الحمد لله العزيز الجبار، الملك القدير الغفار، وأصلّي وأسلّم على سيّدنا محمّد النبيّ المختار وعلى ءاله وأصحابه ما أعقَب اللّيل النّهار.
إخوة الإيمان، ورد في القرءان الكريم ذكر الجنة وأحوال أهلها وبعض ما أعدّه الله عز وجل فيها، وكذلك ورد في أحاديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم نذكر بعضا منها.
فقد ورد فيما رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يأكل أهل الجنة فيها، ويشربون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يبولون وكلن طعامهم وشرابهم رشح كالمسك يُلهمون التسبيح والحمد كما يُلهمون النفس”.
فهم في شغل يتنعمون يقدّسون الله تعالى ويثنون عليه الثناء الحسن ويسبحونه ويحمدونه وذكرهم لله يومذاك لا يكون على وجه التكليف، لأن الجنة دار جزاء وليست دار تكليف، بل يذكرونه للتلذّذ، ويكون ذلك بلا تعب فيه، كما لا تعب في تنفسهم، وقيل: وجه التشبيه هنا أن الإنسان فيها لا يتكلّف التنفس إذ لا بد له منه، فجعل تنفسهم تسبيحا وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الربّ وامتلأت بحبّه ومن أحبّ شيئا أكثر من ذكره.
وأهل الجنة عددهم لا يعلمه إلا الله تعالى، ووَردت عدة أحاديث تبيّن زيادة أمّة محمّد صلى الله عليه وسلّم بالعدَد في الجنّة على غيرهم من باقي الأمم، لأن أمّته صلّى الله عليه وسلم ءاخر الأمم وأكبرهم وخيرها، إذ أنها فُضلت لفضل نبيها عليه الصّلاة والسّلام، فعن عبد الله ابن مسعود قال كنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في قبة نحوا من أربعين، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قالوا: نعم، قال: أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قالوا نعم، قال: أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة، إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، ما أنتم في الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر. رواه الترمذي.
فانظروا وفقنا الله وإياكم للعمل لما يرضيه عزّ وجل إلى فضل الإسلام وأداء ما أُمرنا به واجتناب ما نُهينا عنه، إذ في هذا دخول الجنّة وإلا فأهل الشّرك كثر وسيملؤون جهنم وقودا لها جزاء بما كفروا وأشركوا والعياذ بالله.
ويوضح لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر أكثر فيقول: “أهل الجنة عشرون ومائة صف، ثمانون من هذه الأمّة وأربعون من سائر الأمم” رواه الترمذي، أي ثلثا أهل الجنة هم من أمّة الحبيب صلى الله عليه وسلّم يدخلونها تباعا وليس دفعة واحدة لكنهم يشتركون في أنهم سيتنعمون كلهم بنعيم يصلهم كل بما عمل في الدنيا.
فما أعظم ما وعد به ربّنا سبحانه وتعالى، نسأله عزّ وجل أن يجعلنا بفضله وكرمه من أهل جنات النعيم إنه سميع مجيب.
