ما معنى اليد إذا أضيفت إلى الله فى القرءان

ما معنى اليد إذا أضيفت إلى الله فى القرءان

اعلم أن الله تعالى ليس جسما له أعضاء، فاليد إذا أضيفت إلى الله فى القرءان ليس معناها الجارحة والعضو إنما لها معنى يليق بالله لأن الجوارح أى الأعضاء مستحيلة على الله لقوله تعالى ﴿ليس كمثله شىء﴾. واعلم أن اليد فى لغة العرب تأتى بمعنى الجارحة والجسم وتأتى بمعنى النعمة والقوة والعهد والعناية والحفظ كما فى قوله تعالى ﴿والسماء بنيناها بأيد﴾ أى بقوة والقوة بمعنى القدرة وقوله تعالى ﴿يد الله فوق أيديهم﴾ أى عهد الله فوق عهودهم أى ثبت عليهم عهد الله لأن معاهدة الصحابة للرسول تحت شجرة الرضوان فى الحديبية على أن لا يفروا عنه وأن يحموه بأرواحهم معاهدة لله لأن الله تعالى هو الذى أمر نبيه بهذه المبايعة. وقوله تعالى ﴿بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء﴾ معناه أن الله غنى واسع الكرم. أما قول الله تعالى فى توبيخ إبليس ﴿ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى﴾ فيجوز أن يقال المراد باليدين العناية والحفظ أى ما منعك يا إبليس أن تسجد لآدم الذى خلقته بعنايتى وحفظى أى أردت له المقام العالى والخير العظيم. قال العلماء يصح أن يقال لله يد لا كأيدينا على معنى الصفة لا على معنى الجسم لأن الله لو كان له يد بمعنى الجسم لكان مثلا لنا ولو كان مثلا لنا لجاز عليه ما يجوز علينا من الموت والفناء والتغير ولم يكن إلها. أما المشبهة الوهابية أدعياء السلفية فيقولون بألسنتهم له يد لا كأيدينا وفى الاعتقاد يعتقدون الجسم الذى تعرفه النفوس. وأما الوقوف بين يدى الله للحساب فمعناه حسابهم عند عرض أعمالهم عليهم وليس معناه أن الله تعالى يكون فى موقف القيامة ويكون الناس حوله لأن الله تعالى ليس جسما يتحيز فى مكان. وتلك الهيئة التى يتصورها بعض الناس من أن الله يكون ذلك اليوم فى موقف القيامة والناس حوله يجتمعون للحساب هذه الهيئة لا تجوز على الله لأن هذه هيئة الملوك تحف بهم رعاياهم. فالذى يظن أن معنى الوقوف بين يدى الله يوم القيامة القرب منه بالمسافة لا يكون مؤمنا بالله

تفسير لفظ اليد الوارِد في القرءان:

قال الإمامُ عليّ رضي الله عنه: “سيَرْجِعُ قَوْمٌ مِنْ هذه الأُمّة عندَ اقْتِرابِ الساعةِ كُفارًا يُنْكِرونَ خالِقَهُم فيَصِفونَه بالجسْمِ والأعضاء” والوهابيّة أدْعِيَاءُ السلفِيّة الذين يُشَبِّهون الله بخلْقِه جعلوا الله جسْمًا له أعضاء فهم إخوة اليهود وإنْ ظنّوا بأنفسِهم أنّهم مُوَحِّدون لأنّ اليهودَ قالوا إنّ الله خلقَ السمواتِ والأرضَ في سِتّةِ أيّام ثم استراحَ يومَ السّبْتِ فاسْتَلْقى على قَفاه. واعلمْ أخي المسلم أنّ اليدَ في لغة العرب تأتي بمعانٍ عديدة منها النِعْمَة ومنها القدرة والقدرة هي القوَّة كما في قولِه تعالى: “والسماءَ بنَيْناها بِأَيْدٍ” ولا يجوز حملُه على الظاهِر لأنّ ظاهِرَه جمعُ يد وهو مُستحيل في حقّ الله تعالى، لذلك نقولُ بأيْدٍ أي بقوَّة، وتأتي اليدُ بمعنى العَهْد كما في قولِه تعالى: “يدُ الله فوق أيْدِيهم” أي عَهْدُ الله فوق عُهودِهم أي ثبتَ عليهم عَهْدُ الله لأنّ مُعاهَدةَ الصحابةِ لِلرسول تحت شجرة الرِّضْوان في الحُدَيْبِيَة على أنْ لا يَفِرُّوا مُعاهَدَة لله تبارك وتعالى لأنّ الله تعالى هو الذي أمرَ نَبِيَّه بهذه المُبايَعَة. وأمّا قولُه تعالى: “بل يَداهُ مَبْسوطتانِ يُنْفِق كَيْفَ يشاء” فمعناهُ أنّ الله غنيّ واسِعُ الكَرَم. وأمّا قولُه تعالى في تَوْبيخ إبليس: “ما مَنَعَكَ أنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْت بِيَدَيَّ” فيجوز أنْ يُقالَ المُرادُ باليَدَيْن العِناية والحِفْظ فدلّ قولُه تعالى: “بِيَدَيَّ” على أنّ ءادمَ خُلِقَ مُشَرَّفا مُكَرَّمًا بخِلاف إبليس، ولا يجوز أنْ نَحْمِلَ كلمةَ بيدَيَّ على معنى الجارِحَة أي العُضْو، لَوْ كانتْ للهِ جارِحة لَكانَ مِثْلَنا ولو كان مِثْلَنا لَما اسْتطاعَ أنْ يَخْلُقَنا لذلك نقولُ كما قال بعض العُلماء أي خَلَقْتُه بعِنايتي بحِفْظي معناه على وَجْهِ الإكْرام والتعظيم له، أي على وجه الخصُوصِيّة خلقَ ءادمَ أي أرادَ لهُ المقامَ العالِيَ والخير العظيم. أمّا إبليسُ ما خلَقَه بعِنايتِه لأنّ الله عالِمٌ في الأزل أنّه خبيث هذا الفَرْق بَيْنَ إبليسَ وءادم. قال العُلماءُ: يَصِحّ أنْ يُقالَ للهِ يَدٌ لا كأيْدِينا على معنى الصِفَة لا على معنى الجِسْم، لأنّ الله لَوْ كان له يدٌ بمعنى الجسْم لَكان مِثْلا لنا ولَوْ كان مِثْلا لنا لَجازَ عليه ما يجوز علينا مِن الموت والفناء والتغيُّر والتطوّر ولم يكنْ إلها. قال أهل السُّنة كالإمام أبي الحسن الأشْعَرِيّ: “ما أطْلَقَ الله على نفسِه أطْلَقْناهُ عليه وما لا فلا”. فنحن نؤمن بإثْباتِ ما وردَ في القرءان كاليد على أنّها صِفة يَعْلَمُها الله لا على أنّها جارِحة، لأنّ الجوارِحَ وهي الأعْضاءُ مُستحيلة على الله لِقولِه تعالى: “ليس كمِثله شىء”. أما الوهابيّة أدْعِياءُ السلفِيّة فيقولون باللسان: له يدٌ لا كأيْدِينا وفي الاعتقاد يعتقدون الجِسْمَ الذي تَعْرِفهُ النفوس.

وأمّا الوقوف بينَ يَدَي الله للحِساب فمعناه حِسابُهم عند عَرْضِ أعمالِهم عليهم وليس المعنى أنّ الله تعالى يكون في مَوْقِفِ القِيامة ويكون الناسُ حَوْلَه لأنّ الله تعالى ليسَ جسْمًا يَتحيَّز في مكان. لا يَتَحَيَّز في مكان ولا جهة ولا في الفراغ ولا ضِمْنَ بِناء ولا هو في هواء العرش ولا هو جالِس عليه لأنّ الجُلوسَ والاسْتِقْرارَ مِنْ صِفاتِ الخلْق والله لا يتّصِف بهذا كلِّه لِقولِه تعالى: “ليسَ كمِثْلِه شىْء” وتلك الهَيْئَة التي يَتَصوَّرها بعض الناس مِن أنّ الله يكون ذلك اليوم في مَوْقِف القِيامة والناسُ حَوْلَه يَجْتَمِعون للحِساب هذه الهَيْئة لا تجوز على الله لأنّ هذه هَيْئة المُلوك تَحُف بهم رَعاياهم. الذي يظنّ أن معنى الوقوف بينَ يَدَي الله يوم القيامة القرْبُ مِنْه بالمسافة هذا ما ءامَنَ بالله.

ماذا قال العلماء فى إطلاق الوجه واليد والعين والرضا والغضب على الله تعالى فى القرءان

قال العلماء نؤمن بإثبات ما ورد فى القرءان كالوجه واليد والعين والرضا والغضب على أنها صفات يعلمها الله أى يعلم حقيقتها لا على أنها جوارح أى أعضاء وانفعالات كأيدينا ووجوهنا وعيوننا ورضانا وغضبنا فيصح أن يقال لله يد لا كأيدينا ووجه لا كوجوهنا وعين لا كأعيننا على معنى الصفة كما فى قوله تعالى ﴿والسماء بنيناها بأيد﴾ أى بقوة وقوله تعالى ﴿كل شىء هالك إلا وجهه﴾ أى إلا ملكه أى سلطانه وقوله تعالى عن سفينة نوح ﴿تجرى بأعيننا﴾ أى بحفظنا لها. والرضا إذا وصف الله به فمعناه إرادة الرحمة ورحمة الله لعباده إسباغ النعم عليهم وليست رقة القلب. أما الغضب إذا وصف الله به فمعناه إرادة الانتقام وليس انفعالا أو تغيرا يحدث فى النفس فإن الجوارح والانفعالات مستحيلة على الله لقوله تعالى ﴿ليس كمثله شىء﴾. وأما محبة الله فمعناها الإكرام وليست انفعالا أو تغيرا فإذا قيل الله يحب أولياءه معناه يكرمهم وكذلك إذا قيل الله يحب المساجد فقد ورد فى الحديث أن المساجد تزف إلى الجنة كما تزف العروس. فالكعبة تنقل إلى الجنة وكذلك المسجد الحرام ومسجد الرسول ﷺ وكل المساجد التى بنيت من مال حلال.

استعمالات لفظة اليد في لغة العرب وتنزيه الله عن الجارحة

قَوْل اللَّهِ تَعَالَى (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) سورة المائدة ءاية 64.

‏‎قال النسفي في تفسيره (رُوِيَ أَنَّ الْيَهُودَ (لَعَنَهُمُ اللَّهُ) لَمَّا كَذَّبُوا مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَفَّ اللَّهُ مَا بَسَطَ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّعَةِ، وَكَانُوا مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ مَالًا، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ فَنُحَاصُ (بن عازوراء وهو من اليهود) يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، وَرَضِيَ بِقَوْلِهِ الْآخَرُونَ، فَأُشْرِكُوا فِيهِ.
وَغَلُّ الْيَدِ وَبَسْطُهَا مَجَازٌ عَنِ الْبُخْلِ وَالْجُودِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ) [الْإِسْرَاءُ 29].
وَلَا يَقْصِدُ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ إِثْبَاتَ يَدٍ، وَلَا غَلٍّ، وَلَا بَسْطٍ، حَتَّى إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي مَلكٍ يُعْطِي وَيَمْنَعُ بِالْإِشَارَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالِ الْيَدِ، وَلَوْ أَعْطَى الْأَقْطَعُ إِلَى الْمَنْكِبِ عَطَاءً جَزْلًا لَقَالُوا مَا أَبْسَطَ يَدَهُ بِالنَّوَالِ! وَقَدِ اسْتُعْمِلَ حَيْثُ لَا تَصِحُّ الْيَدُ، يُقَالُ: بَسَطَ الْبَأْسُ كَفَّيْهِ فِي صَدْرِي، فَجَعَلَ لِلْبَأْسِ [الَّذِي هُوَ مِنَ الْمَعَانِي] كَفَّانِ، وَمَنْ لَمْ يَنْظُرْ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ يَتَحَيَّرْ فِي تَأْوِيلِ أَمْثَالِ هَذِهِ الْآيَة). اهـ
‏‎

‏واليد في كلام العرب تكون للجارحة كقوله تعالى (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ) وهذا محال على الله تعالى، وتكون للنعمة، تقول العرب كم يد لي عند فلان أي كم من نعمة لي قد أسديتها له.

وتكون للقوة، قال الله عز وجل (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ) أي ذا القوة.

وليس المقصودُ باليد هنا الجارحةَ التي لنا فإن الله تعالى منزه عن ذلك، فاليدُ تأتي بمعنى القدرة، والقدرةُ هي القوةُ.

(وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) أي قادرون، وليس كما زعم بعض الجهال أن الكون في اتِّساعٍ دائم! هذا كذبٌ مردود.

وتكون للملك والقدرة، قال الله تعالى (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ).

وتكون بمعنى الصلة، قال الله تعالى (مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ) أي مما عملنا نحن، وقال (أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) أي الذي له عقدة النكاح.

وتكون بمعنى التأييد والنصرة، ومنه الحديث، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَدُ اللَّهِ مَعَ الْقَاضِي حِينَ يَقْضِي، وَيَدُ اللهِ مَعَ الْقَاسِمِ حِينَ يَقْسِمُ)، تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ.

قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ (فَإِنْ صَحَّ فَإِنَّمَا أَرَادَ وَاللهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ مَعَهُ بِالتَّأْيِيدِ وَالنُّصْرَةِ وَكَذَلِكَ هُوَ مَعَ الْجَمَاعَةِ بِالتَّأْيِيدِ وَالنُّصْرَةِ).

وتكون لإضافة الفعل إلى المخبر عنه تشريفا له وتكريما، قال الله تعالى (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) فلا يجوز أن يحمل على الجارحة.

