قال اللهُ في مُحْكَمِ تَنْزيلِهِ {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}.

تفكَّر بأولِ ليلةٍ في القبر

الحمدُ للهِ والصّلاةُ والسّلامُ على سيِّدِنا رسولِ الله. أُذَكِّرُكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظيمِ والثَّباتِ على الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ، الثّباتِ على نَهْجِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّم والاسْتِعْدادِ لِيَوْمِ القِيامةِ الذي هوَ آتٍ لا بُدَّ.

قال اللهُ في مُحْكَمِ تَنْزيلِهِ {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}.

فاعْمَلوا للآخِرةِ فهيَ الأوْلَى أنْ يُتْعَبَ لها وهيَ تَستَحِقُّ أنْ يُعْمَلَ لها. قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّم “ألَا إنَّ سِلْعَةَ اللهِ غالية ألَا إنَّ سِلْعَةَ اللهِ الجَنّة”.

فهلْ سألْتَ نفْسَكَ يا أخي ماذا قَدَّمْتَ وهَيَّأْتَ للآخرة؟ وهلْ تَفَكَّرْتَ بالموْتِ وأوَّلِ ليلةٍ في القبر؟ هل مثَّلْتَ قبْرَكَ بينَ القُبور؟ هلْ مثَّلْتَ نفْسَكَ بينَ الأموات؟ هلْ تَذكَّرْتَ العُيون إذا سالَتْ على الخُدود؟ هلْ فكَّرْتَ بالصَّدِيدِ واللَّهيبِ والدّود؟ هلْ فكَّرْتَ بالنِّيران وتَمْزيقِ الجُلود؟

مَنْ فكَّرَ بذلك؟
من اسْتَعَدَّ لِما بعدَ الموْت؟

فإنَّ الذين يَعْمَلونَ للآخرةِ قِلّةٌ قليلةٌ في هذا الزّمن الذي كَثُرَ فيهِ الفساد وعَمَّ فيه الجَهلُ والضَّياعُ.

فَعلينا أنْ نَتَّقِيَ اللهَ ونَعْمَلَ لِما بعدَ الموْت، فالموْتُ يَعُمُّنا والكفَنُ يَلُفُّنا والقبرُ يَضُمُّنا وإلى اللهِ مَرْجِعُنا.

الموْتُ منّا قريب والرَّبُّ علينا رَقِيب وجهَنَّمُ قَعْرُها بَعيد وحرُّها شديد ومقامِعُها حديد.

أحْبابَنا كلُّنا سيَرْحَلُ عنْ هذه الدُّنيا، كلُّنا سيَتْرُكُ الأهلَ والمالَ والأصحابَ والأحْبابَ والأقاربَ.

والقبرُ بابٌ وكلُّنا داخلُهُ فهلْ هيَّأْتُمُ الجواب؟
مَنْ مِنْكُمْ مسْتَعِدٌّ الآن أنْ يكونَ آخِرَ نَفَسٍ له هذه الساعة؟
 مَنْ منكُمْ مُسْتَعِدٌّ لِيَكونَ رَحيلُهُ الآن عنْ هذه الدُّنيا؟

فاللهُ تعالى يقول {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}.

فعَليكمْ بالعمَلِ الصّالِحِ والتوْبةِ قبلَ الموْت، قبلَ أنْ تصيروا إلى دارٍ يتَمَنّى الكافرُ فيها الموْتَ فلا يَجِدُهُ.

أينَ المُلوكُ ذَوُو العَساكر والتّساكر والقصور الفاخِرات؟
أين القياصِرة والفراعِنة والجَبابِرة والأكاسِرة والعروشِ الباهِرات؟

أمَا آنَ لهذه النّفْسِ أنْ تشْبَع؟
أمَا آنَ لهذا القلبِ أنْ يَخْشع؟
أمَا آنَ لهذه العَيْنِ أنْ تَدمع؟

يقولُ اللهُ تعالى في القرآنِ الكريم {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}

يا إخوانَنا، يا أحْبابَنا مَن اعتبرَ بأهلِ القبور هانَتْ عليهِ مصائِبُ الدُّنيا وهمومُها.
إنَّ هذا الموْت قدْ نَغَّصَ على أهلِ النّعيمِ نَعيمَهُمْ، فاطْلُبُوا نَعِيمًا لا موْتَ فيه.

هذه الدّنيا هيَ دارُ ممَرٍّ وليستْ دار مسْتَقَر، هذه الدُّنيا هي مَزْرَعةُ الآخِرة والقبرُ صُنْدوقُ العمَل، فطوبَى لِمَنْ عَمَرَها بالصّالِحات وزيَّنَ نفْسَهُ بالطاعات وشَغَلَهُ عيْبُهُ عنْ تَتَبُّعِ عُيوبِ النّاسِ والعَوْرات.

والحمدُ للهِ أوَّلًا وآخِرًا وأبَدًا.