المقصد الأسنى شرح أسماءِ اللهِ الحُسنى-7

المقصد الأسنى شرح أسماءِ اللهِ الحُسنى-7

الحمدُ للهِ الذي تنزّهَ عن الكيفِ والزمانِ والمكان الذي لا يحويهِ جهةٌ ولا يَحُدُّهُ مكان، والصلاةُ والسلامُ على النبيِّ العالِي القدْرِ أعظمِ إنسان محمدٍ خيرِ البَرايا وسيِّدِ الأكوان وعلى آلِهِ وصحابتِهِ الذين نشروا الدينَ في الفَيافِي والبُلْدان.

أمّا بعدُ، فنُتابعُ معكم شرحَنا لأسماءِ اللهِ الحُسنى فنقولُ وباللهِ التوفيق:

《الْعَلِيّ》وهو الذي يَعلو على خَلْقِهِ بقَهْرِهِ وقدرَتِهِ، ويستحيلُ وصْفُهُ بارتِفاعِ المكانِ لأنهُ تعالى مُنَزّهٌ عن المكان، فاللهُ تعالى خالقُ المكانِ والجهاتِ.

قال ابنُ منظورٍ في لسانِ العربِ: “العلاءُ الرِّفعة”. قال ربُّنا تقدّسَتْ أسماؤُهُ وجلَّتْ صِفاتُهُ: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} فاللهُ عزَّ وجلّ لا يوصَفُ بالتّحَيُّزِ في مكانٍ منَ الأمكِنةِ ولا في كلِّ مكان لأنَّهُ سبحانَهُ هو خالقُ الأماكنِ والجهاتِ، وقبلَ خلقِها كانَ سبحانَهُ موجودًا بدونِها وبعدَ أنْ خلقَ المكان فهو تعالى موجودٌ بِلا مكان لا يتغيّر ولا يتبَدّل، لأنَّ المُتَغيِّرَ يحتاجُ إلى مَنْ يُغَيِّرُهُ مِنْ حالٍ إلى حالٍ، والمُحتاجُ عاجزٌ والعاجزُ لا يكونُ إلهًا.

وهذا الاسمُ العليّ إذا نطَقْتَهُ ووقَفْتَ عليه لا بدَّ أنْ تأتيَ بالشدّةِ، تقول العليّ وليس العلي.

《 الْكَبِير 》ومعناهُ الجليل كبيرُ الشأنِ. “واللهُ أكبر” معناهُ أنَّ اللهُ أكبرُ مِنْ كلِّ شىءٍ قَدْرًا. قال تعالى: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} وليسَ اللهُ تعالى جسمًا مُتَّصِفًا بِكِبَرِ الحجمِ لأنَّ الحجمَ محدودٌ أي لهُ حدٌّ لهُ كميّةٌ ويحتاجُ إلى مَنْ حَدَّهُ بذلك الحدِّ دونَ غيرِهِ واللهُ تعالى لا يحتاجُ إلى شىء. ثمّ اللهُ لا يُشبِهُ شيئًا منْ خلقِهِ كما قالَ ربُّ العالمين في سورة الشورى عنْ نفسِهِ: {ليسَ كَمِثْلِهِ شىءٌ} ولوْ كانَ اللهُ ذا حدٍّ أيْ حجمٍ وكمّية لكانَ لهُ أمثالٌ في خَلقِهِ لا تُحْصَى ولجَازَ عليه ما يجوزُ عليهم منَ الحركةِ والسكونِ والفَناءِ وغيرِ ذلك، وكلُّ هذا لا يليقُ بالخالق.

فلا يجوزُ وصفُ اللهِ بصِفةٍ منْ صفاتِ المخلوقاتِ. قال الإمامُ أبو جعفرٍ الطحاويّ أحمدُ بنُ سلامة السّلَفيّ في عقيدَتِهِ التي ذَكرَ في أوّلِها أنها عقيدةُ أهلِ السّنةِ والجماعة، قال: “ومَنْ وصفَ اللهَ بمَعْنىً مِنْ معاني البشر فقدْ كفر”، أي مَنْ وصفَ اللهَ بصفةٍ منْ صفاتِ البشرِ فقدْ خرجَ منَ المِلّةِ الإسلاميةِ ولا يَرْجِعُ إلا بالنطقِ بالشهادتين بقوْلِ: “أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأشهدُ أنَّ محمّدًا رسولُ الله”.

《 الحَفِيظ 》معناهُ الحافظُ لِمَنْ يشاءُ منَ الشرِّ والأذى والهَلَكة. قال تعالى: {وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} فلا يُحفَظُ أحدٌ منَ الضُّرِّ إلا بإذنِ اللهِ تعالى، ولا يُصابُ أحدٌ بأذى إلا بإذنِهِ عزَّ وجلّ. فلَو اجتمعَ قومٌ على أذِيَّةِ أحدٍ حفِظَهُ اللهُ منهم لن يَنالوهُ بأدْنَى أذى. اللهُ وحدَهُ هو الذي يُسَخِّرُ أسبابَ حِفظِهِ ولا حافِظَ لأحدٍ شاءَ اللهُ لهُ الضُّرّ.

