أ. السَّادةُ المَالِكيَّة:
1. إمامُ دارِ الهِجرة أبو عبد الله مَالِكُ بنُ أَنَسٍ الأَصْبَحِيُّ المَدَنِيُّ (ت: 179 هـ) كما روى الإمامُ القاضي أَبُو الفَضلِ عِياضُ بنُ مُوسى اليَحصُبِيُّ (ت: 544 هـ) بإسناده فَقال: ((حَدَّثَنَا القَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْعَرِيُّ، وَأَبُو الْقَاسِمِ أَحْمَدُ بْنُ بَقِيٍّ الْحَاكِمُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ فِيمَا أَجَازُونِيهِ، قَالُو: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنُ دِلْهَاثٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ فِهْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُنْتَابِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْرَائِيلَ، حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيدٍ، قَالَ:
نَاظَرَ أَبُو جَعْفَرٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنينَ مَالِكًا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ – فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَدَّبَ قَوْمًا فَقَالَ: ﴿لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ﴾ [الحُجُرات: 2]، وَمَدَحَ قَوْمًا فَقَالَ: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصۡوَٰتَهُمۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمۡتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡ لِلتَّقۡوَىٰۚ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٌ﴾ [الحُجُرات: 3]، وَذَمَّ قَوْمًا فَقَالَ: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلۡحُجُرَٰتِ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ﴾ [الحُجُرات: 4]، وَإِنَّ حُرْمَتَهُ مَيِّتًا كَحُرْمَتِهِ حَيًّا.
فَاسْتَكَانَ لَهَا أَبُو جَعْفَرٍ، وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّه، أَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَأَدْعُو، أَمْ أَسْتَقْبِلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: وَلِمَ تَصْرفُ وَجْهَكَ عَنْهُ وَهُوَ وَسِيلَتُكَ وَوَسِيلَةُ أَبِيكَ آدَمَ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ بَلِ اسْتَقْبِلْهُ، واسْتَشْفِعْ بِهِ فَيُشَفِّعَكَ اللَّهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ [النِّساء: 64])) [الشِّفا (ص: 512 إلى 514)، ط. دار الضِّياء].
قالَ الإمامُ القاضي شِهابُ الدِّين الخفاجِيُّ الحَنَفيُّ المِصريُّ (ت: 1069 هـ): ((“قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ [النِّساء: 64]”: اِسْتَدَلَّ [=الإمامُ مالِكُ بْنُ أَنَسٍ] بِهَذِهِ الآيَةِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنَ التَّوَسُّلِ بِهِ – صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ – وَقَبُولِ التَّوَسُّلِ بِهِ، كَمَا يُنَادِي عَلَيْهِ: ﴿لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ [النِّساء: 64]، لِتَعْلِيقِ قَبُولِ اِسْتِغْفَارِهِمْ عَلَى اِسْتِغْفَارِهِ – صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ – لَهُمْ، وَاسْتُؤْنِسَ بِهِ لِاسْتِحْبَابِ اِسْتِقْبَالِهِ أَيْضًا دُونَ اِسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهُ – صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ – حَيٌّ فِي قَبْرِهِ يَسْمَعُ دُعَاءَ زَائِرِهِ، وَمَنْ جَاءَ عَظِيمًا لِرَجَاءِ شَفَاعَتِهِ لَهُ؛ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ بِقَلْبِهِ وَقَالِبِهِ)) [نَسيمُ الرِّياض (3/398-399)، المطبعة الأزهريَّة المصريَّة].
وقالَ الإمامُ مُفتي الدِّيار التُّونسِيَّة أبو الفِداء إسماعيل التَّميميُّ (ت: 1248 هـ) في ردِّه على مؤسِّس الوَهَّابيَّة السَّفَّاح ابن عبد الوَهَّاب: ((وَأَمَّا مَا نَقَلَ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – مِنْ أَنَّهُ لَا يُتَوَسَّلُ بِمَخْلُوقٍ أَصْلًا؛ فَلَا يَصِحُّ هَذَا عَنْهُ، وَلَمْ يَنْقُلْهُ فِيمَا اتَّصَلَ بِنَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، كَيْفَ وَقَدْ سَأَلَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ…)) وذكر القِصَّةَ ثُمَّ قَالَ: ((فَقَوْلُهُ [=الإِمَامُ مَالِكٌ] – رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ -: “وَاسْتَشْفِعْ بِهِ”، صَرِيحٌ فِي التَّوَسُّلِ بِهِ؛ إِذِ الْمُرَادُ تَشَفَّعْ إِلَى اللهِ بِهِ فِي قَضَاءِ حَاجَتِكَ، وَإِجَابَةِ دُعَائِكَ، وَاسْتِدْلَالُهُ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – بِالآيَةِ، يَقْتَضِي جَوَازَ طَلَبِ الاِسْتِغْفَارِ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، لِأَنَّهُ حَيٌّ يُرْزَقُ، وَإِذَا جَازَ طَلَبُ الاِسْتِغْفَارِ مِنْهُ جَازَ طَلَبُ الشَّفَاعَةِ أَيْضًا، خِلَافًا لِلْمُلْحِدِ)) [المِنَحُ الإلهيَّة في طَمسِ الضَّلالةِ الوَهَّابيَّة (ص: 139-140)، ط. دار الأصالة].
وهذه الحكاية قد تلقَّاها عُلماء الإسلام وأئمَّة السَّادة المالِكيَّة – على وجه الخُصوص -: بالقَبول، فتناقلوها بإقرار وإمرار، ولا يُعرف مَن طَعن فيها قَبل ابنِ تيميَّة وأتباعه كتلميذه الحافظ ابن عبد الهادي (ت: 744 هـ)؛ المتعصِّب لنُصرة آراء شيخه هذا ولو كان ذلك على حساب الحقِّ الأبلج.
فهذه القصَّة كانت محلَّ إجماع وتسليم عِند أئمَّة الإسلام، ومن المُستحيل عادةً أن يتواردوا على قبولها والاحتجاج بها؛ إذا كان فيها ما يقدح حقيقة التَّوحيد ويُؤصِّل للشِّرك الأكبر الجَلي المُبيح للدَّم والمال كما يدَّعي هؤلاء التَّيميَّة خَلف الخوارج الحَروريَّة.
فدعوى ابن تَيميَّة أنَّ هذه الحكاية تُروى عن الإمام مالك وهي مَكذوبة عليه وهذا نصُّه: ((وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ ٱلْأَئِمَّةِ إِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ ٱلْقَبْرَ عِنْدَ ٱلدُّعَاءِ – يَعْنِي لِنَفْسِهِ – كَمَا يَفْعَلُهُ ٱلْمُسْتَغِيثُونَ بِٱلْمَيِّتِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ ٱلْأَئِمَّةِ إِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ ٱلْقَبْرَ فِي هَذِهِ ٱلْحَالَةِ إِلَّا فِي حِكَايَةٍ مَكْذُوبَةٍ تُرْوَى عَنْ مَالِكٍ!!! وَمَذْهَبُهُ بِخِلَافِهَا!!!)) [الإخْنَائيَّة (ص: 449-450)، دار الخرَّاز]، ما هو في الحقيقة إلَّا مجرَّد تَهويل باطل ليس إلَّا؛ لأجل هذا قال الإمامُ التَّقيُّ السُبكيُّ بعد أن ساقَ قِصَّة المُناظرة بإسناد القاضي عياض: ((هَكَذَا ذَكَرَهَا ٱلْقَاضِي عِيَاضُ فِي “ٱلشِّفَا” فِي “ٱلْبَابِ ٱلثَّالِثِ” فِي تَعْظِيمِ أَمْرِهِ، وَوُجُوبِ تَوْقِيرِهِ وَبِرِّهِ صَلَّى ٱللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُعَقِّبْهَا بِإِنْكَارٍ، وَلَا قَالَ إِنَّ مَذْهَبَهُ بِخِلَافِهَا)) [شِفاءُ السِّقام (ص: 349)، ط. المكتبة العَصريَّة].
وَقالَ الإمامُ الفقيه المُحدِّث أحمد بن مُحمَّد بنُ حَجر الهَيْتَميُّ: ((وَإِنْكَارُ ابْنِ تَيْمِيَةَ لِهَذِهِ الْحِكَايَةِ عَنْ مَالِكٍ – حَتَّى لَا تَرُدَّ عَلَيْهِ إِنْكَارَهُ التَّوَسُّلَ وَالتَّشَفُّعَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ -: مِنْ جُمْلَةِ خُرَافَاتِهِ وَتَهَوُّرِهِ، كَيْفَ وَقَدْ جَاءَتْ عَنْهُ بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا مَطْعَنَ فِيهِ؟!)) [الجَوهَرُ المُنَظَّمُ في زِيارةِ القَبر المُكرَّم (ص: 151)، ط. دار الحاوي].
