الملك المظفر أبو سعيد كوكبري

الملك المظفر المجاهد الزاهد، والمبدع في عمل الموالد والموائد

1-مظفر الدين أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين بن محمد

27 محرم 549 هـ/1153 م – 14 رمضان 630 هـ/1232م

حاكم أربيل في عهد صلاح الدين الأيوبي. ولد الملك المظفر في إربيل وهي قلعة حصينة ومدينة كبيرة من أعمال الموصل تبعد عنها مسيرة يومين ليلة السابع والعشرين من محرم سنة خمسمائة وتسع وأربعين للهجرة التحق بخدمة السلطان صلاح الدين الأيوبي وغزا معه فأحبه وزاده «الرّها» وزوجه بأخته ربيعة، ( ).

2-بطولته وشجاعته:

وما نقل أنه انهزم في حرب، وقد ذكر هذا وأمثاله ابن خلكان، واعتذر من التقصير.في حقه.

وأبان عن شجاعة يوم حطين،

شارك “مظفر الدين” في معظم الحروب التي خاضها صلاح الدين ضد الصليبيين بدءًا من فتح “حصن الكرك” سنة 580هـ/1184 م من صاحبه “أرناط” والذي كثيرا ما يتعرض للقوافل التجارية بالسلب والنهب.

كما تولى قيادة جيوش الموصل والجزيرة في معركة حطين ويذكر أنه هو الذي أوحى بفكرة

إحراق الحشائش التي كانت تحيط بأرض المعركة حين وجد الريح في مواجهة جيش الصليبيين كما يذكر التاريخ نجاح خطته ووضوح أثرها في هزيمة الجيش الصليبي.

3-صفاته وأخلاقه

ذكر ابن خلكان عنه قال « كان متواضعًا، خيّرًا يحب الفقهاء والمحدثين وربما أعطى الشعراء، وما نُقل أنه انهزم في حرب».

وكان من أكثر الملوك تدينًا وأجودهم وأكثرهم برًا، وكان عالـمًا تقيًا شجاعًا.

جمع له [ الشَّيْخُ، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ أَبُو الخَطَّابِ عُمَرُ بنُ حَسَنٍ الكَلْبِيُّ ]ابن دحية (كتاب المولد)، فأعطاه ألف دينار.

قال فيه ابن خلكان: «وأما سيرته فكان له في فعل الخير عجائب لم نسمع أنَّ أحدًا فعل في ذلك مثل ما فعله».

وكان لا يتعاطى المنكر ، ولا يمكّنُ من إدخاله البلد.

4-حبُّه للصدقة:

وكان يحب الصدقة وكان له في كل يوم قناطير مقنطرة من الخبز يفرقها على المحاويج في عدة مواضع في البلد، وإذا نزل من الركوب يكون قد اجتمع جمع كثير عند الدار فيدخلهم إليه ويدفع لكل واحد كسوة على قدر الفصل من الصيف والشتاء ومعها شيء من الذهب ، 

5-أعماله الخيرية الكثيرة والمتنوعة:

يذكر الحافظ الذهبي في سيره،أنه:

1-كان يفرّق كل يوم قناطير خبز ، ويكسو في العام خلقاً ويعطيهم دينارا ،ودينارين،

2-وبنى أربع خوانك للزمنى[المرضى الذين لا يرجى شفاؤهم] والأضرِّاء[العميان]، وكان يأتيهم كل اثنين وخميس، ويسأل كل واحد عن حاله، ويتفقده، ويباسطه، ويمزح معه. 3-وبنى دارا للنساء، ودارا للأيتام، ودار للقطاء، ورتب بها المراضع. وكان يدور على مرضى البيمارستان.

4-دار الضيافة: وله دار مضيف ينزلها كل وارد، ويعطَى كل ما ينبغي له. وإذا عزم الإنسان على السفر أعطاه نفقة تليق بمثله.

هـ وبنى مدرسة للشافعية والحنفية، وكان يمد بها السماط،[موائد الطعام]

ويحضر السماع كثيراً، لم يكن له لذة في شيء غيره. وكان يمنع من دخول منكر بلده،

5- وبنى للصوفية رباطين، [والرباط: المكان الذي يلتقي فيه صالحو المؤمنين لعبادة الله وذكره، والتفقه في أمور الدين. ] وكان ينزل إليهم لأجل السماعات.

