تشبه النساء بالرجال وعكسه

حبيبنا الشيخ عبدالرزاق الشريف رحمه الله تعالى (المجموعة الرفاعية):
بغية الطالب ج٢ الدرس ١٧٢
تشبه النساء بالرجال وعكسه
وحكم خضب الشعر بالسواد

قال المؤلف رحمه الله: وخَضبُ الشّعَرِ بالسَّوَادِ وأجَازَهُ بَعضُ الأئمَّةِ إذا لم يكُنْ يؤدّي إلى الغَشِّ والتَّلبِيسِ.
الشرح: أنّ مِنْ معاصي البدَنِ الخَضبُ بالسَّوادِ أي دَهْنَ الشّعَر وصَبْغَهُ بالأسودِ. وهوَ حرَامٌ للرّجُلِ والمرأةِ على القَولِ الْمُختَارِ في المذهبِ الشّافِعيِّ إلّا للجِهَادِ، وأجَازَهُ بعضُ الأئمّةِ إذا لم يكن يؤدِّي إلى الغَشّ والتّلبِيس كأن كانَ عندهُ عبدٌ مملُوكٌ يُرِيدُ أن يَبِيعَهُ وهوَ شَائِبٌ فسَوَّدَ لهُ شعَرهُ حتى يُدفعَ لهُ فيهِ ثَمنٌ أكثَر، أو شابَتِ المرأةُ فسوَّدَت شعَرها حتى يخطِبَها الرّجال، وقالَ بعضُ الشّافعِيّةِ يجوزُ للمَرأةِ أن تَخضِبَ بالسَّوادِ بإذنِ زَوجِها.
أمّا المرأةُ الخلِيَّةُ أي العَزباء فأَمْرُها شَدِيدٌ فلا يجوزُ لها أن تخضِبَ بالسّواد لما فيهِ منَ الغشّ والتّلبِيس. وأمّا خَضبُ الشّعَرِ بالأصفر والأحمر فلِلرّجال فيه ثوابٌ وللمتزَوِّجَةِ إذَا أمَرَها زَوجُها كذَلكَ.(خَمسَةٌ منَ السّلَف أجَازوا خَضبَ الشّعَر بالسّواد منهم الحسَنُ البَصريّ) بَعضُ الصّحَابةِ خَضَبُوا بالسَّوادِ لَكن كأنّهُ مَا بَلَغَهُم الحديث الذي يَمنَع. ( وقالَ بعضُ المتأخّرِين إنّه يَحرُم على الوليّ خَضبُ شَعَر الصَّبِيّ والصَّبِيّةِ إذا كانَ أَصهَبَ بالسّوادِ لِما فيهِ مِن تَغيِيرِ الخِلقَةِ . )وأمّا خَضبُ الخلِيَّةِ شعرَها بالحنّاءِ فيَجُوز لأنّ لونَها مَعرُوف ليسَ فيهِ تَغرِيرٌ.وأمّا خَضبُ الرّجُل لِحيتَه بالحنّاء إن كانَ فيها شَيبٌ فمُستحَبٌّ بالأصفَر أو الأحمر،الرّجُل يُستحَبُّ لهُ خَضبُ الشَّيبِ بالحنّاءِ، والمتزَوّجَةُ بإذنِ زَوجِها تفعل.
قال المؤلف رحمه الله: وتَشَبُّهُ الرِّجالِ بالنّسَاءِ وعَكسُهُ أي بما هُوَ خَاصٌّ بأحَدِ الجِنسَينِ في المَلبَسِ وغيرِهِ.
الشرح: مِن مَعاصي البَدن التي هي من الكبائرِ تشبُّهُ الرجالِ بالنّساءِ في الْمَشيِ أو في الكلامِ أو في اللّباسِ، لكنّ تَشبُّه النّساءِ بالرّجالِ أشَدُّ إثمًا، ولا يُنظرُ إلى الغَلبَة فمَا كانَ خاصًّا بأحدِ الصِّنفَينِ مِنَ الزِّيّ فهوَ حرامٌ على الصِّنفِ الآخَر وما لا فَلا.
