الحَمدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصطَفَىٰ.
*مُقَدِّمَةٌ: زَمَنُ الفِتَنِ وَاختِلَالُ المَوَازِينِ*
فِي زَمَنٍ كَثُرَت فِيهِ الفِتَنُ، وَانتَشَرَ الجَهلُ، وَتَعَاظَمَ دَورُ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الَّتِي سَاوَت بَينَ العَالِمِ وَالجَاهِلِ، أُصِيبَ النَّاسُ بِاضطِرَابٍ فِي المَوَازِينِ، فَلَم يَعُد لَدَيهِمُ القُدرَةُ عَلَىٰ التَّميِيزِ بَينَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، أَو بَينَ الصَّادِقِ وَالمُدَّعِي. فَقَد أَصبَحَ مِيزَانُ القَبُولِ وَالرَّفضِ مُعتَمِدًا عَلَىٰ الشُّهرَةِ لَا عَلَىٰ العِلمِ، وَعَلَىٰ الصِّيتِ لَا عَلَىٰ المَنهَجِ، وَعَلَىٰ الأُسلُوبِ المُنَمَّقِ لَا عَلَىٰ الحُجَّةِ وَالدَّلِيلِ. وَنَتِيجَةً لِهَذَا الوَاقِعِ المُؤلِمِ، ظَهَرَ مَن يَتَحَدَّثُ فِي قَضَايَا الشَّرعِ بِلَا عِلمٍ، وَيُفتِي فِي المَسَائِلِ العَظِيمَةِ بِلَا تَأهِيلٍ، وَيُقَدَّمُ فِي المَجَالِسِ وَيُمنَحُ الأَلقَابَ العَظِيمَةَ، وَهُوَ لَا يُحسِنُ أَسَاسِيَّاتِ العَقِيدَةِ. هَؤُلَاءِ هُم عَمَائِمٌ عَلَىٰ رُءُوسِ جُهَّالٍ!
*التَّحذِيرُ مِنَ المُخطِئِ: وَاجِبٌ شَرعِيٌّ لَا انتِقَاصٌ شَخصِيٌّ*
إِنَّ التَّحذِيرَ مِنَ المُخطِئِينَ، خُصُوصًا مِمَّن يَفتِنُ بِهِمُ العَامَّةُ، لَيسَ تَشهِيرًا وَلَا انتِقَاصًا، بَل هُوَ وَاجِبٌ شَرعِيٌّ إِذَا كَانَ فِي ذٰلِكَ دَفعٌ لِلضَّرَرِ عَنِ النَّاسِ. فَكَم مِن مَشهُورٍ لَا يُعرَفُ إِلَّا بِالمَظهَرِ وَالبَلَاغَةِ، لَكِنَّهُ فِي مِيزَانِ العِلمِ هَبَاءٌ مَنثُورٌ!
قَالَ العُلَمَاءُ: «الكَلَامُ فِي الجَرحِ وَالتَّعدِيلِ يَجِبُ أَن يَكُونَ بِعِلمٍ وَعَدلٍ، لَا بِالهَوَىٰ وَالتَّعَصُّبِ».
فَالعِبرَةُ لَيسَت بِالأَشخَاصِ، بَل بِالمَنهَجِ، فَلَا يَنبَغِي أَن يُرفَضَ التَّحذِيرُ لِمُجَرَّدِ أَنَّ المُحَذَّرَ مِنهُ ذُو صِيتٍ، وَلَا أَن يُقبَلَ الاتِّهَامُ جُزَافًا دُونَ بَيِّنَةٍ. قَالَ اللهُ تَعَالَىٰ: ﴿وَلَا تَقفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ﴾ [الإِسرَاءِ: ٣٦]، وَهٰذَا أَصلٌ عَظِيمٌ فِي وُجُوبِ التَّحَقُّقِ قَبلَ الأَخذِ بِأَيِّ قَولٍ.