6-كان في السنة يفتكُّ أسرى بجملة، [أيّ يفك عددا كثيراً من أسرى المسلمين] وكان يُسيّر في كل سنة دفعتين من جماعة من أصحابه وأمنائه إلى بلاد الساحل ومعهم جملة مستكثرة من المال يُفَكّ بها أسرى المسلمين من أيدي الكفار.

7-ويخرج سبيلا للحج، [أي يعين الحجاج في طرق الحج ]

8-ويبعث للمجاورين[ في الحرمين الشريفين ] بخمسة آلاف دينار،

9- وله بمكة آثار جميلة فهو أول من أجرى الماء إلى جبل عرفات وعمل بالجبل مصانع للماء، 

10-وهو الذي عمّر الجامع المظفري بسفح قاسيون، كما ذكر ذلك السيوطي في «الحاوي للفتاوى».

6-احتفاء الخليفة العباسي به:

قال ابن الساعي « أخذ مفاتيح إربل وقلاعها وسلّم ذلك إلى المستنصر[الخليفة العباسي ببغداد] في أول سنة ثمان وعشرين[وستمائة]، فاحتفلوا له، واجتمع بالخليفة وأكرمه وقلّده سيفين ورايات وخلعًا وستين ألف دينار . 

-ومن آثاره الحسنة أيضًا أنه – أول من أحدث الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم وجمع لهذا كثيرًا من العلماء، فيهم من أهل الحديث والصوفية الصادقين، فاستحسن ذلك العمل العلماء في مشارق الأرض ومغاربها :

كالحافظ أحمد بن حجر العسقلاني وتلميذه الحافظ السخاوي، وكذلك الحافظ السيوطي.

7-وصفٌ للاحتفال العظيم بالمولد النبوي الشريف:

يتابع الحافظ الذهبي فيقول:

أ- وأما احتفاله بالمولد، فيقصر التعبير عنه؛ كان الخلق يقصدونه من العراق والجزيرة،

ب-ساحة العرض:

وتنصبُ قباب خشب له ولأمرائه وتزيَّن، وينزل كل يوم العصر، فيقف على كل قبة ويتفرَّج، ويعمل ذلك أياماً، وقيل إن الخلق كانوا يقصدونه في المولد من العراق والجزيرة وكانت تُنصب قباب خشب له ولأمرائه وتزيّن، وفيها جُوَق المدائح والنوبات، وينزل كل يوم عند العصر فيقف على كل قبة ويتفرج، ويفعل ذلك أيامًا، ويتكلم الوعاظ في الميدان

ج-الموائد والكرم الزائد بمناسبة ذكرى المولد

ويخرج من البقر والإبل والغنم شيئا كثيرا، وزفّها بجميع ما عنده من الطبول حتى يأتي بها الميدان، ثم يشرعون في نحرها وينصبون القدور ويطبخون الألوان المختلفة ، ويعمل عدة خلع للصوفية، ويتكلم الوعاظ في الميدان، فينفق أموالا جزيلة.

قال السبط[ابن الجوزي]: حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد كان يمد في ذلك السماط:

-مائة فرس قشلميش.كذا

– خمسة آلاف رأس مشوي،

-وعشرة آلاف دجاجة،

-ومائة ألف زبدية،

-وثلاثين ألف صحن حلوى،

قال: وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية فيخلع عليهم

وكانت له دار ضيافة للوافدين من أي جهة على أي صفة،

وكانت صدقاته في جميع القُرَب والطاعات على الحرمين وغيرهما،

ويفك من الفرنج في كل سنة خلقاً من الأسارى.

حتى قيل إن جملة من استفكه من أيديهم ستون ألف أسير،

8-ثناء مؤرخي الإسلام عليه

أ-أوردنا الكثير مما قاله الحافظ الذهبي عنه، وكذا سبط ابن الجوزي.

ب-قال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» بعد كلام طويل وثناء جميل: «قال جماعة من أهل إربل: كانت نفقته على المولد في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار، وعلى الأسرى مائتين ألف دينار، وعلى دار المضيف مائة ألف دينار، وعلى الحرمين والسبيل وعرفات ثلاثين ألف دينار، غير الصدقة في رمضان بقلعة إربل».