《 المُقيت 》هو المُقْتَدِرُ وهو رازِقُ القُوتِ. قال تعالى: {وكانَ اللهُ على كلِّ شىءٍ مُقِيتًا} 

《 الحسيب 》أي هو المُحاسِبُ للعبادِ بِما قدَّمَتْ أيْديهم. قال اللهُ عزّ وجلَّ: {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} وقال تعالى: {وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} وحسابُ اللهِ تعالى للعبادِ يومَ القيامةِ يكونُ بتَكْلِيمِهِ إيّاهُمْ أي في ذلك اليوم في موْقِفِ الحساب اللهُ تعالى يُزيلُ عنْ أسماعِ العِبادِ الحِجابَ المَعنوِيَّ المانِعَ منْ سَماعِ كلامِهِ، فيسْمعُ كلُّ الخَلقِ كلامَ الله كلُّ الإنسِ وكلُّ الجنّ فيَفْهَمونَ منهُ “لِمَ فعَلْتَ كذا لمَ تركْتَ هذا ألَمْ أُصِحَّ بدَنَك ألَمْ أُرْوِكَ منَ الماءِ الباردِ”، يُسألونَ عنْ أقوالِهِم ونيّاتِهِمْ وأفعالِهمْ.

وكلامُهُ سبحانَهُ وتعالى أزليٌّ أبديٌّ ليس بحرفٍ وليسَ بصوتٍ وليسَ بلُغة وهو كلامٌ واحدٌ ليس بِمُبْتَدأ ولا مُخْتَتَم لا يُشبِهُ كلامَ المخلوقين، لأنّ كلامَ المخلوقينَ حادِث هو لغة وحرف وصوت. وكلامُ الإنسانِ صوتٌ يعتمِدُ على مخارِجَ ومقاطِع ويُبْتَدَأُ ويُخْتَتَمُ ويكونُ بلُغاتٍ وحروفٍ، ومنهُ ما يحصُلُ بِتَصادُمِ جسمَيْن، أمّا اللهُ تعالى فهو مُنَزَّهٌ عنْ أنْ يَتّصِفَ بصِفةٍ منْ صفاتِ المخلوقين.

وهو سبحانَهُ وتعالى يُكَلِّمُ كلَّ إنسانٍ يومَ القيامةِ فيُسْمِعُهُ كلامَه ويُحاسِبُ مَنْ يُحاسِبُهُ منَ العبادِ فيَفْهَمُ العبدُ منْ كلامِ اللهِ تعالى السؤالَ عنْ أفعالِهِ وأقوالِهِ واعْتِقاداتِهِ، ويَفْرُغُ اللهُ عزّ وجلَّ منْ حسابِهِمْ في وقتٍ قصيرٍ منْ موْقِفٍ منْ مواقِفِ القيامةِ. > سيرة الانبياء والصالحين: فيَومُ القيامةِ كلُّهُ خمسونَ ألفَ سنة. فلوْ كانَ حسابُ اللهِ تعالى لخلْقِهِ منْ إنسٍ وجنٍّ بالحرفِ والصوتِ واللغةِ ما كانَ ينتهي منْ حسابِهِمْ في مائةِ ألفِ سنة لأنَّ الخَلقَ كثير. بعضُ الجِنِّ يعيشونَ آلافًا منَ السنين فلوْ كانَ حسابُ الخَلقِ بالحرفِ والصوتِ لكانَ إبليسُ وحْدَهُ يأخُذُ حسابُهُ وقتًا كثيرًا طويلًا، لأنَّ إبليسَ يجوزُ أنْ يكونَ عاشَ مائةَ ألفِ سنة ولا يموتُ إلا يومَ النّفخةِ. 

وحسابُ العبادِ ليسَ على القولِ فقط بلْ على القولِ والفعلِ والاعتقادِ. وكذلك منَ الإنسِ مَنْ عاشَ ألفَيْ سنة، ومنهمْ مَنْ عاشَ ألفًا وزيادة. فلوْ كانَ حسابُهُمْ بالحرفِ والصوتِ لاسْتَغْرَقَ حسابُهُمْ زمانًا طويلًا جدًّا ولمْ يكن اللهُ أسرعَ الحاسبين واللهُ تعالى أخبرَ أنهُ أسرعُ الحاسبين، ولكانَ أبطَأ الحاسبين. واللهُ تعالى يقولُ عنْ نفسِهِ: {وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} معناهُ أنا أسرعُ  منْ كلِّ حاسب. ثمّ الحروفُ تتعاقبُ مهما كانت سريعةً تأخذُ شيئًا منَ الوقت.

وسبحانَ اللهِ وبحمدِهِ والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

الدعاء لي ولوالديا بالخير بارك الله فيكم