8 افتراءات وجهالات الدكتور الوهابي فركوس

#افتراءات_وجهالات_الدكتور_الوهابي_فركوس (😎

قَالَ الْدُّكْتُور الْوَهَّابِي فَرْكُوس غَارِقًا فِي بَحْرِ الْكَذِبِ وَصَفَاقَة وَجْهٍ مُنْقَطِعَة الْنَّظِيْرِ فِي مُنَاقَضَةِ الْحَقَائِقِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْتَّارِيْخِيَّةِ طَاعِنًا فِي سَادَتِهِ الْأَشَاعِرَةِ، مَا نَصُّهُ: ((وقد جرى في المُعتقَد السَّليم أنَّ المخالفين مِنْ أهل الأهواء والزَّيغ مِنَ المتكلِّمين والمتصوِّفة وأضرابهم، لا يَصْلُحون لرتبة الإمامة في الدِّين، ولا يُعتبَرون مِنْ طبقات العلماء الرَّبَّانيِّين، وليسوا أهلًا لها، مهما عَلَا كعبُهم في العلوم العقليَّة والأذواق الوجديَّة))؟!

وَادَّعَى بِأَنَّ شَيْنه وَمَيْنه هَذَا هُوَ مِصْدَاق قَوْل الْحَافِظ ابْن الْبَّر، فَقَالَ: ((وهذا المعنى نَقَل ابنُ عبد البرِّ ـ رحمه الله ـ الإجماعَ عليه حيث قال: «أجمعَ أهلُ الفقه والآثار مِنْ جميع الأمصار: أنَّ أهل الكلام أهلُ بِدَعٍ وزيغٍ، ولا يُعَدُّون ـ عند الجميعِ في جميع الأمصار ـ في طبقات العلماء، وإنَّما العلماء أهلُ الأثر والتَّفقُّهِ فيه، ويتفاضلون فيه بالإتقان والمَيْز والفهم»(١٦)))؟!…

وَزَادَ فِي نَشْرِ غَسِيله الْنَّتِن حِيْنَ أَصَرَّ عَلَى إِسْقَاطِ كَلَام ابْن عَبْد الْبَّر عَلَى الْسَّادَةِ الْأَشَاعِرَة نَقَلَة دِيْن اللهِ إِلَى الْأَجْيَال وَحُمَاة عَقِيْدَة الْتَّوْحِيْد، فَقَالَ أَيْضًا: ((فأين أدعياءُ المالكيَّة مِنْ مقالات مالكٍ ـ رحمه الله ـ وكبارِ أصحابه وأئمَّةِ السُّنَّة الفحول في ذمِّهم لطريقة أهل الكلام والجدل والفلسفة مِنَ الأشاعرة وغيرهم؟!…وقال ابنُ عبد البرِّ ـ رحمه الله ـ: «وقد أجمعَ أهلُ العلم بالسُّنن والفقه ـ وهُم أهلُ السُّنَّة ـ على(٢٦) الكفِّ عن الجدال والمناظرة فيما سبيلُهم اعتقادُه بالأفئدة ممَّا ليس تحته عملٌ، وعلى الإيمان بمُتشابِه القرآن، والتَّسليمِ له ولِمَا جاء عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في أحاديث الصِّفات كُلِّها وما كان في معناها، وإنَّما يبيحون المناظرةَ في الحلال والحرام وما كان في سائر الأحكام يجب العملُ بها»(٢٧)))(1)؟!…

الْتَّعْلِيق:

يُقَالُ لِهَذَا الْوَهَّابِي (الْـمُتَنَاقِض!):

أَوَّلًا: كَانَ عَلَيْكَ قَبْل أَنْ تُضَيِّعَ جُهُودكَ فِي مُحَاوَلَةِ تَجْمِيلِ كَذِبكَ الْـمَفْضُوحِ، وَهَذَا بِالاِشْتِغَالِ بِلَيِّ أَعْنَاقِ نُصُوصِ الْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر حَتَّى تُلَائِم فَهْمَكَ الْـمَنْكُوس، أَنْ تُثْبِتَ أَوَّلًا صِحَّةِ دَعَاوِيكَ الْخَاوِيَة عَلَى سَادَتِكَ الْأَشَاعِرَة، بِإِقَامَةِ الْحُجَجِ الْقَاطِعَةِ وَالْأَدِلَّةِ الْسَّاطِعَةِ؟! أَوَلَـمْ تَسْمَع يَا حَضْرَة (الْوَهَّابِي!) بِالْقَاعِدَة الْعِلْمِيَّةِ الْقَائِلَةِ: “إِنْ كُنْتَ نَاقِلًا فَالْصِّحَة وَإِنْ كُنْتَ مُدَّعِيًا فَالْدَّلِيْل”؟! وَ”الْدَّعَاوِي مَا لَـمْ تُقَم عَلَى الْبَيِّنَاتِ فَأَصْحَابهَا أَدْعِيَاء”؟!…

