درجة حديث كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء ثم خلق عرشه على الماء‏

 حديث أبي رزين العقيلي


  قال: أين كان ربنا تبارك وتعالى قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال: كان في عماء، ما فوقه هواء وما تحته هواء، ثم خلق العرش ثم استوى عليه. 
رواه الترمذي وابن ماجه والبيهقي


هذا حديث لا يحتج به في أمور العقائد لأسباب منها أن حماد بن سلمة لا تقبل أخباره في الصفات البتة، وكذلك يضعف هذا الحديث بوكيع بن عدس لأنه مجهول لم يرو عنه إلا يعلى بن عطاء، قال الحافظ في “تهذيب التهذيب” (11 / 115) [قال: ابن قتيبة في اختلاف الحديث: غير معروف، وقال ابن القطان: مجهول الحال] اه‍ قال الترمذي رحمه الله تعالى في سننه (5 / 228) بعدما رواه [قال يزيد بن هارون: العماء أي ليس معه شئ] وأقره وبذلك يكون مؤولا عند يزيد بن هارون والترمذي.

وقال الحافظ ابن حبان في صحيحه (8 / 4) عقب روايته له [وهم في هذه اللفظة حماد بن سلمة . . . يريد به أن الخلق لا يعرفون خالقهم من حيث هم إذ كان ولا زمان ولا مكان ، ومن لم يعرف له زمان ولا مكان ولا شئ معه لانه خالقها كان معرفة الخلق إياه كأنه كان في عماء عن علم الخلق لا أن الله كان في عماء، إذ هذا الوصف شبيه بأوصاف المخلوقين]. اه‍

قال الحافظ ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه [هذا حديث تفرد به يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس، وليس لوكيع راو غير يعلى والعماء السحاب. إعلم أن الفوق والتحت يرجعان إلى السحاب لا إلى الله تعالى، وفي معنى فوق، فالمعنى: كان فوق السحاب بالتدبير والقهر، ولما كان القوم يأنسون بالمخلوقات، سألوا عنها، والسحاب من جملة خلقه، ولو سئل عما قبل السحاب، لأخبر أن الله تعالى كان ولا شئ معه، كذلك روي عن عمران بن حصين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال “كان الله ولا شئ معه”].

الرد على الحدادية في دعواهم الاجماع على صحة حديث أبي رزين

يدعي الحدادية ان حديث “كان في عماء” مجمع على صحته عند من يعتقدون أنهم ينتسبون للسلف، ولكنهم يتجاهلون ان حديث “كان في عماء” منكر المتن ضعيف الإسناد عند ابن قتيبة الدينوري أحد أعلام السلف الذي يزعمون أنه موافق لهم في العقيدة ، حيث أن نقده لهذا الحديث كان قويا لدرجة انه لا يمكن ان يعتقد مسلم ان رسول الله قاله بعد قراءة كلامه.

قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث : ” قالوا: حديث في التشبيه، كان في عماء:

قالوا: رويتم في حديث أبي رزين العقيلي، من رواية حماد بن سلمة، أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ فقال: “كان في عماء، فوقه هواء، وتحته هواء”. قالوا: وهذا تحديد وتشبيه.

قال أبو محمد: “ونحن نقول إن حديث أبي رزين هذا، مختلف فيه، وقد جاء من غير هذا الوجه بألفاظ تستشنع أيضا، والنقلة له أعراب، ووكيع بن حدس الذي روى عنه حديث حماد بن سلمة أيضا لا يعرف. غير أنه قد تكلم في تفسير هذا الحديث أبو عبيد القاسم بن سلام. حدثنا عنه أحمد بن سعيد اللحياني أنه قال: “العماء” السحاب، وهو كما ذكر في كلام العرب، إن كان الحرف ممدودا.

وإن كان مقصورا كأنه كان في عمى، فإنه أراد كان في عمى عن معرفة الناس، كما تقول: “عميت عن هذا الأمر، فأنا أعمى عنه عمى” إذا أشكل عليك فلم تعرفه ولم تعرف جهته، وكل شيء خفي عليك، فهو في عمى عنك.

وأما قوله: “فوقه هواء، وتحته هواء” فإن قوما زادوا فيه “ما” فقالوا: “ما فوقه هواء، وما تحته هواء”، استيحاشا من أن يكون فوقه هواء، وتحته هواء، ويكون بينهما -والرواية هي الأولى-.

