ستر العورات وحسن الخلق

بغية الطالب ج ٢ الدرس ١٧٩
ستر العورات وحسن الخلق

(وعن يزيدَ بنِ الأصَمّ قال سمعتُ أبا هُرَيرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُبصِرُ أحَدُكُم القَذاةَ في عَينِ أخِيْه ويَنسَى الجِذْلَ أو الجِذعَ في عَينِ نَفسِه”، قال أبو عُبَيد الجِذْلُ الخشبَةُ العَاليَةُ الكَبِيرَة. رواه البخاري في الأدب المفرد ورواه ابن حبان .قال ابن الأثير في النهاية: الجِذْلُ بالكَسرِ والفَتْح : أَصلُ الشَّجَرة يُقْطَع وقَد يُجْعَلُ العُودُ جِذْلًا.قال السِّندي في حاشيتِه على البخاري: والمرادُ به هنا الجِذعُ الذي يُربَطُ إليه الإبلُ الجَربَى وتَنضَمُّ إليه لتَحتَكَّ بهِ .)
 ( وعن أبي بَرْزَةَ الأسْلَمِيّ رضيَ الله عنه قال قالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “يا مَعْشَرَ مَن أسْلَم بلِسَانِه ولم يَخْلُصِ الإيمانُ إلى قَلبِه لا تَذُمُّوا المسلِمِينَ ولا تُعَيّرُوْهُم ولا تَتَّبِعُوا عَوراتِهم فإنَّه مَن يَلتَمِس عَورةَ أَخِيه يَتْبَعِ اللهُ عورَتهُ ومَن يَتْبَع اللهُ عَورَتَه يَفضَحْهُ حتى يَفضَحَهُ في بَطْنِ بَيتِه”. هذا حَديثٌ حسَنٌ أخرجَه أحمد.
(قال ملّا عليّ القاري: ذُكِرَ على سَبِيلِ المشَاكلَةِ أي يَكشِفُ عيُوبَه وقولُه يَفضَحْه أي يَكشِفْ مَسَاوِيْه، وقال الشِّهاب الرّملي في شرح أبي داود والمرادُ أنّه يفضَحُه ويكشِفُ حالَه وذنوبَه في المكان الذي يَستَتر فيهِ عن النّاس)

( أُوْصِيْكُمْ بالتَّطَاوُعِ، فَإِنَّ القليلَ مَعَ التَّطَاوُعِ كَثِيْرٌ، وَالكثيْرَ مَعَ عَدَمِ التَّطَاوُعِ قَلِيْلٌ. وَأُوْصِيْكُمْ بِالتَّحَآبِّ فِي اللهِ وَالتَّزَاوُرِ فِيْهِ، فَإِنَّ لِلْمُتَحَآبِّيْنَ فِي اللهِ درجَة عظيمةً، ثَبَتَ في الحديث القُدْسِيِّ: “وَجَبَتْ مَحَبَّتِيْ لِلْمُتَحَآبِّيْنَ فِيَّ والْمُتَزَاورِينَ فِيَّ والْمُتَجَالسِينَ فِيَّ”.
وَلْيَنْصَحْ بعضُكم بعضًا بالرِّفقِ والْحِكمةِ، وليَتَفَقَّدْ بعضُكم بعضًا وَلاَ سِيَّمَا إذَا طَالَتْ غَيْبَةُ أَخِيْكَ أَوْ نَزَلَتْ بِهِ مُصِيْبَةٌ أو اشتَدَّ به مرَضٌ، وأُوصِيكُم بالْحِلْمِ والعَفْوِ وأن يُعامِل أحدُكم أخَاه بِمَا يُحبُّ أن يعامِلَه به أخُوهُ من الصَّفْحِ والعَفْوِ ومقابَلَةِ الإسَاءَةِ بالإِحْسَانِ وهذَا شرطُ الإيْمَانِ الكَامِلِ الَّذِي يكونُ بِهِ الإِنسانُ مِنَ الَّذِيْنَ لا خوفٌ عليهم وَلاَ هُمْ يَحزَنُوْنَ. وَصَحَّ أنَّ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: “إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَديثِ وَلاَ تَحَسَّسُوْا ولا تَجَسّسوا ولا تَنَافَسُوْا ولا تَحَاسَدُوْا وَلاَ تَبَاغَضُوْا وَلاَ تَدَابَرُوْا وَكُوْنُوْا عِبَادَ اللهِ إِخْوَاناً”. [وَلاَ تَحَسَّسُوْا: اَلتَّحَسُّسُ التَّفْتِيْشُ عَنْ عيوبِ النَّاسِ بِالعَينِ]، وَفَّقَكُمُ اللهُ وَحَفِظَكُمْ”.” وأُوْصِيْكُمْ بِالتَّحَآبِّ وَالتَّوَآدِّ وَالتَّنَاصُحِ وَالتَّوَاصُلِ وَالتَّزَاوُرِ وَالتَّبَاذُلِ وَلَوْ بِشَىْءٍ قَلِيْلٍ. يَبذُل هذا لأَخِيْه سِوَاكًا أو شَيْئًا سَهْلاً ثُمَّ الآخَرُ يبذُل مَا تَيَسَّرَ لَهُ. إِنَّ التَّبَاذُلَ يُقَوِّي الْمَحَبَّةَ. وَالتَّزَاوُرُ مُهِمٌّ جِدًّا، لاَ يَمْضِ عَلَى أحدِكم مدَّةٌ واسِعَةٌ لَمْ يَرَ فيها أخَاه ولا سَأَلَ عَنْهُ.)
(ثم إنَّ للمُتَحَابّينَ في اللهِ لهم درجةٌ عظيمَةٌ،.ثبَتَ في الحديثِ القُدسيِّ: وجَبتْ محبَّتي للمتَحابّينَ فيّ والمتزاوِرينَ فيَّ والمتجالسِينَ فيَّ”رواه الحاكم والبيهقي والطبراني وغيرهم.
ووردَ مَرفُوعًا: تصَافَحُوا يَذهَبِ الغِلُّ وتهَادَوا تحَابُّوا وتَذْهَبِ الشَّحْنَاءُ “.رواه مالك في الموطإ من حديث أبي مسلم عبد الله الخُراساني.
ورواه ابن عساكر بلفظ: تَهادَوا تحابُّوا وتصافحوا يذهب الغِلُّ عنكم”
(قال في المنتقى شرح الموطأ: قولُه يذهبِ الغِلّ يريد والله أعلم العداوة.) )
( وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمِنُ مِرءَاةُ أَخِيهِ المؤمِن”رواه البخاري في الأدب المفرد.
مَعنَاهُ يَنصَحُهُ لا يَترُكُه، إنْ رَءاهُ على باطِلٍ يَنصَحُه حتى يُصْلِح حَالَه، المِرءَاةُ أَليسَ تَكشِفُ مَا يَكونُ في وَجهِ الإنسانِ ممّا لا يُعْجِبُ لِيُزَالَ، الرسولُ شَبّهَ المؤمنَ بالمِرءاةِ، مَعناهُ المؤمنُ يَدُلُّ أخَاه لإزالةِ مَا فيه مِنَ الأمرِ القَبِيح، يَقولُ لهُ اترُكْ هَذا الفِعْلَ، لا يَترُكُه علَى ما هوَ عَليه بل يُبَيّنُ لَهُ.
(وفي لفظٍ: المؤمنُ مِرءاة أخِيه، والمؤمنُ أَخُو المؤمنِ يَكُفُّ عَليه ضَيعتَه ويَحُوطُه مِن وَرائه”رواه أحمد وأبو داود.
وفي لفظٍ: إنّ أحَدَكُم مِرءاةُ أَخِيه فإذا رَأى بهِ شَيئًا فلْيُمِطْهُ عنهُ”رواه الترمذي وغيره.)40115:47

قال الْمُناويّ: قولُه يَكُفُّ علَيه ضَيْعَتَهُ”أي يَجمَعُ عَليه معيشتَه ويَضُمُّها له،”ويحُوطُه مِن وَرائِه”أي يحفَظُهُ ويَصُونُه ويَذُبُّ عنهُ في غَيبَتِه بقَدر الطّاقَةِ.))
وأوصيكم بحُسنِ الخُلُق وحُسنُ الخُلقِ أَمرٌ واسِعٌ لا بُدَّ للوُصُولِ إلى ذلكَ مِن تحَمُّلِ أذَى الغَيرِ وكَفِّ الأذَى عن الغَيرِ وبَذلِ المعرُوفِ لمن يَعرِفُ لَهُ ولمن لا يَعرِفُ لَهُ، إذا التَزمتُم هذا الحديثَ فعَمِلتُم به صِرتُم منَ الفَائزِينَ تَكونُونَ ارتَقيتُم إلى المعَالي، ثم بمعنى هَذا الحديثِ في بعضِ نَواحِيهِ حَديثٌ ءاخَرُ وهو: “مَا كَانَ الرِّفقُ في شَىءٍ إلا زَانَهُ”رواه البخاري في الأدب المفرد وابن حبان.
(عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنّ الرِّفقَ لا يَكونُ في شَىءٍ إلا زَانَهُ ولا يُنزَعُ مِن شَىءٍ إلا شَانَهُ”) والشَّين العيب.
وفي لفظٍ ءاخَرَ: “إنّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفقَ في الأَمرِ كُلِّهِ”رواه البخاري والطبراني والنسائي والبيهقيُّ وابنُ حبان.
مَعنى الرِّفقِ هوَ العَملُ بالوجْهِ الأحسَنِ كالصّبرِ على مُعَامَلةِ النّاسِ.
وقَد سَمعتُم قَبلَ هَذا الحَديثَ الذي أخرجَه البَيهقيُّ: “المؤمنُ كالجمَلِ الأنِفِ إنْ قِيْدَ انْقَادَ وإنِ استُنِيخَ على صَخْرَةٍ استَناخَ” الجَمَلُ الأنِفُ أي الذي في أَنفِه قُرحَةٌ إنْ قَادَه الصّغِيرُ أو الكَبِيرُ يَنقَادُ لَهُ، إن أثَارَهُ يَثُورُ وإن أَبْرَكَه يَبرُكُ، لَو أَبْرَكَه على صَخْرةٍ يَبرُكُ، مَعنى الحديثِ أنّ المؤمنَ لِيَكُن لَيِّنًا في يَدِ أَخِيهِ فِيمَا لَيسَ فيه مَعصِيةُ اللهِ، يُطاوِعُهُ لا يترَفَّعُ عَليهِ، فيتَحَبّبُ إليه. مَن عَمِلَ بهذا فَازَ وبَلغَ إلى المعَالي. فأَلزِمُوا أَنفُسَكُم العَملَ بهذا، إنْ فَعلتُم ذلكَ تَبلُغوا المعَالي، الدّرجاتِ العُلَى. وإنْ لم تَعمَلُوا بذَلكَ كانَ الأمرُ على العَكسِ.

الشرح : بصوت الشيخ الدكتور عبد الرزاق الشريف حفظه الله تعالى.