‎فمن حمل إضافة الوجه أو اليد أو العين الوارد في القرءان أو الحديث في حق الله تعالى على الحقيقة أي على هذه الأعضاء والجوارح المؤلَّفة والمركَّبة كما فعلت المجسمة فقد كذَّب الله تعالى.
‏‎
الوجه والعين واليد إذا أضيفت إلى الله فلها معنى يليق بالله تعالى ليس بجسم ولا حجم ولا جارحة ولا هيئة ولا صورة ولا كيفية ولا كمية.

‏‎والحمد لله الذي وفق أهل السنة لمعرفة العقيدة الصحيحة.

الوهابية تدعي الإسلام و مع ذلك تقول في معتقدها ما يقوله اليهود فنعوذ بالله من الجرأة على الله.

فيما يسمونه ” سفر الخروج ” الإصحاح 15 الرقم / 16 يقول اليهود لعنهم الله:[ بعظمة ذراعك يصمتون كالحجر.]

و فيما يسمونه ” سفر إشعياء ” الإصحاح 25 الرقم / 10 يقول اليهود:[ لأن يد الرب تستقر على هذا الجبل.]

و فيما يسمونه ” سفر التكوين ” الإصحاح 2 الرقم / 8 يقول اليهود:[ غرس الرب الإله جنة في عدن شرقا.]

و فيما يسمونه ” سفر الخروج ” الإصحاح 15 الرقم / 6 و 12 يقول اليهود:[ يمينك يا رب معتزة بالقدرة ، يمينك يا رب تحطم العدو … تمد يمينك فتبتلعهم الأرض.]

و فيما يسمونه ” سفر أيوب ” الإصحاح 36 الرقم / 32 يقول اليهود عن الله تعالى:[ يغطي كفيه بالنور و يأمره على العدو.]

و فيما يسمونه ” سفر مزامير ” الإصحاح 44 الرقم / 2-3 يقول اليهود:[ أنت بيدك استأصلت الأمم و غرستهم لكن يمينك و ذراعك.]

و فيما يسمونه ” سفر حزقيال ” الإصحاح 37 الرقم / 1 يقول اليهود:[ كانت عليَّ يد الرب.]

هذه بعض المواضع من أشهر كتب اليهود و هو التوراة المحرفة التي فيها التصريح بنسبة اليد الجارحة و الذراع و الساعد إلى الله عز و جل المنـزه عما يفتريه هؤلاء الكافرون.

و إليك الآن ما يذهلك أيها المسلم فإن الوهابية تدعي الإسلام و مع ذلك تقول في معتقدها ما يقوله اليهود فنعوذ بالله من الجرأة على الله.

ففي كتاب ” رد الدارمي على بشر المريسي ” السابق ذكره ، صفحة / 26 يقول الدارمي المجسم:[ فأكد الله لآدم الفضيلة التي كرمه و شرفه بها و ءاثره على جميع عباده إذ كل عباده خلقهم بغير مسيس بيد و خلق ءادم مسيس.]

و في صفحة / 30 يقول هذا المشبه:[ فلما قال خلقت ءادم بيدي علمنا أن ذلك تأكيد ليديه و أنه خلقه بهما.]

و في صفحة / 35 يقول هذا المجسم:[ عن ميسرة قال: إن الله لم يمس شيئا م خلقه غير ثلاث: خلق ءادم بيده ، و كتب التوراة بيده ، و غرس جنة عدن بيده.]

و في صفحة / 36 يقول المؤلف و العياذ بالله:[ قال أبو بكر الصديق: خلق الله الخلق فكانوا في قبضته فقال لمن في يمينه ادخلوا الجنة بسلام ، و قال لمن في الأخرى ادخلوا النار لا أبالي.]

و في صفحة / 37 يقول هذا المشبه أن رسول الله قال:[ ثم يحثي لي بكفه ثلاث حيثات.] ثم يقول المشبه أن رسول الله قال:[ فمن فاوض الحجر الأسود فإنما يفاوض كف الرحمن.]

و في صفحة / 40 يقول المؤلف:[ و قد قلنا يكفينا في مس الله ءادم بيده.]

و في صفحة / 44 يقول:[ يعني أن الله له يد يبطش بها و له أعين يبصر بها.]

و في صفحة / 154 يقول الدارمي المشبه عن الله:[ يديه اللتين خلق بهما ءادم.] و يقول:[ و إن يمين الله معه على العرش.]

و في صفحة / 155 يقول:[ كلتا يدي الرحمن يمين إجلالا لله و تعظيما أن يوصف بالشمال.]

و في كتاب ” الرد على الجهمية ” للدارمي ، صفحة / 36 يقول:[ قال الضاحك ابن مزاحم: ثم ينـزل الله في بهائه و جماله و معه ما شاء من الملائكة على مجنبته اليسرى جهنم.]

و في صفحة / 49 يقول المؤلف:[ قال رسول الله: فأرفع ثم أقوم و جبريل عن يمين الرحمن.]

