يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا

وَرَدَ فِي سُنَنِ ابنِ ماجه عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا ، فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ: ” بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ ” ، فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهَنُ قَالَ: ” حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ “.

25 دولة عربيّة
430 مليون عربي ……!
57 دولة مسلمة ……..!
2 مليار مسلم وأكثر …….!
يصدق فينا قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
فائدة :
يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا
فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟
قَالَ بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ الله مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ
فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟
قَالَ حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ.
معنى كَرَاهِيَة الْمَوْتِ كراهية الجهاد
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ غُثَاءِ السَّيْلِ مَا احْتَمَلَهُ السَّيْلُ مِنَ الزَّبَدِ وَالْعِيْدَانِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الْأَقْذَاء.

التّداعي: التّتابع: أي يدعو بعضها بعضا فتجيب

الأكلة: جمع آكل

الغثاء: ما يلقيه السيل

》يوشِكُ من الشىء: الدُنو منه.
》تداعى عليكم: أي اجتَمَعوا عليكم.
》والقَصْعَةُ: وعاءٌ يُتَّخَذُ للطعام.
》وغُثاءُ السَّيْل: حَميلُهُ من الوَسَخ. نسألُ الله تعالى أنْ يَرحَمنا.

لما رأى أعداء الإسلام أن سر تقدُّم المسلمين وسر قوتهم، وسر عزتهم التمسك بالإسلام، عملوا على أن يباعدوا بين الأمة ودينها، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيثُ قال: “كيف أَنْتَ يا ثَوْبَانُ إِذَا تَدَاعَتْ عَلَيْكُمْ الأُمَمُ كَتَدَاعِيْكُمْ عَلى قَصْعَةِ الطَّعَامِ تُصِيْبُونَ مِنْهُ؟”فقال ثوبان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أمن قلة بنا؟ قال: “لا أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيْرٌ، وَلَكِنْ يُلْقى في قُلُوْبِكُمُ الوَهْنُ” قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: “حُبُّكُمُ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَتُكُمُ القِتَال” رواه أحمد وأبو داود.

وفي رواية قال: “يُوشِكُ أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكَلَةُ إلى قصْعَتها” فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: “بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن” فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: “حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت” رواه أحمد.

ومعنى: “يُوشِكُ أن تداعى عليكم الأمم” أي اجتمعوا ودعا بعضهم بعضا. أي يَقْرُب فِرَق الكفر وأمم الضَّلالة “أن تداعى عليكم” أي تتداعى، والمعنى الأُمم تَجْتَمِعُ عَلَيكُم بأن يدعو بعضهم بعضًا لمقاتلتكم، وكسر شوكتكم، وسلب ما ملكتموه مِن الدِّيار والأموال.
 “كما تداعى الأكلة” أي كما أنَّ الفئة الآكلة يتداعى بعضهم بعضًا إلى قصعتهم التي يتناولونها مِن غير مانع، فيأكلونها صفوًا مِن غير تعب.

فقال قائل: ومِن قلَّة نحن يومئذ؟! أي أنَّ ذلك التَّداعي لأجل قلَّة نحن عليها يومئذ. قال: “بل أنتم يومئذٍ كثير” أي من حيث العدد. “ولكنَّكم غُثَاء كغُثَاء السَّيل” وهو ما يحمله السَّيل مِن زَبَدٍ ووَسَخ، شبَّههم به لقلَّة شجاعتهم ودناءة قدرهم.

“ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم” أي ليخرجنَّ المهابة أي الخوف والرُّعب من قلوب عدوكم منكم “وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن” أي الضَّعف، ولذلك فسَّره بحبِّ الدُّنيا وكراهة الموت، وهما متلازمان، فكأنَّهما شىء واحد، ونسأل الله العافية.

وهذا حال الأمة اليوم، غثاء كغثاء السيل، وما أروعَ حكمةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أبلغ تشبيهه! فقد أوتى صلى الله عليه وسلم جوامع الكَلِم. فغثاء السيل هو ذلك الزبد الأبيض الطافي فوق الماء، مهين لا قيمة له، وأين اليوم وزن هذه الأمة؟! متناثر لا ارتباط له، وأين وحدة الأمة؟ يطفو على السطح لا عمق له، وأين مبادئ الأمة؟! فالأمة لما ابتعدت عن دينها وتركت قيمها وقلدتْ عدوَّها، وسارت خلفه دون وعي، ما عاد لها هيبة وعز.

عن ثوبان رضيَ اللهُ عنه قال..
 قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
“يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تتَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: مِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: لا، بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُم الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُم الْوَهْنَ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الْوَهْنُ؟
قَالَ حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ”.
رواه أبو داود

قال الله تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَاتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٞ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴿١٤٦﴾}.

