بغية الطالب ج٢ الدرس ١٦٧نية الجهاد والحرس في سبيل الله

( في الماضِي ضِمن القرون الثّلاثَةِ الأُولَى النِّساءُ كُنَّ يُشَجِّعْنَ أولادَهُنّ على الجِهَاد، هذِه الخَنسَاءُ الشّاعِرةُ حضَرَت غَزوةً مع أبنَائها الأربعةِ فصَارَت تُشَجّعُهم في المعركةِ على القِتَال، فقُتِلُوا أربَعَتُهم في الجهادِ وهيَ فَرِحَةٌ بهذا، بهذا نَشَرُوا الإسلام، لو كانُوا مِثلَنا كانَ الإسلامُ ضِمنَ المدينةِ فَقط يَبقَى.( الخَنسَاءُ: تُماضِر بنت عمرو السُّلَمِيَّة (575_664 ميلادية) ومَوقِفُها يومَ القَادسِيّةِ خَيرُ دَلِيلٍ على صَبرِها وثَباتِها وحُسنِ إيمانِها، فقَد خَرجَت في هذه المعركةِ معَ المسلمِينَ في عَهدِ عُمَرَ ومَعهَا أبناؤها الأربعَة وهم: عَمْرَة وعَمرو ومعَاويةُ ويَزيد، وقالت لهم: إذا أَصبَحتُم غَدًا إن شاءَ اللهُ سَالمِينَ، فَاغْدُوا إلى قِتال عَدُوِّكُم مُستَبصِرين، وبالله على أعدائه مستَنصِرين ، وعندما دارت المعركة استُشهِد أولادُها الأربعَةُ واحِدًا بعدَ واحِدٍ، وحِينما بلغَ الخَنْسَاءُ خَبر مَقتَل أبنائها الأربعة قالت: الحمدُ لله الّذي شرَّفَني بقَتْلِهم، وأَرجُو مِن ربّي أن يَجمَعَني بهم في مُستَقرِّ رَحمَتِه.(أي الجنة))
ورَوى أحمدُ والطبراني في الأوسط أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ لسَيِّدنا ثوبان رضي الله عنه: كيفَ بكَ يا ثَوبانُ إذا تَداعَتْ عَليكُمُ الأُمَمُ تَداعِيْكُم على قَصْعَةِ الطّعام تُصِيبُونَ مِنهُ” قال: أوَ مِن قِلّةٍ بِنا يومَئِذٍ يا رسولَ الله، قال: لا، بَل أَنتُم يَومَئِذٍ كَثِيرٌ ولَكِنَّكُم غُثَاءٌ كغُثَاءِ السّيلِ يَدخُلُ في قُلوبِكُمُ الوَهْن، قال ثوبانُ رضيَ الله عنه: ومَا الوَهْنُ يا رسولَ الله، قال: حُبُّ الدُّنيا وكَراهِيَةُ الْمَوت”، أي أنّ هذا سبَبُ انحِطَاطِكُم الذي يُوصِلُكُم إلى حَدّ أنّ الأعداءَ يُحِيطُونَ بكُم كمَا يحِيطُ أَكَلَةُ الطّعامِ بالقَصْعَةِ التي فيها الطّعامُ، هَذا يمُدُّ يدَه مِن هُنا وذاكَ يمُدّ يدَه مِن جِهتِه وذَاكَ وذَاكَ، كُلٌّ يمُدّ يدَه إلى قَصعَةِ الطّعامِ مِن جِهتِه. والرّسولُ بَيّنَ سبَب ذلكَ فقال: حُبُّ الدُّنيا وكَراهِيَةُ الموت”أي كراهِيَةُ الجِهاد. فعَلى كلّ حالٍ مَن لم يخسَرْ رأسَ المالِ فكَأنّهُ لم يخسَر، ورأسُ مالِ المسلِم العقيدةُ، عقيدةُ أهلِ السّنةِ والجمَاعة.اللهمّ أَحْيِنَا على السّنّةِ وأَمِتْنَا عَلَيها)
( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :” لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ” فَلا يَنْقَطِعُ الْجِهَادُ وَالنِّيَّةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِنْ عَجَزَ الْمُسْلِمُونَ عَنِ الْجِهَادِ بِالْفِعْلِ يَنْوُونَ أَنَّهُمْ مَتَى مَا تَمَكَّنُوا يَفْعَلُونَ، مَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهُوَ يَمُوتُ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النِّفَاقِ، الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:” مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ نِفَاقٍ” رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِى صَحِيحِهِ)( . نِيّةُ الجِهَادِ واجِبَة. لا بُدَّ أن يقولَ في نَفسِه سَأَغزُو في سَبِيل الله إن استَطَعتُ. القِتَالُ الذي يُنَالُ بهِ الشّهَادَةُ هوَ بَعدَ صِحَّةِ إسلام المرءِ عندَ الله تعالى، بعدَ صِحّةِ عَقِيدَتِه. أنْ يَنوِيَ إضعَافَ الكَافِرِين سَواءٌ وَصَل إلى أن تَكُونَ السُّلطَةُ للمُسلمِينَ أو لم يَصِلُوا إلى ذلكَ الحَدّ، لكن يَصِلُون إلى حَدٍّ أخَفَّ ضَرَرا على المسلمِينَ، هذا شَهِيدٌ إن قُتِلَ، وإنْ جُرِح فلَهُ أَجرٌ عظِيمٌ، وإنْ رجَع سَالِمًا مِن غَير أن يُجرَح بَعدَ أنْ قَتَلَ مِنَ الكُفّارِ عَدَدًا فلَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ، إنْ رَجَعَ مِن غَيرِ أن يُقتَل لَكن نِيَّتُه كان أن يُقاتِلَ ويقتُلَ ولكنّه رجَع سَالِمًا مِن غَيرِ أن يُقتَلَ ومِن غَيرِ أنْ يُجرَح فلَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ عندَ اللهِ، إنْ حَرَس لَيلَةً واحِدَةً يَكُونُ لهُ ثَوابُ مَن صَامَ ألفَ نَهار لوَجْه الله وثَوابَ مَن تَهجَّدَ للهِ تَعالى أَلفَ لَيلَةٍ، بل أكثَر مِن هَذا يَكُونُ له لو لم يَحرُسِ اللَّيلَ كُلَّه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “حَرَسُ لَيلَةٍ في سَبِيلِ اللهِ خَيرٌ مِن أَلفِ لَيلَةٍ قِيَامُ لَيْلِهَا وصِيَامُ نَهارِهَا” رواه ابن ماجه (يُقَامُ لَيلُها ويُصَامُ نَهارُها).إنْ حَرَسَ لَيلَةً واحِدَةً يَكُونُ لهُ ثَوابُ مَن صَامَ أَلفَ نَهارٍ لوَجْهِ اللهِ تَعالى وثَوابُ مَن تَهجَّدَ للهِ تَعالى ألفَ لَيلَةٍ، يُصَلِّي السُّنّةَ للهِ تعالى والنّاسُ نائمون. بل أكثَر مِن هذا، أكثَرَ مِن ثَوابِ أَلفِ لَيلَةٍ قِيامُ لَيلِها، وأكثَرَ مِن ثَوابِ أَلفِ نَهارٍ،كلُّ ذلكَ لهُ بحِراسة ليلَةٍ.

المؤمِنُ يُبعَثُ على نِيّتِه ، اللهُ تعالى يَبعَثُ يومَ القِيامَةِ النّاسَ على نِيّاتِهم الرّسولُ صلّى الله عليه وسلم قال: “إنّ النّاسَ يُبْعثُونَ على نِيَّاتِهم” (رواه مسلم).)
