السؤال: ما الردّ على من يقول التّأويل تعطيل أي نفي لوجود الله أو صفاته؟

(ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)

(الرحمن على العرش استوى)

 (إليه يصعد الكلم الطيّب)

(ولله المشرق والمغرب فأينما تُوَلّوا فَثَمَّ وجه الله)

إذا قال التَّيمي: ينزل تعالى بذاته إلى السَّماء الدُّنيا! ويجيء بذاته يوم القيامة! ويطوف بالأرض! [=كما قال ابن القيِّم]…الخ ولا يخلو منه العرش!

جاز للحلولي أن يلزمه بقوله: وكذلك يصعد بذاته إلى السَّماء الدُّنيا! ويتمكَّن على ظهر بعوضة كما قال شيخكم ابن تيميَّة تبعا للدَّارمي! وينزل بذاته على المسيح عيسى عليه السَّلام!…الخ ولا تخلو منه الأحياز الطَّاهرة!

ولن يستطيع التَّيمي جواب هذا؛ إلَّا بالسَّفسطة!

ادَّعى ابن تيميَّة أن القرآن والسُّنن مستفيضة بإثبات العلوِّ الحسِّي في حقِّ ربِّه، ومن هذا القبيل النُّصوص الواردة برفع سيِّدنا عيسى عليه السَّلام إليه؛ فقال: ((وَتَارَةً يُخْبِرُ [تعالى] بِعُرُوجِ الْأَشْيَاءِ وَصُعُودِهَا وَارْتِفَاعِهَا إلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إلَيْهِ} [النِّساء: 158] {إنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إلَيَّ} [آل عمران: 55])) [مجموع الفتاوى (164/5)].

والجواب: من وجوه:

– أوَّلا: أنَّ عيسى – عليه السلام – رُفع إلى السَّماء الثَّانية كما يظهر في حديث المِعراج عند البخاري وغيره، وهذا يقتضي أن يكون الله هناك في السَّماء الثَّانية لا فوق العرش كما يدَّعي ابن تيميَّة!

– ثانيا: قوله تعالى: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إلَيْهِ} [النِّساء: 158] معناه – وفق منطق ابن تيميَّة – أن الله رفعه إلى حيث ذاته تعالى، لا إلى يمين العرش أو يساره أو تحته أو غيره مِن الجِهات الأخرى، وهذا يقتضي أن يكون سيِّدنا عيسى – عليه السلام – هناك مع ربِّه فوق العرش!، في جِهة وجوديَّة لا عدميَّة!، وهو ما ينسف العقيدة التَّيميَّة من القواعد.

– ثالثا: أيضا قوله تعالى: {إنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إلَيَّ} [آل عمران: 55] إذا كان تعالى رفعه إليه أي: إلى فوق العرش، فهل سيكون تعالى فوق سيدنا عيسى – عليه السلام – أم لا؟ فإن قيل: لا؛ بطلت عقيدة العلوِّ!، وإن قيل: نعم؛ لزم مُماسَّة الله لذات رسوله سيِّدنا عيسى – عليه السَّلام -، وعليه: فبأيِّ وجه سيفارق هذا الضَّلال المُبين عقيدة النَّصارى الكفريَّة؟!

– رابعاً: قال ابن تيميَّة: ((حَدَّثَ الْعُلَمَاءُ الْمَرْضِيُّونَ وَأَوْلِيَاؤُهُ الْمَقْبُولُونَ: أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ يُجْلِسُهُ رَبُّهُ عَلَى الْعَرْشِ [[مَعَهُ!!!]])) [مجموع الفتاوى (374/4)] فأين هذه الفضيلة – المزعومة – إذا كان سيِّدنا عيسى – عليه السَّلام – هناك أيضا [[مع!!!]] ربِّه فوق العرش؟!

– رابعا: قال الفخر الرَّازي: ((الْمُشَبِّهَةُ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [المائدة: 158] فِي إِثْبَاتِ الْجِهَةِ.

وَالْجَوَابُ: الْمُرَادُ الرَّفْعُ إِلَى مَوْضِعٍ لَا يَجْرِي فِيهِ حُكْمُ غَيْرِ اللَّه تَعَالَى كَقَوْلِهِ: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [الْبَقَرَةِ: 210]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النِّسَاءِ: 100]، وَكَانَتِ الْهِجْرَةُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: {إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي} [الصَّافَّاتِ: 99]))[التفسير الكبير (262/11)].

وقال أيضا: ((قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنِّي ذاهِبٌ إِلَى رَبِّي} [الصافات: 99] يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ تَمَسُّكِ الْمُشَبِّهَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فَاطِرٍ: 10]؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ “إِلَى” مَوْجُودَةٌ فِي قَوْلِهِ: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} [الصافات: 99] مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ الْإِلَهُ مَوجُوداً فِي ذَلِكَ المَكَانِ، فَكَذَلِكَ هَا هُنَا)) [التفسير الكبير (345/26)].

والله الموَفِّق..