⁠ ⁠الرِّبِّيُّون: الربانيون وقال بعضهم: الجماعة الكثيرة.

عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ”. رَواهُ ابنُ ماجهْ وغيرُهُ

«اللهم أمتي أمتي»

كان رسول الله ﷺ يقول: «اللهم أمتي أمتي»، وكان يبكي من شدة حرصه على أمته. في يوم القيامة، يُروى أن النبي ﷺ يكون أول من يجتاز الصراط، ويقف عند طرفه ينظر إلى أمته. فإذا رأى أحدهم يكاد يسقط في جهنم، يدعو الله قائلًا: «اللهم سلم، سلم».

 إنه حب النبي ﷺ لأمته. وقد جاء في الحديث أن الله تعالى أرسل جبريل ليسأل النبي ﷺ عن سبب بكائه، رغم أن الله يعلم كل شيء. فأجاب النبي ﷺ: «اللهم أمتي أمتي»، فقال الله لجبريل: «قل لمحمد: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك».

هذا النبي الكريم بكى من أجلنا، وكان دائم الخوف علينا. ألسنا مقصرين في شكر هذا القائد العظيم؟

تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: خرج النبي ﷺ ذات يوم مسرورًا، ثم عاد إليها كئيبًا. فقال: «يا عائشة، أخاف أن أكون قد شققت على أمتي».

نحن من أمته ﷺ، هذا النبي الكريم بكى عند الدعاء لأمته، سواء من رأوه أو لم يروه. وهو القائل: «وددت أني لقيت أحبابي». فقيل: «أولسنا أحبابك يا رسول الله؟» فقال النبي ﷺ: «أنتم أصحابي، وأحبابي قوم يأتون من بعدي، يود أحدهم لو رآني بأهله وماله».

 وهذا هو حالنا اليوم، أحبابي. كل واحد منا يتمنى لو رأى النبي ﷺ، ولو كان ذلك في حياة النبي ﷺ.

 اليوم، نتساءل: ماذا لو جاء النبي ﷺ يشكو حال أمته؟ ماذا كنا سنقول له؟ كيف سنبرر له فساد الأحوال، وانتشار الذنوب والمعاصي؟ كيف سنشرح له انشغالنا بالدنيا وابتعادنا عن تعاليمه؟

هذه أمتك، يا رسول الله، تغير حالها كثيراً. وأنت القائل: «تداعى عليكم الأمم تداعي الأكلة إلى قصعتها». فسألوك: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ فقلت: «لا، بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل». وهانحن اليوم كُثر، ولكن شغلتنا الدنيا

عذراً سيدنا القائد، عذرًا يا رسول الله، شغلتنا الدنيا

أحبتي، إن نبي الله ﷺ يستحق منا الكثير من الشكر. فوالله لو أمضينا أعمارنا كلها ندافع عن نبينا ﷺ، ونرد عنه الافتراءات والفتن والكذب، لكان هذا قليلًا أمام فضل النبي ﷺ علينا.

نسأل الله أن يعلق قلوبنا بطاعته ومحبة نبيه ﷺ، وألا يتركنا ننشغل بزخارف الدنيا الزائلة.
اللهم انصر إخواننا المسلمين في غزة وفلسطين

********************************************************

> عِلْمُ الدِّيِن حَيَاةُ الإِسْلام دُرُوس مُحَررَة: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ
يوشك أن ‌تداعى ‌عليكم ‌الأمم

بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعدُ:
مقدمة

أَخبَرَ اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فِي القُرءَانِ الكِرِيمِ أَنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ المُحَمَّدِيَّةَ هِيَ خَيرُ الأُمَمِ مِن أُمَمِ الأَنبِيَاءِ السَّابِقَةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾، [سورة ءال عمران: 110].

وَقَد حَاوَلَ المُشرِكُونَ إِطفَاءَ النُّورِ الَّذِي جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ مُنذُ أَوَّلِ بِعثَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَلَكِنَّ دِينَ الإِسلَامِ مَحفُوظٌ مِن عَبَثِ العَابِثِينَ وَتَدنِيسِ المُشرِكِينَ وَيَأبَى اللهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾، [سورة الصف: 8].