و في حاشية الكتاب المسمى ” كتاب التوحيد ” لابن خزيمة يقول محمد خليل هراس المعلق على هذا الكتاب ، صفحة / 63:[ فإن القبض إنما يكون باليد الحقيقية لا بالنعمة ، فإن قالوا إن الباء هنا للسببية أي بسبب إرادته الإنعام ، قلنا لهم: بماذا قبض؟ فإن القبض محتاج إلى ءاله ، فلا مناص لهم لو أنصفوا من أنفسهم إلا أن يعترفوا بثبوت ما صرح به الكتاب و السنة.]

و في صفحة / 64 يقول المعلق أيضا:[ هذه الآية صريحة في إثبات اليد فإن الله يخبر فيها أن يده تكون فوق أيدي المبايعين لرسوله و لا شك أن المبايعة إنما تكون بالأيدي لا بالنعم و القدر.]

و في الكتاب المسمى ” السنة ” المنسوب للإمام احمد و الذي نشره الوهابية ، صفحة / 77 يقولون فيه:[ و كلم الله موسى تكليما من فيه – يعني فمه – و ناوله التوراة من يده إلى يده.]

و في كتاب ” الأسماء و الصفات ” ، الجزء الأول ، طبع دار الكتب العلمية ، صفحة / 314 يقول ابن تيمية الحراني:[ فيأخذ ربك بيده غرفة من الماء فينضح بها قلبكم.] و نسبه للنبي .

و في كتاب ” العقيدة ” لمحمد بن صالح العثيمين ، طبع ما يسمى ” مكتبة السنة ” الطبعة الأولى ، صفحة / 90 يقول هذا التائه:[ و على كل فإن يديه سبحانه اثنتان بلا شك ، و كل واحدة غير الأخرى ، و إذا وصفنا اليد الأخرى بالشمال فليس المراد أنها أنقص من اليد اليمنى.]

فانظر أيها المطالع و احكم بالعدل و الحق ، هل يكون من أهل الإيمان من يصف الله باليمين الجارحة والشمال ، ويصرح بغير حياء و لا خجل أن لله يدين جارحتين و أن اليد الشمال ليست بأنقص من اليد اليمين على زعمهم ، و مع ذلك يدّعون أنهم دعاة التوحيد و أنهم حراس للعقيدة من الشرك و الضلال. و ما علمناه و رأيناه لا يجعلنا نشك طرفة عين أنهم هم الدعاة للإشراك و الكفر و دين اليهود ، فقد وافقوهم في أصول معتقداتهم حتى نسبة الرِّجل الجارحة العضو لله. و إليك بيان ذلك.

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [سورة المائدة/٦٤].

قال الخازن: قوله عزَّ وجلَّ: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} نزلت هذه الآية في فنحَاص بن عازوراء اليهودي. قال ابن عباس: إن الله كان قد بسط على اليهود حتى كانوا أكثر الناس أموالا وأخصبَهم ناحية، فلما عصوا الله ومحمدًا صلى الله عليه وسلم وكذبوا به كف عنهم ما بسط عليهم من السعة فعند ذلك قال فنحاص يد الله مغلولة يعني محبوسة مقبوضةٌ عن الرزق والبذل والعطاء، فنسبوا الله تعالى إلى البخل والقبض، تعالى الله عن قولهم علوّا كبيرًا، ولما قال هذه المقالة الخبيثة فنحاص ولم ينهه بقية اليهود ورضوا بقوله لا جرم أن الله تعالى أشركهم معه في هذه المقالة فقال تعالى إخبارًا عنهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} يعني نعمته مقبوضة عنا.

واعلم أن غل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود بدليل قولِه تعالى لنبيه: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ}[سورة الإسراء/٢٩] والسبب أن اليد ءالةٌ لكل الأعمال لا سيما لدفع المال وإنفاقه وإمساكِه فأطلقوا اسم السبب على المسبَّب، وأسندوا الجود والبخل إلى اليد مجازًا، فقيل للجواد الكريم فَيَّاضُ اليد ومبسوط اليد، وقيل للبخيل مقبوض اليد.

وقوله تعالى: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ} [سورة المائدة/٦٤] قال الزجاج رد الله عليهم فقال: أنا الجواد الكريم وهم البخلاء وأيديهم هي المغلولة الممسوكة، وقيل هذا دعاء على اليهود علمنا الله كيف ندعو عليهم فقال: {غُلَّتْ أَيْدِيهِم} أي في نار جهنم، فعلى هذا هو من الغُلّ حقيقة أي شُدَّت أيديهم إلى أعناقهم وطرحوا في النار جزاء لهم على هذا القول ومعنى: {وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ} عذبوا بسبب ما قالوا، فمن لعنتهم أنهم مسخوا في الدنيا قردة وخنازير، وضربت عليهم الذلة والمسكنة والجزية، وفي الآخرة لهم عذاب.

وقوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}[سورة المائدة/٦٤] يعني أنه تعالى جَوَاد كريم ينفق كيف يشاء، وهذا جواب لليهود وَردٌّ عليهم ما افتروا واختلقوه على الله، تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا، وإنما أجيبوا بهذا الجواب على قدر كلامهم.

قال أبو حيان في البحر المحيط: معتقد أهل الحق أن الله تعالى ليس بجسم ولا جارحة، ولا يشبَّه بشيء من خلقه، ولا يُكيَّف ولا يتحيز ولا تحله الحوادث وكل هذا مقرر في علم أصول الدين، والجمهور على أن هذا استعارة عن جوده وإنعامه السابغ، وأضاف ذلك إلى اليدين جاريًا على طريقة العرب في قولهم فلان ينفق بكلتا يديه ومنه قوله:

يَداكَ يَدا مُجِدِّ فكَفٌّ مفيدَةٌ

_____ وكفٌّ إذا ما ضُنَّ بالمالِ تُنْفِقُ

ويؤيد أن اليدين هنا بمعنى الإنعام قرينة الإنفاق، ومن نظر في كلام العرب عرف يقينًا أن بسط اليد وقبضها استعارة للجود والبخل، قال الشاعر:

جادَ  الحمى بَسْطَ اليدين بوابِلٍ

_____ شَكَرَتْ نَدَاهُ تِلاعُهُ وَوهادُه

وقال لبيد:

وَغداةَ رِيحٍ قد وَزغتَ وِقرَّةٍ

_____ قد أصبحتْ بيد الشِمالِ زِمامُها

قال الله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ *} [سورة الذاريات]

قال عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما {…بِأَيْدٍ} أي بقدرة، وليس المقصودُ باليد هنا الجارحةَ التي لنا فإن الله منزه عن ذلك. فاليدُ تأتي بمعنى القدرة، والقدرةُ هي القوةُ.

قال الإمام أبو بكر ابن فورك تلميذُ تلميذِ الأشعري في كتابه «مجرد مقالات أبي الحسن الأشعري»[(611)] ناقلا عن أبي الحسن الأشعري قوله في تفسير الآية: «والسماء بنيناها بأييد»، قال: «أي بقوة» اهـ.

وقوله تعالى: {…وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ *} أي قادرون، وليس كما قال بعض العصريين حيث زعموا أن الكون في اتِّساعٍ دائم، فهذا كذبٌ مردود.

وتأتي اليد بمعنى العَهدِ كما في قوله تعالى: {…يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ… *} [سورة الفتح] ، أي عَهدُ الله فوقَ عُهودِهم أي ثَبَتَ ووجب عليهم عَهدُ الله، لأن معاهدَتَهم للرسول تحتَ شجرةِ الرضوان في الحديبية على ألاّ يَفِرُّوا معاهدةٌ لله تبارك وتعالى لأن الله تعالى هو الذي أَمَرَ نبيَّهُ بهذه المبايَعَة.

وأما قولُهُ تعالى: {…بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ… *} [سورة المائدة] ، فمعناهُ غنيٌّ واسِعُ الكَرَم.

فمن حمل إضافة الوجه أو اليد أو العين الوارد في القرآن أو الحديث في حق الله تعالى على الحقيقة كما فعل ابن تيمية وابن عثيمين في كتابه المسمى «فتاوى العقيدة» وبقية المجسمة المشبهة فقد كذب الله تعالى وكفر به لأن حقيقة اليد وحقيقة العين وحقيقة الوجه هذه الأعضاء والجوارح المؤلفة والمركبة في الإنس والجن والملائكة والبهائم ومن وصف الله بشىء من ذلك فقد جعله حادثًا عاجزا محتاجا لمن جعله على هذه الصفة والاحتياجية تنافي الألوهية والوجه والعين واليد إذا أضيفت إلى الله فلها معنى يليق بالله تعالى ليس بجسم ولا حجم ولا جارحة ولا هيأة ولا صورة ولا كيفية ولا كمية والحمد لله الذي وفق أهل السنة لمعرفة العقيدة الصحيحة.

قال الله تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى *فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى *} [سورة النجم] .

معناه أن جبريلَ عليه السلام اقتربَ من سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم فتدلى إليه فكان ما بينهما من المسافة بمقدار ذراعيَن بل أقرب، وقد تدلَّى جبريلُ عليه السلام إلى محمد ودَنَا منه فَرَحًا به.

وليس الأمرُ كما يفتري بعضُ الناس أن الله تعالى دنا بذاته من محمدٍ فكان بين محمدٍ وبين الله كما بين الحاجِبِ والحاجِبِ أو قدرَ ذراعين، لأن إثباتَ المسافةِ لله تعالى إثباتٌ للمكانِ وهو من صفاتِ الخلق وهو كفر صريح، أما الخالقُ فهو موجودٌ بلا كيف ولا مكان، لا يكون بينه وبين خلقِهِ مسافة.

قال الحافظ البيهقي في كتابه «الأسماء والصفات»[(612)]: «عن مسروق قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن قوله تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى *فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى *} قالت رضي الله عنها: كان جبريل عليه السلام يأتي محمدًا صلى الله عليه وسلم في صورة الرجل فأتاه هذه المرة قد ملأ ما بين الخافقين. رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن يوسف. ورواه مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير، كلاهما عن أبي أسامة». ويقول[(613)]: «عن مسروق قال: سألت عائشة رضي الله عنها في قول الله عز وجل {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى *} {وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ *} فقالت: أنا أول هذه الأمة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذا، فقال صلى الله عليه وسلم: جبريل رأيته بالأفق المبين». ويقول[(614)]: «قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى في تقدير قوله {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى *فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى *} على ما تأوله عبد الله بن مسعود وعائشة رضي الله عنهما من رؤيته صلى الله عليه وسلم جبريلَ عليه السلام في صورته التي خُلق عليها، والدنو منه عند المقام الذي رُفع إليه وأقيم فيه قوله المعنى في جبريل عليه السلام تدلى من مقامه الذي جُعل له في الأفق الأعلى فاستوى أي وقف وقفة ثم دنا فتدلى أي نزل حتى كان بينه وبين المصعد الذي رُفع إليه محمد صلى الله عليه وسلم قاب قوسين أو أدنى في ما يراه الرائي ويقدره». ويقول[(615)]: «وروت عائشة وابن مسعود رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ما دل على أن قوله {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى *فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى *} المراد به جبريل عليه الصلاة والسلام في صورته التي خُلق عليها». ويقول[(616)]: «قال أبو سليمان: والمكان لا يُضاف إلى الله» اهـ.

قال إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك الجويني الشافعي في كتابه «الشامل في أصول الدين»[(617)]: «ليس في هذه الآية تصريح بذكر الإلـه وإضافة القرب إليه، فلِمَ ادّعيتم أنه سبحانه وتعالى هو المعني بمضمون الآية؟ ولِمَ وصفتم ربَّكم بالحد والمقدار بتوهم منكم وظن؟ ثم نقول: لعله صلى الله عليه وسلم قرب من درجة لم يبلغها إلا أرفع الخلائق وأعلاهم شأنًا. ثم نقول: الدنو يُحمل على القرب والطاعة – القرب المعنوي لأن القرب المكاني والحسي محال على الله تعالى -، وذكر {…قَابَ قَوْسَيْنِ} تأكيدًا له. وهو كما حُمل قوله – في الحديث القدسي -: إذا تقرب العبد إليَّ ذراعًا، تقربت منه باعًا، على القرب والطاعة والرأفة اهـ.

قال الحافظ البيهقي في كتابه «الأسماء والصفات»[(618)]: «استدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه – أي عن الله – بقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شىء. وإذا لم يكن فوقه شىء ولا دونه شىء لم يكن في مكان» اهـ.

أما ما رُويَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو أنكم دَلَّيتُم رجُلا بحبلٍ إلى الأرض السفلى لهبط على الله» رواه الترمذي، هو حديث ضعيف، والحديث الضعيف لا يُحتَج به في العقائد والأحكام ولا حاجة لتأويله، ولكن تأوَّله بعض علماء الحديث على أن علم الله شامل لجميع الأقطار وأنه منزه عن المكان، فالشاهد هو في استدلال العلماء به على نفي المكان عن الله، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: «معناه أن علم الله يشمل جميع الأقطار، فالتقدير لهبط على علم الله، والله سبحانه وتعالى تنزه عن الحلول في الأماكن، فالله سبحانه وتعالى كان قبل أن تحدث الأماكن» اهـ، نقله عنه تلميذه الحافظ السخاوي في كتابه «المقاصد الحسنة»[(619)]، وذكره أيضًا الحافظ المحدِّث المؤرخ محمد بن طولون الحنفي[(620)] وأقرَّه عليه.

وقال الحافظ البيهقي في كتابه «الأسماء والصفات»[(621)]: «والذي رُويَ في ءاخر هذا الحديث إشارةٌ إلى نفي المكان عن الله تعالى، وأن العبد أينما كان فهو في القرب والبعد من الله تعالى سواء – لأن الله لا يوصف بالقرب والبعد بالمسافة – وأنه الظاهر فيصح إدراكه بالأدلة، والباطن فلا يصح إدراكه بالكون في مكان» اهـ.

