اللهم انفعنا بما علمتنا وانفع بنا وزدنا علمًا، واجعل القرآن ربيع قلوبنا ونورًا لأبصارنا وجوارحنا، يا أكرم الأكرمين
كلكم، يا أحباب، تعلمون أهمية تلاوة القرآن، كما جاء في قوله تعالى: “يتلونه حق تلاوته”. والقراءة لها حق مستحق. وشيخنا، رضي الله عنه، الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله، ألَّف رسالة لطيفة في هذا الفن، فيها بعض أحكام التجويد، أسماها “الدر النضيد في أحكام التجويد”، وقد علّق عليها بعض الأحبة من تلاميذه رحمهم الله في الحواشي. وهذه الطبعة الجديدة، طبعة دار المشاريع، أنصحكم باقتنائها إن شاء الله، والاستفادة من هذا الخير العظيم، هذا الدرّ النضيد في أحكام التجويد.
تأليف الشيخ عبد الله الهرري المعروف بالحبشي رضي الله عنه.
نقرأه بإذن الله تعالى معًا، مخلصين النية لله تعالى.
بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله.
قال المؤلف رحمه الله:
*”الحمد لله الذي أنعم على نبيه بالنصرة والتأييد، وبفصاحة اللسان والرأي السديد، وخصّه بالقرآن ذي النهج الرشيد، وجعل بيانه في الترتيل والتجويد. وأصلي وأسلم على من أُنزل عليه القرآن، بيناتٍ من الهدى والفرقان، صاحب البيان والتبيان، والدرر الفاخرات الحسان، وعلى آله الميامين وأصحابه الغر المحجلين.
أما بعد، فإن علم التجويد فرض كفاية، فينبغي تلقي هذا العلم من ذويه، فإن العلم لا يُؤخذ إلا بالتلقي من الثقات، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما العلم بالتعلم» رواه البخاري معلقًا والطبراني.
وروى البخاري بالإسناد المتصل إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».
وقال عليه الصلاة والسلام: «يا أبا ذر، لأن تغدو فتتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مئة ركعة» (أي من النوافل)، ومعناه: إذا صليت مئة ركعة من النوافل، ثم تلقيت آية، فثواب التلقي أعظم عند الله تعالى.”*
رواه ابن ماجه
الفصل الأول: في التجويد والترتيل
الفصل الأول: في التجويد والترتيل
التجويد لغةً: مصدر من جوّد تجويدًا، أي أتى بالقراءة مجوّدة الألفاظ، ومعناه الإتيان بالجيد.
واصطلاحًا: إعطاء كل حرف حقه ومستحقه، وترتيب مراتبه من حيث المخارج، كإخراج الحروف من مخارجها الصحيحة.
- أما الحق: فهو ما يقتضيه الحرف من صفات ذاتية كالجهر، والشدة، والرخاوة.
- أما المستحق: فهو ما يتبع الحرف من صفات مكتسبة، كالتفخيم والترقيق بحسب موضعه.
وهذا ما يُقال له مستحق الترتيب، أي رد الحرف إلى مخرجه وأصله، وتلطيف النطق به من غير إسراف ولا تعسف، ولا إفراط ولا تكلّف.
قال الإمام أبو عمرو الداني:
“ليس بين التجويد وتركه إلا رياضة لمن تدبّره بفكّه”، أي بفمه.
طريقة الأخذ
يُؤخذ علم التجويد من أفواه المشايخ العارفين بطريقة أداء القراءة، بعد معرفة ما يحتاج إليه القارئ من:
- مخارج الحروف وصفاتها.
- الوقف والابتداء.
كما قال الشيخ زكريا الأنصاري.
حكم تعلم التجويد
- تعلمه: فرض كفاية على المسلمين.
- فضله: أنه يُعين على تلاوة القرآن على الوجه الذي أُنزِل به.
- استمداده: من القراءة المتبعة المتلقاة بالتواتر، خلفًا عن سلف.
الترتيل
لغةً: مصدر من رتّل، أي إذا اتبع بعض كلامه بعضًا على مكث.
واصطلاحًا: ترتيب الحروف على حقها في التلاوة بتلبّث فيها.
التطريب في القراءة
اعلم أن بعض القرّاء ابتدع في القراءة شيئًا يسمى التطريب، وهو أن يُترنَّم بالقراءة، فيمدّ في غير محل المد، ويزيد في المدّ ما لم تجزه العربية.
الفصل الثاني: في اللحن
اعلم أن اللحن يُستعمل في الكلام على معانٍ، منها:
- اللغة.
- الفطنة.
- الضرب من الأصوات الموضوعة.