ثَانِيًا: هَبْ أَنَّ فَهْمَك (الْـمَنْكُوس!) لِكَلَامِ ابْن عَبْد الْبَّر صَحِيْح؟! فَمِنْ أَينَ لَكَ صِحَّة نَقْلِهِ لِـمَذْهَبِ الْإِمَام مَالِك فِي الْـمَسْأَلَة؟!…كَيْفَ تُقَلِّدُهُ بِلَا تَحْقِيْقٍ وَلَا تَدْقِيْقٍ؟!…أَيْن الْتَّحَرِّي وَالْتَّثَبُت فِي تَحْرِيْرِ الْـمَذْهَبِ؟!…أَوَ تُعُدُّ الاِلْتِزَام بِتَقْلِيْد مَذْهَب الْإِمَام مَالِك فِي الْفِقْهِيَّاتِ (بِدْعَة!) فِي حِيْن تُطَبِّلُ كَالْأَعْمَى بِلَا تَمْيِيزٍ وَلَا تَمْحِيصٍ لِفَهْمِ الْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر لِقَوْل الْإِمَام مَالِك فِي مَسْأَلَةٍ مِنَ الْـمَسَائِلِ؟!…لِـمَ لَا تُسَلِّـمُ أَيْضًا بِلَا اعْتِرَاضٍ -كَـمَا هُوَ حَالك هُنَا- لِلْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر مَا نَقَلَهُ عَنْ الْإِمَام مَالِك مِن اسْتِحْبَابِ الاِتْيَانِ بِالْقُنُوتِ فِي صَلَاةِ الْصُّبْحِ؟!…وَفِي…الخ؟!…مَاذَا تُرِيدُنَا أَنْ نُطْلَقَ عَلَى مِثْل هَذِهِ الاِزْدِوَاجِيَّةِ؟!…

ثَالِثًا: أَمَّا احْتِجَاجُك بِقَوْل الْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر: ((وقال ابنُ عبد البرِّ ـ رحمه الله ـ: «وقد أجمعَ أهلُ العلم بالسُّنن والفقه ـ وهُم أهلُ السُّنَّة ـ على(٢٦) الكفِّ عن الجدال والمناظرة فيما سبيلُهم اعتقادُه بالأفئدة ممَّا ليس تحته عملٌ، وعلى الإيمان بمُتشابِه القرآن، والتَّسليمِ له ولِمَا جاء عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في أحاديث الصِّفات كُلِّها وما كان في معناها، وإنَّما يبيحون المناظرةَ في الحلال والحرام وما كان في سائر الأحكام يجب العملُ بها»(٢٧)))؟!…

فَيُقَالُ لَكَ: تَعَلَّمْتَ شَيْئًا وَغَابَتْ عَنْكَ أَشْيَاءُ يَا حَضْرَة مُدَّعِي (الْتَّحْقِيق!)؟!…

نَعَمْ؛ هَذَا قَوْل الْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر فِي “الاِسْتِذْكَار”، وَلَكِنَّهُ فَسَّرَهُ بِـمَا يَنْسِفُ فَهْمَك (الْـمَنْكُوس!) كَمَا تَجِدْهُ فِي “جَامِع بَيَان الْعِلْم وَفَضْله” وَهَذَا نَصُّهُ: ((حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُصْعَبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْزُّبَيْرِيَّ يَقُولُ: كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَقُولُ: “الْكَلَامُ فِي الْدِّينِ أَكْرَهُهُ، وَكَانَ أَهْلُ بَلَدِنَا يَكْرَهُونَهُ وَيَنْهَوْنَ عَنْهُ، نَحْوَ الْكَلَامِ فِي رَأْيِ جَهْمٍ وَالْقَدَرِ وَكُلِّ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَا أُحِبُّ الْكَلَامَ إِلَّا فِيمَا تَحْتَهُ عَمَلٌ، فَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الدِّينِ وَفِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَالْسُّكُوتُ أَحَبُّ إِلَيَّ؛ لِأَنِّي رَأَيْتُ أَهْلَ بَلَدِنَا يَنْهَوْنَ عَنِ الْكَلَامِ فِي الْدِّينِ إِلَّا مَا تَحْتَهُ عَمَلٌ”.