فَهَذَا الدِّينُ مَحفُوظٌ مِنَ الزَّوَالِ، وَهَذَا القُرءَانُ العَظِيمُ الَّذِي هُوَ مُعجِزَةُ النَّبِيِّ ﷺ الكُبرَى مَحفُوظٌ بِإِذنِ اللهِ، وَهَذِهِ الأُمَّةُ مَحفُوظَةٌ، فَإِنَّ نَبِيَّنَا ﷺ دَعَا اللهَ تَعَالَى أَن لَا يُصِيبَهُم عَذَابُ استِئصَالٍ، وَلَكِن قَد يَحصُلُ فِيهَا مِن أَنوَاعِ البَلَاءِ مَا يَحصُلُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ أَخبَرَ صَحَابَتَهُ أَنَّ الأَزمِنَةَ المُقبِلَةَ الَّتِي سَتَأتِي عَلَى أَتبَاعِهِم سَتَكُونُ أَشَدَّ يَومًا بَعدَ يَومٍ وَعَصرًا بَعدَ عَصرٍ وَأَنَّ ءَاخِرَ الزَّمَانِ سَيَكُونُ شَدِيدًا عَلَى المُسلِمِينَ، وَمِمَّا أَخبَرَ بِهِ نَبِيُّنَا ﷺ أَنَّ أُمَمَ الكُفَّارِ وَمِلَلَهُم سَوفَ يَتَكَالَبُونَ عَلَى المُسلِمِينَ وَوَصَفَ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِ وَشَبَّهَهُ بِتَدَاعِي الأَكَلَةِ عَلَى القَصعَةِ وَهَذَا مَا سَنَتَنَاوَلُهُ فِي هَذَا المَقَالِ إِن شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ لِثَوبَانَ: “كَيْفَ أَنْتُمْ يَا ثَوْبَانُ إِذَا تَدَاعَتْ عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ كَتَدَاعِيكُمْ ‌عَلَى ‌قَصْعَةِ ‌الطَّعَامِ تُصِيبُونَ مِنهُ؟” قَالَ ثَوْبَانُ: بِأَبِي أَنتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا؟ قَالَ ﷺ: “لَا، أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، لَكِنْ يُلقَى فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنُ” قَالُوا: وَمَا الوَهْنُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ ﷺ: “حُبُّكُمُ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَتُكُم لِلمَوتِ“، رواه أحمد في مسنده.

وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ ﷺ: “يُوشِكُ أَنْ ‌تَدَاعَى ‌عَلَيْكُمُ ‌الْأُمَمُ كَمَا تَدَاعَى الْقَوْمُ إِلَى قَصْعَتِهِمْ”، قَالَ: قِيلَ: مِنْ قِلَّةٍ؟ قَالَ: “لَا، وَلَكِنَّهُ ‌غُثَاءٌ ‌كَغُثَاءِ ‌السَّيْلِ، يُجْعَلُ ‌الوَهْنَ فِي قُلُوبِكُمْ، وَيُنْزَعُ الرُّعْبُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ لِحُبِّكُمُ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَتِكُمُ الْمَوْتَ“، رواه أبو داود في سننه.

وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ ﷺ: “يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا”، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ ﷺ: “بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ ‌غُثَاءٌ ‌كَغُثَاءِ ‌السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمُ ‌الْوَهْنَ”، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا ‌الوَهْنَ؟ قَالَ ﷺ: “حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ“، رواه أبو داود في سننه.

معنى الحديث

قَدَّمَ سَيِّدُ الخَلقِ مُحَمَّدٌ ﷺ لِأُمَّتِهِ مَا سَتُوَاجِهُهُ فِي قَادِمِ أَيَّامِهَا إِلَى أَن يَرِثَ اللهُ الأَرضَ وَمَن عَلَيهَا، وَخَاصَّةً مَا يَتَعَلَّقُ بِالفِتَنِ وَأَنوَاعِ الشُّرُورِ الَّتِي تَضُرُّ بِهَا وَتُؤَدِّي بِهَا إِلَى أَحوَالٍ سَيِّئَةٍ مِمَّا أَخبَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ نَبِيَّهُ ﷺ مِنَ الغَيبِ مِمَّا سَيَكُونُ بَعدَ عَصرِهِ ﷺ وَبَعدَ وَفَاتِهِ، وَهَذَا الحَدِيثُ العَظِيمُ هُوَ نَوعٌ مِنَ الغَيبِ الَّذِي أَخْبَرَ اللهُ بِهِ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا ﷺ.

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “يُوشِكُ“: المُخَاطَبُ هُنَا العَرَبُ، وَخُصَّ العَرَبُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُم كَانُوا حِينَئِذٍ مُعظَمَ مَن أَسلَمَ.