*المِيزَانُ الحَقُّ فِي الحُكمِ عَلَى الأَشخَاصِ*
يَجِبُ أَن يَكُونَ الحُكمُ عَلَى الأَشخَاصِ بِمِيزَانِ الشَّرعِ، فَإِنَّ مِدَارَ الحُكمِ عَلَى الأَشخَاصِ يَجِبُ أَن يَكُونَ بِالحَقِّ، لَا بِالهَالَةِ الإِعلَامِيَّةِ الَّتِي تُحِيطُ بِهِم، فَمَن دَعَا إِلَى بَاطِلٍ أَو نَشَرَ ضَلَالَةً، وَجَبَ التَّحذِيرُ مِنهُ وَلَو بَلَغَ مَا بَلَغَ مِنَ الشُّهرَةِ، وَعَلَى المُسلِمِ أَن يَكُونَ مُنصِفًا، فَلَا يَرفُضَ التَّحذِيرَ لِمُجَرَّدِ أَنَّ المُحَذَّرَ مِنهُ ذُو صِيتٍ. قَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: «كُلٌّ يُؤخَذُ مِن قَولِهِ وَيُرَدُّ، إِلَّا صَاحِبَ هَذَا القَبرِ»، وَأَشَارَ إِلَىٰ قَبرِ النَّبِيِّ ﷺ.
*إِنصَافُ المُسلِمِ فِي الحَقِّ*
يَجِبُ عَلَى المُسلِمِ أَن يَكُونَ مُنصِفًا، فَيَسِيرَ مَعَ الحَقِّ أَينَمَا كَانَ، دُونَ تَعَصُّبٍ لِأَشخَاصٍ أَو جِهَاتٍ، فَالحَقُّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ. وَعِندَمَا تَعرِضُ لِلمَرءِ مَسأَلَةٌ، يَنبَغِي عَلَيهِ أَن يُقَدِّمَ حُكمَ الشَّرِيعَةِ عَلَى كُلِّ اعتِبَارٍ، دُونَ تَأَثُّرٍ بِأَهوَاءٍ أَو مَصَالِحَ شَخصِيَّةٍ. فَقَد يَرِدُ عَلَى الذِّهنِ أَمرٌ يَبدُو صَحِيحًا، وَلَكِنَّهُ فِي حَقِيقَتِهِ غَيرُ سَدِيدٍ، فَليَتَأَمَّلِ المَرءُ وَيَتَأَكَّد أَنَّ مَا يَمضِي فِيهِ لَا يُخَالِفُ الشَّرعَ، وَأَن يَكُونَ فِي مَصلَحَةٍ حَقِيقِيَّةٍ مُوَافِقَةٍ لِتَعَالِيمِ الدِّينِ. فَإِن ظَهَرَ لَهُ فِيمَا بَعدُ خِلَافُ ذٰلِكَ، وَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي شُبهَةٍ، وَجَبَ عَلَيهِ الرُّجُوعُ إِلَىٰ جَادَّةِ الصَّوَابِ، وَالتَّمَسُّكُ بِالأُصُولِ الشَّرعِيَّةِ وَالقَوَاعِدِ الثَّابِتَةِ، فَهٰذَا هُوَ السَّبِيلُ الأَمثَلُ لِلسَّلَامَةِ مِنَ الفِتَنِ، فَإِنَّهَا إِذَا وَقَعَ فِيهَا الإِنسَانُ، كَانَت مَهلَكَةً لَهُ.
أَمَّا مَن يَكُونُ مَتبُوعًا مِنَ النَّاسِ، فَليَتَأَمَّل أَقوَالَهُ وَأَفعَالَهُ، وَليَزِن كُلَّ خُطُوَاتِهِ بِمِيزَانِ الشَّرِيعَةِ، فَإِنَّ الكَلِمَةَ وَالمَوقِفَ يَتَبِعُهُمَا كَثِيرُونَ، فَليَكُن عَلَىٰ بَصِيرَةٍ فِيمَا يَقُولُ وَيَفعَلُ. وَكَذٰلِكَ مَن يَتبَعُ غَيرَهُ، فَلَا يَكُن تَابِعًا لِشَخصٍ بِمُجَرَّدِ الهَوَىٰ، بَل عَلَيهِ أَن يَنظُرَ: هَل يَسِيرُ هَذَا المَرءُ عَلَىٰ الحَقِّ؟ فَإِن كَانَ كَذٰلِكَ فَليَتَّبِعهُ، وَإِن وَقَعَ فِي خَطَأٍ، فَلَا يَجُوزُ مُجَارَاتُهُ عَلَيهِ، كَائِنًا مَن كَانَ.