والوحشة لا تزول بزيادة “ما” لأن “فوق” و”تحت” باقيان، والله أعلم”. انتهى

فنخلص من كلام ابن قتيبة ما يلي :

• ابن قتيبة يُسلم لخصمه – وهو على الأرجح النظام المعتزلي أو ضرار بن عمرو – أن هذا الحديث يتضمن تحديدا وتشبيها ، فإذا هو لا يعتقد التحديد فيكون جهميا منكرا للحد على قواعد الحدادية ، ويكون معطلا عند غلاة الحشوية المعاصرين الذي يزعمون ان نفي التشبيه بدعة وتعطيل .

• هو ينقل عن من عاصرهم من أهل حديث أن هذا الحديث مختلف في صحته عندهم ، وهذا يضرب الإجماع المزعوم على صحته في مقتل، والذي روج له المسمى ابن شمس الدين العايدي المعروف بالتيس الألماني.

• نقلة هذا الحديث عند ابن قتيبة أعراب وهي علة قادحة عند من يفهم .

• ابن قتيبة يطعن في راوي الحديث وكيع بن حدس بالجهالة وهو ما يقوله الأشاعرة فعلى هذا لا يكونون مبتدعة إذا ردوا هذا الحديث المنكر بهذه العلة .

• ابن قتيبة يتهم بعض الرواة بالتلاعب بمتن هذا الحديث بالزيادة وهذا يضعف الحديث بل يلحقه بالموضوعات .

• قرر ابن قتيبة ان نكارة الحديث لا تزول حتى بعد تأويله لأن الفوق والتحت باقيان وهما يفيدان الجسمية وهذا دليل آخر على ان ابن قتيبة من نفاة الجسمية.

• لم يرجح ابن قتيبة أي تأويل لهذا الحديث لأنه عنده حديث مردود منكر لا يصح.

كلام الشيخ العلامة الكوثري رحمه الله تعالى في تعليقه على السيف الصقيل للإمام التقي السبكي، حيث قال هناك عن هذا الحديث:

وأما حديث أبي رزين ففي سنده حماد بن سلمة مختلط، وكان يدخل في حديثه ربيباه ما شاءا؛ وليس في استطاعة ابن عدي ولا غيره إبعاد هذه الوصمة عنه، ويعلى بن عطاء تفرد به عن وكيع بن حدس أو عدس، وهو مجهول الصفة، وهو تفرد عن أبي رزين، ولا شأن للمنفردات والوحدان في إثبات الصفات فضلا عن المجاهيل وعمن به اختلاط، فليتق الله من يحاول أن يثبت به صفة لله. وقد سئم أهل العلم من كثرة ما يرد بطريق حماد بن سلمة من الروايات الساقطة في صفات الله سبحانه. وقد روى أبو بشر الدولابي الحافظ عن ابن شجاع عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: ” كان حماد بن سلمة لا يعرف بهذه الأحاديث حتى خرج خرجة إلى عبدان فجاء وهو يرويها، فلا أحسب إلا شيطانا خرج إليه في البحر فألقاها إليه اهـ “.

في كتاب إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل لبدر الدين ابن جماعة قال:
القسم الثالث

في الأحاديث الضعيفة التي وضعتها الزنادقة أعداء الدين وأرباب البدع المضلين ليلبسوا على الناس دينهم
وقد ذكرت ما تيسرمن أسباب ضعفها باختصار والمقتضي لمنع التمسك بها وتأويلها بعد تسليم ثبوتها على ما يقتضيه لسان العرب الذي نزل به القرآن
واقتصر في غالبها على الألفاظ التي يحتاج إلى بيان ضعفها وتأويلها دون بقية الألفاظ
الحديث الأول
حديث أبي رزين العقيلي قال قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق قال كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء ثم خلق العرش على الماءهذا حديث تفرد به يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس ويقال حدس ولا يعرف لوكيع هذا راو غير يعلى هذا وهما مجهولان وقد رواه الترمذي وليس كل ما رواه حجة في الفروع فكيف في معرفة الله تعالى التي هي أصل الدين
واحتج بعض الحشوية بعدم إنكار النبي سؤاله بقوله أين الدالة على المكان
وقد بينا ضعف الحديث وعدم الاحتجاج به وبتقدير ثبوته فالجواب أن النبي لم ينفر الداخلين في الإسلام أولا من الأعراب والجاهلية لأنهم كانوا أهل جفاء وغلظة طباع غير فاهمين لدقائق النظر فكان لاينفرهم ويعيرهم بمبادرة الأفكار عليهم
وقيل معناه أين كان عرش ربنا بحذف المضاف ويدل عليه قوله وكان عرشه على الماء
وأما قوله في عماء فقد روي بالمد والقصر فأما المد فهو الغيم الرقيق والمرادبه جهة العلو أي فوق العماء بالقهر والتدبير لا بالمكان
وأما بالقصر قال الترمذي عن يزيد بن هارون أنه قال العمى أي ليس معه شيء
فالمراد أنه كان وحده ولا شيء معه ويدل عليه حديث عمران بن حصين الثابت في الصحيح كان الله ولم يكن شيء غيره وروي ولا شيء معه فشبه عدم الأشياء بالعمى لأن الأعمى لا يرى شيئا وكذلك المعدوم لا يرى
ونفي التحتية والفوقية في العمى بقوله ما تحته هواء يعني ليس تحت المعدوم المعبر عنه بالعمى هواء ولا فوقه هواء لأن ذلك المعدوم لا شيء فلم يكن له تحت ولا فوق بوجه