وَفَهِمنَا مِن قَولِهِ ﷺ: “يُوشِكُ“: يَعنِي أَنَّ هَذَا الأَمرَ قَرِيبٌ. > عِلْمُ الدِّيِن حَيَاةُ الإِسْلام دُرُوس مُحَررَة: وَقَالَ ﷺ: “أَن تَدَاعَى عَلَيكُمُ”: أَي أَن تَجتَمِعَ عَلَيكُمُ الأُمَمُ وَيَدعُو بَعضُهُم بَعضًا فِي المَجِيءِ عَلَيكُم لِمُقَاتَلَتِكُم وَكَسرِ شَوكَتِكُم وَسَلبِ مَا مَلَكتُمُوهُ مِنَ الدِّيَارِ وَالأَموَالِ.

وَالفِعلُ (تَدَاعَى) أَصلُهُ (تَتَدَاعَى) بِتَائَينِ وَحُذِفَت إِحدَاهُمَا تَخفِيفًا.

وَقَالَ ﷺ: “الأُمَمُ”: المُرَادُ بِالأُمَمِ أُمَمُ الكُفرِ.

وَقَالَ ﷺ: “كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصعَتِهَا” أَي يَدعُو الكُفَّارُ بَعضَهُم بَعضًا إِلَى قِتَالِكُم كَمَا يَدعُو الآكِلُونَ بَعضُهُم بَعضًا لِلأَكلِ.

فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الحَاضِرِينَ: وَمِن قِلَّةِ أَهلِ الإِسلَامِ يَومَئِذٍ؟

فَقَالَ ﷺ: “لَا، وَلَكِنَّهُ ‌غُثَاءٌ ‌كَغُثَاءِ ‌السَّيْلِ”: أَي فِيمَا يَكُونُ بَعدَ عَصرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، فَشَبَّهَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَرَاذِلَ النَّاسِ وَسَقَطَهُم الَّذِينَ يَكُونُونَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بِغُثَاءِ السَّيلِ، وَالغُثَاءُ: مَا يَجِيءُ فَوقَ السَّيلِ مِمَّا يَحمِلُهُ مِنَ الزَّبَدِ وَالوَسَخِ وَالهَشِيمِ وَغَيرِهِ مِمَّا يَحمِلُهُ السَّيلُ إِذَا جَرَى مِمَّا لَا يَنتَفِعُ بِهِ كَمَا لَا يَنتَفِعُ بِأَرَاذِلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ.

وَقَالَ ﷺ: “وَلَيَنزِعَنَّ اللهُ مِن صُدُورِ عَدُوِّكُمُ المَهَابَةَ مِنكُم“: أَي لَيُخرِجَنَّ اللهُ الإِجلَالَ وَالتَّعظِيمَ وَالخَوفَ الَّذِي كَانَ فِي قُلُوبِ العَدُوِّ وَالرُّعبَ الَّذِي كَانَ يَصدَعُ قُلُوبَهُم وَيُرهِبُهَا مِن قُلُوبِهِم فَلَا يَعُودُونَ يَخَافُونَنَا، وَلَقَد قِيلَ: مضا تَسَلَّطَ عَلَينَا الأَعدَاءُ إِلَّا بَعدَ أَن وَقَعنَا فِي المُخَالَفَاتِ، لَكِن لَو استَقَمنَا حَسَبَ لَنَا العَدُوُّ الحِسَابَاتِ، وَاللهُ المُستَعَانُ.

وَقَالَ ﷺ: “وَلَيَقْذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمُ ‌الْوَهْنَ”: أَي لَيَجعَلَنَّ اللهُ تَعَالَى فِي قُلُوبِكُمُ الوَهْنَ وَهُوَ ضَعفُ القَلبِ وَالجُبنُ وَالفَشَلُ.
فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الحَاضِرِينَ، وَيَحتَمِلُ أَن يَكُونَ هُوَ القَائِلَ الأَوَّلَ أَو غَيرَهُ: (وَمَا الوَهْنُ؟): أَي وَمَا سَبَبُ هَذَا الوَهْنِ الَّذِي يَحصُلُ لِلمُسلِمِينَ؟ فَقَالَ ﷺ: “حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ”: أَي سَبَبُ هَذَا الوَهْنِ هُوَ حُبُّ الدُّنيَا وَكَرَاهِيَةُ المَوتِ فَإِنَّهُمَا يَدعُوَانِكُم إِلَى احتِمَالِ الذُّلِّ مِنَ العَدُوِّ لِأَنَّ مَن أَحَبَّ الدُّنيَا وَرَكَنَ إِلَى مَسَاكِنِهَا وَمَلَابِسِهَا وَشَهَوَاتِهَا كَرِهَ مُفَارَقَةَ ذَلِكَ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ كَرَاهِيَةِ حُلُولِ المَوتِ بِسَاحَتِهِ، فَإِنَّهُ قَاطِعٌ لِلَذَّاتِهِ مُفَرِّقٌ بَينَهُ وَبَينَ أَحبَابِهِ، فَجُبنَ بِذَلِكَ عَنِ القِتَالِ المُؤَدِّي إِلَى إِزهَاقِ رُوحِهِ، وَإِذَا قَلَّلَ مِنَ الدُّنيَا وَاستَعمَلَ فِيهَا الخُشُونَةَ هَانَ عَلَيهِ المَوتُ.

