معنى الرضا عن الله وتعظيم شعائر الله وشكر الله والصبر

بغية الطالب ج٢ الدرس ٥٢
معنى الرضا عن الله وتعظيم شعائر الله وشكر الله والصبر.

قال المؤلف رحمه الله: والرِّضا عنِ اللهِ بمعنَى التَّسلِيمِ لهُ وتَركِ الاعتِراضِ
الشرح: أنّه يَجبُ على الْمُكَلَّفِ أنْ يَرضَى عن الله أي لا يَعترِضَ على اللهِ اعتِقادًا ولا لفظًا، باطنًا وظَاهرًا في قَضَائهِ وقدَرِهِ، فيَرضى عن اللهِ تَبارك وتعالى في تَقديرِهِ الخَيرَ والشَّرَّ والحُلوَ والْمُرَّ والرِّضَا والحُزْنَ والرّاحَةَ والألمَ معَ التَّميِيزِ في الْمَقدُورِ والْمَقضِيّ فإنّ المقدُورَ والمقضِيَّ إمّا أن يكونَ مما يُحبُّهُ الله وإمَّا أن يكونَ مما يكرهُهُ الله، والمقضِيُّ الذي هوَ مَحبُوبٌ للهِ على العَبدِ أن يُحبَّه والمقضِيُّ الذي هوَ مَكروهٌ للهِ تَعالى كالمحرَّماتِ فعَلى العَبدِ أن يَكرَهه مِنْ غَيرِ أن يَكرَهَ تَقدِيرَ اللهِ وقَضاءَه لذَلكَ المقدورِ. ( المحَبَّةُ إذَا أُطلِقَت على اللهِ لَيسَت بمعنى الانفِعَال النَّفسِيّ) فالْمَعاصِي مِن جُملةِ مَقدُوراتِ اللهِ تَعالى ومَقْضِيّاتهِ فيَجبُ على العبدِ كَراهِيَتُها منْ حَيثُ إنّ اللهَ تَعالى يكرَهُها ونَهى عِبادَهُ عنها، فلَيسَ بينَ الإيمانِ بالقَضاءِ والقَدر وبينَ كراهِيَةِ بعضِ الْمَقدُوراتِ والمقضِيّاتِ تَنافٍ لأنّ الذي يَجبُ الرّضا به هو القَدَرُ الذي هو تَقدِيرُ الله الذي هو صِفَتُهُ والقَضاءُ الذي هو صفتُهُ، وأمّا الذي يجبُ كراهِيتُهُ فما كانَ منَ المقدوراتِ والمقضِيّاتِ مُحَرَّمًا بحُكمِ الشَّرْع.
قال المؤلف رحمه الله: وتَعظِيمُ شَعائرِ الله.
الشرح: تَعظِيمُ شَعائر الله معناهُ عدَمُ الاستِهَانَةِ بِها. (والشَّعِيرَةِ هُوَ مَا كَانَ مَشْهُورًا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ كَالصَّلاةِ وَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالأَذَانِ وَالْمَسَاجِدِ وَعِيدِ الأَضْحَى وَعِيدِ الْفِطْرِ. كُلُّ ذَلِكَ يُسَمَّى شَعِيرَةً مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ.)
قال المؤلف رحمه الله: والشُّكرُ على نِعَمِ اللهِ بمعنى عدَمِ استِعمَالِها في مَعصِيَةٍ.
الشرح: أنّ الشُّكرَ قِسمَانِ شُكرٌ واجِبٌ وشُكرٌ مَندُوبٌ
فالشُّكرُ الواجِبُ هوَ ما على العَبدِ مِنَ العَملِ الذي يدُلُّ على تَعظيمِ الْمُنْعِم الذي أنعَمَ عليهِ وعلى غَيرِه بتَركِ العِصيَانِ للهِ تَبارك وتعالى في ذلكَ هَذا هو الشُّكرُ المفرُوضُ على العَبدِ، فمَنْ حفِظَ قلبَهُ وجَوارحَهُ وما أنعمَ الله بهِ عليهِ مِن استعمَالِ شىءٍ من ذلكَ في معصيةِ الله فهوَ العبدُ الشّاكرُ، ثم إذَا تمكَّنَ في ذلكَ سُمّيَ عبدًا شَكورًا قال الله تعالى: {وقَلِيلٌ مِنْ عبادِيَ الشَّكورُ} [سورة سبإ/13] والشَّكُورُ أقَلُّ وجُودًا منَ الشَّاكرِ الذي دُونَه. (الشَّكُور الْمُبَالِغُ في الشُّكرِ والشَّكُورُ هوَ الذي يؤدّي الواجبَاتِ ويَجتَنِبُ المحَرَّماتِ كُلَّها ويُكثِرُ مِنَ النّوافل وهوَ الوليُّ، ولا شَكّ أنّ الأولياءَ بالنّسبَةِ لغَيرِهم قَلِيلٌ، كمَا دلَّ عليه قولُه صلى الله عليه وسلم: «النَّاسُ كإبلٍ مائةٍ لا تَكادُ تَجدُ فيها راحِلَةً “رواه البخاري. الرّاحِلَةُ هيَ النّاقَةُ النَّجِيبَةُ الْمُختَارَةُ مِنَ الإبلِ لِلرّكُوبِ وغَيرِه فإذَا كانت في إبلٍ عُرِفَت وسُمِّيَت راحِلَةً لأنّها يُجعَلُ علَيها الرَّحْلُ. ومعنى الحديث كما ذكَر النّوويّ أنّ المرضِيَّ الأحوالِ منَ النّاسِ الكَامِلَ الأوصَافِ الحسَنَ المنظَر قَلِيلُونَ جِدًّا كقِلَّة الرّاحِلَةِ في الإبل. وقالَ ابنُ بطّال معناه أنّ النّاس كثيرٌ والمرضيَّ مِنهُم قَلِيلٌ.)
والشُّكرُ الْمَندُوبُ هو الثّناءُ على اللهِ تعالى الدّالُّ على أنّهُ هو المتَفضِّلُ على العبادِ بالنِّعَمِ التي أَنعمَ بها علَيهم مما لا يَدخُلُ تَحتَ إحصَائِنا. ويُطلَقُ الشُّكرُ شَرعًا على القيامِ بالْمُكافأَةِ لِمَنْ أسْدَى مَعرُوفًا منَ العِبادِ بعضِهم لبَعضٍ ومِنْ هذا البابِ الحَديثُ المشهورُ: “مَنْ لم يَشكُرِ النّاسَ لم يَشكُرِ اللهَ” (أخرجه الترمذي في سننه: كتاب البر والصلة: باب ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك.) أيْ أنَّ كمَالَ شُكْرِ الله يَقتَضِي شُكرَ النّاسِ، وشُكرُ النّاسِ يَكونُ بالْمُكافأةِ والدّعَاءِ ونَحوِ ذلك.
(مما يَجبُ التّحذيرُ مِنهُ قولُ بَعضِهم عِندَمَا يَشكُرهُم شَخصٌ على إحسَانهِم لا شُكرَ على وَاجِب، فإنّ هَذهِ العِبارةَ ظَاهرُهَا مُعارِضٌ للدِّينِ لأنّ مَعناهَا أنّ الذي يَعمَلُ إحسَانًا لا يَستَحِقُّ أن يُشكَرَ على ذلكَ وهَذا خِلافُ حَديثِ: مَن لم يَشكُرِ النّاسَ لم يَشكُرِ اللهَ”.رواه الترمذي. أي أنّ كمَالَ شُكرِ اللهِ يَقتَضِي شُكرَ النّاسِ، وشُكرُ النّاسِ يَكُونُ بالمكافَأةِ والدُّعاءِ ونحوِ ذلكَ.

