توبة الزبير بن العوام في وقعة الجمل

توبة الزبير بن العوام في وقعة الجمل

جاء في كثير من المرويات أن عليا رضي الله عنه ذكٌر الزبير بن العوام بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: “لتقاتلن عليا وأنت ظالم له” فرجع لذلك.

قال الحافظ ابن حجر في الفتح في كتاب فرض الخمس، باب بركة الغازي في ماله: وروى الحاكم من طرق متعددة: فذكره”. انتهى

وهذا الحديث له عن الامام علي طرق:

•الأول: يرويه إسماعيل بن أبي خالد واختلف عنه:

– قال محمد بن سليمان العابد: ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: قال علي للزبير: أما تذكر يوم كنت أنا وأنت في سقيفة قوم من الأنصار فقال لك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – “أتحبه” فقلت: وما يمنعني. قال “أما إنك ستخرج عليه وتقاتله وأنت ظالم”

قال: فرجع الزبير.

أخرجه الحاكم وسكت عليه. وقال الذهبي في “التلخيص”: قلت: العابد لا يعرف، والحديث فيه نظر”. انتهى

وقيس بن أبي حازم لم يشهد وقعة الجمل.

– قال يعلي بن عبيد الطنافسي: ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عبد السلام -رجل من بني حية- قال: خلا علي بالزبير يوم الجمل فقال: أنشدك بالله كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وأنت لاوي يدي في سقيفة بني فلان “لتقاتلنه وأنت ظالم له ثم لينصرن عليك”.

قال: قد سمعت لا جرم لا أقاتلك.

أخرجه ابن أبي شيبة وإسحاق في “مسنده” والبخاري في “الكنى”

وعبد السلام البجلي قال عنه الحافظ في “التقريب”: مقبول.

لكن اختلف في سماعه من الزبير بن العوام:

-قال ابن عقيل في الضعفاء: “روى عنه اسماعيل بن أبي خالد عن علي والزبير، ولا يثبت سماعه منهما.

وقال: “لا يروى هذا المتن من وجه يثبت”. انتهى

وقال ابن أبي حاتم: عبد السلام البجلي روى عن الزبير بن العوام.

•الثاني: يرويه عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن مسلم الرقاشي ثني جدي عبد الملك بن مسلم عن أبي جرو المازني قال: سمعت عليا وهو يناشد الزبير فقال: أنشدك الله يا زبير أما سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول “إنك تقاتلني وأنت ظالم”؟ قال: بلى، ولكني نسيت.

أخرجه البخاري في “الكبير” والعقيلي والحاكم عن جعفر بن سليمان الضبعي، و أخرجه البخاري أيضا في “الكنى” وأبو أحمد الحاكم عن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن مسلم الرقاشي، كلاهما عن عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن مسلم الرقاشي به.

ورواه أبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل عن عبد الله بن محمد الرقاشي واختلف عنه:

أ-فقال أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الدورقي: ثنا أبو عاصم عن عبد الله بن محمد الرقاشي عن جده عن أبي جرو المازني.

أخرجه أبو يعلى، ومن طريقه المزي في “تهذيب الكمال”.

وأبو جرو قال الذهبي في “الميزان”: مجهول.

ب- وقال أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي: ثنا أبو عاصم ثنا عبد الله بن محمد الرقاشي عن جده عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي قال: شهدت الزبير خرج يريد عليا.

أخرجه الحاكم، وقال: “هذا حديث صحيح عن أبي حرب بن أبي الأسود فقد روى عنه يزيد بن صهيب الفقير وفضل بن فضالة في إسناد واحد”.

ثم أخرجه عن أبي عمرو محمد بن جعفر بن محمد بن مطر العدل المأمون ثنا عبد الله بن محمد بن سوار الهاشمي ثنا منجاب بن الحارث ثنا عبد الله بن الأجلح ثني أبي عن يزيد الفقير.