ج- ويذكره الحافظ ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية بالثناء العاطر، فيقول عنه :

أحد الأجواد والسادات الكبراء والملوك الأمجاد، له آثار حسنة وقد عمر الجامع المظفري بسفح قاسيون، وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلا.

وكان مع ذلك شهما شجاعا فاتكا بطلا عاقلاً عالما عادلاً رحمه الله وأكرم مثواه.

وقد طالت مدته في الملك في زمان الدولة الصلاحية [دولة صلاح الدين الأيوبي ]،

9-الملك الزاهد:

قالت: زوجته ربيعة خاتون بنت أيوب – وكان قد زوجه إياها أخوها صلاح الدين، لما كان معه على عكا – قالت: كان قميصه لا يساوي خمسة دراهم …!!

فعاتبته بذلك فقال: لبسي ثوباً بخمسة وأتصدق بالباقي خيرٌ من أن ألبس ثوبا مُثمَّناً، وأدعُ الفقير المسكين،

10-كثرة النفقات في أبواب الخيرات

1-وكان يصرف على المولد في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار،

2-وعلى دار الضيافة في كل سنة مائة ألف دينار.

3-وعلى الحرمين والمياه بدرب الحجاز ثلاثين ألف دينار .

4-سوى صدقات السر، رحمه الله تعالى،

11-مولده ووفاته: 

مولده :في المحرم، سنة تسع وأربعين وخمس مائة،[549]هجرية بإربل.مدينة في شمال العراق

وفاته: قال ابن خلكان: مات ليلة الجمعة، رابع عشر رمضان، سنة ثلاثين وست مائة [630]

.وكانت وفاته بقلعة إربل، وأوصى أن يحمل إلى مكة فلم يتفق فدفن بمشهد علي.اهـ بالكوفة.

قال ابن خلكان: «مات ليلة الجمعة في الرابع عشر من رمضان سنة ثلاثين وستمائة، وحُمل في نعش مع الحجاج إلى مكة، وكان قد أعد قبة تحت جبل يدفن فيها، فاتفق أن الوفد رجعوا تلك السنة لعدم وجود الماء فدفن بالكوفة رحمه الله تعالى عن عمر اثنتين وثمانين سنة.

وقد أوصى ببلاده من بعده إلى الخليفة العباسي المستنصر في بغداد.

مصادر البحث:

1-سير أعلام النبلاء – الذهبي – ج ٢٢ – الصفحة ٣٣4 وما بعدها صاحب إربل 203 رقم 2-البداية والنهاية الحافظ ابن كثير الدمشقي

3-الكامل في التاريخ »

4-مرآة الزمان سبط الجوزي: 8 / 683.

5-دار الإفتاء -استراليا.

الملك المظفر أبو سعيد كوكبري

هاكم شيئا من سيرته


1- من سير أعلام النبلاء: صاحب إربل، كوكبري بن علي التركماني: السلطان الدين، الملك المعظم، مظفر الدين، أبو سعيد كوكبري بن علي بن بكتكين بن محمد التركماني، صاحب إربل، وابن صاحبها وممصرها الملك زين الدين علي كوجك… وكان محبا للصدقة، له كل يوم قناطير خبز يفرقها، ويكسو في العام خلقا ويعطيهم دينارا ودينارين، وبنى أربع خوانك للزمنى والأضراء، وكان يأتيهم كل اثنين وخميس، ويسأل كل واحد عن حاله، ويتفقده، ويباسطه، ويمزح معه. وبنى دارا للنساء، ودارا للأيتام، ودارا للقطاء، ورتب بها المراضع. وكان يدور على مرضى البيمارستان. وله دار مضيف ينزلها كل وارد، ويعطى كل ما ينبغي له. وبنى مدرسة للشافعية والحنفية، وكان يمد بها السماط، ويحضر السماع كثيرا، لم يكن له لذة في شيء غيره. وكان يمنع من دخول منكر بلده، وبنى للصوفية رباطين، وكان ينزل إليهم لأجل السماعات. وكان في السنة يفتك أسرى بجملة، ويخرج سبيلا للحج، ويبعث للمجاورين بخمسة آلاف دينار، وأجرى الماء إلى عرفات. وأما احتفاله بالمولد، فيقصر التعبير عنه؛ كان الخلق يقصدونه من العراق والجزيرة، وتنصب قباب خشب له ولأمرائه وتزين، وفيها جوق المغاني واللعب، وينزل كل يوم العصر، فيقف على كل قبة ويتفرج، ويعمل ذلك أياما، ويخرج من البقر والإبل والغنم شيئا كثيرا، فتنحر، وتطبخ الألوان، ويعمل عدة خلع للصوفية، ويتكلم الوعاظ في الميدان، فينفق أموالا جزيلة.