وقالَ الإمامُ العلَّامةُ شَيخُ الجَماعَةِ بفاس محمَّد الطَّيِّب بْنُ كِيرَانَ (ت: 1227 هـ) رادًّا على تكذيب ابنِ تيميَّةَ الحكاية: ((وَلَيْسَ مَا حَكَاهُ مِنَ الاِتِّفَاقِ بِصَحِيحٍ…وَلَا الْحِكَايَةُ بِكَذِبٍ؛ بَلْ هِيَ ثَابِتَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَابْنُ تَيْمِيَةَ هَذَا كَانَ جَامِدًا جَافِيًا)) [ردُّ العلَّامة ابن كيران على المُبتدعةِ منَ الطَّائفةِ الوَهَّابيَّة (ص: 36)، مطبعة التَّقدُّم العِلميَّة: مصر] وأيضاً [الرَّدُّ على الوَهَّابيَّة في القرن التَّاسع عَشر – نُصوصُ الغربِ الإسلامي نموذجاً (ص: 313) – دار الطَّليعة: بيروت].
وسيأتي الكلام على ما أثاره الحرَّاني من شُبُهات حول هذه القِصَّة هو وتلميذه الحافظ ابن عبد الهادي، وسيأتي معه رُدود عُلماء الإسلام عليهما في مُحاولتهما القدح في صحَّتِها، مع أنَّ الأمَّة قد تلقَّتها بالقَبول، وهذا وحده كافٍ في الرَّدِّ عليهِما.
2. الحافظُ ابنُ عبدِ البَرِّ (ت: 463 هـ)، قال: ((وَقَفَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ – فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْصَيْتَنَا فَقَبِلْنَا مِنْكَ، وَحَفِظْنَا عَنْكَ مِمَّا وَعَيْتَ عَنْ رَبِّكَ: ﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ [النِّساء: 64]، وَقَد ظَّلَمْنَا أَنْفُسَنَا فَاسْتَغْفَرِ اللهَ لِذُنُوبِنَا، وَقَدْ أَتَيْنَاكَ فَاسْتَغْفِرْ لَنَا. ثُمَّ بَكَى)) [بَهجَةُ المَجالس وأنسُ المُجالس – “بابُ لُمَعٍ مِنَ الدُّعاءِ” (2/275)، ط. دار الكُتب العِلميَّة: بيروت].
3. الإمامُ الأُصوليُّ أَبو الوَليد الباجِيُّ (ت: 474 هـ) [سُننُ الصَّالِحين وسُنَن العابِدين (1/143-144)، ط. دار ابن حزم]، وتعقَّبه مُحقِّق الكتاب التَّيمي التَّكفيري المدعو “إبراهيم باجس عبد المجيد” فقال هُناك على الهامش: ((واضِح ما في هذه القِصَّة من تَوَسُّلٍ بلِ استِغاثَة برسول الله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآلِهِ] وسَلَّم. ومَعلومٌ أنَّ الاستِغاثَةَ بالأمواتِ من أكبَرِ الكبائِر الَّتي تؤَدِّي بصاحِبِها إلى الشِّرك الأكبر!!! فكُن أخي المُسلم على حذَر من هذا المَزلَق الخطير!!!)) وعلى هذا الهُراء التَّيمي الحروري يكون الإمامُ الباجيُّ من دُعاة الشِّرك الأكبر المبيح للدَّم والمال!!!
4. القَاضِي أَبُو بَكْرٍ ابْنُ العَرَبيُّ الإِشْبِيلِيُّ المَالِكِيُّ (ت: 543 هـ)، قال: ((وقَدْ كُنْتُ جِئْتُهُ – صَلَّى اللَّهُ عليه [وَآلِهِ] وسلَّم – فَنَاجَيْتُهُ مِن قِبَلِ رَأْسه الرَّفِيع، بِإِزَاءِ البِلَاطَة، وَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّه، إِنِّي فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ، قَصَدْتُكَ مُسْتَغْفِرًا مِنْ ذَنْبِي، مُتَشَفِّعًا بِكَ إِلَى رَبِّي، وَقَدْ بَلَّغْتَنَا عَنْهُ: ﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ﴾ [النِّسَاء: 64]، وَقَدْ فَعَلْتُ، ﴿وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ﴾ [النِّساء: 64]، فَافْعَلْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ مَا أَخْبَرْتَنَا بِهِ عَنْهُ تَعَالَى، وَفَارَقْتُهُ عَلَى هَذَا)) [سِرَاجُ المُرِيدِين (4/222-223)، ط. دار الحديث الكتَّانيَّة].
5. الإمامُ القاضي أَبُو الفَضلِ عِياضُ بنُ مُوسى اليَحصُبِيُّ (ت: 544 هـ)، وقد روى قصَّة مُناظرة الإمام مالِك لأبي جَعفر المنصور، وأقرَّها كما مرَّ معنا.
6. الإمامُ المُفسِّرُ أبو عبد الله الأَنصاريُّ القُرطَبيُّ (ت: 671 هـ) كما في تفسيره [الجامعُ لأحكام القرآن (6/439)، ط. مؤسَّسة الرِّسالة].
7. الإمامُ الأُصوليُّ القَرافيُّ (ت: 684 هـ) [الذَّخيرة (3/375-376)، ط. دار الغَرب الإسلامي].
8. الإمامُ العلَّامةُ ابنُ الحاج (ت: 737 هـ) [المَدخل (3/228)، مكتبة دار التُّراث].
9. الإمامُ المُفسِّرُ ابنُ جُزَي الغَرنَاطِيُّ (ت: 741 هـ) قال في تفسيره للآية: ((﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ﴾ [النِّساء: 64] الآيَة: وَعْدٌ بِالْمَغْفِرَةِ لِمَنِ اِسْتَغْفَرَ، وَفِيهِ اِسْتِدْعَاءٌ لِلِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ. وَمَعْنَى ﴿جَآءُوكَ﴾ [النِّساء: 64]: أَتَوْكَ تَائِبِينَ مُعْتَذِرِينَ مِنْ ذُنُوبِهمْ، يَطْلُبُونَ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُمُ اللهَ)) [التَّسهيل لعُلومِ التَّنزيل (1/197)، ط. دار الكُتُب العِلميَّة].
10. الإمامُ خَليل بنُ إسحاقَ الجندي (ت: 776 هـ) – صاحب المختصر المشهور في الفِقه المالكي -، قال عند حديثه على آداب الزِّيارة: ((وَمَنِ اعْتَقَدَ خِلَافَ ذَلِكَ فَهُوَ الْمَحْرُومُ الَّذِي طَمَسَ اللهُ بَصِيرَتَهُ وَأَضَلَّ سَرِيرَتَهُ، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ [النِّساء: 64])) [منسكُ سيدي خَليل (ص: 144)، دار يوسف بن تاشفين – مكتبةُ الإمام مالك].
وقال العلَّامة الأُصوليُّ محمَّد بنُ عبد الباقي الزُّرقانيُّ (ت: 1122 هـ) بعد أن ساق بعض هذا الكلام لسيدي خَليل: ((وَلَعَلَّ مُرَادَهُ التَّعْرِيضُ بِابْنِ تَيْمِيَّةَ)) [شرحُ المواهِب اللَّدُنِيَّة (12/219)، ط. دار الكتب العلميَّة].
11. الإمامُ بُرهانُ الدِّين بنُ فرحون المدَنيُّ المالِكيُّ (ت: 799 هـ) [إٍرشادُ السَّالِك إلى أفعالِ المناسِك (ص: 566-567)، المؤسَّسة الوطنية للتَّرجمة والتَّحقيق والدِّراسات “بيت الحكمة”: تونس].
12. الإمامُ الوَلِيُّ الصَّالِحُ المُفسِّرُ بركة الجزائر سيدي عبدُ الرَّحمن الثَّعالِبيُّ (ت: 875 هـ) [الجَواهِر الحِسان في تَفسير القُرآن (2/257)، دارُ إحياء التُّراث العربي].
13. العلَّامةُ الأُصوليُّ محمَّد بنُ عبد الباقي الزُّرقانيُّ (ت: 1122 هـ) [شرحُ المَواهِب اللَّدُنيَّة بِالمِنَح المُحمَّديَّة (12/182-183) وَ (12/198-199)، ط. دار الكُتب العِلميَّة].
14. الإمامُ العلَّامةُ شَيخُ الجَماعَةِ بفاس محمَّد الطَّيِّب بْنُ كِيرَانَ (ت: 1227 هـ) [ردُّ العلَّامة ابن كيران على المُبتدعةِ منَ الطَّائفةِ الوَهَّابيَّة (ص: 36-37)، مطبعة التَّقدُّم العِلميَّة: مصر] وأيضاً [الرَّدُّ على الوَهَّابيَّة في القرن التَّاسع عَشر – نُصوصُ الغربِ الإسلامي نموذجاً (ص: 312-313) – دار الطَّليعة: بيروت].
15. الإمامُ مُفتي الدِّيار التُّونسِيَّة أبو الفِداء إسماعيل التَّميميُّ (ت: 1248 هـ) [المِنَحُ الإلهيَّة في طَمسِ الضَّلالةِ الوَهَّابيَّة (ص: 112-113) – (ص: 139-140)، ط. دار الأصالة].