الغرض من هذا الحديث

هَذَا الحَدِيثُ العَظِيمُ الغَرَضُ مِنهُ وَالقَصدُ فِيهِ أَن تَكُونَ الأُمَّةُ عَلَى مَا يُحِبُّ اللهُ تَعَالَى مِنهَا أَن تَكُونَ، وَهُوَ أَن يَكُونَ هَمُّهُم وَقَصدُهُم عِبَادَةَ اللهِ سُبحَانَهُ وَطَاعَتَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، وَأَلَّا يَتَعَلَّقُوا بِالدُّنيَا وَلَذَّاتِهَا وَإِنَّمَا يَجعَلُونَهَا طَرِيقًا إِلَى مَا عِندَ اللهِ تَعَالَى مِنَ الرِّضوَانِ وَحُسنِ العَاقِبَةِ، وَأَن يَحذَرُوا مِمَّا يَكُونُ مِن أَعدَائِهِم فَإِنَّ أَعدَاءَ هَذِِه الأُمَّةِ لَن يَزَالُوا حَرِيصِينَ عَلَى إِلحَاقِ الأَضرَارِ بِهَا مَا استَطَاعُوا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا.

مقارنة بين تداعي الأمم وتداعي الأكلة إلى القصعة

مَعنَى تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ أَي أَنَّ الفِئَةَ أَوِ الجَمَاعَةَ الآكِلَةَ يَدعُو بَعضُهُم بَعضًا إِلَى الطَّعَامِ الَّذِي يَتَنَاوَلُونَهُ فَيَأكُلُونَهُ بِلَا مَانِعٍ وَلَا مُنَازِعٍ وَيَصِلُونَ إِلَيهَا بِشَكلٍ سَهلٍ، فَشَبَّهَ الرَّسُولُ ﷺ دَعوَةَ أُمَمِ الكُفرِ بَعضَهَا بَعضًا إِلَى مُقَاتَلَةِ المُسلِمِينَ فَيَدعُو الكُفَّارُ بَعضُهُم بَعضًا إِلَى المَجِيءِ عَلَيهِم لِمُقَاتَلَتِهِم وَكَسرِ شَوكَتِهِم وَسَلبِ مَا يَملِكُونَهُ مِنَ الدِّيَارِ وَالأَموَالِ لِيَأخُذُوا مَا فِي أَيدِيهِم بِلَا تَعَبٍ يَنَالُهُم.

وَهَذَا الحَدِيثُ مُنطَبِقٌ عَلَى هَذَا الزَّمَانِ، وَالمُسلِمُون اليَومَ عَدَدُهُم كَثِيرٌ جِدًّا، وَلَكِنَّهُم مُشتَغِلُونَ بِالدُّنيَا، وَحَرِيصُونَ عَلَى الدُّنيَا، وَخَائِفُونَ مِنَ المَوتِ، فَصَارُوا يَخَافُونَ مِن أَعدَائِهِم، وَأَعدَاؤُهُم لَا يَخَافُونَ مِنهُم.

لَكِن لَا يَعنِي هَذَا أَنَّهُ مَا حَصَلَ إِلَّا فِي هَذَا الزَّمَانِ، فَقَد يَكُونُ حَصَلَ فِي المَاضِي وَكَذَلِكَ يَحصُلُ فِي المُستَقبَلِ، لَكِنَّ المُشَاهَدَ المُعَايَنَ اليَومَ أَنَّهُ حَاصِلٌ. > عِلْمُ الدِّيِن حَيَاةُ الإِسْلام دُرُوس مُحَررَة: فهم الحديث وتطبيقه

