كذبا وباطلا.
تقول الوهابية
قال الإمام الشافعي رحمه الله(204ه) “القول في السُّنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله , وأن محمداً رسول الله وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يَقرُب من خلقه كيف شاء وأن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء”.
ص176، وكذلك عند ابن القيم في إجتماع الجيوش وجاء فيه” روى شيخ الإسلام أبو الحسن الهكاري، والحافظ أبو محمد المقدسي بإسنادهم إلى أبي ثور وأبي شعيب كلاهما عن الإمام محمد بن إدريس الشافعي ناصر الحديث رحمه الله قال: القول في السنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الاقرار بالشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء وأن الله ينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء. وذكر سائر الاعتقاد “
فلنرى رجال هذا السند، أبي الحسن الهكاري: أحد الكذابين الوضاعين قال عنه الحافظ الذهبي في ” ميزان الاعتدال ” ج3 ص112 في ترجمته: ” قال أبو القاسم بن عساكر: لم يكن موثوقاً به، وقال ابن النجار: متهم بوضع الحديث وتركيب الأسانيد “. قال الحافظ ابن حجر في ترجمته في ” لسان الميزان ” 4/159 من الطبعة الهندية ): ” وكان الغالب على حديثه الغرائب والمنكرات، وفي حديثه أشياء موضوعة ورأيت بخط بعض أصحاب الحديث أنه كان يضع الحديث بأصبهان “، وقال ابراهيم بن محمد بن سبط ابن العجمي ابو الوفا الحلبي الطرابلسي في كتابه ” الكشف الحثيث عمن رمى بوضع الحديث الجزء الاول صفحة 184 “علي بن أحمد شيخ الإسلام أبو الحسن الهكاري قال بن النجار متهم بوضع الحديث وتركيب الأسانيد قاله الذهبي في ترجمة عبد السلام بن محمد” وهو كذاب وضاع كما ترى فهل يؤخذ بقوله نترك الحكم لكل لبيب.
أبا شعيب: زعموا أنه روى تلك العقيدة عن الشافعي فلنرى وسنجد أنه وُلِدَ بعد وفاة الشافعي بسنتين كما في تاريخ بغداد ( 9/436
أما جزء الاعتقاد المنسوب للشافعي – من رواية أبي طالب العُشاري – والذي جاء في الطبقات لابن أبي يعلى ج1 ص283، اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم ص165 فهذا جزء لا يصح سنده إلى الإمام الشافعي ومن الناس الذين نشروا هذه العقيدة الباطلة وروجوا لها مع انها لا تصح نسبها للامام الشافعى رضى الله عنه عبد العزيز بن فيصل الراجحى والذى ذكرها فى كتاب بعنوان “هدى السارى ” الى اسانيد الشيخ اسماعيل الانصارى. ولا نعلم أين عقول القوم بل في سندها ايضا ابو العز احمد بن عبيد الله ابن كادش وهو كذاب وضاع. سند هذه العقيدة الباطلة ابن كادش فهو أبو العز بن كادش أحمد بن عبيد الله المتوفى سنة 526هـ من أصحاب العشارى اعترف بالوضع قال الذهبي في الميزان (ج1/118) قال ابن النجار: كان ضعيفا في الرواية، مخلطا كذابا، لا يحتج به، وللأئمة فيه مقال. قال السمعاني: كان ابن ناصر يسيء القول فيه. وقال عبد الوهاب الأنماطي: كان مخلطا. ثم قال السمعاني: سمعت ابن ناصر يقول: سمعت إبراهيم بن سليمان يقول: سمعت أبا العز ابن كادش يقول: وضعت حديثا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقر عندي بذلك. قال عمر بن علي القرشي: سمعت أبا القاسم علي بن الحسن الحافظ يقول: قال لي ابن كادش: وضع فلان حديثا في حق علي، ووضعت أنا في حق أبي بكر حديثا، بالله أليس فعلت جيدا؟ قلت (اي الذهبي): هذا يدل على جهله، يفتخر بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك قال الحافظ في لسان الميزان 1 ص 218.)