قال منجاب: وسمعت فضل بن فضالة يحدث به جميعا عن أبي حرب بن أبي الأسود قال: فذكر الحديث.

قلت: اختلف فيه على أبي عمرو بن مطر:

فقال البيهقي في “الدلائل” : أنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي أنا أبو عمرو بن مطر أنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن سوار الهاشمي الكوفي ثنا منجاب بن الحارث ثنا عبد الله بن الأجلح ثنا أبي عن يزيد الفقير عن أبيه.

قال: وسمعت الفضل بن فضالة يحدث أبي عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه قال: فذكره.

زاد فيه عن أبيه.

•الثالث: يرويه شريك بن عبد الله النخعي عن الأسود بن قيس قال: حدثني من رأى الزبير يقعص الخيل بالرمح قعصا فثوب به علي: يا عبد الله يا عبد الله، قال: فأقبل حتى التقت أعناق دوابهما، قال: فقال له علي: أنشدك بالله أتذكر يوم أتانا النبي – صلى الله عليه وسلم – وأنا أناجيك فقال “أتناجيه فوالله ليقاتلنك يوما وهو لك ظالم” قال: فضرب الزبير وجه دابته فانصرف.

أخرجه ابن أبي شيبة في “مسنده” ، وإسناده ضعيف لجهالة من رأى الزبير.

وله شاهد عن قتادة قال: لما ولى زبير يوم الجمل بلغ عليا فقال: لو أن ابن صفية يعلم أنه على حق ما ولى وذاك أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لقيهما في سقيفة بني ساعدة فقال “أتحبه يا زبير” فقال: وما يمنعني؟ فقال “فكيف بك إذا قاتلته وأنت ظالم له” قال: فيرون أنه إنما ولى لذلك.

أخرجه البيهقي في “الدلائل”، وقال: هذا مرسل”.

وله شاهد آخر عن الحكم بن عتيبة قال: لما كان يوم الجمل واصطفوا دعا علي الزبير فأتاه، فقال: أنشدك الله تعالى أما تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “لتقاتلنه وأنت ظالم له”؟ قال: اللهم نعم، فما ذكرته قبل مقامي هذا، فانطلق راجعا، فلما رآه صاحبه تبعه -يعني طلحة- فرماه مروان بسهم فشد فخذه بحدية السرج.

أخرجه إسحاق في “مسنده” عن يحيى بن آدم الكوفي

وأحمد بن منيع في “مسنده” عن أبي أحمد محمد بن عبد الله الزبيري قالا: ثنا أبو إسرائيل عن الحكم به.

وهذا السند فيه:

– أبو إسرائيل: واسمه إسماعيل بن خليفة مختلف فيه، وثقه يعقوب بن سفيان، وضعفه النسائي وغير واحد، واختلف فيه قول ابن معين.

– الحكم بن عتيبة: ولد بعد وقعة الجمل، فروايته للخبر منقطعة

فيتلخص مما تقدم أن طرق الخبر كثيرة، وكبار الحفاظ لم يحكموا بضعف خبر توبة طلحة أو الزبير، وقد أجمع علماء أهل السنة على توبة الزبير، كما ذكر ذلك أبو منصور البغدادي المتوفى سنة 429 هجري في كتابه الفرق بين الفرق صحيفة 350 تحت باب بيان الأصول التي اجتمع عليها أهل السنة ما نصه: ” وقالوا بأن طلحة و الزبير تابا و رجعا عن قتال علي”. انتهى

وقال ابن فورك في “مجرد مقالات الأشعري” ما نصه:” فأما طلحة والزبير فإنهما خرجا عليه، وكانا متأولَين مجتهدَين , يريان ذلك صوابا بنوع من الاجتهاد , وإن كان ذلك منهما خطأ , وإنهما رجعا عن ذلك وندما وأظهرا التوبة، وماتا تائبين مما فعلا”. انتهى