روى البخاريُّ (أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب اللباس: باب المتشبهين بالنساء والمتشبهات بالرجال (5885)) في صَحِيحِهِ مِن حَديثِ ابن عبّاس رضيَ الله عنهما قال: لعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المتشَبِّهِينَ مِن الرّجالِ بالنّساء والمتشَبِّهاتِ منَ النّساءِ بالرّجَال.
ورَوى أبو داود (أخرجه أبو داود في سننه: كتاب اللباس: باب لباس النساء (4098).
) في سُنَنه مِن حديث أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: لعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرّجُلَ يَلبَسُ لِبسَةَ المرأةِ والمرأةَ تلبَسُ لِبسَةَ الرّجُل.
فتَشَبُّهُ الرّجالِ بالنّساءِ الذي هو حرامٌ وتشَبُّهُ النّساءِ بالرّجالِ الذي هو حَرامٌ هو فيمَا كانَ خاصًّا في الأصلِ بأحَدِ الفَريقَينِ دُونَ الآخَر، أمّا ما كانَ يَستَعمِلُهُ الفَرِيقَانِ ولو غَلبَ في أحدِهما لا يكونُ تَشبُّهًا إنْ لَبِسَهُ الآخَر، هذه القَاعدةُ وليسَ للعُرفِ دَخَلٌ في هذا، وقال بعضُ الشّافعِيّةِ تُعتَبَرُ عادةُ النّاحيَةِ فالنّاحيَةُ التي يَختَصّ النّساءُ فيها بزِيٍّ دُونَ الرّجال يَحرُم على أهلِ تلكَ النّاحيَةِ مِن الرّجالِ لُبْسُهُ وكذَلكَ العَكسُ.
فَلا يجوزُ للأهلِ أن يُلبِسوا الصبي ثيابَ البَنات ولا العَكس ويُمنَعُ الصَّبيّ مِن ذلكَ إن فعلَهُ.
( وعن ابنِ أبي مُلَيكَة قال: “قيلَ لعائِشَةَ رضيَ الله عنها إنَّ امرأةً تَلبَسُ النَّعْلَ فقَالت: “لعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَةَ مِنَ النِّسَاء”، رواه أبو داود.أرادَت عائشَةُ رضي الله عنها نوعًا مِنَ النِّعَالِ خَاصًّا بالرِّجَال لأنَّ النَّعْلَ مِنهُ ما هوَ خَاصٌّ بالنِّسَاء ومنهُ مَا هوَ خَاصٌّ بالرِّجَال.فيُعلَمُ مما تقَدَّمَ أنّه لا يَجُوز للمَرأةِ أن تتَشبَّه بالرِّجَالِ ولو في لُبسِ أحذِيَتِهم أو نِعَالِهم الخَاصّةِ بهم وأنّه لا يُشتَرط لكَونِ ذلكَ حَرامًا أن تَقصِدَ المرأةُ التّشَبُّه بالرِّجَال أو أن يَقصِدَ الرَّجُلُ التّشَبُّهَ بالنِّسَاء.