وَلِذٰلِكَ قَالَ عَلِيٌّ بنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ-: «لَا يُعرَفُ الدِّينُ بِالرِّجَالِ، إِنَّمَا الرِّجَالُ يُعرَفُونَ بِالدِّينِ». وَفِي نَفسِ السِّيَاقِ، قَالَ عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ- كَمَا رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: «إِنَّهَا زَوجَةُ نَبِيِّكُم ﷺ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّهَا مِمَّا ابتُلِيتُم».
فإِنَّ الْوَزْنَ يَكُونُ لِمَنْ يَحْمِلُ الدَّلِيلَ، فَكُونُوا دَائرينَ مَعَ الدَّلِيلِ أَيْنَمَا دَارَ، اِعْرِفِ الْحَقَّ تَعْرِفْ أَهْلَهُ.
*لَا تَكُن إِمَّعَةً تَتَّبِعُ القَطِيعَ بِلَا دَلِيلٍ*
مِن أَخطَرِ مَا يُبتَلَىٰ بِهِ النَّاسُ هُوَ التَّبَعِيَّةُ العَميَاءُ، حَيثُ يَسِيرُ كَثِيرٌ مِنهُم وَرَاءَ المَشَاهِيرِ دُونَ نَظَرٍ أَو تَمحِيصٍ، وَكَأَنَّهُم قَطِيعٌ يُسَاقُ إِلَىٰ الذَّبحِ دُونَ أَن يَدرِي. وَهٰذَا مُخَالِفٌ لِمَنهَجِ الإِسلَامِ الَّذِي يَدعُو إِلَىٰ التَّعَقُّلِ وَطَلَبِ الدَّلِيلِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ: ﴿وَلَا تَقفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ﴾ [الإسراء: 36]، وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّمَا العِلمُ بِالتَّعَلُّمِ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ]. فَالعِلمُ لَا يُؤخَذُ مِنَ المَشَاهِيرِ لِمُجَرَّدِ شُهرَتِهِم، بَل مِن أَهلِ الثِّقَةِ الَّذِينَ عُرِفُوا بِالتَّقوَىٰ وَالعِلمِ الصَّحِيحِ وَالتِزَامِهِم بِالمَنهَجِ السَّلِيمِ.
فِي المَاضِي، كَانَ النَّاسُ يَتَحَاكَمُونَ إِلَىٰ قَاعِدَةٍ رَاسِخَةٍ: «يُعرَفُ الرِّجَالُ بِالحَقِّ، وَلَا يُعرَفُ الحَقُّ بِالرِّجَالِ». فَكَانُوا يَنظُرُونَ إِلَىٰ المَسأَلَةِ نَفسِهَا، وَيَتَأَمَّلُونَ فِي الدَّلِيلِ قَبلَ الحُكمِ عَلَىٰ القَائِلِ. أَمَّا اليَومَ، فَقَدِ انقَلَبَتِ المَوَازِينُ، وَصَارَ الحُكمُ عَلَىٰ الحَقِّ أَوِ البَاطِلِ مُرتَبِطًا بِالشَّخصِ القَائِلِ، فَإِن كَانَ مَشهُورًا دَافَعُوا عَنهُ بِلَا هَوَادَةٍ، وَكَأَنَّ المُتَحَدِّثَ مَعصُومٌ لَا يُخطِئُ! وَإِن كَانَ غَيرَ ذٰلِكَ تَجَاهَلُوهُ، وَلَو كَانَ كَلَامُهُ هُوَ الحَقَّ المُبِينَ.