وقال: “غَزوَةٌ لِمَن قَدْ حَجَّ خَيرٌ مِن عَشْرِ حِجَج” أي عَشْرِ حِجَجٍ نَوافِلَ بَعدَ حَجَّةِ الفَرْض. وسئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمالِ أفضَلُ، فقَال: “الصّلاةُ في مَواقِيْتِها وبِرُّ الوَالِدَينِ والجِهَادُ في سَبِيلِ الله”. يعني رَسولُ اللهِ مَا إذا كانَ الجهادُ فَرضَ كفَايةٍ، كمَا إذا أرادَ المسلِمُون أن يَغزُوا الكُفّار في أراضِيهِمُ التي ما وصَل المسلِمُونَ إليها بالاحتِلال قَبلَ ذلكَ فإنّ بِرّ الوالِدَين في تِلكَ الحَالِ أفضَلُ مِن الجهادِ، وأمّا إذا كانَ الجهادُ في البلادِ الإسلاميّةِ التي احتَلَّها الكُفّارُ فالجِهادُ فَرضُ عَينٍ، فيَكُون الجهادُ في هذه الحالِ أفضَلَ مِن بِرّ الوالِدَين، لذلكَ قالَ عُلَماء المذاهِب الأربعَةِ يَجُوز الجهادُ في هذه الحالِ بدُونِ إذنِ الوالِدَين أي يُخالِفُهُما ويُجَاهِدُ.
وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم:”عَينَانِ لا تَمسُّهُما النّارُ عَينٌ بَكَتْ مِن خَشيَةِ الله وعَينٌ باتَت تَحرُسُ في سَبِيلِ الله”رواه الترمذي.وهذا شَاملٌ لبَعض العُصاة كذلكَ، لأنّ بَعضَ العُصَاةِ يَبكُونَ مِنْ خَشيَةِ الله، المرادُ بهِ أنّه بكَى مِن خَشيَةِ الله لأنّه عَصَى خَجِلَ مِن رَبِّه.)
(وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُسْلِمُ أَوْ أُقَاتِلُ؟ قَالَ: أَسْلِمْ ثُمَّ قَاتِلْ، فَأَسْلَمَ فَقَاتَلَ فَقُتِلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:» عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا “، أَيْ لِأَنَّهُ نَالَ الشَّهَادَةَ بَعْدَ أَنْ هَدَمَ الإِسْلامُ كُلَّ ذَنْبٍ قَدَّمَهُ فَالْفَضْلُ لِلإِسْلامِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُسْلِمْ لَمْ يَنْفَعْهُ أَيُّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ. وَهَذَا الرَّجُلُ كَانَ الْتَحَقَ بِالْمُجَاهِدِينَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ قَوْمَهُ الَّذِينَ هُمْ مُسْلِمُونَ خَرَجُوا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْلِمَ، ثُمَّ أَلْهَمَهُ اللَّهُ أَنْ يَسْأَلَ الرَّسُولَ فَسَأَلَ فَأَرْشَدَهُ الرَّسُولُ إِلَى أَنْ يُسْلِمَ ثُمَّ يُقَاتِل.
إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ مَنْ مَاتَ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الشَّهَادَاتِ يُغْفَرُ لَهُ وَلا يُعَذَّبُ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ ذُنُوبٌ مِثْلُ الْجِبَالِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مَوْتُهُ بِأَفْضَلِ أَنْوَاعِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مَنْ مَاتَ وَهُوَ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنِيَّةٍ خَالِصَةٍ لا رِيَاءَ فِيهَا، فَالشَّهِيدُ مَهْمَا كَانَ عَلَيْهِ ذُنُوبٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخَيَّرُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ أَنْ يَدْخُلَ، ثُمَّ الشَّهِيدُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ يَحْمِلُونَ رُوحَهُ بِكَفَنٍ بِخِرْقَةِ حَرِيرٍ مِنَ الْجَنَّةِ، يَأْخُذُونَ هَذِهِ الرُّوحَ مِنْ عَزْرَائِيلَ وَلا يَتْرُكُونَهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ.)