إذا تكلّم بكلمة الكُفر عالِما بمعناها ولا يعتقِدُ معناها لكنْ صدَرتْ عنهُ من غير إكراهٍ بل مع طواعية في تأْديَتِه فإنّه يُحكَم عليه بالكُفرِ

تتميما لما نشرته سابقا وبيانا للحق أقول : قال الشيخ ملا علي القاري الحنفي (ت 1014 هـ) في شرح كتاب الفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، ص/274 : ”ثم اعلم أنَّهُ إذا تكلّم بكلمة الكُفر عالِما بمعناها ولا يعتقِدُ معناها لكنْ صدَرتْ عنهُ من غير إكراهٍ بل مع طواعية في تأْديَتِه فإنّه يُحكَم عليه بالكُفرِ“ اهـ

وهذا نقل لعالم ءاخر يتفق كلامه مع كلام ابن السبكي المنقول في المنشور السابق فيا من لا تفهم ما تقرأ انظر قوله ( عالما بمعناها ) اي هو يفهم معنى ما يقول وانظر قوله ( ولا يعتقد معناها ) اي ليس من شرط الحكم عليه بالتكفير أن يعتقد في قلبه ما نطق به لسانه ثم انظر قوله ( فإنه يحكم عليه بالكفر )

وكلامي في المنشور السابق عن فعل هو صريح في الكفر كالدوس على المصحف عامدا او الجلوس عليه او القائل كلمة صريحة في الكفر ليس لها إلا معنى واحد كفري كمن نسب لله الولد أو شبهه بخلقه ويظهر ذلك من الأمثلة التي أوردتها ولكنك معاند لا تريد الإقرار بالحق فلا تخلط بين اللفظ الظاهر واللفظ الصريح وكفاك عنادا فأنصحك يا صابر حسني كفاك مراوغة كروغان الثعلب لتظهر بصورة المحقّق للكلام وكفاك اتهاما بلا بينة فإن كتاباتك يظهر فيها عدم الفهم لما تنقله.

فتعلَّم الفرق بين اللفظ الصريح في الكفر واللفظ الظاهر قبل أن تخوض فيما لا تتقنه أم هل صار الدوس على المصحف والجلوس بالمقعدة من الكفر الذي يحتمل أوجها عديدة ؟ فسبحان مقسِّم العقول يا ربنا اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين خذلانك لمن خذلته .

https://www.facebook.com/tarek.dawud.3

قال الإمام تاج الدِّين السبكي الشافعي في كتابه طبقات الشافعية الكبرى ( لا خِلاف عند الأشعريِّ وأصحابِهِ بل وسائرِ المسلمينَ أنَّ مَن تلفَّظَ بالكُفرِ أو فَعَلَ أفعالَ الكفارِ أنَّهُ كافرٌ باللهِ العظيمِ مخلَّدٌ في النَّارِ وإنْ عَرَفَ قَلبُهُ وأنَّهُ لا تنفَعُهُ المعرِفَةُ معَ العِنادِ ولا تُغنِي عنهُ شيئًا ولا يَختَلِفُ مُسلِمانِ في ذَلِكَ) انتهت عبارته رحمه الله .

وفي عبارته نقلُ الإجماع على أن الكفر سواء كان قوليا أو فعليا يقع من المسلم لو لم يعتقد معنى ما قاله أو فعله وذلك في قوله ( لا يختلف مسلمان في ذلك) بعد قوله (لا خلاف عند الأشعريِّ وأصحابه بل وسائر المسلمين ) وسواء قصد الكفر كمن نسب الولد والشبيه لله أو لم يقصده ما دام خرج القول منه عن اختيار اي غير مكره وعن عمد لا على جهة سبق اللسان ومثله من فعل أفعال الكفار كمن ألقى المصحف في القاذورات أو داس عليه بقدمه أو جلس عليه وسيان في هذا كلِّه قصد الكفر أو لم يقصده لأنَّ فعله بمجرَّده دالٌّ على الاستخفاف بالمصحف .وانظر قول ابن السبكي رحمه الله مما يشهد لهذا ( وإن عرف قلبه ) أي وإن عرف الحقَّ في قلبه وأن الله ليس له ولد ولا شبيه في اعتقاده وأن القرءان معظَّم في اعتقاده ولا تغني معرفته هذه شيئا فلا تمنع معرفته هذه الحكمَ عليه بالكفر اجماعا وانتبه لقول ابن السبكي رحمه الله( ولا تنفعه المعرفة مع العناد ولا تغني عنه شيئا ).

فهذا المسمى صابر حسني خالف إجماع المسلمين وناقضه باشتراط القصد للاستهزاء بالمصحف حتى يعدَّ المستهزئُ به كافرا فعليه الرجوع إلى الحقّ والاعتراف بالخطإ فإن الرجوع عن الخطإ فضيلة ولكنه يحتاج إلى نفوس نقية وتواضع ولين جانب وخوف من الله عزَّ وجلَّ و الحقُّ أحقُّ أن يُتَّبع.

اعلم حبيبي في الله عزَّ وجلَّ أنَّ تعلُّم أدلة علم العقيدة النقلية والعقلية فرض كفاية وذلك لردِّ شبه وتمويهات الفرق الضالة على اختلاف مشاربها ومذاهبها ، وكلُّ من تأهَّل لذلك يجب عليه أن يتمكَّن في هذا العلم إلى أن تحصلَ الكفاية في هذا الباب نصرةً لدين الله وصيانة لعقيدة العامَّة من التزلزل ودفاعا عن الحقِّ ودفعا لتشكيك المشككين من ملاحدة ومشبهة ومعتزلة وغيرهم .

وقد ذكرت في منشور سابق أن إقحام كل عامي ممن لا يصل فهمه إلى هذا القدر من التوسع مما لا ينبغي كي لا تختلط عليه المسائل ويفسد فهمه لها لضعف عقله عن استيعابها وهذا الذي يحمل عليه كلام من نهى عن الخوض فيه ولكن من الناس إما أنه أوتي شهوة الردِّ من غير أن يقرأ ما قلته وهذه مصيبة لأن هذا يدعوه إلى التحامل واتهام غيره بعدم الفهم مع كونه لم يقرأ ما ذكرته سابقا أو أنه يقرأ ولا يفهم ما في دلالات الألفاظ فالمصيبة عندئذ أعظم ثم أزيد فأقول لو كان نهيهم منصبَّا على كل عاميِّ فكيف سيبرز منهم من يسدُّ الفرض الكفائي في الدفاع عن العقيدة الإسلامية بتوسع فإن المؤهَّل للخوض في التفاصيل كان عاميا قبل هذه الأهلية لذا ينبغي أن يُحملَ نهيُهُم عن الخوض فيه على ما سبق وذكرته أنه محمول على من لم يؤت عقلا راجحا ليفهم التفاصيل خوفا عليه من سوء الفهم في أمر جلل عظيم كالعقائد ولكن من تحكمه شهوة الرد والدفاع عن نفسه فربما تحمله على أن لا يرى هذا القيد المذكور ءانفا .

ولكن على أي حال لا يجوز للعامي التقصير في تعلم مبادئ علم العقيدة كتنزيه الله عن الشبيه والشريك وتعلُّم صفات الله الواجبة له عقلا وشرعا وتنزيه كلامه عن الحرف والصوت واللغة ولا يعد هذا خوضا في علم الكلام الذي قد يتيه في فهمه من لم يؤت عقلا راجحا وفهما لتفاصيل علم العقائد بل هذا مما يلزم المكلف العلمُ به ولا يجوز جهله بحال كما سبق وبينت في منشور سابق أنه يجب على أولياء أمور الصبيان والصبيات فضلا عن البالغين من العوامِّ تعليمهم مبادئ علم العقيدة الشامل لصفات الله الواجبة له سبحانه مع تبسيط العبارات ليحفظها ويفهمها وما يستحيل في حق الله كالشبه بالمخلوقين و النقائص كالظلم والزوجة والولد وهذا ما نص عليه سيدي الإمام الغزالي والنووي وابن الجوزي وعبد الغني النابلسي في كفاية الغلام والمرزوقي في عقيدة العوام وغيرهم .

وأما كتاب إلجام العوامِّ عن علم الكلام للغزالي فإني أعرفه وقرأته من سنين حرفا حرفا فإنه تضمَّن وجوب تعلِّم هذه المبادئ في العقيدة للعوامِّ ولم ينه عن تعليمهم ذلك لان الغزالي قرر في قواعد العقائد تعليمها للصبيان فضلا عن البالغين من العامة بل نهى عن الخوض في غمار هذا العلم ممَّن ليس مؤهلا من العوامِّ وأما من تأهل لذلك واستطاع أن يسدَّ ثغرة الفرض الكفائي فيلزمه التوسع فيه إلى أن يتمكن من معرفة دلائل العقائد تفصيلا وكيفية ردِّ شبه الفرق الضالة وإلا كان مقصِّرًا ولا يعدُّ من علَّمه ذلك من الأئمة الضالين ولا من البدعيين لأنه ساعد في إتمام الواجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب أجارنا الله من زيغ الفرق الضالة وحفظ علينا عقولنا وأدبنا بآداب البيان في الخطاب لا كأولئك الذين همهم الطعن في الغير والله حسيبهم.

وهذا نهاية الكلام في هذا الأمر والمراد بيان المسئلة لمن شرح الله صدره للفهم وأما من لم يفهم فقلبه ليس بيدي بل بيد خالقه اللهِ ربِّ العالمين