وَهٰذَا مِن أَعظَمِ أَسبَابِ ضَيَاعِ العِلمِ، وَانتِشَارِ الجَهلِ، وَظُهُورِ أَهلِ الأَهوَاءِ الَّذِينَ يُزَيِّنُونَ البَاطِلَ لِلنَّاسِ بِحَلَاوَةِ الأُسلُوبِ أَو كَثرَةِ المُتَابِعِينَ. فَاتَّبِعِ الحَقَّ وَالدَّلِيلَ وَلَو كُنتَ وَحدَكَ، وَلَا تَكُن مِن جُملَةِ القَطِيعِ الَّذِي يُسَاقُ إِلَىٰ الذَّبحِ وَهُوَ لَا يَدرِي. وقد تَعِسَ قَوْمٌ خَاضُوا فِي دِينِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأُضِلُّوا.
*التَّحذِيرُ مِنَ الغُلُوِّ فِي الأَشخَاصِ*
مِن أَكبَرِ أَسبَابِ انتِشَارِ الجَهلِ تَقدِيمُ الأَشخَاصِ عَلَىٰ الحَقِّ، وَالغُلُوُّ فِيهِم، وَتَقدِيسُهُم، وَالدِّفَاعُ عَنهُم بِلَا بَيِّنَةٍ. فَقَد تَجِدُ مَن يُدَافِعُ عَن شَخصِيَّةٍ مَشهُورَةٍ دِفَاعًا أَعمَىٰ، وَلَو ثَبَتَت مُخَالَفَاتُهَا وَأَخطَاؤُهَا، بَل رُبَّمَا يُكَفِّرُ وَيُبَدِّعُ وَيُضَلِّلُ مَن يُخَالِفُهُ! قَالَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ-: «لَا يُعرَفُ الحَقُّ بِالرِّجَالِ، وَلَكِن يُعرَفُ الرِّجَالُ بِالحَقِّ».
فَكُلُّ أَحَدٍ يُؤخَذُ مِن كَلَامِهِ وَيُرَدُّ إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَالعِبرَةُ لَيسَت بِالأَسمَاءِ، بَل بِالحَقِّ الَّذِي يُقَالُ. وَلِهٰذَا، يَجِبُ الحَذَرُ مِنَ التَّسَرُّعِ فِي الدِّفَاعِ أَوِ التَّحذِيرِ، وَأَنَّ الحُكمَ عَلَىٰ النَّاسِ وَمَنَازِلِهِم لَيسَ بِالأَمرِ الهَيِّنِ، فَلَا يُقبَلُ فِيهِ الظَّنُّ وَالتَّخمِينُ، وَلَا العَاطِفَةُ وَالتَّقلِيدُ، بَل يَجِبُ التَّثَبُّتُ وَالتَّحَقُّقُ، فَهُوَ مَحكُومٌ بِالضَّوَابِطِ الشَّرعِيَّةِ، وَالرُّجُوعُ فِي ذٰلِكَ إِلَىٰ العُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ.
وَليَحذَرِ المُتَسَرِّعُونَ مِنَ التَّسَاهُلِ فِي الحُكمِ عَلَىٰ أَحَدٍ بِالصَّلَاحِ دُونَ التَّحَقُّقِ مِن مُتَابَعَتِهِ عَقِيدَةَ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، وَالتَّأَكُّدِ مِن خُلُوِّ كُتُبِهِ وَمُؤَلَّفَاتِهِ مِنَ البِدَعِ، وَخُصُوصًا البِدَعِ الِاعتِقَادِيَّةِ، وَمِن أَيِّ انحِرَافٍ عَمَّا كَانَ عَلَيهِ سَيِّدُنَا النَّبِيُّ ﷺ وَأَصحَابُهُ الطَّاهِرُونَ رِضوَانُ اللَّهِ عَلَيهِم.
فَلَا تَغتَرَّ بِمَدحِ إِنسَانٍ لِآخَرَ وَقَد خَفِيَ عَلَيهِ حَالُهُ، فَإِنَّ ذٰلِكَ مَهلَكَةٌ! وَاعلَم أَنَّ المَهدِيَّ مَن هَدَاهُ اللَّهُ، وَأَنَّ كُلًّا يُؤخَذُ مِن قَولِهِ وَيُرَدُّ إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ.
