ما الدليل على وجوب قضاء الصلاة لمن فاتته؟

قريبا – رفع الهمة لقضاء ما في الذمة | مع ذكر مسائل مهمة تتعلق بكتاب الصلاة عند مالك رضي الله عنه

د. طاهر بن مسعود || Tahar BEN MESSAOUD

WWW.SOUHNOUN.COM

ما الدليل على وجوب قضاء الصلاة لمن فاتته؟

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، أمّا مذهبنا معاشر المالكية أن قضاء الفوائت واجب على الفور ولا يجوز تأخيره إلا لعذر فقد قال الإمام الفقيه محمد بن أحمد ميارة الفاسي (ت 1072هـ) (الفرض ليس لقضائه وقت محدود…..بل يجب قضاؤه أبدا، ولا يسقط بـمضي زمانه ولو طال ومع كونه يقضى يجب أن يكون قضاؤه مرتبا كما فاته، واعلم أن قضاء الفوائت واجب على الفور ولا يجوز تأخيره إلا لعذر، قال في الـمدونة ويصلي الفوائت على قدر طاقته…….ويجب قضاء الفوائت سواء تركت عمدا أو سهوا أو جهلا وتقضى في كل وقت من ليل أو نهار، ولو كان الإمام يَخْطُبُ في الجمعة ويقضيها على نحو ما فاتته من سر أو جهر، وإن فاتته سفريةٌ قضاها كذلك وإن في الحضر، وإن فاتته حضرية قضاها حضرية ولو في السفر، وإن تركها في مرضه وقضاها في صحته فليقضها قائـما، وإن تركها وهو صحيح وقضاها في مرضه فليقضها بقدر طاقته من قيام أو جلوس) (1).

وقد خوطب الفقيه الإمام الحافظ الأوحد قاضي الجماعة بقرطبة أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد رضي الله عنه من مدينة المرية بمسألة يسأل عنها وهي الجواب رضي الله عنك مع الرغبة إلى فضلك أن تقف على هذا السؤال وتنظره فقد وقع فيه ما أوجب الكشف عنه وذلك أبقاك الله (ما تقول في الرجل العاصي التارك للصلاة المفروضة، عامدا حتى خرج وقتها، هل تجب على تاركها، عمدا اعادتها، واجبا أم استحبابا؟ وإن كان يجب عليه ذلك فرضا واجبا، هل يكون ذلك بالأمر الأول، أو بأمر ثان مبتدأ؟ وإن كان بأمر ثان، كما ذكر بعض الفقهاء، فبين صفته، والدليل على وجوبه، وإن كان لا يوجد، بينة لنا أيضا يأجرك الله، ولقد قال بعض من ناظر في هذه المسألة إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى الصلاة يوم الوادي بعدما طلعت الشمس، ويوم شغله المشركون عن الصلاة بعد غروب الشمس، هل يقال في الجميع قضى النبي صلى الله عليه وسلم أو أداها؟ وبين لنا ما يجب في قول من قال قضى النبي عليه السلام إن كان يجب عليه شيء، أم لا، وفسر لنا الجميع نوعا نوعا، وفصلا فصلا، وما يجب في ذلك، فهذا أمر قد وقع، وأحببنا الوقوف على مذهبك على حقيقته، مَانّاَ متفضلا، والله يأجرك، ويحسن جزاءك).
فأجاب، أدام الله توفيقه وتسديده، بجواب نصه تصفحت أرشدنا الله وإياك، سؤالك ووقفت عليه ومن نام عن الصلاة أو تركها ناسيا لها أو متعمدا لعذر أو لغير عذر حتى خرج وقتها فعليه أن يصليها بعد خروج وقتها فرضا واجبا ولا يسعه تأخيرها عن وقت ذكره إياها إن كان أنْسِيهَا ولا عند وقت قدرته عليها إن كان تركها لعذر غلبه عليها، وأما إن كان تركها متعمدا لتركها متهاونا بها دون عذر غلبه عليها فهو عاص لله عز وجل في تأخيرها عن وقتها وفي تأخيرها بعد وقتها بما أخرها وهذا كله مما لا اختلاف فيه بين أحد من علماء المسلمين…….إلى أن قال وبالله تعالى التوفيق لا شريك له) والفتوى طويلة ومفصّلة ينظر فيها من شاء في كتاب مسائل أبي الوليد ابن رشد.

