من نُصوص ابنِ القيِّم في إثبات لوازم الجِسميَّة وتعليق العلَّامة محمَّد العَربي بن التَّبَّاني عليه:
قالَ الإمامُ مُحَمَّدُ العَرْبِي بنُ التَّبَّانِيُّ الحَسَنِيُّ السَّطِيفِيُّ الجَزائِريُّ ثُمَّ الْمَكِّي (ت: 1390 هـ): ((قَالَ [=ابْنُ القَيِّمِ] فِي أَوَّلِ “زَادِ الْمَعَادِ” فِي “التَّفْضِيلِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ”: (لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلسَّمَاءِ إِلَّا قُرْبُهَا مِنَ اللهِ لَكَفَى). وَقَالَ فِي الجُزْءِ الرَّابِعِ مِنْ “بَدَائِعِ الفَوَائِدِ” (ص: 24) فِي “تَفْضِيلِ السَّمَاءِ عَلَى الأَرْضِ” أَيْضًا مَا نَصُّهُ: (قَالَ الْمُفَضِّلُونَ لِلسَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ: يَكْفِي فِي فَضْلِهَا أَنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ فِيهَا!!!، وَأَنَّ عَرْشَهُ وَكُرْسِيَّهُ فِيهَا!!!) اهـ.
أَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْإِنْسَانَ يَعْتَقِدُ مَا يَعْتَقِدُهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْكُرْسِيَّ وَالْعَرْشَ أَجْرَامٌ، وَأَنَّ نِسْبَةَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ إِلَى الْكُرْسِيِّ كَحَلَقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْأَثَرِ، وَأَنَّ نِسْبَةَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ مَعَ الْكُرْسِيِّ إِلَى الْعَرْشِ كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ.
وَيَعْتَقِدُ أَيْضًا مَا أَسَّسَهُ شَيْخُهُ الْحَرَّانِيُّ [=ابْنُ تَيْمِيَةَ] وَدَافَعَ هُوَ عَنْهُ دِفَاعَ مَجْنُونٍ مِنْ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مِنَ الْمُتَشَابِهِ الْقَابِلِ لِلتَّأْوِيلِ – عِنْدَ أَهْلِ الْـحَقِّ -: هُوَ حَقِيقَةٌ عِنْدَهُ لَا مَجَازَ فِيهِ، وَعَلَى ظَاهِرِهِ لَا يَسُوغُ تَأْوِيلُهُ.
وَالْمُؤَوِّلُونَ لَهُ كَالْأَشَاعِرَةِ وَالْمَاتُرِيدِيَّةِ أَقَلُّ مَا يُوسَمُونَ بِهِ عِنْدَهُمْ أَنَّهُمْ: مُبْتَدِعَةٌ، قَعَّدَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ لِلْمَفْتُونِينَ بِهِ ثُمَّ نَقَضَهَا فَنَقَضُوهَا مَعَهُ بتَأْوِيلِ مَا يُمْكِنُهُمْ تَأْوِيلُهُ مِنْ ظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِمَا يُوَافِقُ هَوَاهُمْ – وَهُوَ جِهَةُ الْعُلُوِّ للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي زَعْمِهِمْ -، وَتَفْوِيض مَا لَمْ يُمْكِنْهُمْ تَأْوِيلُهُ مِنَ الظَّوَاهِرِ الْمُضَادَّةِ لِجِهَةِ الْعُلُوِّ الْمَزْعُومِ للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَمِمَّا أَوَّلُوهُ فَطَفَرُوا فِي تَأْوِيلِهِ ثَلَاثَ طَفَرَاتٍ قَبِيحَاتٍ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ءَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾ [الْمُلْكِ: 16]، بِأَنَّ:
1. ﴿مَنْ﴾ مَعْنَاهُ: (اللهُ)،
2. وَ﴿فِي﴾ بِمَعْنَى: (عَلَى)،
3. وَ﴿السَّمَاءِ﴾ مَعْنَاهُ: (العَرْشُ)،
يَعْنِي: (ءَأَمِنْتُمْ اللهَ الجَالِسَ عَلَى العَرْشِ!!!)، وَأَوَّلُوا: ﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأَعرافِ: 54]: بِجَلَسَ عَلَيْهِ!!!، وَبِذَاتِهِ!!!، وَحَقِيقَتِهِ!!!، فَلَوْ اسْتَظْهَرُوا بِالثَّقَلَيْنِ مَعًا عَلَى إِثْبَاتِ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ الفَاسِدَةِ عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِ الَّذِينَ اتَّخَذُوهُمْ غَرَضًا لِأَهْوَائِهِمْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا؛ فَضْلًا عَنْ إِثْبَاتِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ؛ فَضْلًا عَنْ إِثْبَاتِهِ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى.
وَأَوَّلُوا: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأَنعامِ: 18]، وَ ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [النَّحلِ: 50] بِفَوْقِيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ!!!، وَفَوَّضُوا فِي…”وَإِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَا يَبْصُقَنَّ فِي قِبْلَتِهِ فَإِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ” وَنَحْوِهَا، فَهُمْ مُؤَوِّلُونَ مُفَوِّضُونَ!!!، وَالتَّأْوِيلُ مُبَاحٌ لَهُمْ مَحْظُورٌ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَمَعَ هَذَا الْخَبْطِ يَنْبِزُونَ المُنَزِّهِينَ للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ مُشَابَهَةِ الْحَوَادِثِ بِالْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعَطِّلَةِ، سُبْحَانَ وَاهِبِ العُقُولِ.
إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَهُرَاؤُهُ هَذَا لَا يُمْكِنُ تَرْقِيعُهُ عَلَى جَعْلِ السَّمَاءِ أَجْرَامًا، وَلَا عَلَى جَعْلِهَا فَضَاءً، أَمَّا عَلَى جَعْلِهَا أَجْرَامًا فَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ تَعَالَى مَظْرُوفًا فِيهَا وَلَا يَكُونَ جِسْمًا، وَمِنَ الْمُحَالِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَظْرُوفًا فِيهَا كُلِّهَا وَإِنْ جَازَ عَلَيْهَا الْخَرْقُ وَالِالْتِئَامُ.
وَمِنَ اللَّازِمِ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ جِسْمُهُ أَصْغَرَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَمِنَ الْمُحَالِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْجِسْمُ الْكَبِيرُ وَهُوَ الْكُرْسِيُّ مَظْرُوفًا فِيهَا كُلِّهَا وَإِنْ جَازَ عَلَيْهَا الْخَرْقُ وَالِالْتِئَامُ، وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ مَظْرُوفًا فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا.
وَكَذَلِكَ مِنَ الْمُحَالِ دُخُولُ الْعَرْشِ الَّذِي هُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا وَمِنَ الْكُرْسِيِّ فِيهَا كُلِّهَا، كَمَا أَنَّهُ مِنَ الْمُحَالِ دُخُولُ الْعَرْشِ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَمِنَ الْمُحَالِ أَيْضًا دُخُولُهُ مَعَ الْكُرْسِيِّ فِيهَا كُلِّهَا أَوْ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَجَعْلُ (فِي) فِي هُرَائِهِ هَذَا كَجَعْلِهَا فِي الآيَةِ الشَّرِيفَةِ بِمَعْنَى (عَلَى)، بَاطِلٌ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَجْهًا:
– الأَوَّلُ: حَقِيقَةُ (فِي) الظَّرْفِيَّةُ، وَلَا تُصْرَفُ عَنْهَا إِلَى مَعْنًى آخَرَ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَاضِحٍ.
– الثَّانِي: الآيَةُ الشَّرِيفَةُ تَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ:
1. الْوَجْهُ الأَوَّلُ: (ءَأَمِنْتُمْ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سُلْطَانُهُ وَمُلْكُهُ)، لِأَنَّ السَّمَاءَ مَسْكَنُ مَلَائِكَتِهِ تَعَالَى، وَمِنْهَا تَنْزِلُ قَضَايَاهُ وَكُتُبُهُ وَأَوَامِرُهُ وَنَوَاهِيهِ، وَلَا إِشْكَالَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَعَ كَوْنِ (الَّذِي) بِمَعْنَى: اللهِ، وَ(فِي) عَلَى حَقِيقَتِهَا الظَّرْفِيَّةِ، وَفِيهَا تَأْوِيلٌ وَاحِدٌ.
2. الْوَجْهُ الثَّانِي: (ءَأَمِنْتُمْ عِقَابَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ)، وَالَّذِي فِي السَّمَاءِ هُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَإِسْنَادُ العِقَابِ إِلَيْهِمْ لِكَوْنِهِمُ السَّبَبَ الْمُبَاشِرَ فِي غَالِبِ الْحَوَادِثِ الَّتِي عَذَّبَ اللهُ بِهَا الْأُمَمَ الْمُكَذِّبَةَ لِأَنْبِيَائِهَا، وَلَا إِشْكَالَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَعَ كَوْنِ (فِي) عَلَى حَقِيقَتِهَا، وَفِيهَا أَيْضًا تَأْوِيلٌ وَاحِدٌ.
3. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ العَرَبَ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ التَّشْبِيهَ وَأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي السَّمَاءِ وَأَنَّ الرَّحْمَةَ وَالعَذَابَ يَنْزِلَانِ مِنْهُ؛ فَقِيلَ لَهُمْ عَلَى حَسَبِ اعْتِقَادِهِمْ: (ءَأَمِنْتُمْ مَنْ تَزْعُمُونَ أَنَّهُ فِي السَّمَاءِ)، وَهُوَ جَلَّ وَعَلَا مُتَعَالٍ عَنِ الْمَكَانِ.
-الثَّالِثُ: “مَنْ” فِي الآيَةِ اسْمٌ مَوْصُولٌ مُبْهَمٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى اللهِ تَعَالَى كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ – عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.
- الرَّابِعُ: تَصْرِيحُهُ فِي هُرَائِهِ بِأَنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِيهَا.
- الْخَامِسُ: تَصْرِيحُهُ بِأَنَّ كُرْسِيَّهُ فِيهَا.
- السَّادِسُ: تَصْرِيحُهُ بِأَنَّ عَرْشَهُ فِيهَا.
-السَّابِعُ: تَأَوُّلُ (فِي) فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ بِـ: (عَلَى) لَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ.
-الثَّامِنُ: نُلْزِمُهُ بِقَاعِدَةِ شَيْخِهِ وَهِيَ: حَمْلُ الكَلَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ، وَعَلَيْهِ:
- فَالتَّاسِعُ: حَقِيقَةُ (فِي) فِي الأَجْسَامِ الظَّرْفِيَّةُ؛ فَلَا يُمْكِنُ صَرْفُهَا إِلَى مَعْنًى آخَرٍ.
- الْعَاشِرُ: لَوْ سُلِّمَ لَهُ تَأْوِيلُ (فِي) فِي (كُرْسِيُّهُ فِيهَا) بِـ: (عَلَى) لَمْ يَحْصُلْ مَطْلُوبُهُ، وَهُوَ تَفْضِيلُ السَّمَاءِ عَلَى الأَرْضِ كَمَا يَحْصُلُ بِكَوْنِهِ فِيهَا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ تَفْضِيلَهَا عَلَى الأَرْضِ بِكَوْنِ الكُرْسِيِّ فِيهَا أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ مِنْ تَفْضِيلِهَا عَلَى الأَرْضِ بِكَوْنِهِ عَلَيْهَا، عَلَى أَنَّ كَوْنَ الكُرْسِيِّ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ مِنْ بَابِ الإِخْبَارِ بِالوَاضِحَاتِ وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، (كَالسَّمَاءُ فَوْقَنَا)، (وَالأَرْضُ تَحْتَنَا)، عَلَى أَنَّهُ أَيْضًا يُقَالُ لَهُ: كَوْنُ الكُرْسِيِّ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ مَعْلُومٌ، وَلَكِنْ هَلْ جِرْمُهُ مُلَاصِقٌ لِلسَّمَاءِ السَّابِعَةِ أَوْ غَيْرُ مُلَاصِقٍ لَهَا؟، وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُلَاصِقٍ لَهَا فَمَا مِقْدَارُ ارْتِفَاعِهِ عَلَيْهَا؟، وَإِذَا كَانَ مُرْتَفِعًا عَلَيْهَا فَلَا حُجَّةَ لَكَ عَلَى تَفْضِيلِهَا بِجِرْمٍ مُرْتَفِعٍ عَنْهَا.
- الحَادِي عَشَرَ: لَوْ سُلِّمَ لَهُ تَأَوُّلُ (فِي) فِي (عَرْشُهُ فِيهَا) بِـ: (عَلَى) لَمْ يَحْصُلْ مَطْلُوبُهُ أَيْضًا وَهُوَ تَفْضِيلُ السَّمَاءِ عَلَى الأَرْضِ كَمَا يَحْصُلُ بِكَوْنِهِ فِيهَا مِنْ بَابِ أَوْلَى مِنَ الكُرْسِيِّ، لِأَنَّ تَفْضِيلَهَا عَلَى الأَرْضِ بِكَوْنِ الْعَرْشِ فِيهَا أَشَدُّ ظُهُورًا وَوُضُوحًا مِنْ كَوْنِهِ فَوْقَ الْكُرْسِيِّ وَهَذَا فَوْقَهَا، عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْعَرْشِ فَوْقَ الْكُرْسِيِّ مِنَ الْوَاضِحِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ أَيْضًا: كَوْنُ الْعَرْشِ فَوْقَ الكُرْسِيِّ مَعْلُومٌ، وَلَكِنْ هَلْ جِرْمُهُ مُلَاصِقٌ لِلْكُرْسِيِّ أَوْ غَيْرُ مُلَاصِقٍ لَهُ، وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُلَاصِقٍ لَهُ فَمَا مِقْدَارُ ارْتِفَاعِهِ عَنْهُ؟.