- الخطأ ومخالفة الصواب في القراءة
وهنا، يا أحباب، اللحن الذي يُغيّر الحرف أو التشكيل حرام، ولا يجوز لنا أن نلحن في قراءة القرآن.
أما ما جاء في الحديث بأن الذي يقرأ ويخطئ فله أجران، فذلك في حق من يكون في مرحلة التعلم. فحينها، يكون لك ثواب القراءة وثواب التعلم. لكن هذا لا يعني أن تقرأ وحدك وتخطئ، وتقرأ بقراءة غير صحيحة كما يتوهم البعض، فلينتبه لهذا، نعم.
ولهذا، سمّي من يأتي بالقراءة على ضد الإعراب لَحّانًا، وسُمّي فعله اللحن. وهذا هو المعنى المقصود هنا في بيان اللحن في القراءة.
أنواع اللحن في التلاوة
اللحن نوعان:
- اللحن الجلي (المخل بالمعنى): وهو تغيير بعض الحركات عما ينبغي، مثل:
- ضم التاء في قوله تعالى: “أنعمتَ عليهم”، أو كسرها.فتح الباء في قوله تعالى: “إياك نعبد”.قراءة “الذين” بالزاي (الزين).
- اللحن الخفي (غير المخل بالمعنى): مثل:
- كسر النون في قوله تعالى: “إياك نعبد”.
- الإخلال بأحكام التجويد مثل: التفخيم والترقيق، والمدود (سوى المد الطبيعي)، والإقلاب، والقلقلة، والإخفاء، والغنة، وتطنين النونات، وإظهار المخفي، ونحو ذلك.
ولهذا، يُسمّى هذا النوع من اللحن اللحن الخفي، لأنه لا يعرفه إلا القارئ المتقن الضابط، الذي تلقّى التلاوة عن العلماء الموثوق بهم.
حكم مراعاة أحكام التجويد في القراءة
ذهب بعض العلماء إلى وجوب مراعاة ما أجمع عليه القرّاء من أحكام المدّ والقصر، والتفخيم والترقيق، والإظهار والإدغام، ونحو ذلك، ولكن هذا غير صحيح، لأنه يؤدي إلى الحرج، ولم يجعل الله في الدين من حرج.
ولهذا، لم يأخذ الشيخ زكريا الأنصاري بظاهر قول ابن الجزري:
“والأخذ بالتجويد حتم لازم من لم يجود القران آثم“
بل ذكر الشيخ زكريا الأنصاري في شرحه على الجزرية أن هناك نسخة أخرى تقول:
“من لم يصحح القران آثم”.
والشيخ عبد الله الهرري رحمه الله أخذ بقول الشيخ زكريا الأنصاري ومن وافقه، ولم يأخذ بظاهر قول ابن الجزري. ومن اعترض على الشيخ عبد الله في هذا فقد خالف بعض ترجيحات العلماء، كما أن الشيخ عبد الله أخذ ببعض ترجيحات الإمام البلقيني في مسائل أخرى، خلافًا لما قاله النووي ونحوه.
فمن لم يطّلع على هذه الأمور افترى على شيخنا رحمه الله، وهذا لا يضرّه، فالعبرة أن يُصيب الإنسان الحق، وأن يكون عند الله من المرضيين.
الفصل الثالث: الغنّة، تعريفها ومواضعها
تعريف الغنّة:
الغنّة هي نون خفية، ومخرجها الخيشوم فقط، لا غير. والخيشوم هو منتهى الأنف.
المواضع التي تطلب فيها الغنّة:
- النون المشددة والميم المشددة يُغنّان دائمًا، مثل:
- “إنّا”
- “لمّا”
- الميم الساكنة قبل الباء تغنّ، مثل:
- “أم بَه”
- النون الساكنة والتنوين يُغنّان دائمًا، إلا في حالتين:
- إذا جاء بعدهما حرف من حروف الحلق، وهي:
الهمزة (ء) – الهاء (هـ) – العين (ع) – الحاء (ح) – الغين (غ) – الخاء (خ)، ففي هذه الحالة يُظهران. - إذا جاء بعدهما حرف اللام (ل) أو الراء (ر)، ففي هذه الحالة يُدغمان إدغامًا كاملًا بلا غنة.
- إذا جاء بعدهما حرف من حروف الحلق، وهي:
مقدار الغنّة:
- مقدارها حركتان.
- قال ابن الجزري في “التمهيد”:
“واحذر إذا أتيت بالغنّة أن تمدّ عليها، فذلك قبيح.”