قَالَ الإمام الشيرازي من الشافعية رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (‏مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى فَاتَ الْوَقْتُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا) وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَهَا عَلَى الْفَوْرِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ‏ فَإِنْ أَخَّرَهَا جَازَ لِمَا رُوِيَ‏ ‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَلَمْ يُصَلِّهَا حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْوَادِي، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى الْفَوْرِ لَمَا أَخَّرَهَا).
‏‏
وَقَالَ أَبُو إسْحَاقَ الشافعي (إنْ تَرَكَهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا عَلَى الْفَوْرِ‏ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ فِي التَّأْخِيرِ ‏(‏وَإِنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ‏)‏ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَهَا عَلَى التَّرْتِيبِ‏ ‏(‏لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَتْهُ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَضَاهَا عَلَى التَّرْتِيبِ)‏ فَإِنْ قَضَاهَا مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ جَازَ لِأَنَّهُ تَرْتِيبٌ اُسْتُحِقَّ لِلْوَقْتِ فَسَقَطَ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ كَقَضَاءِ الصَّوْمِ وَإِنْ ذَكَرَ الْفَائِتَةَ وَقَدْ ضَاقَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ لَزِمَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْحَاضِرَةِ لِأَنَّ الْوَقْتَ تَعَيَّنَ لَهَا فَوَجَبَتْ الْبِدَايَةُ بِهَا كَمَا لَوْ حَضَرَهُ رَمَضَانُ وَعَلَيْهِ صَوْمُ رَمَضَانَ قَبْلَهُ وَلِأَنَّهُ إذَا أَخَّرَ الْحَاضِرَةَ فَاتَتْ فَوَجَبَتْ الْبِدَايَةُ بِهَا)‏.

قال الإمام النووي في المجموع شرح المهذب (مَنْ لَزِمَهُ صَلَاةٌ فَفَاتَتْهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا سَوَاءٌ فَاتَتْ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ فَوَاتُهَا بِعُذْرٍ كَانَ قَضَاؤُهَا عَلَى التَّرَاخِي وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَهَا عَلَى الْفَوْرِ).

قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ ‏في فقه الشافعية (وَقِيلَ يَجِبُ قَضَاؤُهَا حِينَ ذَكَرَ الْحَدِيثَ وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ‏‏ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ‏ وَإِنْ فَوَّتَهَا بِلَا عُذْرٍ فَوَجْهَانِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ‏(‏أَصَحُّهُمَا‏)‏ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ وَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ كَمَا لَوْ فَاتَتْ بِعُذْرٍ ‏(‏وَأَصَحُّهُمَا)‏ عِنْدَ الخراسانيين أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ.‏ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ‏ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِتَرْكِهَا. ‏

‏‏(‏فَرْعٌ‏)‏ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةً عَمْدًا لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا وَخَالَفَهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيٌّ بْنُ حَزْمٍ فَقَالَ (لَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهَا أَبَدًا وَلَا يَصِحُّ فِعْلُهَا أَبَدًا قَالَ‏ بَلْ يُكْثِرُ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ‏ وَصَلَاةِ التَّطَوُّعِ لِيَثْقُلَ مِيزَانُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَتُوبُ) ‏وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَعَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ بَاطِلٌ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ ‏وَبَسَطَ هُوَ الْكَلَامَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَ دَلَالَةٌ أَصْلًا.‏

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏(‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْمُجَامِعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا مَعَ الْكَفَّارَةِ)‏ أَيْ بَدَلَ الْيَوْمِ الَّذِي أَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ عَمْدًا ‏رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَى أَبُو دَاوُد نَحْوَهُ وَلِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى التَّارِكِ نَاسِيًا فَالْعَامِدُ أَوْلَى.

(1) مذهبنا أنّ مَن كَانَ عَلَيهِ قَضَاءُ صَلَاةٍ َأو صَلَاتَيْنِ أو ثَلاثَةٍ أو أَرْبَعَةٍ إذَا صَلَّى الحَاضِرَةَ قَبْلَ القَضَاءِ لا تَصِحُّ، أمَّا فِي المَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ تَصِحُّ، مَذهَبُنا أنّ الفَوائتَ القَلِيلَة لا يجُوز تَأخِيرُها إلى ما بعدَ الحَاضِرَة، عندَنا القَضاءُ يُقَدَّمُ وجُوبا.