وقد جمع له ابن دحية (كتاب المولد)، فأعطاه ألف دينار. وكان متواضعا، خيرا، سنيا، يحب الفقهاء والمحدثين، وربما أعطى الشعراء، وما نقل أنه انهزم في حرب، وقد ذكر هذا وأمثاله ابن خلكان، واعتذر من التقصير. مولده: في المحرم، سنة تسع وأربعين وخمس مائة، بإربل…. قال ابن خلكان: مات ليلة الجمعة، رابع عشر رمضان، سنة ثلاثين وست مائة، وعمل في تابوت، وحمل مع الحجاج إلى مكة، فاتفق أن الوفد رجعوا تلك السنة؛ لعدم الماء، فدفن بالكوفة – رحمه الله تعالى – وعاش اثنتين وثمانين سنة.

2- من البداية والنهاية:

الملك المظفر أبو سعيد كوكبري ابن زين الدين علي بن تبكتكين أحد الأجواد والسادات الكبراء والملوك الأمجاد، له آثار حسنة وقد عمر الجامع المظفري بسفح قاسيون، وكان قدهم بسياقه الماء إليه من ماء بذيرة فمنعه المعظم من ذلك، واعتل بأنه قد يمر على مقابر المسلمين بالسفوح، وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالا هائلا. وكان مع ذلك شهما شجاعا فاتكا بطلا عاقلا عالما عادلا رحمه الله وأكرم مثواه. وقد صنف الشيخ أبو الخطاب ابن دحية له مجلدا في المولد النبوي سماه: (التنوير في مولد البشير النذير)، فأجازه على ذلك بألف دينار، وقد طالت مدته في الملك في زمان الدولة الصلاحية، وقد كان محاصر عكا وإلى هذه السنة محمود السيرة والسريرة. قال السبط: حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة ألف زبدية، وثلاثين ألف صحن حلوى، قال: وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية فيخلع عليهم ويطلق لهم ويعمل للصوفية سماعا من الظهر إلى الفجر، ويرقص بنفسه معهم، وكانت له دار ضيافة للوافدين من أي جهة على أي صفة، وكانت صدقاته في جميع القرب والطاعات على الحرمين وغيرهما، ويتفك من الفرنج في كل سنة خلقا من الأسارى. حتى قيل إن جملة من استفكه من أيديهم ستون ألف أسير، قالت: زوجته ربيعة خاتون بنت أيوب – وكان قد زوجه إياها أخوها صلاح الدين، لما كان معه على عكا – قالت: كان قميصه لا يساوي خمسة دراهم فعاتبته بذلك فقال [لبسي ثوبا بخمسة وأتصدق بالباقي خير من أن البس ثوبا مثمنا وأدع الفقير المسكين]، وكان يصرف على المولد في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار، وعلى دار الضيافة في كل سنة مائة ألف دينار. وعلى الحرمين والمياه بدرب الحجاز ثلاثين ألف دينار سوى صدقات السر، رحمه الله تعالى، وكانت وفاته بقلعة إربل، وأوصى أن يحمل إلى مكة فلم يتفق فدفن بمشهد علي.اهـ

صاحب إربل

السلطان الدين الملك المعظم مظفر الدين أبو سعيد كوكبري بن علي بن بكتكين بن محمد التركماني صاحب إربل وابن صاحبها وممصرها الملك زين الدين علي كوجك ، وكوجك هو اللطيف القد ، كان كوجك شهما شجاعا مهيبا ، تملك بلادا كثيرة ، ثم وهبها لأولاد صاحب [ ص: 335 ] 