يَحمِلُ هَذَا الحَدِيثُ مَعَانِيَ كَثِيرَةً عَظِيمَةً، مِنهَا أَنَّ هَذَا الدِّينَ مُحَارَبٌ وَلَو كَانَ أَهلُهُ مِن أَحسَنِ النَّاسِ أَخلَاقًا، فَقَد رَوَى البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي قِصَّةِ بَدءِ الوَحيِ أَنَّ خَدِيجَةَ بِنتَ خُوَيلِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ذَهَبتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى وَرَقَةَ بنِ نَوفَلٍ لِتَسأَلَهُ عَمَّا حَدَثَ مَعَ رَسُولِنَا ﷺ فَجَرَى بَينَهُمَا حَدِيثٌ كَانَ مِنهُ أَن قَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ (أَي جِبرِيلُ عَلَيهِ السَّلَامُ) الَّذِي نَزَّلَ اللهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا (أَي صَغِيرًا فِي السِّنِّ)، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟!“، فَقَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ. لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ ‌إِلَّا ‌عُودِيَ.اهـ 

الرَّسُولُ ﷺ تَوَقَّعَ أَن يَقبَلُوا مِنهُ هَذَا الخَيرَ وَهَذَا الحَقَّ لِأَنَّهُم يُصَدِّقُونَهُ كَمَا جَرَتِ العَادَةُ بَينَهُم فَهُم يَجعَلُونَهُ يَقضِي بَينَ أُمُورِهِم وَيُصَدِّقُونَ رَأيَهُ وَيَأخُذُونَ بِهِ، لَكِنَّ وَرَقَةَ أَخبَرَهُ أَنَّه سَيُعَادُونَهُ.
فَلنَقِف هُنَا قَلِيلًا: لِمَاذَا عَادَوُا النَّبِيَّ ﷺ وَحَارَبُوهُ وَكَذَّبُوهُ وَآذَوهُ وَآذَوا أَصحَابَهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم؟ إِنَّمَا حَارَبُوهُ لِأَجلِ أَنَّهُ جَاءَهُم بِهَذِهِ العَقِيدَةِ، فَالَّذِي يَأتِي بِمَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ ﷺ سَيَلقَى تَعَبًا وَعَنَتًا وَمَشَقَّةً وَأَذًى، مَعَ أَنَّهُ الصَّادِقُ الأَمِينُ بَل كَانُوا يُحِبُّونَهُ لِأَجلِ هَذَا.

فَكَم أُوذِيَ النَّبِيُّ ﷺ لِأَجلِ هَذِهِ الدَّعوَةِ الشَّرِيفَةِ،  لَكِن فِي النِّهَايَةِ صَارَ الإِسلَامُ يَدخُلُ إِلَى بُيُوتِ أَهلِ مَكَّةَ وَاحِدًا وَاحِدًا، يُسلِمُ هَذَا العَبدُ وَيُسلِمُ هَذَا الرَّجُلُ وَهَذِهِ المَرأَةُ ثُمَّ انتَشَرَ الإِسلَامُ وَتَوَسَّعَ.

وَأَمثِلَةُ إِيذَاءِ أَصحَابِ النَّبِيِّ ﷺ لِأَجلِ أَنَّهُم تَبِعُوا هَذَا الدِّينَ كَثِيرَةٌ جِدًّا، فَهَذَا بِلَالٌ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أُوذِيَ كُلَّ هَذَا الأَذَى لِأَجلِ التَّوحِيدِ وَالإِسلَامِ، وَلِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَحَدٌ أَحَدٌ، وَهَذَا خَبَّابُ بنُ الأَرَتِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَهُوَ مِنَ السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ إِلَى الإِسلَامِ، كَانَ سَادِسَ سِتَّةٍ فِي الإِسلَامِ، صَبَرَ وَلَم يُعْطِ الكُفَّارَ مَا سَأَلُوا، فَجَعَلُوا يُلزِقُونَ ظَهرَهُ بِالجَمرِ حَتَّى ذَهَبَ لَحمُ ظَهرِهِ، وَغَيرُهُ الكَثِيرُ، أَلبَسُوهُم دُرُوعَ الحَدِيدِ ثُمَّ صَهَرُوهُم فِي الشَّمسِ، فَبَلَغَ مِنهُمُ الجَهدُ مَا شَاءَ اللهُ أَن يَبلُغَ مِن حَرِّ الحَدِيدِ وَالشَّمسِ.

طهَذِهِ سُنَّةُ اللهِ فِي الدُّعَاةِ إِلَى دِينِهِ أَنَّهُم يُعَادَونَ وَيُحَارَبُونَ، هَذَا مَا حَصَلَ مَعَ نَبِيِّنَا ﷺ وَمَعَ أَصحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، كَم تَأَذَّى بِلَالٌ وَكَم تَأَذَّى خَبَّابُ بنُ الأَرَتِّ وَكَم تَأَذَّى عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ وَأُمُّهُ وَأَبُوهُ، الَّذَينَ قُتِلُوا لِأَجلِ هَذَا الدِّينِ وَلِأَنَّهُم جَهَرُوا بِالتَّوحِيدِ.