*مَعَايِيرُ الأَخذِ عَنِ العُلَمَاءِ*
لَيسَ كُلُّ مَن لَبِسَ العِمَامَةَ عَالِمًا، وَلَا كُلُّ مَن تَكَلَّمَ فِي الدِّينِ حُجَّةٌ، بَل هُنَاكَ مَعَايِيرُ يَجِبُ النَّظَرُ إِلَيهَا قَبلَ الأَخذِ عَن أَيِّ شَخصٍ، فَالأَمرُ يَحتَاجُ إِلَى إِنصَافٍ وَمَعرِفَةٍ وَدِرَايَةٍ بِمَا يُتَنَازَعُ فِيهِ، فَلَيسَ لِلجَاهِلِ أَن يَكُونَ حَكَمًا فِي مَسَائِلِ الشَّرعِ، بَل عَلَيهِ أَن يَتَعَلَّمَ وَيَتَّبِعَ الدَّلِيلَ القَاطِعَ الَّذِي لَا لُبسَ فِيهِ، وَأَن يَسأَلَ أَهلَ العِلمِ الثِّقَاتِ، فَالثِّقَةُ لَيسَت فِي الشُّهرَةِ، بَل فِي مَن كَانَ يَلتَزِمُ أَدَاءَ الوَاجِبَاتِ، وَيَجتَنِبُ المُحَرَّمَاتِ، وَلَا يَقَعُ فِي الكَبَائِرِ، وَلَا يُصِرُّ عَلَى الصَّغَائِرِ، وَقَد شَهِدَ لَهُ الأَكَابِرُ بِالتَّقوَى وَالصَّلَاحِ.
وَمِن هَذِهِ المَعَايِيرِ:
١. سَلَامَةُ العَقِيدَةِ: أَن يَكُونَ عَلَى مَنهَجِ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، بَعِيدًا عَنِ البِدَعِ وَالانحِرَافَاتِ.
٢. التَّحَقُّقُ مِن مُؤَلَّفَاتِهِ وَأَقوَالِهِ: فَقَد تَكُونُ كِتَابَاتُهُ مَلِيئَةً بِالأَخطَاءِ وَالبِدَعِ.
٣. التَّزكِيَةُ مِن أَهلِ العِلمِ: فَالعَالِمُ يُعرَفُ بِشَهَادَةِ العُلَمَاءِ الثِّقَاتِ، لَا بِشَهَادَةِ الإِعلَامِ أَوِ الأَتبَاعِ.
٤. العَمَلُ بِالعِلمِ: فَالعَالِمُ الصَّادِقُ هُوَ الَّذِي يُطَبِّقُ مَا يَعلَمُهُ، وَلَا يُخَالِفُ قَولُهُ فِعلَهُ.
قَالَ الإِمَامُ ابنُ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ-: «إِنَّ هَذَا العِلمَ دِينٌ، فَانظُرُوا عَمَّن تَأخُذُونَ دِينَكُم».
*العَاقِبَةُ الحَسَنَةُ لِمَن طَلَبَ الدَّلِيلَ وَسَارَ عَلَى الحَقِّ*
الهِدَايَةُ بِإرادة اللَّهِ، وَالنَّجَاةُ لِمَن طَلَبَ الحَقَّ بِدَلِيلِهِ، وَلَيسَ لِمَن اتَّبَعَ النَّاسَ بِلَا تَفكِيرٍ. وَالعَاقِلُ مَن يُعرِضُ عَنِ التَّعَلُّقِ بِالأَشخَاصِ، وَيَحرِصُ عَلَى طَلَبِ العِلمِ مِن أَهلِهِ، وَيَزِنُ الأُمُورَ بِمِيزَانِ الشَّرعِ لَا بِالعَاطِفَةِ وَالشُّهرَةِ. قَالَ الإِمَامُ أَحمَدُ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: «إِيَّاكَ أَن تَتَكَلَّمَ فِي مَسأَلَةٍ لَيسَ لَكَ فِيهَا إِمَامٌ».
