(شهيد المعركة)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

قال الله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.

وقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد: أرأيت إن قتلت فأين أكون؟ قال: في الجنة، فألقى تمرات كن في يده ثم قاتل حتى قتل. متفق عليه.

شهيد المعركة هو الإنسان المؤمن الذي ءامن بالله ورسوله وبقي على الإيمان وجاهد الكفار دفاعا عن الدين ليس من أجل راتب ولا من أجل السمعة ولا من أجل أن يقال عنه بطل ولا من أجل أن يقال فلان مقدام في المعركة إنما قاتل لينصر دين الله، والذين فيهم هذه الصفة هم قلة قليلة في هذا الزمن، وهو له علامات لا ينتفخ بعد استشهاده ولا تخرج منه رائحة قذرة نتنة، ولا يأكله الدود، ولا يجتمع عليه الذباب، ولا تخرج رائحة كريهة من دمه، وإن بقي سنين يبقى كأنه نائم هذا هو شهيد المعركة.

وقد ورد في الحديث مما يكون في الشهيد بعد الموت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “والذي نفسي بيده لا يُكلَم (أي يجرح) لا يُكلَم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيل الله إلا وجاء يوم القيامة واللون لون الدم والريح ريح المسك” رواه البخاري.

أنظروا ما للشهيد من فضل وإكرام عند الله تبارك وتعالى، فإن هذا فضل عظيم وشرف كبير يتمناه كل مخلص صادق، ثم إن شهيد المعركة لا يغسل وإنما ترك غسل الشهيد والصلاة عليه لأنّ الله تبارك وتعالى طهره بالشهادة وتولاه برحمته فأغناه عن دعاء المصلين، ولا يكفّن بل يدفن في ثيابه، فإن لم تكفه زيد عليها، لماذا لأنّ في ذلك علامة له يوم القيامة أنه كان مجاهدا في سبيل الله وقتل في سبيل الله.

وكذلك شهيد المعركة لا يصلى عليه لأن الله يغفر ذنبه من أول قطرة دم تخرج منه. والشهيد له تاج يوم القيامة الدرة الواحدة منه الياقوتة الواحدة منه خير من الدنيا وما فيها.

ومن جملة ما للشهيد أن الضربة التي أصيب بها مهما كانت قوية لا يشعر بها إلا كقرصة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الألم الذي يجده شهيد المعركة: كقارص يقرصه لو ضرب بالمدفع أو بالسيف قطع يشعر كقارص يقرصه ثم إن الغبار الذي يصيب قدميه في المعركة يوم القيامة يغدو مسكا.

ثم إن الشهداء يكونون عند ربهم مكرمون منعمون ويكونون أحياء ليسوا أمواتا، والقصص التي فيها عن الشهداء أنهم أحياء كثيرة جدا أكثر من أن تحصى ويكفينا في ذلك قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} يعني في هذا المكان المشرف عند ربهم، ومما يؤكد ذلك أولا: هذه الآية.

ثانيا: ما حصل في زمن الصحابة أن من الذين قتلوا في معركة أحد بعد سنين من دفنهم أرادوا أن يفتحوا قناة للماء من إحدى الأنحاء، فالعامل وهو يضرب بالمعول في الأرض ضرب المعول بقدمي إثنين من الصحابة فنفر الدم من قدميهما، كأنهم نيام وليسوا أمواتا. وهذه الحادثة رواه الإمام مالك رضي الله عنه.

ومن جملة ما حصل أيضا أن المسلمين مرة أرادوا أن يغزوا الكفار بالبحر وأراد شاب صغير الخروج معهم، فقالوا له: أنت صغير وحد السيف قوي، عد إلى البيت، فصار يبكي وأبى إلا أن يخرج معهم، فأخذوه، فلما التقت السفن هذا الشاب الصغير أبلى بلاء شديدا في المعركة ما كان يتوقع منه، ثم بعد ذلك قطع رأسه ووقع في البحر، فلما الكفار في البحر كسروا وأراد المسلمون الرجوع إلى بلادهم خرج رأس هذا الشهيد من البحر في مقابل السفينة ووقف في الجو وهو يقول: {تِلْكَ الدَّارُ الآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} ثم نزل في البحر وذهب.

شهادة المعركة هي أعلى أنواع الشهادات ومن نالها يشفع في سبعين من أهله المسلمين العصاة، ويزوجه الله في الجنة سبعين من الحور العين أو مائة من الحوريات العين.

وشهيد المعركة مهما تكلمنا عنه لا نكون إلا قد ذكرنا القليل القليل، فالحذر الحذر أيها المسلمون من أعدائكم اليهود، الذين يدبرون المكائد سرا وعلانية، قتلة الأنبياء الذين اغتصبوا الأقصى، وما برحوا يخططوا لضرب المسلمين، واغتصاب أراضيهم، ونهب خيراتهم، وتشتيت صفوفهم، وما عليكم إلا أن تتمسكوا بكتاب الله وكلام رسول الله وتسلكوا طريق الجهاد بالنفس والمال، وتذكروا أن الله لا يخلف الميعاد.

اللهم ارزقنا الإخلاص في العمل واجعلنا من المجاهدين في سبيلك، وممن ينصرون هذا الدين ويدافعون عنه، وارزقنا الشهادة في سبيلك يا أكرم الأكرمين، وصلى الله على سيد الأولين والآخرين وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.