تأثير الحديث على المسلمين

يَنبَغِي عَلَى المُؤمِنِ الَّذِي يَرجُو ثَوَابَ اللهِ تَعَالَى أَوَّلًا أَن يَكُونَ صَابِرًا مُحتَسِبًا للهِ تَعَالَى لَا يَترُكُ دِينَهُ وَلَا يَترُكُ طَاعَةَ رَبِّهِ تَحتَ أَيِّ ظَرفٍ مَهمَا كَانَ صَعبًا، فَقَد رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ عَن خَبَّابٍ أَنَّهُ قَالَ: شَكَونَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بِبُرْدٍ لَهُ فِي ظِلِّ الكَعبَةِ، فَقُلنَا: أَلَا تَستَنصِرُ لَنَا؟ فَجَلَسَ مُحمَرًّا وَجهُهُ وَقَالَ: “قَد كَانَ مِنْ قَبلِكُم يُؤخَذُ الرَّجُلُ فَيُحفَرُ لَهُ فِي الأَرضِ، ثُمَّ يُجَاءُ بِالمِنشَارِ فَيُجعَلُ فَوقَ رَأسِهِ، مَا يَصرِفُهُ عَن دِينِهِ، وَيُمشَطُ بِأَمشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحمِهِ مِن عَظمٍ وَعَصَبٍ، مَا يَصرِفُهُ عَن دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الأَمرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنعَاءَ إِلَى حَضرَمَوتَ لَا يَخشَى إِلَّا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَالذِّئبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُم تَعجَلُونَ“. > عِلْمُ الدِّيِن حَيَاةُ الإِسْلام دُرُوس مُحَررَة: وَيَنبَغِي عَلَينَا أَن نَعرِفَ أَنَّ النَّصرَ ءَاتٍ لَا مَحَالَةَ مَهمَا حَاوَلَ الأَعدَاءُ طَمسَ نُورِ الإِسلَامِ وَمُحَارَبَةَ أَهلِهِ، فَقَد قَالَ أَبُو صَالِحٍ وَهُوَ مِن كِبَارِ التَّابِعِينَ : كَانَ خَبَّابُ قَيْنًا أَي حَدَّادًا يَطبَعُ السُّيُوفَ؛ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَألَفُهُ وَيَأتِيهِ، فَأُخْبِرَت مَولَاتُهُ بِذَلِكَ، فَكَانَت تَأخُذُ الحَدِيدَةَ المُحَمَّاةَ فَتَضَعُهَا عَلَى رَأسِهِ تَحرِقُهُ بِهَا، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ: “اللهم انصُرخَبَّابًا“، فَبَعدَ ذَلِكَ اشتَكَت مَولَاتُهُ أُمُّ أَنمَارٍ أَلَمًا مِن رَأسِهَا، فَكَانَت تَعوِي مِثلَ الكِلَابِ، فَقِيلَ لَهَا: دَوَاؤُكِ الكَيُّ فِي رَأسِكِ، فَكَانَ خَبَّابٌ يَأخُذُ الحَدِيدَةَ المُحَمَّاةَ فَيَكوِي بِهَا رَأسَهَا.

فَبَعدَ ذَلِكَ عَلَينَا أَن نَكُونَ عَلى أَتَمِّ الاستِعدَادِ لِلأَيَّامِ المُقبِلَةِ، وَعَلَينَا أَن نَكُونَ عَلَى عِلمٍ بِأَنَّ أَعدَاءَ الإِسلَامِ لَن يَتَوَقَّفُوا عَن مُحَارَبَتِنَا إِلَى أَن يَشَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَقَد حَارَبُوا رَسُولَ اللهِ ﷺ وَهُوَ أَفضَلُ خَلقِ اللهِ، وَحَارَبُوا صَحَابَتَهُ وَمَن بَعدَهُم مِنَ العُلَمَاءِ وَالكَلَامُ فِي هَذَا كَثِيرٌ.

وَكُلُّ هَذَا يُصَدِّقُ مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ البُخَارِيِّ مِن قَولِ وَرَقَةَ: لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ ‌إِلَّا ‌عُودِيَ.