16. مُفتي المالكية بمكَّة المكرَّمة الإمامُ الفقيهُ محمَّد علي ابنُ حُسين (ت: 1367 هـ)، قالَ: ((وَمَا رَوَاهُ زَرُّوقٌ عَنْ مَالِكٍ مِنْ كَرَاهَةِ التَّوَسُّلِ؛ فَإِنَّمَا يَصِحُّ بِحَمْلِ الْكَرَاهَةِ عَلَى التَّحْرِيمِيَّةِ وَالتَّوَسُّلِ عَلَى الْإِقْسَامِ، إذْ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى ذَلِكَ لَعَارَضَهُ مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي “الشِّفَاءِ” عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ – رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ – أَنَّهُ لَمَّا سَأَلَهُ جَعْفَرٌ الْمَنْصُورُ عَنِ اِسْتِقْبَالِ الْقَبْرِ حِينَ الدُّعَاءِ أَوْ اِسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ؟ قَالَ لَهُ: “وَلِمَ تَصْرِفُ وَجْهَكَ عَنْهُ وَهُوَ وَسِيلَتُك وَوَسِيلَةُ أَبِيكَ آدَمَ قَبْلَكَ؟! بَلِ اِسْتَقْبِلْهُ وَاسْتَشْفِعْ بِهِ فَيُشَفِّعُهُ اللَّهُ فِيكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ﴾ [النِّساء: 64] الْآيَةَ”. قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي “الْجَوْهَرِ الْمُنَظَّمِ”: “رِوَايَةُ ذَلِكَ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ جَاءَتْ بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا مَطْعَنَ فِيهِ”. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الزُّرْقَانِيُّ فِي “شَرْحِ الْمَوَاهِبِ”: “وَرَوَاهَا ابْنُ فَهْدٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَرَوَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، لَيْسَ فِي إسْنَادِهَا وَضَّاعٌ وَلَا كَذَّابٌ”. عَلَى أَنَّهَا قَدْ عُضِّدَتْ بِجَرَيَانِ الْعَمَلِ وَبِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي جَوَازِ التَّوَسُّلِ الَّتِي يُعَضِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَبِظَاهِرِ اسْتِسْقَاءِ عُمَرَ بِالْعَبَّاسِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، بَلْ مِمَّا يُعَيِّنُ حَمْلَ رِوَايَةِ زَرُّوقٍ الْمَذْكُورَةِ عَلَى مَا ذَكَرُوا وَبُطْلَانَهَا رَأْسًا أَنَّ زَرُّوقًا نَفْسَهُ فِي شَرْحِهِ لِحِزْبِ الْبَحْرِ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ كَثِيرٍ مِنَ الْأَخْيَارِ: “اللَّهُمَّ إنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ أَحَبُّوك وَمَا أَحَبُّوك حَتَّى أَحْبَبْتَهُمْ فِيكَ إيَّاهُمْ وَصَلُوا إلَى حُبِّكَ، وَنَحْنُ لَمْ نَصِلْ إلَى حُبِّهِمْ فِيكَ، فَتَمِّمْ لَنَا ذَلِكَ مَعَ الْعَافِيَةِ الْكَامِلَةِ الشَّامِلَةِ حَتَّى نَلْقَاكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ”، وَلَهُ فِي التَّوَسُّلِ قَصِيدَةٌ مَشْهُورَةٌ، فَمِنْ هُنَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الزُّرْقَانِيُّ عَلَى الْمَوَاهِبِ: “وَقَوْلُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ: وَمَالِكٌ مِنْ أَعْظَمِ الْأَئِمَّةِ كَرَاهِيَةً لِذَلِكَ، خَطَأٌ قَبِيحٌ فَإِنَّ كُتُبَ الْمَالِكِيَّةِ طَافِحَةٌ بِاسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْقَبْرِ مُسْتَقْبِلًا لَهُ مُسْتَدْبَرًا لِلْقِبْلَةِ، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ فِي مَنْسَكِهِ وَنَقَلَهُ فِي “الشِّفَاءِ” عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: “إذَا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ – وَدَعَا يَقِفُ وَوَجْهُهُ إلَى الْقَبْرِ لَا إلَى الْقِبْلَةِ، وَيَدْنُو وَيُسَلِّمُ وَلَا يَمَسُّ الْقَبْرَ بِيَدِهِ”اهـ. فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ)) [تَهذيبُ الفُروقِ وَالقواعِدِ السَّنِيَّة فِي الأسرارِ الفِقهِيَّةِ (3/52-53)، عالَم الكُتب] وفي هذا دليل ناصع على مدى قبح الدَّعوى الَّتي أطلقها ابن تيميَّة وحزبه في حقِّ السَّادة المالِكيَّة في هذه المسألة.
يُتبع..