هل الفتوى بسقوط قضاء الصلوات المتروكة عمداً صحيحة؟

الجواب: أنّ الصلاة أعظم المفروضات من فروع الدّين، وقد نوّه الله تعالى بها في كتابه، وحثّ على أدائها وحذّر من إضاعتها فمن ذلك قوله تعالى ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون 4-5]، ومن عناية الشرع بها أن جعل حكم وجوبها ثابت في ذمّة المكلّف حتّى يفعلها سواء كان فعله إيّاها أداء، وهو إيقاعها في وقتها أم كان قضاء وهو إيقاعها بعد خروج وقتها.
فقد أجمع علماء الإسلام على أنّ من نسي صلاة أو نام عنها يصليها متى ذكرها، كما تبيّن ذلك الآثار الصحيحة الكثيرة المرويّة في الموطّآت والصحيحين، وأجمعوا أيضاً على أن من ترك صلاة واحدة أو صلاتين حتّى خرج وقتها أنّه يجب عليه قضاؤها ولو بعد خروج وقتها واستدلّ لهذا شهاب الدّين القرافي في الذخيرة بأنّ قضاء الصلاة المتروكة عمداً أولى وأحرى بالوجوب من قضاء الصلاة المنسيّة أو التّي نام عنها المصلّي، وأنّه لا مفهوم لوصف النّائم والساهي الواقع في الآثار المرويّة لأنّ مفهوم المخالفة إذا عارضه مفهوم الموافقة يقدّم مفهوم الموافقة عليه.
وأمّا من ترك الصّلاة عمداً حتّى تجمّعت عليه صلوات كثيرة فإنّ مالكاً رحمه الله وجمهور العلماء وهم الذّين لا يرون ترك الصلاة عمداً موجباً للكفر قالوا يجب عليه قضاء ما فاته من الصّلوات المفروضة بالاتّفاق وفي غيرها من الروايات خلاف ودليلهم في ذلك أنّ الصلوات الكثيرة أولى وأحرى بوجوب القضاء من الصلوات القليلة المتروكة عمداً، لئلاّ تصير شدّة المعصية مفضية إلى تخفيف أمرها، وذلك من فساد الوضع لا ينبني عليه اجتهاد صحيح.
وأمّا الّذين يرون أنّ ترك الصّلاة كفر مثل أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ومن المالكيّة عبد الملك عبد الملك بن حبيب فيقولون أنّ توبة تارك الصلاة من تركها، رجوع إلى الإسلام بالإقلاع عمّا خرج به منها وفي رأيهم يسقط عنه قضاء ما أضاعه في مدّة كفره لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله، وهذا القول شاذّ في أصول الدّين ومخالف لعقيدة جمهور أهل السنّة ولقول أبي حسن الأشعري الذّي نقلّده وهو أيضاً مخالف لما قرّر في عصر السّلف الصالح من عهده رسول الله ﷺ من كون كلمة الشهادة هي علامة الإيمان والإسلام وهي الّتي كان يدعو رسول الله إليها ثمّ يدعو إلى شرائع الإسلام ولأنّ هذا القول راجع إلى القول بالتكفير ببعض الذّنوب.
فالّذي ذكر السائل أنّه أفتى النّاس بسقوط قضاء الفوائت المتروكة عمداّ قد أخطأ خطأً بيّناً لأنّه أفتى بقول باطل عند جمهور علماء الإسلام لابتنائه على رأي باطل في أصول الدّين وهو التكفير ببعض الذنوب ولأنّه أفتى النّاس بغير مذهبهم والمقلّد لا يجوز له الخروج عن مذهبه إلاّ لضرورة.
ثمّ إنّ قضاء الفوائت المفروضة فقط واجب عند مالك رحمه الله على الفور فالمالكي يجب عليه إذا فاتته صلوات مفروضة كثيرة أن يقضيها في كلّ وقت في غير أوقات الصّلوات المفروضة والفجر والوتر وفي غير أوقات اكتسابه وقضاء شؤونه ونومه وطعامه وراحلته الضروريّة فيصلّي من الفوائت بمقدار ما فاته بأن يحصي المدّة الّتي فاتته إلى وقت رجوعه إلى أداء الصلاة، ويقضي بمقدارها مع الترتيب وهو هيّن، فإنّ مجموع صلوات يوم كامل بدون الفجر ودون الشفع والوتر لا يستغرق أكثر من خمس عشرة دقيقة إذا قرأ بالسور القصيرة، فيستطيع المرء أن يقضي صلاة أربعة أيام في كلّ يوم، ولا يأخذ له ذلك أكثر من ساعة في اليوم، وإذا كانت له سعة من الوقت زاد بمقدارها فلا يمضي عليه زمان طويل إلاّ وقد قضى فوائته وكلّ ميسّر لما خلق.

محمّد الطاهر ابن عاشور، الفتاوى التونسيّة 1 – 457.

وَفِي هَذَا قَالَ الإمَامُ الكَبيرُ الْمَازِرِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ مَا نَصُّهُ (اتَّفَقَ جَمَاعَةُ الفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُتَعَمِّدَ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا).