س: ما معنى توحيدِ الله في الفعل ؟


ج : رُوِيَ عن الجنيد إمامِ الصوفية العارفين -وهذا كان من أكابر العلماء ، الله تعالى أعطاه حظًّا من كلِّ العلومِ النافعة كان إمامًا زاهدًا وليًّا عابدًا جمعَ بين العلم والولاية وكان إمامَ الصوفيةِ في زمانِه ( أبو القاسم الجنيد البغدادي ) كان مَحطَّ رحالِ الصوفية إذا أراد الشخص الفقه يأتي إليه إذا أرادَ الحديث يأتي إليه إذا أرادَ اللغةَ يأتي إليه ، أما الصوفيةُ الصادقون فكان محطَّ رحالِهم- عندما سُئلَ عن التوحيد أنه قال “اليقين” ثم اسْتُفسِرَ عن معناه فقال  “إنه لا مُكَوِّنَ لشىءٍ من الأشياء من الأعيان -الأجرام- والأعمالِ خالقٌ لها إلا الله تعالى”

قال تعالى { والله خلقَكم وما تعملون } خلقَ الإنسانَ وخلقَ عملَه.
المعتزلةُ يقولون لا الله خلقَ الإنسانَ وأعطاهُ القدرةَ على خلقِ الأعمال فصار الإنسانُ خالقًا لعملِه دونَ ربِّه وهذا شرك وكفر والعياذ بالله.
 
وقال الرسولُ صلى الله عليه وسلم “إنّ الله صانعُ كلِّ صانعٍ وصنْعَتِه” رواه الحاكمُ والبيهقيُّ وابنُ حبان من حديثِ حذيفة.

إذ العبادُ لا يخلقونَ شيئًا من أعمالِهم وإنما يكتسبُونَها ، يعني هم يُوَجِّهونَ قصدَهم وإرادتَهم نحوَ العمل والله يخلقُه عندَ ذلك.

فقد قال الله تعالى { الله خالقُ كلِّ شىء } تمدَّحَ الله تعالى بذلك لأنه شىءٌ يختصُّ به وذلك يقتضي العمومَ والشمولَ للأعيانِ والأعمالِ والحركاتِ والسكَنات.
 


-س : اذكر الدليلَ على أنّ الله خالقُ الأعمالِ الاختياريةِ والاضطرارية

ج : قال تعالى { قل إنّ صلاتي ونُسُكي ومَحْيايَ ومماتي للهِ ربِّ العالمين لا شريكَ له وبذلك أُمِرْتُ وأنا أوّلُ المسلمين }

معناه الرسول كان أولَ المسلمين بعدَ الانقطاع الحاصل لأنه كان مدة طويلة بين ارتفاع عيسى إلى السماء وبعثةِ الرسول صلى الله عليه وسلم ، كان مضى نحو خمسمائة عام
 ،
فقبلَ بعثةِ الرسولِ بخمس سنين ما عادَ على وجهِ الأرض مسلمٌ فيما بين الناس إلا سيّدُنا محمد عليه الصلاة والسلام.

لذلك نزلَ في القرآنِ الكريم أن يقول الرسول { وأنا أولُ المسلمين } أي بعد انقطاع ليس معناه ما كان إسلام  قبل ذلك ، كلُّ الأنبياء كانوا على دينِ الإسلام.

لاحظوا هنا في هذه الآية { قل } أي يا محمد يا أشرفَ الخلق { إنّ صلاتي ونُسُكي } النسك الذبحُ الذي يُذبَحُ في الحجّ تقرُّبًا إلى الله ، { ومحيايَ ومماتي } الصلاةُ والنسُك عملٌ اختياري والمحْيا والممات الإنسان لا اختيارَ له في ذلك { لله ربِّ العالمين } مِلكٌ لله { لا شريكَ له } لا أحدَ يُشاركُ اللهَ تعالى في ذلك
 
ساقَ الله الصلاةَ والنسُكَ والمحيا والمماتَ في مسَاقٍ واحد وجعلَها مِلكًا له ، فكما أنّ الله خالقُ الحياةِ والموت كذلك الله خالقٌ للأعمالِ الاختياريةِ كالصلاةِ والنسُك والحركاتِ الاضطراريةِ مِن بابِ الأوْلى

وإنما تمتازُ الأعمالُ الاختياريةُ أي التي لنا فيها مَيْلٌ بكوْنِها مُكْتَسَبةً لنا  فهي محلُّ التكليف ، يعني ما يكونُ منك بلا إرادة لا يُكتَبُ عليك ، ما يكونُ منك بإرادة هذا محلُّ التكليف

والكسبُ الذي هو فعلُ العبدِ وعليه يُثابُ أو يُؤاخَذُ في الآخرة هو توجيهُ العبدِ قصدَه وإرادتَه نحوَ العمل أي يصرفُ إليه قدرتَه فيخلقُه الله عند ذلك ، فالعبدُ كاسِبٌ  لعملِه والله تعالى خالقٌ لعملِ هذا العبد الذي هو كسبٌ له.

إذًا ما هو حظُّ العبدِ من عملِه ؟ أنه يكْتسِبُه ، العبد هو مظهرٌ لاكْتِسابِ العمل ، العبدُ لا يخلقُ شيئًا لا يخلقُ حرفًا لا يخلقُ أَنْمُلةً لا يخلقُ شعرةً ، فالعبدُ كاسِبٌ لعملِه والله تعالى خالقٌ لعملِ هذا العبد الذي هو كسْبٌ له.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
” إنَّ الله صانِعُ كُلّ صَانعٍ وصَنْعَتِه” . رواه الحاكم والبيهقي

فالعباد لا يَخلقونَ شيئاً من أعمالهم وإنما يكتسبونها ،فقد قال الله تعالى ( الله خالقُ كلّ شيء) سورة الرعد16

 تَمدَّح تعالى بذلك لأنه شيءٌ يختص به ،وذلك يقتضي العُمومَ والشمولَ للأعيان (أي اﻷجرام) والأعمال والحركات والسَّكنات .
وقال تعالى ( قُلْ إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي ومحْيايَ ومماتي للهِ رَبِّ العالمِين. لا شَريكَ له وبذلك أُمِرْتُ وأنا أَوَّلُ المسلمين”سورة الأنعام

 ساق الله الصلاة والنُّسُك والمحْيا والممات في مساقٍ واحد وجعلها مِلكاً له.
فكما أن الله خالق الحياة والموت كذلك الله خالقٌ للأعمال الاختيارية كالصلاة والنّسك، والحركات الاضطرارية من باب الأوْلى كحركة المرتعش من البرد

وإنما تمتاز الأعمال الاختيارية أي التي لنا فيها ميْلٌ بگونِها مكتسبة لنا فهي محل التكليف ،
يعني يحاسب المكلف على ترك الصلوات المفروضة مثلا.

قال الله تعالى( لها ما كسبت وعليها ما ٱكتسبت) سورة البقرة286

وقال الله تعالى( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) سورة الزلزلة.

فلا يخفى أن العبد له اختيار في عمله الاختياري، وكل عاقل يفرق بين رعشة المريض وقيام العاقل للصلاة .

 وعلى هذا فالإنسان له اختيار لكنه لا يخرج عن مشيئة الله، فالإنسان مختار تحت مشيئة الله، وليس الأمر كما قالت المعتزلة حيث قالوا والعياذ بالله: إن العبد يخلق أفعال نفسه .وقالوا: إن الإنسان يستقبل الأمور دون سابق مشيئة الله .
 فناقضوا بذلك النقل( القرءان والحديث) والعقل، وليس كما تقول الجبرية حيث يقولون: إن الإنسان كريشة معلقة في الهواء ليس له اختيار. فكذبوا بذلك النقل والعقل ونفوا التكليف، والله تعالى يقول( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت)
وقال تعالى( لا يكلّف الله نفساً إلا وُسعها) .