الشرح : بصوت الشيخ الدكتور عبد الرزاق الشريف حفظه الله تعالى.

حبيبنا الشيخ عبدالرزاق الشريف رحمه الله تعالى (المجموعة الرفاعية):

حبيبنا الشيخ عبدالرزاق الشريف رحمه الله تعالى (المجموعة الرفاعية):
بغية الطالب ج٢ الدرس ١٧٣
التشبه بالنساء.

قالَ النَّوَويُّ في رَوضَةِ الطّالبِينَ مَا نَصُّه: “يَحرُم على الرِّجَالُ لُبسُ مَا تَلبَسُ المرأةُ والعَكسُ” اه.
وفي كتابِ الإِنصاف في مَعرفَةِ الرّاجِح مِنَ الخِلاف على مَذهَب الإمامِ أحمدَ بنِ حَنبَل للمَردَاويِّ مَا نَصُّه: “هذه المسألةُ وهيَ تشَبُّه الرّجُل بالمرأةِ والمرأةِ بالرّجُل في اللِّبَاس وغَيرِه يَحرُم على الصَّحِيح مِنَ المذهَب” اه.
فيُعلَمُ مما تقَدَّمَ أنّه لا يَجُوز للمَرأة أن تَتشبَّه بالرّجَال ولو في لُبسِ أحذِيَتِهم أي الخَاصَّةِ بهم، وأنّه لا يُشتَرط لكَونِ ذلكَ حَرامًا أن تَقصِدَ المرأةُ التّشَبُّه بالرِّجَال أو أن يَقصِدَ الرّجُلَ التّشَبُّه بالنّساء (فمجَرَّدُ الفِعْلِ حَرَام)، فلَيس المرادُ بحَدِيثِ ابنِ عبّاسٍ: “لعَنَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم المتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَال بالنِّساءِ والمتَشبِّهاتِ مِنَ النِّسَاءِ بالرِّجَال” وما أشْبَهَه مِن الأحاديثِ التي فيها لَفظُ التّشَبُّه أن يَقصِدَ الرّجُلُ والمرأَةُ التّشَبُّه، بدليل الحديثِ السَّابِق ذِكرُه، والذي أخرجَه أبو داود وغيرُه وهو: “لعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرّجُلَ يَلبَسُ لِبسَةَ المرأةِ والمرأةَ تَلبَسُ لِبسَةَ الرّجُل”، ولم يقُلِ الفُقَهاءُ إنّه يَحرُم على المرأةِ أنْ تَلبَس لِبسَةَ الرّجُل إنْ قصَدَتِ التّشَبُّهَ وإلّا فَلا يَحرُم ، كَما يتَبَيَّنُ لكَ مِما سَبَق ذِكرُه، وأمَّا مَا كانَ مُشترَكًا بينَ الرِّجَال والنِّسَاء فيَجُوز للرَّجُل والمرأةِ لُبسُهُ كبَعضِ أنواعِ الأحذِيَةِ والألبِسَة. )( ويَدخُل في التَّشَبُّه المحَرَّم تَقلِيدُ الرَّجُلِ صَوتَ المرأةِ لإضحَاكِ الحَاضِرِينَ وكذَلكَ العَكسُ كأنْ طُرِقَ البَابُ فقِيلَ: مَن، أو أجَابَ على الهاتِف فقِيل: مَن، فغَيَّر الرَّجُل صَوتَه مُقَلِّدًا صَوتَ امرأَةٍ )
ومما هو خَاصٌّ بالنِّسَاء القِلادَةُ والسِّلسِلَةُ التي تُعَلَّقُ في العنُق فيَحرُم على الرَّجُلِ لُبسُها،وأمّا الأسَاوِرُ وما يسَمُّونَه في بعضِ البلاد (البلَاك) مِن غَيرِ الذّهَب والفَضّة فيَجُوز للرّجُل لُبسُها ففي الجنّةِ الرّجالُ يَلبَسُونَ أسَاورَ مِن ذَهَب فلُبسُ الأسَاوِر ليسَ خَاصًّا بالنّسَاء،أما لبس الحلق غيرِ الذّهَب والفِضّة كالنُّحَاس فلا يَحرُمُ لُبسُها على الرِّجَال لَكِن بِدُونِ ثَقْبِ الأُذُن، أمّا لِلنّسَاءِ يَجُوز معَ الثَّقْب. وسَوَاءٌ وَضَعَ الحَلْقَةَ في أُذُنٍ واحِدَةٍ أو في كِلْتَا أُذُنَيْه. بَعضُ الرّجَالِ في بِلادِنا كَانُوا يَفعَلُونَ ذَلكَ وكَذلكَ بَعضُ الخُلَفاء العثمَانِيّين.وبعضُ الفقهاءِ يقُولون عن لُبسِ الحلَقِ للرّجَال في البلَد الذي يُعَدُّ فيه تشَبُّهًا بالنّساء لا يجُوز، أمّا في بلادِ أفريقيا الرّجالُ يَلبَسُونَ الحلَقَ( مِن غَير ثَقبِ الأذُن) على عادَةٍ لهم فهذا ليسَ مِن بابِ التّشبُّه بالنّساء. وأمّا وَضْع حَلْقَتَينِ في نَفْسِ الأُذُن لِلنِّسَاءِ.فإنْ لَم يَكُنْ خَاصًّا بالكَافِرَاتِ يَجُوزُ.
ومما هوَ خَاصٌّ بالرّجَالِ القَلَنسُوَةُ والعِمَامَةُ والطَّربُوشُ المعروف في بعض البلاد كلُبنانَ، ولو قُطِعَت القَلَنسُوة مِنَ الأعلَى وتُرِكَ جَوانِبُها جازَ للمَرأة لُبْسُها لأنّها لم تَعُد قلَنسُوةً فلا تُعدّ تشَبُّهًا بالرّجال.وما يسمى في بعض البلاد بالكاسكِيت فلا يحرم على الرجال لأننا لا نعلم أول من بدأه أما للنساء فلا تجوز لأنها تشبه بالرجال إلا أن كانت مقطوعة الأعلى من جهة الرأس فلا يكون لها حكمُ القَلَنسُوَة، وأمّا القَلَنسُوةُ التي تُعمَل للبنَاتِ بلَونٍ خَاصّ وتُزَيَّنُ بطَرِيقَةٍ خَاصَّة لتُمَيَّز عن التي للرِّجَال فلا خَير فيها للنساء.