قَالَ أَبُو عمر: “قَدْ بَيَّنَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا تَحْتَهُ عَمَلٌ هُوَ الْمُبَاحُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَهْلِ بَلَدِهِ -يَعْنِي الْعُلَمَاءَ مِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْدِّينِ نَحْوَ الْقَوْلِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ، وَضَرَبَ مَثَلًا فَقَالَ: نَحْوَ رَأْيِ جَهْمٍ وَالْقَدَرِ، وَالَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَالْعُلَمَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفَتْوَى، وَإِنَّمَا خَالَفَ ذَلِكَ أَهْلُ الْبِدَعِ: الْمُعْتَزِلَةُ وَسَائِرُ الْفِرَقِ، وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ عَلَى مَا قَالَ مَالِكٌ إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ أَحَدٌ إِلَى الْكَلَامِ فَلَا يَسَعُهُ الْسُّكُوتُ إِذَا طَمِعَ بِرَدِّ الْبَاطِلِ وَصَرْفِ صَاحِبِهِ عَنْ مَذْهَبِهِ، أَوْ خَشِيَ ضَلَالَ عَامَّةٍ أَوْ نَحْوَ هَذَا))(2)…

فَقَوْل الْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر: ((إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ أَحَدٌ إِلَى الْكَلَامِ فَلَا يَسَعُهُ الْسُّكُوتُ إِذَا طَمِعَ بِرَدِّ الْبَاطِلِ وَصَرْفِ صَاحِبِهِ عَنْ مَذْهَبِهِ، أَوْ خَشِيَ ضَلَالَ عَامَّةٍ أَوْ نَحْوَ هَذَا)) صَرِيْحٌ فِي وُجُوبِ الْدِّفَاعِ عَنْ عَقِيْدَةِ أَهْلِ الْسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ بِعِلْـمِ الْكَلَامِ إِذَا اقْتَضَى الْأَمْر ذَلِكَ…

ثُـمَّ إِنَّ قَوْل الْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر الَّذِي يَحْتَجُّ بِهِ هَذَا الْوَهَّابِي لَوْ تَأَمَّلْتَهُ لَوَجَدتهُ عَلَيْهِ لَا لَهُ؟!، فَالْحَافِظ يَقُول: ((وَعَلَى الْإِيمَانِ بِمُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ وَالْتَّسْلِيمِ لَهُ وَلِمَا جَاءَ عَنِ الْنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحَادِيثَ الْصِّفَاتِ كُلِّهَا وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا))(3) فَالْرَّجُل يَعُدُّ نُصُوص الْصِّفَاتِ مِنَ الْـمُتَشَابِهِ وَلَيْسَتْ مِنَ الْـمُحْكَمِ كَمَا هُوَ مَذْهَب الْتَّيْمِيَّة الْـمُجَسِّمَة؟!…

رَابِعًا: نُتْحِفُ الْبَاحِث الْنَّزِيْه بِبَعْضِ أَقْوَالِ الْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر الَّتِي تُؤَكِّدُ خَوْضه فِي عِلْـمِ الْكَلَامِ لِتَقْرِيْرِ عَقَائِد أَهْلِ الْسُّنَّة وِفْقَ الْـمَبْدَأ الَّذِي أَصَّلَهُ هُوَ نَفْسهُ فِي “جَامِع بَيَان الْعِلْم وَفَضْله” كَمَا سَبَقَ نَقْلهُ، وَفِي هَذِهِ الْنِّقَال أَيْضًا مَا يُؤَكِّد مُوَافَقَة عَقِيْدَة الْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر لِعَقِيْدَةِ الْسَّادَةِ الْأَشَاعِرَةِ وَالْـمَاتُرِيْدِيَّةِ وَفُضَلَاءِ أَهْلِ الْحَدِيْثِ فِي الْغَالِبِ…

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَبْد الْبَّر (ت:463هـ): ((وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾[الفَجْر:22] وَلَيْسَ مَجِيئُهُ حَرَكَةً وَلَا زَوَالًا وَلَا انْتِقَالًا، لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا كَانَ الْجَائِي جِسْمًا أَوْ جَوْهَرًا، فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا جَوْهَرٍ، لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ مَجِيئُهُ حَرَكَةً وَلَا نَقْلَةً، وَلَوِ اعْتَبَرْتَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ جَاءَتْ فُلَانًا قِيَامَتُهُ، وَجَاءَهُ الْمَوْتُ وَجَاءَهُ الْمَرَضُ وَشِبْهُ ذَلِكَ، مِمَّا هُوَ مَوْجُودٌ نَازِلٌ بِهِ وَلَا مَجِيءَ لَبَانَ لَكَ، وَبِاللَّهِ الْعِصْمَةُ وَالتَّوْفِيقُ))(4) فَهَذَا نَصٌّ صَرِيْحٌ فِي اسْتِعْمَالِ الْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر لِعِلْمِ الْكَلَامِ لِنَفْيِ الْـجِسْمِيَّة وَالْحَرَكَةِ وَالاِنْتِقَالِ عَنْهُ جَلَّ وَعَزَّ، وَهَذَا يَنْسِفُ عَقِيْدَة الْتَّيْمِيَّة الْـمُجَسِّمَةِ مِنْ جُذُورِهَا؟!…

