مجيب المحتاج في معرفة الاسراء والمعراج (12)
8- *رُؤْيَتُهُ ﷺ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِفُؤَادِهِ لا بِعَيْنِهِ*
وَمِمَّا أَكْرَمَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ فِى الْمِعْرَاجِ أَنْ أَزَالَ عَنْ قَلْبِهِ ﷺ الْحِجَابَ الْمَعْنَوِىَّ فَرَأَى اللَّهَ بِفُؤَادِهِ أَىْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ قُوَّةَ الرُّؤْيَةِ فِى قَلْبِهِ لا بِعَيْنِهِ لِأَنَّ اللَّهَ لا يُرَى بِالْعَيْنِ الْفَانِيَةِ فِى الدُّنْيَا فَقَدْ قَالَ الرَّسُولُ ﷺ *«وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا»*.
وَإِنَّمَا يُرَى اللَّهُ فِى الآخِرَةِ بِالْعَيْنِ الْبَاقِيَةِ يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ لا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنَ الأَشْيَاءِ بِلا مَكَانٍ وَلا جِهَةٍ وَلا مُقَابَلَةٍ وَلا ثُبُوتِ مَسَافَةٍ وَلا اتِّصَالِ شُعَاعٍ بَيْنَ الرَّائِى وَبَيْنَهُ عَزَّ وَجَلَّ.
يَرَى الْمُؤْمِنُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لا كَمَا يُرَى الْمَخْلُوقُ.
فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِىُّ وَغَيْرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ *«أَمَا إِنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لا تَضَامُّونَ فِى رُؤْيَتِهِ»* أَىْ لا تَشُكُّونَ أَنَّ الَّذِى تَرَوْنَ هُوَ اللَّهُ كَمَا لا تَشُكُّونَ فِى قَمَرِ لَيْلَةِ الْبَدْرِ وَلا يَعْنِى أَنَّ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ الْقَمَرِ مُشَابَهَةٌ.
قَالَ تَعَالَى *﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾* [سُورَةَ الْقِيَامَة].
أَمَّا الْكُفَّارُ فَلا يَرَوْنَ اللَّهَ فِى الدُّنْيَا وَلا فِى الآخِرَةِ وَهُمْ مُخَلَّدُونَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ قَالَ تَعَالَى *﴿كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ﴾* [سُورَةَ الْمُطَفِّفِين/15].
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ رَأَى رَبَّهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ فِى الْمِعْرَاجِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى *﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾* [سُورَةَ النَّجْم/11] *﴿وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾* [سُورَةَ النَّجْم/13] قَالَ: *رَءَاهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ*.
وَبِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ تَجْدُرُ الإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لِلنَّبِىِّ أَنْ رَأَى رَبَّهُ وَكَلَّمَهُ فِى ءَانٍ وَاحِدٍ بَلْ كَانَتِ الرُّؤْيَةُ فِى حَالٍ وَسَمَاعُ كَلامِهِ فِى حَالٍ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى *﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا﴾* [سُورَةَ الشُّورَى/51]. >
مجيب المحتاج في معرفة الاسراء والمعراج (13)
8- رُؤْيَتُهُ ﷺ لِسَيِّدِنَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى هَيْئَتِهِ الأَصْلِيَّةِ
كَانَ ﷺ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ فِى الْمَرَّةِ الأُولَى فِى مَكَّةَ عَلَى هَيْئَتِهِ الأَصْلِيَّةِ فَغُشِىَ عَلَيْهِ أَمَّا فِى هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ فَقَدْ رَءَاهُ لِلْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَلَى هَيْئَتِهِ الأَصْلِيَّةِ فَلَمْ يُغْشَ عَلَيْهِ إِذْ إِنَّهُ ازْدَادَ تَمَكُّنًا وَقُوَّةً
فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا فِى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ [سُورَةَ النَّجْم] قَالَتْ إِنَّمَا الْمَعْنَى ذَاكَ جِبْرِيلُ كَانَ يَأْتِيهِ وَإِنَّهُ أَتَاهُ فِى هَذِهِ الْمَرَّةِ فِى صُورَتِهِ الَّتِى هِىَ هَيْأَتُهُ الأَصْلِيَّةُ فَسَدَّ أُفُقَ السَّمَاءِ.
وَلَيْسَ مَعْنَى هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ أَنَّ اللَّهَ دَنَا مِنَ الرَّسُولِ حَتَّى قَرُبَ مِنْهُ بِالْمَسَافَةِ قَدْرَ ذِرَاعَيْنِ أَوْ أَقَلَّ وَالَّذِى يَعْتَقِدُ هَذَا يَضِلُّ وَيَكْفُرُ.