الموصل ، وكان يوصف بقوة مفرطة ، وطال عمره ، وحج هو والأمير أسد الدين شيركوه بن شاذي ، وتوفي في سنة ثلاث وستين وخمسمائة وله أوقاف وبر ومدرسة بالموصل . فلما مات تملك إربل ابنه هذا وهو مراهق ، وصار أتابكه مجاهد الدين قيماز ، فعمل عليه قيماز وكتب محضرا بأنه لا يصلح للملك وقبض عليه وملك أخاه زين الدين يوسف ، فتوجه مظفر الدين إلى بغداد فما التفتوا عليه ، فقدم الموصل على صاحبها سيف الدين غازي بن مودود ، فأقطعه حران ، فبقي بها مديدة ، ثم اتصل بخدمة السلطان صلاح الدين ، وغزا معه ، وتمكن منه ، وأحبه ، وزاده الرها ، وزوجه بأخته ربيعة واقفة الصاحبية . وأبان مظفر الدين عن شجاعة يوم حطين ، وبين ، فوفد أخوه صاحب إربل على صلاح الدين نجدة فتمرض ومات على عكا فأعطى السلطان مظفر الدين إربل وشهرزور ، واسترد منه حران والرها .

وكان محبا للصدقة ، له كل يوم قناطير خبز يفرقها ، ويكسو في العام خلقا ويعطيهم دينارا ودينارين ، وبنى أربع خوانك للزمنى والأضراء ، وكان يأتيهم كل اثنين وخميس ويسأل كل واحد عن حاله ويتفقده ويباسطه ويمزح معه . وبنى دارا للنساء ، ودارا للأيتام ، ودارا للقطاء ، ورتب بها المراضع . وكان يدور على مرضى البيمارستان . وله دار مضيف ينزلها كل وارد ، ويعطى كل ما ينبغي له . وبنى مدرسة للشافعية والحنفية وكان يمد بها السماط ، ويحضر السماع كثيرا ، لم يكن له لذة في شيء غيره . وكان يمنع من دخول منكر بلده ، وبنى للصوفية رباطين ، وكان ينزل إليهم لأجل السماعات . وكان في السنة يفتك أسرى بجملة ويخرج سبيلا للحج ، ويبعث للمجاورين بخمسة آلاف دينار ، وأجرى الماء إلى عرفات . [ ص: 336 ]

وأما احتفاله بالمولد فيقصر التعبير عنه ; كان الخلق يقصدونه من العراق والجزيرة وتنصب قباب خشب له ولأمرائه وتزين ، وفيها جوق المغاني واللعب ، وينزل كل يوم العصر فيقف على كل قبة ويتفرج ، ويعمل ذلك أياما ، ويخرج من البقر والإبل والغنم شيئا كثيرا فتنحر وتطبخ الألوان ، ويعمل عدة خلع للصوفية ، ويتكلم الوعاظ في الميدان ، فينفق أموالا جزيلة . وقد جمع له ابن دحية ” كتاب المولد ” فأعطاه ألف دينار .

وكان متواضعا ، خيرا ، سنيا ، يحب الفقهاء والمحدثين ، وربما أعطى الشعراء ، وما نقل أنه انهزم في حرب ، وقد ذكر هذا وأمثاله ابن خلكان واعتذر من التقصير . مولده في المحرم سنة تسع وأربعين وخمسمائة بإربل .

قال ابن الساعي : طالت عليه مداراة أولاد العادل ، فأخذ مفاتيح إربل وقلاعها وسلم ذلك إلى المستنصر في أول سنة ثمان وعشرين ، قال : فاحتفلوا له ، واجتمع بالخليفة وأكرمه ، وقلده سيفين ورايات وخلعا وستين ألف دينار .

وقال سبط الجوزي كان مظفر الدين ينفق في السنة على المولد ثلاث مائة ألف دينار ، وعلى الخانقاه مائتي ألف دينار ، وعلى دار المضيف مائة ألف . وعد من هذا الخسف أشياء . [ ص: 337 ]

وقال : قال من حضر المولد مرة : عددت على سماطه مائة فرس قشلميش ، وخمسة آلاف رأس شوي ، وعشرة آلاف دجاجة ، ومائة ألف زبدية ، وثلاثين ألف صحن حلواء .

قلت : ما أعتقد وقوع هذا ، فعشر ذلك كثير جدا . وقد حدث عن حنبل المكبر .