أمّا مَن كَانَ يَفهَمُ مِن هَذهِ العِبارَة أنَا أعمَلُ هَذا ولَو لم أُشكَر عَليه أي لا يَلزَمُ أن تَشكُرَني لأعمَل هذا فلا يكفُر، لكنّ هذِه العِبارَة يجِبُ النّهيُ عنهَا.
هذا ويُسَنُّ لمن أخَذ الزّكاةَ مِن دَافعِها أنْ يَقولَ لهُ ءاجَرَكَ اللهُ. )
قال المؤلف رحمه الله: والصَّبرُ على أدَاءِ مَا أَوجَبَ اللهُ والصَّبرُ عمَّا حَرَّمَ اللهُ تَعالى وعلى مَا ابتَلاكَ اللهُ بهِ
الشرح: أنّ الصَّبرَ هو حَبسُ النَّفسِ وقَهرُها على مَكرُوهٍ تَتحَمَّلُهُ أو لَذِيذٍ تُفَارِقُه، فالصَّبرُ الواجِبُ على المكَلَّفِ هوَ أنْ يَصبِرَ على أداءِ ما أوجَبَ اللهُ مِنَ الطّاعَاتِ، والصَّبرُ عمّا حرَّمَ اللهُ أي كفُّ النَّفسِ عمَّا حرَّمَ الله، والصَّبرُ على تَحمُّلِ ما ابتَلاهُ الله بهِ بمعنى عدمِ الاعتراضِ على اللهِ أو الدّخُولِ فيما حرَّمَهُ بسبَب الْمُصِيبَةِ فإنَّ كثيرًا منَ الخَلْقِ يقَعُونَ في المعاصي بترَكِهم الصَّبرَ على المصائب وهم في ذلكَ على مَراتبَ مختَلفَةٍ فمِنهُم مَنْ يقعُ في الرّدّةِ عندَ الْمُصِيبَة، ومِنهم مَنْ يقعُ في محَاولَةِ جَلبِ المالِ بطريقٍ حرامٍ كما يحصلُ لكَثيرٍ منَ النّاسِ بسَببِ الفَقرِ باكتِسَابِ المكَاسِبِ الْمُحَرَّمةِ ومُحاولَةِ الوصُولِ إلى المالِ بالكَذِبِ ونَحوهِ.