وَقَالَ فِي الْتَّمْهِيد: ((وَقَدْ قَالَتْ فِرْقَةٌ مُنْتَسِبَةٌ إِلَى الْسُّنَّةِ: إِنَّهُ يَنْزِلُ بِذَاتِهِ! وَهَذَا قَوْلٌ مَهْجُورٌ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْحَرَكَاتِ وَلَا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ عَلَامَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ))(5)…وَهَذَا نَصٌّ صَرِيْحٌ فِي تَنْزِيهِ اللهِ عَن الْحَوَادِث…

أَمَّا عَنْ تَأْوِيْلَاتِ الْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر فِي الاِضَافَاتِ الْـمُوهِمَةِ لِلْتَّشْبِيهِ، فَنَذْكُر عَلَى سَبِيْلِ الْـمِثَالِ:

(‌أ) تَأْوِيل الْنُّزُول بِمَعْنَى نُزُولِ أَمْرِهِ تَعَالَى هُوَ قَوْل قَوْمٍ مِن أَهْلِ الأَثَرِ (وَلَيَسَ قَوْلاً لِلنُّفَاةِ وَالـمُعَطِّلَةِ كَمَا يَدَّعِي مُجَسِّمَة التَّيْمِيَّة!) وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ الْنُّزُول عَلَى مَا رُوِي عَنِ الإِمَام مَالك: تَتَنَزَّلُ رَحْمَتُهُ وَقَضَاؤُهُ بِالْعَفْوِ وَالِاسْتِجَابَةِ؟!:

قَالَ فِي الْتَّمْهِيد: ((وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْأَثَرِ أَيْضًا: أَنَّهُ يَنْزِلُ أَمْرُهُ، وَتَنْزِلُ رَحْمَتُهُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ حَبِيبٍ كَاتِب مَالِك وَغَيْرِهِ، وَأَنْكَرَهُ مِنْهُمْ آخَرُونَ، وَقَالُوا: هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ أَمْرَهُ وَرَحْمَتَهُ لَا يَزَالَانِ يَنْزِلَانِ أَبَدًا فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَتَعَالَى الْمَلِكُ الْجَبَّارُ الَّذِي إِذَا أَرَادَ أَمْرًا قَالَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ، فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ، وَيَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ مَتَى شَاءَ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالُ. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَبَلِيُّ وَكَانَ مِنْ ثِقَاتِ الْمُسْلِمِينَ بِالْقَيْرَوَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ سَوَادَةَ بِمِصْرَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْحَدِيثِ: “إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِي اللَّيْلِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا” فَقَالَ مَالِكٌ: يَتَنَزَّلُ أَمْرُهُ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ تَتَنَزَّلُ رَحْمَتُهُ وَقَضَاؤُهُ بِالْعَفْوِ وَالِاسْتِجَابَةِ، وَذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ أَيْ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ)) (6)…

(‌بـ) تَأْوِيلُ (الْضَّحِك!) مُضَافًا لله؟!:

قَالَ الْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر: ((وَأَمَّا قَوْلُهُ: “يَضْحَكُ اللَّهُ”، فَمَعْنَاهُ: يَرْحَمُ اللَّهُ عَبْدَهُ عِنْدَ ذَاكَ وَيَتَلَقَّاهُ بِالرَّوْحِ وَالرَّاحَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ، وَهَذَا مَجَازٌ مَفْهُومٌ))(7)…

(‌جـ) تَأْوِيلُ (الاِستِحْيَاء!) وَ(الاِيوَاء!) وَ(الاِعْرَاضِ!)؟!:

وَقَالَ فِي الْتَّمْهِيدِ: ((وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ “آوَى إِلَى اللَّهِ” يَعْنِي فَعَلَ مَا يَرْضَاهُ اللَّهُ فَحَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ مِنَ اللَّهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا مَا آوَى إِلَى اللَّهِ يَعْنِي مَا كَانَ لِلَّهِ وَرَضِيَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الثَّانِي فَاسْتَحْيَ “فَاسْتَحْيَ اللَّهُ مِنْهُ” فَهُوَ مِنِ اتِّسَاعِ كَلَامِ الْعَرَبِ فِي أَلْفَاظِهِمْ وَفَصِيحِ كَلَامِهِمْ وَالْمَعْنَى فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَهُ لِأَنَّهُ من استحيى اللَّهُ مِنْهُ لَمْ يُعَذِّبْهُ بِذَنْبِهِ وَغَفَرَ لَهُ بَلْ لَمْ يُعَاتِبْهُ عَلَيْهِ فَكَانَ الْمَعْنَى فِي الْأَوَّلِ أَنَّ فِعْلَهُ أَوْجَبَ لَهُ حَسَنَةً وَالْآخَرُ أَوْجَبَ لَهُ فِعْلُهُ مَحْوَ سَيِّئَةٍ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الثَّالِثِ فَأَعْرَضَ “فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ” فَإِنَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَرَادَ أَعْرَضَ عَنْ عَمَلِ الْبِرِّ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ بِالثَّوَابِ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْرِضُ عَنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مَنْ فِي قَلْبِهِ نِفَاقٌ وَمَرَضٌ لِأَنَّهُ لَا يُعْرِضُ فِي الْأَغْلَبِ عَنْ مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ هَذِهِ حَالُهُ بَلْ قَدْ بَانَ لَنَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْرَضَ لِحَاجَةٍ عَرَضَتْ لَهُ مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الْقَوْلُ فِيهِ وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالَهُ كَانَ إِعْرَاضُ اللهِ عَنْهُ سُخْطًا عَلَيْهِ وَأَسْأَل اللَّهَ الْمُعَافَاةَ وَالْنَّجَاةَ مِنْ سُخْطِهِ بِمَنِّهِ وَرَحْمَتِهِ))(😎

(‌د) تَأْوِيلُ (يَمِين الله!) وَتـَأْكِيْد وُجُود الْـمَجَاز فِيمَا يُسَمَّى بِـ: (الْصِّفَاتِ!)؟!:

قَالَ فِي الاِسْتِذْكَارِ: ((وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ إِذَا كَانَتْ مِنْ طَيِّبٍ ، وَيَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ..” وَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فِي هَذَا الْبَابِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: “يَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ” فَهَذَا مَجَازٌ وَحُسْنُ عِبَارَةٍ عَنْ قَبُولِ اللَّهِ تَعَالَى لِلصَّدَقَةِ، وَمَعْنَى أَخْذِ اللَّهِ لَهَا: قَبُولُهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ))(9)…

(‌هـ) تَأْوِيلُ (الْـمَلَلِ!) وَ(الاِسْتِهْزَاءِ!) وَ(الْـمَكْرِ!) وَنَحْوه؟!:

قَالَ فِي الاِسْتِذْكَارِ: ((وَأَمَّا لَفْظُهُ فِي قَوْلِهِ: “إِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا” فَهُوَ لَفْظٌ خَرَجَ عَلَى مِثَالِ لَفْظٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَمَلُّ سَوَاءً مَلَّ النَّاسُ أَوْ لَمْ يَمَلُّوا، وَلَا يَدْخُلُهُ مَلَالٌ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ جَلَّ عَنْ ذَلِكَ وَتَعَالَى عُلُوًّا كَبِيرًا. وَإِنَّمَا جَاءَ لَفْظُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ، فَإِنَّهُمْ إِذَا وَضَعُوا لَفْظًا بِإِزَاءِ لَفْظٍ جَوَابًا لَهُ أَوْ جُزْءًا ذَكَرُوهُ بِمِثْلِ لَفْظِهِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ مَعْنَاهُ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : “وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ” وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : “وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ” وَقَوْلُهُ تَعَالَى: “إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ” وَقَوْلُهُ تَعَالَى: “إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا” وَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ مَكْرٌ وَلَا هُزُوٌ وَلَا كَيْدٌ، إِنَّمَا هُوَ جَزَاءُ مَكْرِهِمْ وَاسْتِهْزَائِهِمْ وَكَيْدِهِمْ، فَذَكَرَ الْجَزَاءَ بِمِثْلِ لَفْظِ الِابْتِدَاءِ لَمَّا وُضِعَ بِحِذَائِهِ وَقُبَالَتِهِ. فَكَذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ-: “إِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا”. أَيْ مَنْ مَلَّ فَقَطَعَ عَمَلَهُ انْقَطَعَ عَنْهُ الْجَزَاءُ))(10)…

(‌و) تَأْوِيلُ (الاِسْتِطَابَة!)؟!:

قاَلَ فِي الاِسْتِذْكَارِ: ((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لـخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ…”…وَقَوْلُهُ:”أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ” يُرِيدُ: أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ عِنْدَكُمْ، يَحُضُّهُمْ عَلَيْهِ وَيُرَغِّبُهُمْ فيه. وَهَذَا فِي فَضْلِ الْصِّيَامِ، وَثَوَابِ الْصَّائِمِ))(11)…