قال ابن خلكان مات ليلة الجمعة رابع عشر رمضان سنة ثلاثين وستمائة وعمل في تابوت ، وحمل مع الحجاج إلى مكة فاتفق أن الوفد رجعوا تلك السنة لعدم الماء ، فدفن بالكوفة -رحمه الله تعالى- وعاش اثنتين وثمانين سنة .

وعاش أبوه فوق المائة ، وعمي وأصم ، وكان من كبار الدولة الأتابكية ، ما انهزم قط . ومدحه الحيص بيص ، فقال : ما أعرف ما تقول ، ولكني أدري أنك تريد شيئا ! وأمر له بخلعة وفرس وخمس مائة دينار .

606 – كوكبوري بن علي بن بكتكين بن محمد، السلطان الملك المعظم مظفر الدين أبو سعيد ابن صاحب إربل الأمير زين الدين أبي الحسن علي كوجك التركماني،

606 – كوكبوري بن عليّ بن بكتكين بن محمد، السُّلطان الملك المعظم مُظَفَّر الدِّين أبو سعيد ابن صاحب إربل الأمير زين الدِّين أبي الحَسَن عليّ كوجك التركماني، [المتوفى: 630 هـ]

وكوجك: لفظ أعجمي معناه لطيف القد.

كَانَ شجاعًا، شهمًا، ملك بلادًا كثيرة – أعني عليّ كوجك – ثمّ فرَّقها على أولاد الملك قطب الدِّين مودود صاحب المَوْصِل. وكان موصوفًا بالقوة المفرطة، وطال عُمره، وحجَّ هُوَ والأمير أسد الدِّين شيركوه بن شاذي في سَنَةِ خمسٍ وخمسين وخمسمائة، ومات في آخر سَنَة ثلاثٍ وستّين بإربل، ولَهُ مدرسةٌ بالمَوْصِل وأوقاف.

فلمّا مات ولي إربل مظفر الدِّين هذا وهُوَ ابن أربع عشرة سَنَة. وكان -[931]- أتابكَه مجاهد الدِّين قايماز، ثمّ تعصَّب عليه مجاهد الدّين وكتب محضرًا أنَّه لا يَصلح واعتقلَه، وشاور الخليفة في أمره. وأقام موضعه أخاه زين الدِّين يوسف بن عليّ، وطردَ مظفّر الدِّين عن البلاد فتوجّه إلى بغداد، فلم يلتفتوا عليه، فقَدِمَ المَوْصِل، وبها الملكُ سيفُ الدِّين غازي بن مودود، فأقطعه حَرَّان، فأقام بها مُدَّةً، ثمّ اتّصل بخدمة السُّلطان صلاح الدِّين، ونفقَ عليه، وتمكّن منه، وزاد في إقطاعه الرُّها سَنَة ثمانٍ وسبعين، وزوَّجه بأخته ربيعةَ خاتون وكانت قبلَه عند سَعْد الدِّين مسعود ابن الأمير مُعين الدِّين أُنر الّذي يُنسب إليه قصر مُعين الدِّين. وتُوُفّي سعدُ الدِّين في سَنَةِ إحدى وثمانين وخمسمائة.

وشهِد مظفّر الدِّين مع السُّلطان صلاح الدِّين مواقف كثيرةً أبان فيها عن نجدةٍ وقوّةٍ، وثبتَ يوم حطّين، وبيَّن. ثمّ وفد أخوه زين الدّين يوسف على صلاح الدّين نجدة، وخدمةً من إربل، فمرض في العسكر على عكّا وتوفّي في رمضان سَنَة ستٍّ وثمانين. فاستنزل صلاح الدِّين مظفّر الدِّين عن حَرَّان والرُّها ففعل، وأعطاه إربل وشهرَزور فسارَ إليها وقدِمها في آخر السنة.

