تقليل الضحك وتقليل الكلام

تقليل الضحك وتقليل الكلام

(هناك أمرٌ مُهِمٌّ وهوَ مخَالفَةُ الهَوى، مُخَالفَةُ النّفسِ. الرّجُلُ يَنبَغِي أنْ يُخَالِفَ نَفْسَه لأنّ النَّفْسَ مَيّالَةٌ إلى الشّرّ. كثِيرٌ منَ المعَاصِي، كثِيرٌ منَ المهَالِك سبَبُها مُطَاوَعَةُ هَوَى النَّفْسِ، ليسَ كُلُّ شَرٍّ مِنَ الشَّيطَان بل نَفْسُ الشَّخصِ إنِ اتَّبَعَها في هَواهَا تُهلِكُ الشَّخصَ. كمَا يُهلِكُ الشّخصَ اتّبَاعُ وسَاوِسِ الشَّيطان، ليسَ كُلُّ الشّرِّ مِنَ الشَّيطَانِ بَل كَثِيرٌ مِنَ الشّرِّ مِن طَاعَةِ النَّفسِ في هَواها. قالَ بَعضُ العُلَماءِ: “أَعْدَى أَعْدَائِكَ نَفسُكَ التي بَينَ جَنبَيكَ” مَعنَاهُ أيّها الإنسَانُ عَدُوٌّ كَبِيرٌ لكَ نَفسُكَ التي بَينَ جَنْبَيكَ، أي إنْ أطَعْتَها في هَواها تَهلِك. فعَلَيكُم بمخَالفَةِ النّفسِ في هَواها. مَن خَالَفَ النَّفْسَ حَفِظَ دِينَهُ وعِرضَهُ. العِرْضُ مَعنَاه سُمعتَه،)
   ورَوى البخَاريّ (أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الرقاق: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم “لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا”.) مِن حديثِ أنَسٍ رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: “لَو تَعلَمونَ ما أَعلَمُ لَضَحِكْتُم قَلِيلًا ولَبَكَيتُم كَثِيرًا”.( مَعنَاهُ لَو تَعلَمُونَ مَا أعلَمُ أنَا مِن أمُورِ القَبرِ والآخِرَة كانَ قَلَّ ضَحِكُكُم وكَثُرَ بُكاؤكُم،)( قال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام: فيه دليلٌ على تَرجِيح مُقتضَى الخوفِ وتَرجِيح التّخوِيف في المواعِظ على الإشَاعةِ بالرُّخَص، لِما في ذلكَ منَ التّسَبُّبِ إلى تَسَامُحِ النُّفُوس لِما جُبِلَت عليه مِنَ الإخلاد إلى الشّهَواتِ وذلكَ مَرَضٌ خَطِرٌ والطَّبِيبُ الحَاذِقُ يُقَابِلُ العِلّةَ بضِدِّها لا بما يَزِيدُها.)
وعَاتَبَ رَجُلٌ بَعضَ إخوَانِه على طُولِ بُكَائِه فبَكَى ثم قال:
بكَيتُ على الذُّنُوبِ لِعُظْمِ جُرْمِي
وَحُقَّ لِكُلِّ مَنْ يَعصِي البُكَاءُ
ولَو كانَ البُكَاءُ يَرُدُّ هَمِّي لأَسْعَدَتِ الدُّمُوعَ مَعًا دِمَاءُ
وكَان عُمرُ بنُ عبدِ العَزيز رضي الله عنه لا يَجِفُّ فُوهُ مِن هَذا البَيتِ :
ولا خَيرَ في عَيشِ امرِئٍ لم يَكُنْ لَهُ
مِنَ اللهِ في دَارِ القَرَارِ نَصِيبُ
وسمِعَ أبو الفَتْح البَغداديُّ هَاتفًا يَهتِفُ بالشُّونِيزيّة وهيَ مَقبَرةٌ للصّالحِينَ ببَغداد:
وكَيفَ تَنامُ العَينُ وهيَ قَرِيرَةٌ
ولم تَدْرِ في أيِّ الْمَحلَّينِ تَنزِلُ. فَذهَبَ عَنهُ النَّومُ.
(رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ طَويلَ الصّمتِ دَائِمَ الأحزانِ”رواه أبو نُعيم، نحنُ لا بُدّ أن نَقتَدِيَ برسُولِ الله، دائمَ الأحزانِ يَعني يَشعُر في قَلبِه بالحَزَن لأنّهُ يَعلَمُ أُمورًا كثِيرةً مِن أمُورِ الآخِرةِ مِنْ أَهوالها، مَنْ أرادَ السّلامةَ يُقلّل الكلامَ، أمّا مَن أكثَر الكلامَ لا بُدّ أن يحصُلَ مِنهُ إمّا معصِيةٌ وإمّا كلامٌ فيه تضيِيعُ الوقتِ إنْ كانَ عندَه احتِرازٌ يَكُون تَضيِيعًا للوقت، أمّا أكثَرُ النّاسِ يَقعُونَ في المعصيةِ وكثِيرٌ في الكفرِ مِن كثرةِ الكلام.
في صحيح مسلم جابرُ بنُ سمُرَة رضي الله عنه قالَ: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم طويلَ الصّمتِ قَليلَ الضّحِك وضَحِكُه كانَ تبَسّمًا، هو المسلمُ لأجلِ حُسنِ المعَاشَرةِ معَ الأصدقاءِ والغُرباء لا بُدّ أن يَضحَكَ في بعضِ الأوقاتِ لإدخالِ السّرورِ على مَن يُخاطِبُه لكنْ معَ الاحتِراز.
وكانَ الرّسولُ يَضحَكُ أحيانًا حتى تَبِينَ نَواجِذُهُ أي أَضْرَاسُه.)
(فائدة:ورد في الحديث: “*كَثرَةُ الضّحِك تُمِيتُ القَلْب*”، يعني تجلِبُ الغَفلَة.) وفي الحديث: “إيّاكَ وكَثْرَةَ الضَّحِك فَإنّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ يُمِيتُ القَلبَ ويَذهَبُ بنور الوَجْه” رواه الترمذي والطبراني وابن ماجه، معناهُ أنّ كَثرةَ الضّحِك تَجعَلُه غَافلًا. لا يكونُ حَزِينًا لآخِرَتِه، لأنّ المؤمِنَ القَويَّ الإيمانِ يَكونُ حَزينًا لأنّهُ يُفَكّرُ في الآخرةِ يُفَكّرُ هَل أَكُونُ ممّن يُظَلُّونَ بظِلّ العَرش أو ممّن يُصِيبُهم أذَى حَرِّ الشّمسِ، ثم الضّحِكُ أَحيَانًا يؤدّي إلى الوُقُوع في المعصيَة.ويَذهَبُ بِماءِ الوَجْه مَعنَاهُ يُسقِطُ الهَيبَةَ، الذي يُكثِرُ الضَّحِكَ هَيْبَتُه تَسقُطُ وقَلبُه يَكُونُ فَاسِدًا لذَلكَ كَثرَةُ الضَّحِكِ لا خَيرَ فِيها.) يُمِيتُ القَلبَ أي يُورِثُ قَسَاوَةَ القَلبِ وهيَ مُفضِيَةٌ إلى الغَفلَةِ ولَيسَ مَوتُ القَلبِ إلا الغَفلة عن الذِّكرِ ويَذهَبُ بنُورِ الوَجه أي بهائِه وحُسْنِه.