إليك النص مصححًا ومنسقًا بشكل واضح وسلس:
الفصل الرابع: ذكر أحكام النون الساكنة والتنوين
تعريف التنوين:
التنوين هو نون ساكنة تلحق آخر الاسم، تظهر في اللفظ وفي الوصل، وتسقط في الخط والوقف.
تعريف النون الساكنة:
النون الساكنة تكون في آخر الكلمة أو وسطها، وتثبت لفظًا وخطًا ووصلاً ووقفًا.
أقسام أحكام النون الساكنة والتنوين:
ينقسم هذا الفصل إلى أربعة أقسام، وهي:
القسم الأول: الإظهار
تعريف الإظهار
- لغةً: البيان والوضوح.
- اصطلاحًا: إخراج كل حرف من مخرجه من غير غنة.
حروف الإظهار
الإظهار يقع مع ستة أحرف تُسمّى حروف الحلق، لأنها تخرج من الحلق، وهي:
- الهمزة (ء) والهاء (هـ) → من أقصى الحلق.
- العين (ع) والحاء (ح) → من وسط الحلق.
- الغين (غ) والخاء (خ) → من أدنى الحلق.
أمثلة على الإظهار:
- “من أهل”
- “رسولٌ أمين”
- “من هاجر”
- “جرفٍ هار”
- “من عند”
- “أجر عظيم”
- “من حكيمٍ “
- “خيراتٍ حسان”
- “من غلّ”
- “وماء غير”
- “من خوفٍ”
- “نداءً خفيّا”
سبب الإظهار:
العلة في ذلك أن مخرج النون والغنّة بعيد عن مخارج حروف الحلق، مما يجعل إدغامها أو إخفاءها صعبًا، ولذلك تُظهر إظهارًا كاملًا.
إليك النص مصححًا ومنسقًا بشكل واضح وسلس:
القسم الثاني: الإدغام
تعريف الإدغام
- لغةً: إدخال الشيء في الشيء.
- اصطلاحًا: التقاء حرف ساكن بحرف متحرك، فيصيران حرفًا واحدًا مشددًا يرتفع اللسان عنده ارتفاعة واحدة.
حروف الإدغام
يدغم النون الساكنة والتنوين في ستة أحرف، وهي:
- الياء (ي)
- الراء (ر)
- الميم (م)
- اللام (ل)
- النون (ن)
- الواو (و)
وقد جمعها العلماء في كلمة: “يرملون”.
أنواع الإدغام
ينقسم الإدغام إلى قسمين:
1- الإدغام بلا غنة
- يكون إذا وقع النون الساكنة أو التنوين قبل اللام (ل) أو الراء (ر).
- يدغم إدغامًا كاملًا بدون غنة.
- أمثلة:
- “مَن لَمْ”
- “ولعبرة لمن”
- “من ربكم”
- “محمدٌ رسولُ الله”
- سبب الإدغام:
- قرب مخرج النون والتنوين من مخرج اللام والراء، حيث إنهنّ من حروف طرف اللسان، مما مكّن الإدغام وأزال الغنة.
2- الإدغام بغنة
- يكون إذا وقع النون الساكنة أو التنوين قبل أحد الأحرف الأربعة الباقية من “يرملون”، وهي: الياء (ي)، النون (ن)، الميم (م)، الواو (و).
- يدغم إدغامًا غير مستكمل التشديد، حيث تبقى الغنة.
- أمثلة:
- مَن يقوم”
- “وبرق يجعلون”
- “من ورائهم”
- “وهدى ورحمة”
- “مِن مَاء”
- “صراط مستقيم”
- “مِن نعمةٍ”
- “حِطَّةٌ نَغفِرْ”
- سبب الإدغام:
- في النون: التماثل.
- في الميم: التجانس في الغنة.
- في الياء والواو: تشابه الغنة في النون مع المدّ واللين في الياء والواو، مما أدى إلى تقاربهما فحَسُن الإدغام.
مقدار الغنة في الإدغام:
- حركتان.
استثناءات الإدغام
❖ يُستثنى من قاعدة الإدغام إذا كان المدغم والمدغم فيه في كلمة واحدة، فلا يُدغَم، بل يجب إظهاره، وذلك حتى لا تلتبس الكلمة بـالمُضاعَف (الكلمة التي تكرر أحد أصولها).
✅ أمثلة على الكلمات التي لا يُدغم فيها:
- “صِنوان”
- “الدُّنيا”
📌 سبب الإظهار في هذه الحالات:
- حتى لا تختلط الكلمة بكلمات أخرى ذات بنية مختلفة، مما قد يؤدي إلى التباس المعنى.
✍🏻 قاعدة مهمة:
“لا تُدغَم النون الساكنة في الواو أو الياء إذا اجتمعتا في كلمة واحدة.”