أما العشارى فهو أبو طالب محمد بن علي العشارى المتوفى سنة 452 هـ قد راجت عليه العقيدة المنسوبة إلى الشافعي كذبا بإعتراف الذهبي نفسه ونقله الحافظ ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان. فقال الذهبي الميزان (ج3/656) محمد بن علي بن الفتح أبو طالب العشاري شيخ صدوق معروف لكن ادخلوا عليه أشياء فحدث بها بسلامة باطن منها حديث موضوع في فضل ليلة عاشوراء ومنها عقيدة للشافعي… ثم قال الذهبى بعد ذلك العتب على محدثى بغداد كيف ترك العشارى يروى هذه الأباطيل وذلك بعد ما ذكر بعض روايته الباطلة ونهي الترجمة بقولة قلت( اي الذهبي) ليس بحجة. وكذلك الحافظ في لسان الميزان 5/301 نقلاً عن الذهبي، فليحذر تمويهات المجسمة فإن هذا دأبهم ذكر ما يوافق هواهم وإن كان كذبا وباطلا وماذا بقي لهم يستدلون بأقوال كذابين ووضاعين وعقيدة مدسوسة على الإمام الشافعي فتنبه لهذا أخي فديدن القوم الكذب والتحريف… فأنظر لهذا الإمام الذي افترى عليه الوهابية وأقواله في تنزيه الله قال إمامنا الشافعي رضي الله عنه لما سئل عن الاستواء: ” ءامنت بلا تشبيه وصدقت بلا تمثيل واتهمت نفسي في الإدراك وأمسكت عن الخوض فيه كل الإمساك ” ذكره الإمام أحمد الرفاعي في ” البرهان المؤيد” (ص 24) والإمام تقي الدين الحصني في “دفع شبه من شبه وتمرد” (ص 18) وغيرهما كثير، وقال أيضا: ” ءامنت بما جاء عن الله على مراد الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله “. الإمام الحصني في ” دفع شبه من شبه وتمرد” (ص 56) والشيخ سلامة العزامي وغيرهم، ومعناه لا على ما قد تذهب إليه الأوهام والظنون من المعاني الحسية والجسمية التي لا تجوز في حق الله تعالى.
سئل الإمام أحمد رضي الله عنه عن الاستواء
*وسئل الإمام أحمد رضي الله عنه عن الاستواء فقال : (( استوى كما أخبر لا كما يخطر للبشر )) ذكره الإمام أحمد الرفاعي في (( البرهان المؤيد )) (ص 24) والإمام الحصني في (( دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك على السيد الجليل أحمد )) (ص 17) ، وغيرهما .
فانظر رحمك الله بتوفيقه إلى هذه العبارة ما أرشقها فهي اعتقاد قويم ومنهاج سليم إذ فيها تنـزيه استواء الله على العرش عما يخطر للبشر من جلوس واستقرار ومحاذاة ونحو ذلك ، أما المشبهة ففسروا الاستواء بما يخطر في أذهانهم في جلوس وقعود ونحو ذلك ، وهذا فيه دليل على تبرئة الإمام أحمد رضي الله عنه من المنتسبين إليه زورا الذين يحرفون كلمة ((استوى )) فيقولون جلس ، قعد ، استقر ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا كالمجسم ابن تيمية حيث صرح في (( مجموع الفتاوى )) (ج4/374) فقال : ((إن محمدا رسول الله يجلسه ربه على العرش معه )) ا هـ . وقال فيما رءاه الإمام أبو حيان الأندلسي بخطه:(( إن الله يجلس على الكرسي وقد أخلى مكانا يقعد فيه رسول الله )) ا هـ كما في (( النهر الماد )) (ج1/254) إلى غير ذلك من تخريفاته وتحريفاته.
والإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه من أبعد الناس عن نسبة الجسم والجهة والحد والحركة والسكون إلى الله تعالى ، فقد نقل أبو الفضل التميمي رئيس الحنابلة ببغداد وابن رئيسها في كتابه (( اعتقاد الإمام أحمد )) (ص 45) عن الإمام أحمد أنه قال : (( وأنكر – يعني أحمد- على من يقول بالجسم وقال إن الأسماء مأخوذة من الشريعة واللغة ، وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف والله تعالى خارج عن ذلك كله، فلم يجز أن يسمى جسما لخروجه عن معنى الجسمية ولم يجئ في الشريعة ذلك فبطل )) اهـ ونقله الحافظ البيهقي عنه في ((مناقب أحمد )) (ص 42). ونقل أبو الفضل التميمي في كتاب (( اعتقاد الإمام أحمد )) (ص 38 -39) عن الإمام أنه قال : (( والله تعالى لا يلحقه تغير ولا تبدل ولا تلحقه الحدود قبل خلق العرش ولا بعد خلق العرش ، وكان ينكر- الإمام أحمد – على من يقول إن الله في كل مكان بذاته لأن الأمكنة كلها محدودة )) اهـ
وبين الإمام الحافظ ابن الجوزي الحنبلي في كتابه (( دفع شبه التشبيه )) (ص 56) براءة أهل السنة عامة والإمام أحمد خاصة من مذهب المشبهة وقال: (( وكان أحمد لا يقول بالجهة للبارئ )) انتهى بحروفه .
وقال القاضي بدر الدين بن جماعة في كتابه (( إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل (ص 108) إن الإمام أحمد كان لا يقول بالجهة للبارئ تعالى ))ا هـ.
وعبارته المشهورة التي رواها عنه أبو الفضل التميمي الحنبلي ” مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك ” دليل على نصاعة عقيدته وأنه على عقيدة التنـزيه.
وقال المحدث الفقيه بدر الدين الزركشي في كتابه (( تشنيف المسامع )) (ج4/648) : (( ونقل صاحب الخصال من الحنابلة عن أحمد أنه قال عن من قال جسم لا كالأجسام كفر )) اهـ.
وروى الحافظ البيهقي في مناقب أحمد عن الحاكم عن أبي عمرو بن السماك عن حنبل عن أحمد بن حنبل تأول قول الله { وَجَاء رَبُّكَ } [سورة الفجر ] أنه جاء ثوابه ، ثم قال البيهقي : (( وهذا إسناد لا غبار عليه )). نقل ذلك ابن كثير في تاريخه (ج10/648) .
وقال الحافظ البيهقي أيضا في (( مناقب أحمد )) : (( أنبأنا الحاكم قال حدثنا أبو عمرو بن السماك قال حدثنا حنبل ابن إسحاق قال سمعت عمي أبا عبد الله – يعني أحمد – يقول : ((احتجوا علي يومئذ – يعني يوم نوظر في دار أمير المؤمنين – فقالوا تجيء سورة البقرة يوم القيامة وتجيء سورة تبارك، فقلت لهم : إنما هو الثواب قال الله تعالى : { وَجَاء رَبُّكَ } [سورة الفجر] إنما يأتي قدرته وإنما القرءان أمثال ومواعظ . قال الحافظ البيهقي : وفيه دليل على أنه كان لا يعتقد في المجيء الذي ورد به الكتاب والنـزول الذي وردت به السنة انتقالا من مكان إلى مكان كمجيء ذوات الأجسام ونزولها وإنما هو عبارة عن ظهور ءايات قدرته فإنهم لما زعموا أن القرءان لو كان كلامَ الله وصفةً من صفات ذاته لم يجز عليه المجيء والإتيان فأجابهم أبو عبد الله بأنه إنما يجيء ثواب قراءته التي يريد إظهارها يومئذ فعبر عن إظهاره إياه بمجيئه ، وهذا الذي أجابهم به أبو عبد الله لا يهتدي إليه إلا الحذاق من أهل العلم المنزهون عن التشبيه )) ا هـ.
وقال الإمام المحدث الشيخ عبد الله الهرري (المقالات السنية ص 194): (( وهذا دليل على أن الإمام أحمد رضي الله عنه ما كان يحمل ءايات الصفات وأحاديث الصفات التي توهم أن الله متحيز في مكان أو أن له حركة وسكونا وانتقالا من علو إلى سفل على ظواهرها كما يحملها ابن تيمية وأتباعه فيثبتون اعتقادا التحيز لله في المكان والجسمية ويقولون لفظا ما يموهون به على الناس ليظن بهم أنهم منـزهون لله عن مشابهة المخلوق فتارة يقولون (( بلا كيف )) كما قالت الأئمة وتارة يقولون (( على ما يليق بالله )) ، نقول : لو كان الإمام أحمد يعتقد في الله الحركة والسكون والانتقال لترك الآية على ظاهرها وحملها على المجيء بمعنى التنقل من علو وسفل كمجيء الملائكة ، وما فاه بهذا التأويل )) . انتهى بحروفه .
وورد في صحيفة2/196 من الفتوحات الربّانية على الأذكار النووية للعالم المفسّر محمد بن علاّن الصدّيقي الشافعي الأشعري المكّي المتوفّى سنة 1057 هجرية رحمه الله تعالى في باب الحثّ على الدعاء والإستغفار في النصف الثاني من كلّ ليلة ما نصّه: وأنّه تعالى منـزّه عن الجهة والمكان والجسم وسائر أوصاف الحدوث، وهذا معتقد أهل الحقّ ومنهم الإمام أحمد وما نسبه إليه بعضهم من القول بالجهة أو نحوها كذب صراح عليه وعلى أصحابه المتقدمين كما أفاده ابن الجوزي من أكابر الحنابلة .انتهى بحروفه.
وذكر الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى في تبيين كذب المفتري فيما نُسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري صحيفة 164 : ذكر ابن شاهين قال : رجلان صالحان بُليا بأصحاب سوء، جعفر بن محمد، وأحمد بن حنبل.اهـ
وذكر في صحيفة 144 من الفتاوى الحديثية لإبن حجر الهيتمي المُتوفّى سنة 973 هجرية : عقيدة إمام السُنّة أحمد بن حنبل: هي عقيدة أهل السُنّة والجماعة من المبالغة التامّة في تنـزيه الله تعالى عمّا يقول الظالمون والجاحدون عُلُوّا كبيرا مِن الجهة والجسمية وغيرهما مِن سائر سمات النقص بل وعن كل وصف ليس فيه كمال مُطْلق، وما اشتُهِرَبين جهلة المنسوبين إلى هذا الإمام الأعظم المجتهد مِنْ أنّه قائل بشيء مِن الجهة أو نحوها فكذب وبهتان وافتراء عليه فلَعن اللهُ مَنْ نسبَ ذلك إليه أو رماه بشيء من هذه المثالب التي برّأه الله منها” اهـ
ونقل الإمام الحافظ العراقي والإمام القرافي والشيخ ابن حجر الهيتمي وملا علي القاري ومحمد زاهد الكوثري وغيرهم عن الأئمة الأربعة هداة الأمة الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بتكفير القائلين بالجهة والتجسيم “.
لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي
معنى الكيف والكيفية
ليعلم أن إثبات ذات الله سبحانه وتعالى هو إثبات وجود وإيمان، لا إثبات كيفية وتحديد، وكذلك إثبات صفاته تعالى، هو إثبات وجود وإيمان، لا إثبات كيفية وتحديد.
فلم يقل واحد من السلف أن الوجود يقتضي اثبات الكيف الذي هو الهيئة والحال، ولم يقل واحد منهم أن من نفى الكيف فقد نفى وجود الله.
قال ابن عبد البر المالكي في التمهيد: “ليس نزوله تعالى بذاته بشىء عند أهل الفهم من أهل السنة لأن هذا كيفية، وهم يفزعون منها.” انتهى
1-معنى الكيف، والكيفية في لغة العرب
عبارة الكيف والكيفية تطلق في لغة العرب على عدة معاني منها:
أ- الحال والهيئة:
-جاء في تاج العروس قوله: “والغالبُ فيه أَنْ يَكُونَ اسْتِفهاماً عن الأَحْوالِ إِما حَقِيقِيّاً ،ككَيْفَ زَيْدٌ؛ أَو غَيْرَهُ مثل : “كَيْفَ تَكْفُرُونَ باللهِ” فإنَّهُ أُخْرِج مُخْرَجَ التَّعَجُّبِ والتّوْبِيخِ”. انتهى
-وجاء في شرح المفصل لابن يعيش (3/ 140): “كَيْفَ” سؤال عن حال, وتضمّنت همزة الاستفهام، فإذا قلت: “كيف زيدٌ؟ ” فكأنك قلت: “أصحيح زيد أم سقيم؟ أآكل زيدٌ، أم شاربٌ؟ إلى غيرِ ذلك من أحواله. والأحوالُ أكثرُ من أن يحاط بها، فجاؤوا بـ “كَيْفَ” اسم مبهم يتضمن جميعَ الأحوال. فإذا قلت: “كيف زيدٌ؟ ” أغنى عن ذلك كلِّه”. انتهى
-وقال الزركشي في البرهان :”كيف”: استفهام عن حال الشيء لا عن ذاته، كما أن “ما” سؤال عن حقيقته، و”مَن” عن مشخصاته، ولهذا لا يجوز أن يقال في الله كيف.” انتهى
– وقال السيوطي في الاتقان: “كيف” اسم يرد على وجهين:
الشرط وخُرِّج عليه “ينفق كيف يشاء”، “يصوركم في الأرحام كيف يشاء”، “فيبسطه في السماء كيف يشاء”؛ وجوابها في ذلك كله محذوف لدلالة ما قبلها.
والاستفهام وهو الغالب؛ ويستفهم بها عن حال الشيء لا عن ذاته؛ قال الراغب: وإنما يسأل بها عما يصح أن يقال فيه شبيه وغير شبيه ولهذا لا يصح أن يُقال في الله كيف؛ قال: وكلما أخبر الله بلفظ كيف عن نفسه فهو استخبار على طريق التنبيه للمخاطب أو التوبيخ نحو “كيف تكفرون كيف يهدي الله قوما”.انتهى
ب-الاستغراب والتعجب والاستنكار:
-جاء في مختار الصحاح : ك ي ف: (كَيْفَ) اسْمٌ مُبْهَمٌ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ وَإِنَّمَا حُرِّكَ آخِرُهُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَبُنِيَ عَلَى الْفَتْحِ دُونَ الْكَسْرِ لِمَكَانِ الْيَاءِ. وَهُوَ لِلِاسْتِفْهَامِ عَنِ الْأَحْوَالِ. وَقَدْ يَقَعُ بِمَعْنَى التَّعَجُّبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} [البقرة: 28] . وَإِذَا ضُمَّ إِلَيْهِ (مَا) صَحَّ أَنْ يُجَازَى بِهِ تَقُولُ: كَيْفَمَا تَفْعَلْ أَفْعَلْ.انتهـى
-وجاء في لسان العرب لابن منظور: “وقال الزجاج في قول اللّه تعالى “كيف تكفرون باللّه وكنتم أَمواتاً” ( الآية ) تأَويل كيف استفهام في معنى التعجب، وهذا التعجب إنما هو للخَلق والمؤمنين: أَي اعجَبوا من هؤلاء كيف يكفرون وقد ثبتت حجة اللّه عليهم، وقال في مصدر كيف: الكَيْفِيَّة”. انتهـى
وعليه فما رواه الدارقطني مثلا في كتاب الصفات :
حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ الْقَاسِمَ بْنَ سَلَّامٍ، وَذَكَرَ الْبَابَ الَّذِي يروى في الرُّؤْيَةَ وَالْكُرْسِيَّ وَمَوْضِعَ الْقَدَمَيْنِ، وَضَحِكِ رَبِّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ، وَقُرْبِ غِيَرِهِ، وَأَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاءَ وَأَنَّ جَهَنَّمَ لَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ قَدَمَهُ فِيهَا فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، وَأَشْبَاهَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ. فَقَالَ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ صِحَاحٌ حَمَلَهَا أَصْحَابُ الْحَدِيثِ والفقهاء بعضهم على بَعْضٍ، وهِيَ عِنْدَنَا حَقٌّ لَا نَشُكُّ فِيهَا، وَلَكِنْ إِذَا قِيلَ: كَيْفَ وَضَعَ قَدَمَهُ؟ وَكَيْفَ ضَحِكَ؟ قُلْنَا: لَا يُفَسَّر هَذَا وَلَا سَمِعْنَا أَحَدًا يُفَسِّرُهُ”
معناه إذا قيل “كَيْفَ وَضَعَ قَدَمَهُ؟ وَكَيْفَ ضَحِكَ” من باب التعجب و الاستنكار فنحن لا نفسر ذلك الكلام، و ليس معناه لا نفسر الكيف.
ويؤكد هذا مارواه الدارقطنى فى كتاب الصفات عن وكيع رحمه الله ، قال : “نسلم هذه الأحاديث كما جاءت، ولا نقول : كيف هذا ؟ ولم جاء هذا ؟”
فجعل المنع من التكييف ، والمنع من الاعتراض على النصوص ، هو التسليم بما جاءت به .
ج- حقيقة الشىء
بعض العلماء يستعمل عبارة الكيفية، او الكيف للكلام عن حقيقة الشىء وذاته:
قال السبكي في جمع الجوامع:” حقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق”
ثم احتج ببيت شعري فيه قولهم:
“حقيقة المرء ليس يدركها فكيف كيفية الجبار في القدم”
وهذا معناه أن حقيقة الانسان لا يدركها فكيف حقيقة الجبار في القدم.
وقال ابن خلدون في المقدمة: “وإنما أراد -أي مالك- أن الاستواء معلوم من اللغة، وهو الجسماني. وكيفيته أي حقيقته. لأن حقائق الصفات كلها كيفيات”. انتهى
وقد أشار أبو عبد الله القرطبي المالكي لذلك بقوله: “ولم يُنكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقةً. وخَصَّ العرش بذلك لأنه أعظم مخلوقاته، وإنما جهلوا كيفية الاستواء فإنه لا تُعلم حقيقته. قال مالك رحمه الله: الاستواء معلوم – يعني في اللغة – والكيف مجهول، والسؤال عن هذا بدعة”. انتهى
معناه أن الاستواء معلوم في اللغة، وحقيقته مجهولة، والسؤال عنه بدعة.
وقد اعترف بعض الحشوية بذلك، فقد قال الباحث ماهر أمير في كتابه المسمى الإنـتـصـار للـتـدمـريـة * 2018 ط*1، ما نصه: “إن من ينفي إثبات الكيفية بمعنى الحقيقة والكنه يُسأل عن سبب تميز كل شئ عما عداه في الخارج وعن منشأ آثاره ولوازمه الخارجية الذي يغاير بينه وبين غيره , أهو الوجود المشترك الذي تتصف به كل الموجودات , أم الوجود الخاص . ولا يختار عاقل الأول لأنه كلي مشترك يعُمُّ الجوهر والعرض والماء والنار والخالق والمخلوق فليس هو منشأ التميز واختلاف الموجودات الخارجية , ولو سألت أضعف الناس عن سبب كون علم الله شاملا لٌما كان وما يكون وعلم المخلوق قاصرًا ناقصا لما قال لك إن سبب ذلك كون علم الأول موجود وعلم المخلوق موجود ! ولأجابك بالبداهة أن هذا التميز لمخالفة حقيقة علم الباري علم المخلوق”. انتهى
وقال: ” وبالتالي فإن تميز الصفة (أ) عن الصفة (ب) لا يكون إلا لمخالفة حقيقة الأولى لحقيقة الثانية , ولمخالفتها حقيقة (الذات)”. انتهى
2-نفي الكيف و الكيفية عن الله تعالى من كلام السلف
– قالت أُمُّ المُؤمنين أمُّ سَلَمَة رضي الله عنها: ” والكيف غير معقول” انتهَى وقال الإمام مالك رضي الله عنه: “وكيف عنه مرفوع” ذكرهُما الحافظ ابن حجر العسقلانيُّ في فتح الباري شرح صحيح البُخاريِّ.
– قال أبو حنيفة في الفقه الأكبر: «ويراه المُؤمنون وهُم في الجنَّة بأعيُن رُؤوسهم بلا تشبيه ولا كيفيَّة ولا كمِّيَّة ولا يكون بينه وبين خلقه مسافة» انتهَى
– قال أبو بكر الخلال المتوفى سنة 311 هـجري في كتاب السنة: “وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلًا حدثهم قال: “سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروى: أن الله -تبارك وتعالى- ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، وأن الله يُرى، وأن الله يضع قدمه، وما أشبهه. فقال أبو عبد الله: نؤمن بها ونصدق بها، ولا كيف ولا معنى، ولا نرد منها شيئًا، ونعلم أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حقٌّ إذا كانت بأسانيد صحاح”. انتهى
– وقال ابن بطة في الابانة: قال أبو عبد الله: “ونحن نؤمن بالأحاديث في هذا ونقرها، ونمرها كما جاءت بلا كيف، ولا معنى إلا على ما وصف به نفسه تعالى“. انتهى
الكتاب: الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة
المؤلف: أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بَطَّة العكبري الحنبلي (ت ٣٨٧ هـ)
وتفرد حنبل عن أحمد بالرواية لا يعني أنه كذاب أو وضاع. بل روايته مقبولة عند ابن حامد وهو من كبار الحنابلة.
