حول استفتاء الأزهر بأقوال مُلَّا علي القاري

رفعُ أعلامِ النُّبوَّة [15]

مُعاوية عند المُلَّا علي القاري

حول استفتاء الأزهر بأقوال مُلَّا علي القاري

الحمدلله وكفى والصَّلاة والسَّلام على نبيِّه المُصطفى.

وبعدُ كنتُ عزمتُ على نشر تتمَّة المقال في بيان مذهب الباقلَّانيِّ ولكنِّي أجَّلته أيَّامًا بعد أنْ بلغني أنَّ أهل الفتنة أرادوا الاستدلال بقول علي القاري؛ فإذَا بهم نقلوا مِن كلامه ما لا حُجَّة لهم فيه بل وتغافلوا عمَّا فيه الحُجَّة عليهم؛ فنحن ننشر ما تركوا مِن كلام هذا الفقيه الحنفيِّ المشهور ليتبيَّن لكُلِّ أحد أنَّنا على ما عليه عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة؛ وليس هُم.

قال مُلَّا علي القاري في [مرقاة المفاتيح] [1]: <_قُلْتُ_: فَإِذًا كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ [أي على مُعاوية] أَنْ يَرْجِعَ عَنْ بَغْيِهِ بِإِطَاعَتِهِ الْخَلِيفَةَ وَيَتْرُكَ الْمُخَالَفَةَ وَطَلَبَ الْخِلَافَةِ الْمُنِيفَةِ، فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ كَانَ فِي الْبَاطِنِ بَاغِيًا وَفِي الظَّاهِرِ مُتَسَتِّرًا بِدَمِ عُثْمَانَ مُرَاعِيًا مُرَائِيًا، فَجَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَيْهِ نَاعِيًا وَعَنْ عَمَلِهِ نَاهِيًا، لَكِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا فَصَارَ عِنْدَهُ كُلٌّ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ مَهْجُورًا، فَرَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَنْصَفَ وَلَمْ يَتَعَصَّبْ وَلَمْ يَتَعَسَّفْ وَتَوَلَّى الِاقْتِصَادَ فِي الِاعْتِقَادِ لِئَلَّا يَقَعَ فِي جَانِبَيْ سَبِيلِ الرَّشَادِ مِنَ الرَّفْضِ وَالنَّصْبِ بِأَنْ يُحِبَّ جَمِيعَ الْآلِ وَالصَّحْبِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)> انتهى كلام مُلَّا علي القاري.

فماذا يقول <أبو إجماع> ### في قول مُلَّا علي القاري في مُعاوية إنَّه كان: <مُتَسَتِّرًا بِدَمِ عُثْمَانَ مُرَاعِيًا مُرَائِيًا> وقوله فيه: <فَجَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَيْهِ نَاعِيًا> وقوله فيه: <فَصَارَ عِنْدَهُ كُلٌّ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ مَهْجُورًا> فهل تزعُم يا ### أنَّ مُلَّا علي القاري أساء الأدب مع مُعاوية!؟ وأنَّه وقع فيما حذَّر مِن الوُقوع فيه في شرحه على [الفقه الأكبر]!؟

ولمَّا عجز أهل الفتنة عن الاستدلال بقوله في حُكم البُغاة دعوناهم إلى تقرير قوله في شرح [الشِّفا للقاضي عياض]: <(وَأَمَّا الصَّغَائِرُ فَجَوَّزَهَا) أي وُجودَها ووقوعَها (جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَغَيْرُهُمْ)> إلى آخِرِ كلامه؛ ولاحظ كيف قرَّر بقوله: <وُجودَها ووقوعَها> نقلًا عن عياض أنَّ مذهب الجُمهور على وُقوع الصَّغائر -الَّتي لا خسَّة فيها- مِن الأنبياء عليهم السَّلام.

وقول مُلَّا عليٍّ القاري في المسألتَين حُجَّة عليهم وإلَّا فإنْ أبَوا التَّسليم بقوله فقد تقرَّر كونُهم مُتحكِّمين مُتخبِّطين لا يأخذون بما يدعون النَّاس إلى الأخذ به؛ إذ لمَّا تبيَّن لهم أنه خلاف ما ذهبوا إليه؛ ردُّوه وأنكروه بحيث يصير لسان حالهم مُنكرًا على مُلَّا عليٍّ القاري مثل ما أنكروا علينا، فتحتَّم بذلك أنَّهم مِن الجَهَلَة على التَّحقيق؛ ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العليِّ العظيم.

وإذَا كان الأمر كذلك؛ فماذَا يقول المُتمشعر مُحمَّد سليم توفيق في مُلَّا علي القاري!؟ هل سيعمد إلى تقديم شكوى بحقِّه في الأزهر يتَّهمه فيها بسبِّ الصَّحابة لأنَّه وصف مُعاوية بالبغي والظُّلم والطُّغيان وبهجرة الحديث والقُرآن!؟ ولأنَّ القاري أشار بأنَّ مَن أنكر كونَ مُعاوية باغيًا طاغيًا فإنَّه يكون مال بذلك إلى ما قال به النَّواصب عليهم مِن الله ما يستحقُّون!؟

أم هل سيتقدَّم المُتمشعر الجاهل المغرور مُحمَّد سليم توفيق إلى لجنة كبار العُلماء في الأزهر بطلب سحب كُتُب مُلَّا علي القاري ومُصنَّفاته الَّتي تملأ مكتباتِ مصرَ مِن قبلِ أنْ يُولد -وقد تلقَّاها أهل مصر بالرِّضى والحُبِّ والقَبول والتَّعظيم- لمُجرَّد أنَّ مُلَّا علي القاري قد نقل ما قرَّره جُمهور الأشاعرة بل وجُمهور أهل السُّنَّة والجماعة في مسألة عصمة الأنبياء!؟

نهاية المقال.

* هذا المقال منقول مِن صفحة شهاب الدِّين حلاوة ورابط الأصل في المُداخلة الأُولى.