أَمَّا الْمَعْنَى الصَّحِيحُ فَهُوَ أَنَّ جِبْرِيلَ دَنَا مِنْ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿فَتَدَلَّى﴾ أَىْ جِبْرِيلُ فِى دُنُوِّهِ مِنْ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ﴾ أَىْ ذِرَاعَيْنِ ﴿أَوْ أَدْنَى﴾ أَىْ بَلْ أَقْرَبَ وَهُنَاكَ ظَهَرَ لَهُ بِهَيْأَتِهِ الأَصْلِيَّةِ وَلَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ وَكُلُّ جَنَاحٍ يَسُدُّ مَا بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ.
رَوَى مُسْلِمٌ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: “يَا أَبَا عَائِشَةَ ثَلاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ، قُلْتُ: مَا هُنَّ ؟
قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا ﷺ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ،
قَالَ: وَكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْظِرِينِى وَلا تَعْجَلِينِى أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَلَقَدْ رَءَاهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ﴾ ﴿وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾.
فَقَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ «إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِى خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ».
فَقَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ ﴿لَّا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [سُورَةَ الأَنْعَام/103] أَوَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِىٌّ حَكِيمٌ﴾ [سُورَةَ الشُّورَى/51].
قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَتَمَ شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ وَاللَّهُ يَقُولُ ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَّبِّكَ وَإِنْ لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ [سُورَةَ الْمَائِدَة/67].
قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا يَكُونُ فِى غَدٍ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ وَاللَّهُ يَقُولُ ﴿قُل لا يَعْلَمُ مَنْ فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [سُورَةَ النَّمْل/65]
أَىْ لا يَعْلَمُ الْغَيْبَ كُلَّهُ إِلَّا اللَّهُ وَهَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْقَائِلِينَ أَنَّ الرَّسُولَ يَعْلَمُ كُلَّ مَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ
وَهَؤُلاءِ سَاوَوُا الرَّسُولَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاللَّهُ تَعَالَى لا يُسَاوِيهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ فى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ فَهُوَ وَحْدَهُ الْعَالِمُ بِكُلِّ شَىْءٍ وَالْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ لا يُشَارِكُهُ فِى ذَلِكَ وَلا فِى سَائِرِ صِفَاتِهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ وَقَدْ قَالَ الرَّسُولُ ﷺ «لا تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِى».
كانَ الله ولَم يكن شَىءٌ غَيرُهُ
الله تعَالى غَنِيٌّ عن العَالمينَ أي مُسْتَغنٍ عَن كُلّ ما سِوَاهُ أَزَلا وأَبَدًا فَلا يَحْتَاجُ إلى مَكَانٍ يتحيز فيه أو شَىءٍ يَحُلُّ به أو إلى جِهَةٍ لأنه ليس كشىءٍ منَ الأشياء ليس حجمًا كثيفًا ولا حجمًا لطيفًا والتحيزُ من صفاتِ الجسمِ الكثيفِ واللطيفِ فالجسمُ الكثيفُ والجسمُ اللطيفُ متحيزٌ في جهةٍ ومكانٍ قال الله تعالى: {وَهُوَ… متابعة قراءة كانَ الله ولَم يكن شَىءٌ غَيرُهُ
معنى التحقيق على التحقيق
مررت اليوم على تدوينة فيها ذُكر بعضهم بالشيخ المحقق فاستوقفني هذا اللفظ وأزعجني هذا الوصف لبعده عن بلوغ المرام وإيهامه ما يُرام. اعلم أن العالِم المحقِّق غير ذاك الذي “حقق” جملة مستكثرة من المخطوطات مظهرا لها للعموم بنشرها بين الناس مع أن هذا الفن لا يختلف اثنان في فائدته وعودة بركته على صاحبه إن قصد… متابعة قراءة معنى التحقيق على التحقيق
مَكَانَةُ العُلَمَاءِ فِي الفَتْوَى
《عَمائِمُ على رُؤوسِ جُهّالٍ!!》(21) 《التَّحْذِيرُ مِنْ طَلَبِ العِلْمِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ》 وَحَيْثُ كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ، فَعَلَى مَنْ أَرَادَ السَّلَامَةَ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ أَنْ يَحْتَاطَ غَايَةَ الِاحْتِيَاطِ، فَإِنَّ هَذِهِ الأَدَوَاتِ التِّقْنِيَّةَ لَا تَقُومُ مَقَامَ الشُّيُوخِ، وَلَا تَحُلُّ مَحَلَّ الأَئِمَّةِ، وَلَا تُلْغِي الطَّرِيقَةَ الَّتِي أَرْشَدَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ طَالِبَ العِلْمِ. فَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ:… متابعة قراءة مَكَانَةُ العُلَمَاءِ فِي الفَتْوَى