– قال أحمد بن نصر قال: سألت سفيان بن عيينة قلت: “يا أبا محمد أريد أسألك”، قال : “لا تسأل”، قلت: “إذا لم أسألك فمن أسأل”، قال: “سل.”
قلت: “ما تقول في هذه الأحاديث التي رويت نحو : القلوب بين أصبعين، وأن الله يضحك أو يعجب ممن يذكره في الأسواق؟” فقال: «أمروها كما جاءت بلا كيف.» وقال في رواية:كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره لا كيف ولامثل
-قال إسحاق بن راهويه : سألني ابن طاهر عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم ـ يعني في النزول ـ فقلت له : «النزول بلا كيف.»
وهذا رد على من زعم اثبات الكيف وفوض معناه.
– وقال الإمام القاضي عبد الوهاب المالكي المتوفى سنة 422 هـجري في شرح عقيد مالك الصغير ما نصه: ” الوصف له تعالى بالاستواء اتباع للنص، وتسليم للشرع، وتصديق لما وصف نفسه تعالى به، ولا يجوز أن يثبت له كيفية، لأن الشرع لم يرد بذلك، ولا أخبر النبي عليه السلام فيه بشيء، ولا سألته الصحابة عنه، ولأن ذلك يرجع إلى التنقل والتحول وإشغال الحيّز والافتقار إلى الأماكن، وذلك يؤول إلى التجسيم، وإلى قِدم الأجسام، وهذا كفر عند كافة أهل الإسلام”. انتهى
وعليه فالسلف الصالح رضوان الله عليهم كانوا لا يثبتون الكيف لله تعالى لأن الكيف من صفات المخلوقات.
-قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري : قال الامام مالك استوى كما وصف نفسه،ولا يقال كيف وكيف عنه مرفوع”. انتهى
فالكيف مرفوع لا يجوز نسبته لله
وروى ابن حجر عن طريق الوليد بن مسلم، قال سألت: “الاوزاعي ومالكا والثوري والليث بن سعد عن الأحاديث التي فيها الصفة فقالوا: “أمروها كما جاءت بلا كيف”
ومن طريق ابي بكر الضبعي قال: “مذهب أهل السنة في قوله الرحمن على العرش استوى قال: “بلا كيف” والآثار فيه عن السلف كثيرة وهذه هي طريقة الشافعي واحمد بن حنبل”. انتهى
أَبُو بَكْر الضبعي: [الضبعي: «هذه النسبة إلى «ضبيعة» بن قيس بن ثعلبة … » (الأنساب 8/140)] ــ تاريخ بغداد وذيوله للخطيب البغدادي ــ.
ملاحظة: ابن حجر نفى وصف الله بالكيف في فتح الباري و نقل ذلك عن السلف،
ملاحظة: ابن حجر نفى وصف الله بالكيف في فتح الباري و نقل ذلك عن السلف، حيث قال: ” ومنهم من أجراه على ما ورد؛ مؤمناً به على طريق الإجمال؛ منزهاً الله تعالى عن الكيفية والتشبيه، وهم جمهور السلف”.