وَقَد ضَاعَ كَثِيرٌ مِنَ العِلمِ بِسَبَبِ تَسَلُّقِ الجُهَّالِ، وَأَصبَحَ كَثِيرٌ مِنَ المَشَاهِيرِ فِي الدِّينِ لَيسُوا بِشَيءٍ، جُهَّالٌ مُحَرِّفُونَ لِدِينِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا هُم عَمَائِمُ عَلَى رُؤُوسِ جُهَّالٍ، يَتَحَدَّثُونَ فِيمَا لَا يَعلَمُونَ، وَيُفتُونَ بِغَيرِ حَقٍّ، فَيُضِلُّونَ وَيُضَلُّونَ. فَالحَذَرَ الحَذَرَ، فَالخَطبُ جَلَلٌ!
*الخَاتِمَةُ: التَّمَسُّكُ بِالمَنهَجِ الصَّحِيحِ سَبِيلُ النَّجَاةِ*
العِلمُ لَا يُؤخَذُ إِلَّا عَنِ الثِّقَاتِ، وَالحَقُّ لَا يُعرَفُ بِالأَشخَاصِ بَل بِالدَّلِيلِ، وَالشُّهرَةُ لَيسَت مِقيَاسًا لِلعِلمِ وَالصَّلَاحِ. قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّمَا العِلمُ بِالتَّعَلُّمِ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ].
إِنَّ الدِّينَ لَا يَعْنِي مَجْمُوعَةَ آرَاءِ، حَتَّى أَتَّخِذَ مَا يُعْجِبُنِي وَيُوَافِقُ هَوَايَ. فَإِنَّ الاِعْتِبَارَ يَكُونُ بِمُوَافَقَةِ الشَّرْعِ. وَإِنَّ الْوَزْنَ يَكُونُ لِمَنْ يَحْمِلُ الدَّلِيلَ، فَكُونُوا دَائرينَ مَعَ الدَّلِيلِ أَيْنَمَا دَارَ، اِعْرِفِ الْحَقَّ تَعْرِفْ أَهْلَهُ.
وَمَن أَرَادَ النَّجَاةَ فَليَلزَم سَفِينَةَ الحَقِّ، فَالزَم طَرِيقَ الحَقِّ، وَاتَّبِعِ الدَّلِيلَ، وَلَا تَكُن إِمَّعَةً تَتَّبِعُ كُلَّ نَاعِقٍ. وَاحذَر مِن تَقدِيسِ الأَشخَاصِ أَوِ الغُلُوِّ فِيهِم، أَو لِحِبرٍ عَلَى وَرَقٍ لَم تَعرِف مَن خَطَّهُ يَقِينًا، وَلَم تَسمَعهُ مِن صَاحِبِهِ، وَلَم يَنقُلهُ لَكَ الثِّقَةُ العَدلُ الضَّابِطُ. وَإِيَّاكَ وَالزَّلَلَ، وَأَن تَلهَثَ وَرَاءَ الأَسمَاءِ المَشهُورَةِ، وَاطلُبِ الدَّلِيلَ، وَاترُكِ التَّعَنُّتَ وَالتَّكَبُّرَ وَالعِنَادَ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَهلَكَةٌ عَظِيمَةٌ.
وَخِتَامًا، نَسأَلُ اللَّهَ أَن يُوَفِّقَنَا لِسُلُوكِ طَرِيقِ الحَقِّ، وَأَن يُجَنِّبَنَا الفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ، وَأَن يَجعَلَنَا مِن أَهلِ العِلمِ وَالبَصِيرَةِ، الَّذِينَ يَنصُرُونَ الحَقَّ وَلَو كَانُوا قِلَّةً.
فَهَنِيئًا لِلرَّاكِبِينَ فِي سَفِينَةِ النَّجَاةِ. وَاللَّهُ المُستَعَانُ، هُوَ نِعمَ المَولَى وَنِعمَ الوَكِيلُ.
وَكَتَبَ:
د. مُحَمَّدُ عَبدُ الجَوَادِ الصَّبَّاغُ