ذكره القاضي شمس الدِّين وأثنى عليه، وقال: لم يكن شيء أحبّ إليه من الصَّدقة، وكان لَهُ كلّ يوم قناطير مُقنْطرة من الخُبز يفرِّقها، ويكسو في السنة خَلقًا ويُعطيهم الدِّينار والدِّينارين. وبنى أربع خَوانِك للزُّمنى والعُميان، وملأها بهم، وكان يأتيهم بنفسه كلَّ خميس واثنين، ويدخلُ إلى كلّ واحد في بيته، ويسأله عن حاله، ويتفقّده بشيءٍ، وينتقل إلى الآخر حَتّى يدور على جميعهم، وهُوَ يُباسطهم ويمزَح معهم. وبنى دارًا للنِّساء الأرامل، ودارًا للضعفاء الأيتام، ودارًا للملاقيط رتَّب بها جماعة من المراضع. وكان يدخل البيمارستان. ويقف على كل مريض مريض ويسألُه عن حاله. وكان لَهُ دارٌ مَضيف يدخل إليها كلّ قادم من فقيرٍ أو فقيهٍ فيها الغداءُ والعشاءُ، وإذا عزمَ -[932]- على السفر، أعطوه ما يليقُ به. وبني مدرسةً للشافعية والحنفية وكان يأتيها كلَّ وقتٍ، ويعمل بها سماطًا ثمّ يَعمل سماعًا، فإذا طاب وخلعَ من ثيابه سيَّر للجماعة شيئًا من الإنعام، ولم تكن لَهُ لذّةٌ سوى السَّماع، فإنَّه كَانَ لا يتعاطى المُنكر، ولا يمكن من إدخاله البلد. وبنى للصّوفية خانقاتين، فيهما خلقٌ كثير، ولهما أوقافٌ كثيرة، وكان ينزل إليهم ويعمل عندهم السَّماعات. وكان يبعثُ أُمناءَه في العام مرتين بمبلغ يَفْتَكُّ به الأَسرى، فإذا وصلوا إليه أعطى كلَّ واحد شيئًا. ويُقيم في كلَّ سَنَة سبيلًا للحجّ، ويبعث في العام بخمسة آلاف دينارٍ للمُجاورين. وهُوَ أوّل من أجرى الماءَ إلى عَرفات، وعمِل آبارًا بالحجاز، وبنى لَهُ هناك تُربةً.

قال: وأمَّا احتفالُه بالمَولد، فإنَّ الوَصْف يَقْصُر عن الإحاطة به، كَانَ الناسُ يقْصدُونه من المَوْصِل، وبغداد، وسِنجار، والجزيرة، وغيرها خلائق من الفُقهاء والصُّوفية والوعّاظ والشعراء، ولا يزالون يتواصلون من المحرَّم إلى أوائل ربيع الأوّل ثمّ تُنْصب قِباب خَشب نحو العشرين، منها واحدةً لَهُ، والباقي لأعيان دولته، وكلُّ قبة أربع خمس طبقات ثمّ تزيّن من أوّلِ صفر، ويقعد فيها جَوْق المغاني والمَلاهي وأَرْبابُ الخَيال، ويبطل معاشُ النَّاس للفُرجة. وكان ينزل كلَّ يومٍ العصر، ويقف على قُبَّة قُبة، ويسمع غِناءهم، ويتفرَّج على خيالاتهم، ويبيت في الخانقاه يعمل السَّماع، ويركب عَقيب الصُّبح يتصيَّدُ، ثمّ يرجع إلى القلعة قبل الظُّهر، هكذا يفعلُ كلّ يوم إلى ليلة المولد، وكان يعمله سنةً في ثامنٍ الشهر وسَنةَ في ثاني عشرة للاختلاف، فيُخرجُ من الإِبل والبقَر والغنم شيئًا زائدًا عن الوصف مزفوفة بالطّبول والمغاني إلى الميدان، ثمّ تُنحر وتُطبخُ الألوان المختلفة، ثمّ ينزلُ وبين يديه الشُّموع الكبيرة وفي جملتها شمعتان أو أربع – أشكّ – من الشموع الموكبية التي تحمل كلُّ واحدةٍ على بغلٍ يسنِدُها رجل، حَتّى إذا أتى الخانقاه نزل. وإذا كَانَ صبيحةُ يوم -[933]- المولد أنزلَ الخِلع من القَلْعة على أيدي الصُّوفية في البُقَج، فينزل شيءٌ كثير، ويجتمع الرؤساء والأعيان وغيرهم، ويَتَكَلَّم الوعاظُ، وقد نُصبَ لَهُ برج خَشب لَهُ شبابيك إلى النَّاس وإلى المَيدان وهُوَ مَيدان عظيم يَعْرض الْجُند فيه يومئذٍ ينظر إليهم تارةٍ وإلى الوعّاظ تارةً، فإذا فرغ العَرضُ، مدَّ السِّماط في المَيدان للصّعاليك وفيه من الطّعام شيء لا يحدٌ ولا يُوصَف، ويمدُّ سماطًا ثانيًا في الخانقاه للناس المجتمعين عند الكُرسي، ولا يزالون في الأكل ولُبْس الخِلع وغير ذلك إلى العصر، ثمّ يبيتُ تلك الليلة هناك، فيعمل السّماعات إلى بُكْرة.