و قال أيضا: “واختلف من أثبت الرؤية في معناها؛ فقال قوم: يحصل للرائي العلم بالله تعالى برؤية العين كما في غيره من المرئيات، وهو على وفق قوله في حديث الباب (كما ترون القمر)؛ إلا أنه منزه عن الجهة والكيفية، وذلك أمر زائد على العلم”. انتهى
وقال: “وقال الخطابي: لم يقع ذكر الإصبع في القرآن، ولا في حديث مقطوع به. وقد تقرر أن اليد ليست بجارحة حتى يتوهم من ثبوتها ثبوت الأصابع؛ بل هو توقيف أطلقه الشارع؛ فلا يكيف ولا يشبه، ولعل ذكر الأصابع من تخليط اليهودي؛ فإن اليهود مشبهة”. انتهى
و من هنا فقوله رحمه الله في بعض المواضع من الفتح: “لا فرق بين البحث عن كيفية الذات وكيفية الصفات ومن توقف في هذا فليعلم أنه إذا كان حجب عن كيفية نفسه مع وجودها وعن كيفية إدراك ما يدرك به فهو عن إدراك غيره أعجز”
معناه توفيقا لكلامه: “لا فرق بين البحث عن حقيقة الذات وحقيقة الصفات ومن توقف في هذا فليعلم أنه إذا كان حجب عن حقيقة نفسه مع وجودها وعن حقيقة إدراك ما يدرك به فهو عن إدراك غيره أعجز”.
وهذا كله بدليل قوله : “استوى على العرش، هو من المتشابه الذي يفوض علمه إلى الله تعالى ، ووقع تفسيره في الأصل . انتهى
فهو هنا لم يقل نفوض علم كيفية الاستواء لله بل فوض علمه لله.
3- بيان ان الامام مالك لم يقل : الكيف مجهول
لا يصح نسبة قول (والكيف مجهول) للإمام مالك، والثَّابت عنه ثلاثُ روايات الأُولَى رواها التِّرمذيُّ وفيها: (بلا كيف) واثنتانِ رواهُما البيهقيُّ -والعسقلانيُّ- إحداهُما: (وكيف عنه مرفوع) والأُخرَى: (والكيف غير معقول).
و قال ابْن العُثَيْمِين في مجموع الفتاوى والرَّسائل: (1/195) ما نصه: ” أَمَّا قَوْلهُ: “إِنَّ الإِمَام مَالِك لاَ يَقُولُ: “وَالكَيْفُ مَجْهُولٌ”. فَالجَزْم بِأَنَّهُ لاَ يَقُولُ بِذَلِكَ جَزْمٌ بِمَا لاَ عِلْم فِيهِ. وَأَمَّا كَوْن هَذَا غَيْرُ الوَارِد عَنْهُ: فَصَحِيحٌ، فَإِنَّ الْوَارِد بِالسَّنَدِ عَنْهُ قَوْلهُ: “الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ”. كَمَا رَوَاهُ البَيْهَقِي وَأَبُو الشَّيْخ الأَصْبَهَانِي “.انتهى
فمَن أثبت الكيفيَّة على الله تعالَى؛ فهُو مُتلبِّس بمحض التَّشبيه والتَّجسيم ولو زعم أنَّه لا يعرفُ هيئته، لأنَّه بإثباته للكيف صار مُناقضًا للتَّوحيد والعياذ بالله وصار مُكذِّبًا بقول الله تعالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} الآية..
لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي
- تلقى الشيخ العزامي العلم على عدد من أكابر علماء وقته ، منهم الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر، والشيخ الجرواني، والشيخ محمد السمالوطي، والشيخ أبو فراج الشافعي.
↩︎ - ابن فرحون (٠٠٠ – ٧٩٩ هـ = ٠٠٠ – ١٣٩٧ م)
إبراهيم بن علي بن محمد، ابن فرحون، برهان الدين اليعمري
• عالم بحاث، ولد ونشأ ومات في المدينة. وهو مغربي الأصل، نسبته إلى يعمر بن مالك، من عدنان.
• رحل إلى مصر والقدس والشام سنة ٧٩٢ هـ. وتولى القضاء بالمدينة سنة ٧٩٣ ثم أصيب بالفالج في شقه الأيسر، فمات بعلته عن نحو ٧٠ عاما.
• وهو من شيوخ المالكية
له:
• (الديباج المذهب – ط) في تراجم أعيان المذهب المالكي
• (تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام – ط)
• (درة الغواص في محاضرة الخواص – خ)
• (طبقات علماء الغرب – خ)
• (تسهيل المهمات – خ) في شرح جامع الأمهات لابن الحاجب، فقه
نقلا عن: «الأعلام» للزركلي ↩︎