حديث الأعرابي الذي استندوا إليه في التجسيم

اضطر الألباني إلى تضعيفه في ضعيف ابن ماجة

بسم الله الرحمن الرحيم

جاء في كتاب (الف سؤال واشكال) الاشكال التالي:

زعم ابن تيمية أن الله تعالى موجود في جهة مكانية، وتشبث بحديث أبي رزين العقيلي أن الله تعالى كان قبل خلق الخلق في عماء تحته هواء وفوقه هواء! فقد روى أحمد: عن وكيع، عن عمه أبي رزين قال: (قلت يا رسول الله أين كان ربنا عز وجل قبل أن يخلق خلقه؟ قال: كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء، ثم خلق عرشه على الماء)!(1).
وقد رد علماء الجرح والتعديل هذا الحديث، ولكن ابن تيمية تمسك به، واستشهد به في كتبه أكثر من ثلاثين مرة!
قال في كتابه الإستقامة: ( وقال له أبو رزين العقيلي: أين كان ربنا قبل أن خلق السماوات والأرض؟ قال: في عماء، ما فوقه هواء وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء. ومن نفى الأين عنه يحتاج إلى أن يستدل على انتفاء ذلك بدليل )!(2).
وقال في تأويل مختلف الحديث: ( ونحن نقول إن حديث أبي رزين هذا مختلف فيه، وقد جاء من غير ذا الوجه بألفاظ تستشنع أيضاً، والنقلة له أعراب )!(3).
وقد اضطر الألباني إلى تضعيفه في ضعيف ابن ماجة(4)، ولكنه في الوقت نفسه كتب إيمانه به حتى لا يغضب عليه من يقدسون ابن تيمية!
قال الألباني: (ضعيف). ثم نقض ذلك في هامشه فقال: العماء: السحاب. قال العلماء: هذا من حديث الصفات، فنؤمن به من غير تأويل ولا تشبيه، ونكل علمه إلى عالمه)!.

الأسئلة
1 ـ كيف تأخذون دينكم وأصل عقيدتكم في التوحيد من أبي رزين العقيلي، وهو أعرابي ضعفه علماء الجرح والتعديل، ؟!
2 ـ كيف تعتقدون بالحديث وهو يستلزم أن يكون الهواء والسحاب والمكان والزمان موجودة مع الله تعالى قبل خلق الخلق؟! ومعنى ذلك وجود أربعة آلهة قديمة عندكم مع الله، أو قبله، والعياذ بالله!
فهل زدتم على قول النصارى بالتثليث، فقلتم بالتخميس؟!
3 – هل رأيتم كيف ضعف الألباني حديث أبي رزين وأسقطه، ثم نقل قول أحدهم في الإيمان به كأنه ارتضاه: (فنؤمن به من غير تأويل ولا تشبيه)؟!

قال الألباني : ( ضعيف . ظلال الجنة ، ص 612 *** مختصر العلو ، ص 193، ص 250 . ثم نقض ذلك في هامشه فقال : العماء : السحاب . قال العلماء : هذا من حديث الصفات ، فنؤمن به من غير تأويل ولا تشبيه ، ونكل علمه إلى عالمه ) !! 


(1) مسند احمد: ج4 ص11 ورواه في: 4/12، وابن ماجة: 1/64/181, والترمذي: 4/351/5109، والطبراني في المعجم الكبير: 19/207، وغيرهم.

(2) الإستقامة: ص126.

(3) تأويل مختلف الحديث: ص206.

(4) ضعيف ابن ماجة: ص17 رقم181.

(5) ظلال الجنة: 612. مختصر العلو:193،250.