وقد جمع لَهُ أبو الخطّاب بن دِحية أخبارَ المولد، فأعطاه ألف دينار.

وكان كريمَ الأخلاق، كثيرَ التواضع، مائلًا إلى أهل السُّنَّة والجماعة، لا يَنْفُقُ عنده سوى الفقهاء والمحدّثين، وكان قليلَ الإقبال على الشِّعر وأهلِه. ولم يُنقل أنَّه انكسر في مصافٍّ.

ثمّ قال: وقد طوَّلت ترجمته لِما لَهُ علينا من الحقوق التي لا نقدر على القيام بشكره، ولم أذكر عنه شيئًا على سبيل المُبالغة، بل كلُّ ذلك مشاهدة وعِيان. وُلِدَ بقلعة إربل في المحرَّم سنة تسعٍ وأربعين وخمسمائة.

وقال ابن السَّاعي: طالت على مظفّر الدِّين مراعاة أولاد العادل ولم يجد منهم إعانةَ على نوائبه كما كَانَ هُوَ لهم في حروبهم. فأخذَ مفاتيحَ إربل وقِلاعها وسارَ إلى بغداد وسلَّم ذلك إلى المستنصر بالله في أوّل سَنَة ثمانٍ وعشرين فاحتفلوا لَهُ، وجلسَ لَهُ الخليفةُ، ورُفِعَ لَهُ السَّتر عن الشُّبّاك فقبَّل الكلَّ الأرضَ ثمّ طلعَ إلى كرسيَّ نُصب لَهُ وسلَّم وقرأ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينكم} .. الآية. فردَّ عليه المُستنصر السّلامَ، فقبّل الارضَ مِرارًا. فقال المستنصر: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مكينٌ أمينٌ}. وقال ما معناه: ثبت عندنا إخلاصك في العبودية. ثمّ أسبلت السّتارة، ثمّ خلعوا على مظفّر الدّين وقُلِّدَ سيفين، ورُفِعَ وراءه سَنجقان مذهبّة. ثمّ اجتمع بالخليفة يومًا آخر، -[934]- وخُلع أيضًا عليه، ثمّ أُعطي راياتٍ وكوساتٍ، وستّين ألف دينار، وخَلعوا على خواصّه.

قلتُ: وأمّا أبو المظفّر الجوزيّ فقال في ” مرآة الزمان ” – والعُهدة عليه، فإنَّه خسَّاف مُجازف لا يتورع في مقاله -: كَانَ مظفّر الدِّين ابن صاحب إربل ينفق في كلِّ سَنَة على المولد ثلاثمائة ألف دينار، وعلى الخانقاه مائتي ألف، وعلى دار المضيف مائة ألف، وعلى الأسارى مائتي ألف دينار، وفي الحرمين والسبيل ثلاثين ألف دينار.

وقال: قال من حَضَر المولد مرَّةً: عددتُ على السّماط مائة فرس قشلمش، وخمسة آلاف رأسٍ شوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة ألف زُبديَّة، وثلاثين ألف صحن حلْواء.

ثمّ قال ابن الجوزيّ، وأبو شامة: تُوُفّي سَنَة ثلاثين.

وقال الحافظ زكيّ الدِّين: تُوُفّي في هذه السنة بإربل. سَمِعَ من حنبل الرصافي، وغيره. وحدَّث.

وقال ابن خَلّكان: تُوُفّي ليلة الجمعة رابعَ عشر رمضان سَنَة ثلاثين. ثمّ حُمِلَ وقتَ الحجّ بوصيّته إلى مكَّة، فاتّفق أنّ الحاجّ رجعوا تلك السنة لعدم الماء، وقاسوا شدَّةً فدفن بالكوفة.

وكوكبريّ: كلمة تركية معناها: ذئب أزرق.