وَأَمَّا كَلاَم الْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر فِي الاِسْتِوَاء فَهُوَ مِنَ الْـمُتَشَابِهِ جِدًّا وَإِنْ كَانَ لاَ يَنْهَضُ أَمَام مُحْكَم أَقْوَالهِ هَذِهِ الْـمَذْكُورَة فِي الْتَّنْزِيهِ، وَلَكِنَّهُ مُشْكلٌ جِدًّا وَيَحْتَاج إِلَى تَحْرِيرٍ، وَقَدْ تَأَوَّله عُلَمَاء الْـمَالِكِيَّةِ بِـمَا يَتَوَافَقُ مَعَ كَلَامِهِ الْصَّرِيْحِ فِي الْتَّنْزِيْهِ كَمَا قَالَ الْعَلَامَة ابْن خَلْدُونَ فِي غُضُونَ حَدِيثِهِ عَلَى سَفْسَطَةِ الْـمُجَسِّمَةِ: ((ثُـمَّ يَفِرُّونَ مِنْ شَنَاعَةِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِم: “جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ”؟!. وَلَيْسَ ذَلِكَ بِدَافِعٍ عَنْهُم لِأَنَّهُ قَوْلٌ مُتَنَاقِضٌ وَجَمْعَ بَيْنَ نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ!، إِنْ كَانَا بِالْـمَعْقُولِيَّةِ وَاحِدَة مِن الْجِسْمِ، وَإِنْ خَالَفُوا بَيْنَهُمَا وَنَفَواْ الْـمَعْقُولْيَّةَ الْـمُتَعَارَفَةَ فَقَدْ وَافَقُونَا فِي الْتَّنْزِيهِ وَلَـمْ يَبْقَ إِلَّا جَعْلَهُم لَفْظَ الْجِسْمِ اسْمًا مِنْ أَسْمَائِهِ. يَتَوَقَّفُ مِثْلُهُ عَلَى الْإِذْنِ.

وَفَرِيقٌ مِنْهُم ذَهَبُوا إِلَى الْتَّشْبِيهِ فِي الْصِّفَاتِ كَإِثْبَاتِ الْجِهَةِ وَالِاسْتِوَاءِ وَالْنُّزُولِ وَالْصَّوْتِ وَالْحَرْفِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. وَآلَ قَوْلُهُم إِلَى الْتَّجْسِيِمِ فَنَزَعُوا مِثْلَ الْأَوَّلِيْنَ إِلَى قَوْلِهِم: “صَوْتٌ لَا كَالْأَصْوَاتِ”، “جِهَةٌ لَا كَالْجِهَاتِ”، نُزُولٌ لَا كَالْنُّزُولِ” يَعْنُونَ مِنَ الْأَجْسَامِ. وَانْدَفَعَ ذَلِكَ بِمَا انْدَفَعَ بِهِ الْأَوَّلُ، وَلَـمْ يَبْقَ فِي هَذِهِ الْظَّوَاهِرِ إِلَّا اعْتِقَادَاتُ الْسَّلَفِ وَمَذَاهِبُهُم، وَالْإِيْمَانُ بِهَا كَمَا هِيَ لِئَلَّا يَكُرَّ الْنَّفْيُ عَلَى مَعَانِيْهَا بِنَفْيِهَا مَعَ أَنَّهَا صَحِيْحَةٌ ثَابِتَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ.

وَلِهَذَا تَنْظُرُ مَا تَرَاهُ فِي عَقِيْدَةِ الْرِّسَالَةِ لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَكِتَابِ الْـمُخْتَصَرِ لَهُ وَفِي كِتَابِ الْحَافِظِ ابْن عَبْد الْبَّر وَغَيْرِهِم فَإِنَّهُم يَحُومُونَ عَلَى هَذَا الْـمَعْنَى، وَلَا تَغْمُضْ عَيَنُكَ عَنِ الْقَرَائِنِ الْدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ فِي غُضُونِ كَلَامِهِم))(12)…

خَامِسًا: يُقَالُ لِهَذَا الْوَهَّابِي فَرْكُوس: كَيْفَ تَحْتَجُّ بِكَلَامِ الْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر وَهُو (قبُورِي!) غَارِقٌ فِي أَوْحَالِ (الْشِّرْكِيَّاتِ!) وِفْقَ فَهْمِكَ (الْمَنْكُوس!)؟!:

قَالَ الْحَافِظ ابْن عَبْد البَّر: ((وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِم، عَنْ مَالِكٍ: بَلَغَنِي عَنْ قَبْرِ أَبِي أَيُّوب [الأَنْصَارِي] أَنَّ الْرُّومَ يَسْتَصِحُّونَ بِهِ وَيَسْتَسْقُونَ))(13)…