وَعَلَى كِلَا الْأَمْرَيْنِ لَا حُجَّةَ لَكَ فِي تَفْضِيلِ السَّمَاءِ عَلَى الأَرْضِ بِجِرْمٍ فَوْقَ جِرْمٍ فَوْقَهَا.
- الثَّانِي عَشَرَ: لَوْ سُلِّمَ لَهُ تَأَوُّلُ (فِي) فِي (رَبُّ العَالَمِينَ فِيهَا) بِـ: (عَلَى) لَمْ يَحْصُلْ مَطْلُوبُهُ أَيْضًا، وَهُوَ تَفْضِيلُ السَّمَاءِ عَلَى الأَرْضِ، كَمَا يَحْصُلُ بِكَوْنِهِ تَعَالَى فِيهَا مِنْ بَابِ أَوْلَى مِنَ الْعَرْشِ، لِأَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ أَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَتَنَزَّهَ عَنْ إِفْكِهِمْ وَضَلَالَاتِهِمْ فَوْقَ العَرْشِ وَلَكِنَّهُمْ مُضْطَرِبُونَ مُتَنَاقِضُونَ فِي هَذِهِ الْفَوْقِيَّةِ.
فَتَفْسِيرُهُمْ لَهَا فِي (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) بِجَلَسَ عَلَيْهِ، وَبِذَاتِهِ، وَحَقِيقَتِهِ، وَبِـ: (يُقْعِدُ نَبِيَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَهُ عَلَى الْعَرْشِ) يَدُلُّ دَلَالَةً صَرِيحَةً عَلَى أنَّهُ جَلَّ وعَلَا عِنْدَهُمْ: جِسْمٌ فَوْقَ الْعَرْشِ مُتَّصِلٌ بِهِ مِنْ جِهَةِ التَّحْتِ أَصْغَرُ مِنْهُ لَهُ جَانِبَانِ!!!، نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ زَلَقَاتِ اللِّسَانِ وفَسَادِ الْجَنَانِ.
وَتَفْسِيرُهُمْ لَهَا بِأَنَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، يَدُلُّ دَلَالَةً صَرِيحَةً عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى فَوْقَ الْعَرْشِ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِهِ، لِأَنَّ الْبَائِنَ مَعْنَاهُ الْمُنْفَصِلُ، وَلَا رَيْبَ عِنْدَ كُلِّ مَنْ لَهُ مُسْكَةٌ مِنْ عَقْلٍ أَنَّ الْمُتَّصِلَ ضِدُّ الْمُنْفَصِلِ، وَلَا رَيْبَ أَيْضًا عِنْدَ كُلِّ مَنْ لَهُ مُسْكَةٌ مِنْ عَقْلٍ أَنَّ الِاتِّصَالَ وَالِانْفِصَالَ مِنْ لَوَازِمِ الْأَجْسَامِ.
وَيُقَالُ عَلَى زَعْمِهِمْ إِنَّهُ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ: مَا مِقْدَارُ بَيْنُونَتِهِ تَعَالَى مِنَ الْعَرْشِ؟، وَهَلْ هُوَ مُحَاذٍ لَهُ أَوْ مَائِلٌ عَنْهُ؟، وَهَلْ هُوَ أَكْبَرُ مِنَ الْعَرْشِ أَوْ أَصْغَرُ مِنْهُ؟، وَعَلَى كِلَا الْأَمْرَيْنِ الِاتِّصَالِ وَالِانْفِصَالِ فَقَدْ أَثْبَتُوا لَهُ تَعَالَى جِهَةَ التَّحْتِ، نَعُوذُ بِاللهِ تَعَالَى مِنْ زَلَّاتِ اللِّسَانِ وَفَسَادِ الْجَنَانِ.
وَأَمَّا عَلَى جَعْلِ السَّمَاءِ فَضَاءً، فَالتَّفْضِيلُ عَلَيْهِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا هُوَ جِرْمٌ – وَهُوَ الْأَرْضُ -ضَرْبٌ مِنَ الْجُنُونِ، وَظَرْفِيَّةُ (فِي) عَلَى هَذَا لَا مَعْنَى لَهَا)) [بَراءَةُ الأَشعَرِيِّينَ (2/259 إلى 264)، ط. دار المُصطفى].