فَلَا بُدَّ لَنَا أَن نَكُونَ يَدًا وَاحِدَةً مَعَ إِخوَانِنَا الَّذِينَ يَعتَقِدُونَ عَقِيدَتَنَا وَيَدِينُونَ بِمِثلِ دِينِنَا، عَلَينَا أَن نَتَكَاتَفَ وَنَتَظَاهَرَ عَلَى عَدُوِّنَا وَأَن نَكُونَ عَلَى قَلبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ لَا نَخَافُ فِي اللهِ لَومَةَ لَائِمٍ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عَن طَرِيقِ تَعلِيمِ النَّاسِ عَقِيدَةَ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ فَإِنَّ أَعدَاءَ المُسلِمِينَ لَيسُوا فَقَط مَن يَحمِلُونَ السِّلَاحَ ضِدَّهُم، بَل إِنَّ هُنَاكَ أُنَاسًا مِن جِلدَتِنَا يَلبَسُونَ لِبَاسَنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِقَالَ اللهُ وَقَالَ الرَّسُولُ يُحَاوِلُونَ إِطفَاءَ نُورِ الحَقِّ وَتَحرِيفَ الحَقَائِقِ، فَالجِهَادُ اليَومَ هُوَ جِهَادُ البَيَانِ بِاللِّسَانِ، فَإِنَّ هَذَا مَا تُبنَى بِهِ الأَوطَانُ وَتَقُومُ عَلَيهِ البِلَادُ، نَسأَلُ اللهُ أَن يَكُونَ مُعِينًا لَنَا.

الخاتمة

التَّارِيخُ الإِسلَامِيُّ يَشهَدُ بِمَا كَانَ يَصنَعُهُ أَعدَاءُ هَذِهِ الأُمَّةُ بِالمُسلِمِينَ، فَكَم عُذِّبَ ءَالُ يَاسِرٍ مِن أَبِي جَهلٍ، وَكَم عُذِّبَ سَيِّدُنَا بِلَالٌ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَكَم عُذِّبَ سَيِّدُنَا خَبَّابُ بنُ الأَرَتِّ، وَغَيرُهُ مِنَ المُسلِمِينَ.

استَقوَى هَؤُلَاءِ الكُفَّارُ عَلَى ضَعَفَةِ المُسلِمِينَ؛ لِيُدخِلُوا الوَهنَ فِي قُلُوبِ المُسلِمِينَ وَمَن يُفَكِّرُ بِالدُّخُولِ فِي الإِسلَامِ، وَمِلَّةُ الكُفرِ وَاحِدَةٌ وَطَرِيقَتُهُم وَاحِدَةٌ، فَهَا نَحنُ نَرَى فِي هَذِهِ الأَيَّامِ اليَهُودَ يَستَعرِضُونَ قُوَّتَهُم عَلَى المُسلِمِينَ وَيَتَقَوَّونَ عَلَيهِم بِأَسلِحَتِهِم، وَهُم مِن أَجبَنِ خَلقِ اللهِ تَعَالَى.

وَلَكِن تَذَكَّر جَيِّدًا أَخِي المُسلِمَ أَنَّ أَبَا جَهلٍ الَّذِي استَعرَضَ قُوَّتَهُ عَلَى امرَأَةٍ، سَلَّطَ اللهُ عَلَيهِ يَومَ بَدرٍ شَابَّينِ ضَرَبَاهُ بِالسَّيفِ حَتَّى وَقَعَ عَلَى الأَرضِ، ثُمَّ جَاءَ الصَّحَابِيُّ الجَلِيلُ عَبدُ اللهِ بنُ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَالَّذِي كَانَ نَحِيلَ الجِسمِ فَصَعَدَ عَلَى صَدرِهِ وَأَرَاحَ المُسلِمِينَ مِنهُ، فَمَهمَا بَلَغَت قُوَّةُ أَعدَاءِ الدِّينِ لِنَكُن عَلَى يَقِينٍ أَنَّ نَصرَ اللهِ تَعَالَى ءَاتٍ وَقَرِيبٌ بِإِذنِ اللهِ تَعَالَى وَلَكِن لَا بُدَّ وَأَن نَتَحَلَّى بِالصَّبرِ.

وَاللهُ تَعَالَى أَعلَمُ وَأَحكَمُ، وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

المصادر

مَا فِي هَذَا المَقَالِ مِن مَعلُومَاتٍ مَجمُوعٌ وَمُلَخَّصٌ مِنَ:
القُرءَانِ الكَرِيمِ.
السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ.
صَحِيحِ البُخَارِيِّ.
فَتحِ البَارِي بِشَرحِ صَحِيحِ البُخَارِيِّ لِابنِ حَجَرٍ.
صَحِيحِ مُسلِمٍ.
مُسنَدِ أَحمَدَ.
سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ.
شَرحِ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ لِابنِ رَسلَانَ.
الرَّوضِ الأُنُف لِأَبِي القَاسِمِ السُّهَيلِيِّ.

لا فلاح إلا بتعلم أمور الدين
قناةُ عِلْمُ الدِّيِن حَيَاةُ الإِسْلام دُرُوس مُحَررَة
https://t.me/alameddine