وَقَالَ أَيْضًا: ((وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى الْتَّبَرُّكِ بِمَوَاضِعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْصَّالِحِينَ وَمَقَامَاتِهِمْ وَمَسَاكِنِهِمْ وَإِلَى هَذَا قَصَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِحَدِيثِهِ هَذَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ))(14)…

وَقَالَ: ((وَفِيهِ [حَدِيث الْبَاب] الْتَّبَرُّكُ بِالْمَوَاضِعِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ وَوَطِئَهَا وَقَامَ عَلَيْهَا))(15)…

وَقَالَ عِنْدَ ذِكْر فَوَائِد حَدِيثٍ: ((وَفِيهِ الرُّقَى بِالْقُرْآنِ، وَفِي مَعْنَاهُ: كُلُّ ذِكْرٍ لِلَّهِ جَائِزٌ الْرُّقْيَةُ بِهِ. وَفِيهِ إِبَاحَةُ النَّفْثِ فِي الرُّقَى وَالتَّبَرُّكِ بِهِ. وَالْنَّفْثُ شِبْهُ الْبَصْقِ، وَلَا يُلْقِي الْنَّافِثُ شَيْئًا مِنَ الْبُصَاقِ، وَقِيلَ كَمَا يَنْفُثُ آكِلُ الزَّبِيبِ. وَفِيهِ الْمَسْحُ بِالْيَدِ عِنْدَ الرُّقْيَةِ، وَفِي مَعْنَاهُ: الْمَسْحُ بِالْيَدِ عَلَى كُلِّ مَا تُرْجَى بَرَكَتُهُ وَشِفَاؤُهُ وَخَيْرُهُ مِثْلَ الْمَسْحِ عَلَى رَأْسِ الْيَتِيمِ وَشِبْهِهِ. وَفِيهِ الْتَّبَرُّكُ بِإِيمَانِ الْصَّالِحِينَ قِيَاسًا عَلَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ بِيَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ، وَفِيهِ الْتَّبَرُّكُ بِالْيُمْنَى دُونَ الشِّمَالِ وَتَفْضِيلُهَا عَلَيْهَا، وَفِي ذَلِكَ مَعْنَى الْفَأْلِ))(16)…

وَقَالَ أَيْضًا: ((فِيهِ [حَدِيث الْبَاب] مَا كَانَ عَلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ مِنَ الْتَّبَرُّكِ بِحَرَكَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ اقْتِدَاءً بِهِ وَتَأَسِّيًا بِحَرَكَاتِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِنَّمَا سَأَلَهُمْ عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ مِنْ مَسْجِدِهِمْ لِيُصَلِّيَ فِيهِ تَبَرُّكًا بِذَلِكَ وَرَجَاءَ الْخَيْرِ فِيهِ))(17)…

وَقَالَ: ((قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: “لَا بَأْسَ بِتَعْلِيقِ الْكُتُبِ الَّتِي فِيهَا أَسْمَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى أَعْنَاقِ الْمَرْضَى عَلَى وَجْهِ الْتَّبَرُّكِ بِهَا، إِذَا لَمْ يُرِدْ مُعَلِّقُهَا بِتَعْلِيقِهَا مُدَافَعَةَ الْعَيْنِ”. وَهَذَا مَعْنَاهُ: قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْعَيْنِ، وَلَوْ نَزَلَ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْعَيْنِ جَازَ الرَّقْيُ -عِنْدَ مَالِكٍ- وَتَعْلِيقُ الْكُتُبِ))(18)…

سَادِسًا: فَلتُسَلِّـم أَيْضًا للْحَافِظِ ابْن عَبْد الْبَّر قَوْله فِي الْبِدْعَةِ: ((الْبِدْعَةُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: اخْتِرَاعُ مَا لَمْ يَكُنْ وَابْتِدَاؤُهُ فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فِي الدِّينِ خِلَافًا لِلسُّنَّةِ الَّتِي مَضَى عَلَيْهَا الْعَمَلُ فَتِلْكَ بِدَعَةٌ لَا خَيْرَ فِيهَا وَوَاجِبٌ ذَمُّهَا، وَالنَّهْيُ عَنْهَا وَالْأَمْرُ بِاجْتِنَابِهَا، وَهِجْرَانُ مُبْتَدِعِهَا إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ سُوءُ مَذْهَبِهِ. وَمَا كَانَ مِنْ بِدْعَةٍ لَا تُخَالِفُ أَصْلَ الشَّرِيعَةِ وَالسُّنَّةِ فَتِلْكَ: “نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ” كَمَا قَالَ عُمَرُ، لِأَنَّ أَصْلَ مَا فَعَلَهُ سُنَّةٌ.

وَكَذَلِكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي صَلَاةِ الضُّحَى، وَكَانَ لَا يَعْرِفُهَا، وَكَانَ يَقُولُ: وَلِلْضُّحَى صَلاةٌ؟.

وَذَكَرَ ابْن أَبِي شَيْبَة عَن ابْنِ عُلَيَّةَ عَنِ الْجَرِيرِيِّ عَنِ الْحَكَمِ عَنِ الْأَعْرَجِ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ صَلَاةِ الْضُّحَى، فَقَالَ: بِدْعَةٌ، وَنِعْمَتِ الْبِدْعَةُ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ﴾[الْحَدِيد:27]. وَأَمَّا ابْتِدَاعُ الْأَشْيَاءِ مِنْ أَعْمَالِ الْدُّنْيَا فَهَذَا لَا حَرَجَ فِيهِ وَلَا عَيْبَ عَلَى فَاعِلِهِ))(19)…

فَالْحَاصِل مِنْ هَذِهِ الْنِّقَال أَنَّ الْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر لَا عَلَاقَة لَهُ الْبَتَّة فِي الْأَغْلَبِيَّةِ الْسَّاحِقَةِ مِن الْأُصُولِ مَعَ مَذْهَبِكُم الْقَائِمِ عَلَى الْتَّجْسِيْمِ وَالْتَّكْفِيْرِ وَالْشُّذُوذِ…

يُتْبَعُ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى…

____________

(1) الْـمَوْقِع الاِلِكْتْرُونِي لِلْوَهَّابِي عَلَى الْرَّابِط:

https://ferkous.com/home/?q=art-mois-126

(2) جَامِعُ بَيَانِ الْعِلْـمِ وَفَضْلِهِ لِلْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر (2/938)، دَارُ ابْن الْجُوزِي لِلْنَّشْرِ وَالْتَوْزِيْعِ: الْسُّعُودِيَّة، الْطَّبْعَة الْأُوْلَى: 1414هـ-1994م

(3) الاِسْتِذْكَارِ لِلْحَافِظِ ابن عَبْد البَر (8/118)، تَحْقِيق: الدُّكْتُور عَبْد الـمُعْطِي أَمِين قَلْعَجِي، النَّاشِر: دَار الوَعْي: حَلَب-القَاهِرَة وَدَار قُتَيْبَة لِلْنَّشْرِ وَالطَّبْعِ: دِمَشْق-بَيْرُوت، الطَّبْعَة الأُولَى: 1414هـ-1993م

(4) الْتَّمْهِيِد لِلْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر (7/137)، الْنَّاشِر: وَزَارَة الأَوْقَاف وَالْشُّؤُون الْإسْلاَمِيَّة – الْـمَمْلَكَة الْـمَغْربِيَّة

(5) الاِسْتِذْكَارِ لِلْحَافِظِ ابْن عَبْد الْبَّر (8/153)

(6) الْتَّمْهِيد لِلْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر (7/143-144)

(7) الْتَّمْهِيد لِلْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر (18/345)

(😎 الْتَّمْهِيد لِلْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر (1/316-317)

(9) الاِسْتِذْكَارِ لِلْحَافِظِ ابْن عَبْد الْبَّر (27/395)

(10) الاِسْتِذْكَارِ لِلْحَافِظِ ابْن عَبْد الْبَّر (5/213)

(11) الاِسْتِذْكَارِ لِلْحَافِظِ ابْن عَبْد الْبَّر (10/247-249)

(12) مُقَدِّمَة ابْن خَلْدُون (1/587)، دَار الْفِكْر لِلْطِّبَاعَةِ وَالْنَّشْرِ وَالْتَّوْزِيعِ: بَيْرُوت-لُبْنَان، طَبْعَة: 1421هـ-2001م

(13) “الاِسْتِيعَابُ فِي أَسْمَاءِ الأَصْحَاب” لِلْحَافِظ ابْن عَبْد البَّر (2/369)، دَار الْفِكْرِ لِلْطِّبَاعَةِ وَالْنَّشْرِ وَالتَّوْزِيعِ، طَبْعَة: 1426هـ-1427هـ : 2006م

(14) الْتَّمْهيد لِلْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر (13/67)

(15) الْتَّمْهيد لِلْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر (6/228)

(16) الْتَّمْهيد لِلْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر (8/129)

(17) الْتَّمْهيد لِلْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر (19/197)

(18) الْتَّمْهيد لِلْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر (17/161)

(19) الاِسْتِذْكَارِ لِلْحَافِظِ ابْن عَبْد الْبَّر (153-152/5)