وأمّا أن يضَع الرّجلُ كَبّوتَه الخاصّ به على كتِفَي زَوجَتِه ليُدفّأها مِن غَيرِ أن تُدخِل يدَيْها في الأكمَام كالعَباءة فيَجوز، هذا لا يُعَدُّ تَشَبُّهًا)
-وأمّا البَنطَلُون الخَاصُّ بالرِّجَال فحَرامٌ على المرأةِ أنْ تَلبَسَه لأنّ فيه تَشَبُّهًا بالرّجَال، والبَنطَلُون الخَاصّ بالنّسَاء للرَّجُل حَرام لأنّه تَشَبُّهٌ بالنّسَاء، وأمّا لُبسُ البَنطَلُون الذي هو لَيسَ خَاصًّا بالرِّجَال لكن يُكيِّفُ الحَجْم، يُبَيّن أنّ هذا الشّخصَ فَخِذُه سَمِين مَثلًا قَالوا هذا إن كانَ يَستُر اللَّونَ لَكن يُبَيِّنُ الحَجْم مَكروهٌ للنِّساءِ وخِلافُ الأولى للرِّجالِ أي أقلّ مِن الكراهة. أمَّا ما كَانَ فيه تَشَبُّهٌ بالكُفّارِ يَحرُمُ لا لأنَّهُ ضَيّقٌ بل لأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بالكُفّارِ.
وأمّا حُكم حَلق المرأةِ شعَرَها بالموسى فحرامٌ لما فيه من التشبه بالرجال، وأما تقصيره على هيئة لا تشَبُّهَ فيها بالرّجَال فيَجُوز(وأمّا العُطُورُ فلَيس فيها ما هوَ خَاصٌّ بالنِّسَاء ومَا هوَ خَاصٌّ بالرِّجَال)

ومما يحرُمُ التّشَبُّهُ بالكُفّارِ وهو منَ الكبائر فيحرُمُ التّشَبُّهُ بهم في الزِّينةِ واللِّباسِ ونَحوِ ذلك ومِن ذلك وَضعُ الحَلَق في الفَرج والسُّرّةِ واللِّسَان. وكذلكَ يحرُمُ التّشَبُّهُ بالفُجّارِ أي الفُسّاقِ كمَا دلّ على ذلكَ قولُهُ صلى الله عليه وسلم: “مَنْ تشَبَّهَ بقَومٍ فهوَ منهُم” رواه أبو داود وابن ماجه وغيرُهما. وهو صَحِيحٌ. مَن تشَبَّه بهم أي بالكفار في شِعَارِ الكُفرِ يَكفُرُ ومَن تَشَبَّه بهم في غَيرِ ذلكَ علَيه معصِيَة.
هَذا مِن قِلَّة ذِكرِ الموت، الذي يُكثِرُ ذِكرَ الموتِ يَكُفُّ نَفسَه عن أشياءَ كثيرةً، الإكثارُ مِن ذِكر الموتِ يَحُثُّ الإنسانَ على تَركِ المحَرَّمات والأشياءِ التي لا فائدةَ فيها في الآخرة، الرّسولُ صلى الله عليه وسلم قال: “أَكثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِم اللّذّات”رواه أحمد والنسائي والحاكم والطبراني. أي الذي يَقطَع اللَّذَات.
مُوافقَةُ الكُفّار في أعيَادِهم لا يَجُوز فالاحتفالُ بمولد المسيح في اليوم الذي عَيّنَه النصارى ليسَ مِن عاداتِ المسلمِين، والمسِيحُ لا يُعلَمُ يَومُ مَولدِه ولا الشَّهرُ الذي وُلِدَ فيهِ لَكنّ الرّاجِح أنّه وُلِدَ في الشّتاءِ أمّا اليومُ والشَّهرُ فَلا يُعلَمَان. الرّسُول كانَ يَصُومُ السّبتَ والأحَد ويقُولُ: “إنّهما يَومَا عِيدٍ للمُشركِينَ وأنا أُحِبُّ مخَالفَتَهُم”رواه البيهقي في السُّنَن((أخرجه البيهقي في سننه (4/303).)،). والنسائي والحاكم والطبراني وابن خزيمة.
الرّسولُ عليه السلام كانَ بعيدًا منَ التّشَبّهِ بالكُفّارِ حتى إنّهُ كانَ يَصومُ السَّبتَ والأحدَ مخَالفَةً للكُفّار لأنّ اليهودَ عِيدُهُم السَّبتُ والنّصَارى عِيدُهم الأحَد، الرّسولُ علَيه السَّلام كان بَعِيدًا منَ التّشَبُّه بالكُفّار، كانَ يَصُوم السَّبتَ والأحد واليَهُودُ عِيدُهُم السَّبتُ والنّصَارى عِيدُهم الأحَد، مِن أجل مخالَفَتهم كانَ يصُوم السّبتَ والأحد. قال عليه السّلام:”إنّهما يَومَا عيدٍ للمُشركِين وأنَا أُريدُ مُخَالفَتَهم”رواه الطبراني والبيهقي والنسائي.

عن ابنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما قال: قَدِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ فوجَدَ اليهودَ يَصُومُونَ يَومَ عَاشُوراء فسأَلهم فقالوا: هذا اليومُ الذي أظهرَ اللهُ فيهِ مُوسَى على فِرعَونَ، فقال رسولُ اللهِ صَلّى الله عليه وسلم: “نَحنُ أَولَى بمُوسى مِنهُم فَصُومُوه أَنتُم”. هذا حديثٌ صحيح أخرجه أحمد. وعن ابنَ عبّاس رضي الله عنهما قال كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَصُومُ عَاشُورَاءَ فقِيلَ لهُ: يا رسولَ الله هَذا يومٌ تُعَظّمُه اليَهُودُ، فقَال:” لئن عِشْتُ إلى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التّاسِعَ” فمَاتَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم قَبلَ ذلك. هذا حديثٌ صَحِيحٌ أخرجَه مسلم. وإنّما قالَ صلى الله عليه وسلم: “لَئنْ عِشْتُ إلى قَابِل” لإظْهَارِ مُخَالَفَتِهم كمَا أَخرَج أحمدُ وابنُ خُزَيمةَ مِنْ وجْهٍ آخَر عن ابنِ عبّاسٍ مَرفُوعًا بلَفظِ “خَالِفُوا اليَهُودَ صُومُوا يَومًا قَبلَه أو يَومًا بَعدَه”.
وأما قوله تعالى:{لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} مَعناهُ لا نُصَدِّقُ بَعضًا ونُكَذِّبُ بَعضًا. وليسَ مَعناه أنّ شَرائعَهم نَتبَعُها كلَّها لأنَّ شَرع نبيِّنا يختَلف عن شَرع مَن قَبلَه.وقوله تعالى: “ويُريدُونَ أن يُفَرّقُوا بَينَ اللهِ ورُسُلِه” معناهُ بالإيمانِ ببَعضٍ والكُفرِ ببَعضٍ.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152)سورة النساء)
وقالَ عليه الصّلاة والسلام: “ائتَزِروا وتَسَرْوَلوا وخَالِفُوا أهلَ الكِتَابِ” رواه الإمامُ أحمد (أخرجه أحمد في مسنده (5/264). (قال فقلنا: يا رسول الله إنّ أهلَ الكتاب يتسَروَلُونَ ولا يَأتَزِرون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “تَسَروَلُوا وائْتَزِرُوا وخَالِفُوا أَهلَ الكِتَاب”رواه أحمد) معناهُ أحيانًا البَسُوا الإزارَ وأحيانًا البَسُوا السروالَ وخالِفوا أهلَ الكتابِ لأنّ أهلَ الكتابِ ما كانوا يلبَسونَ إلا السِّروال، فإذا عَمِلَ الكفّارُ زِيًّا منَ الثّيابِ أو غَيرِها وشَاعَ بينَهُم فهذا يحرُمُ على المسلمينَ لُبْسُهُ، أمّا ما عمِلَهُ الكُفّارُ وشاعَ بَينَهُم وبينَ المسلمِينَ ابتداءً فلا يحرُمُ على المسلمِينَ لُبْسُهُ.