وكذلك استدل به أبو بكر بن العربي المالكي في شرحه على سنن الترمذي[(622)] على أن الله موجود بلا مكان، فقال ما نصه: «والمقصود من الخبر أن نسبة البارىء من الجهات إلى فوق كنسبته إلى تحت، إذ لا ينسب إلى الكون في واحدة منهما بذاته» اهـ. أي أن الله منزه عن الجهة فلا يسكن فوق العرش كما تقول المجسمة، ولا هو بجهة أسفل، لأن الله تعالى كان قبل الجهات الست، ومن استحال عليه الجهة استحال عليه المكان، فالله تعالى لا يحُل في شىء ولا يشبه شيئًا، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا.

ومن الأحاديث الدالة على تنزيه الله عن الجهة ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء».

قال الحافظ جلال الدين السيوطي الشافعي في شرحه لسنن النسائي[(623)]: «قال البدر ابن الصاحب في تذكرته: في الحديث إشارة إلى نفي الجهة عن الله تعالى».

ويدل أيضًا على ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما ينبغي لعبدٍ أن يقول: إني خيرٌ من يونس بن متَّى» واللفظ للبخاري.

قال الحافظ المحدِّث الفقيه الحنفي مرتضى الزبيدي في «إتحاف السادة المتقين» ما نصه[(624)]: «ذَكر الإمام قاضي القضاة ناصر الدين بن المنَيِّر الاسكندري المالكي في كتابه «المنتقى في شرف المصطفى» لما تكلم على الجهة وقرر نفيها قال: ولهذا أشار مالك رحمه الله تعالى في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تفضلوني على يونس بن متى» ، فقال مالك: إنما خص يونس للتنبيه على التنزيه لأنه صلى الله عليه وسلم رفع إلى العرش ويونس عليه السلام هبط إلى قاموس (قعر) البحر، ونسبتهما مع ذلك من حيث الجهة إلى الحق جل جلاله نسبة واحدة، ولو كان الفضل بالمكان لكان عليه السلام أقرب من يونس بن متى وأفضل ولَمَا نهى عن ذلك. ثم أخذ الإمام ناصر الدين يبدي أن الفضل بالمكانة لا بالمكان، هكذا نقله السبكي في رسالة الرد على ابن زفيل» اهـ. وابن زفيل هو ابن قيم الجوزية المبتدع تلميذ الفيلسوف المجسم ابن تيمية الذي قال مؤيدًا لعقيدة متأخري الفلاسفة إن الله لم يخلق نوع العالم، وهذا كفرٌ بإجماع المسلمين كما ذكر العلامة الشيخ بدر الدين الزركشي في كتابه «تشنيف المسامع».

وقال المفسّر أبو عبد الله القرطبي في تفسيره «الجامع لأحكام القرءان» ما نصه[(625)]: «قال أبو المعالي: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تفضلوني على يونس بن متى» المعنى فإني لم أكن وأنا في سدرة المنتهى بأقرب إلى الله منه وهو في قعر البحر في بطن الحوت، وهذا يدل على أن البارىء سبحانه وتعالى ليس في جهة» اهـ.

ومما يدل أيضًا على تنزيهه تعالى عن الجهة، ما رواه مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك: «أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كَفَّيْه إلى السماء» اهـ. أي أن النبي جعل باطن كفَّيْه إلى جهة الأرض، وفي ذلك إشارة إلى أن الله عز وجل ليس متحيِّزًا في جهة العلو كما أنه ليس في جهة السُّفل.

وقد قال الحافظ العراقي في الأمالي: «أجمع السلف والخلف على كفر من أثبت الجهة لله» اهـ.

فتبين فساد قول من يقول «إن الله دنا بذاته من محمد لما كان ليلة المعراج في السماء، أو دنا منه بالحس والمسافة أو بالمكان أو صار بينهما كالحاجب من الحاجب أو كالذراعين، أو أنه وصل إلى مكان ينتهي إليه وجود الله، أو أُزيحت الستارة فدخل ورآه»، وكل ذلك تكذيب لله عز وجل لأنه نزه نفسه فقال (فلا تضربوا لله الأمثال) وقال (ليس كمثله شيء)، ومن شبه الله بشىء من خلقه فقد شتمه وكذّبه، ومن كذّب الله كفر بإجماع الأمة الإسلامية.

قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاََّّتَ وَالْعُزَّى *وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى *} [سورة النجم] .

إن مما يجب للأنبياء التبليغ، فكل الأنبياء مأمورون بالتبليغ، وقد دلَّ على ذلك قوله تعالى في سورة الحج {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِّيٍ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ… *} .

فمعنى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِّيٍ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى} في هذه الآية دعا قومه كما نص على ذلك القاضي عياض في كتاب الشفا، ومعنى {…أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} أي يزيد الشيطان على ما قالوه ما لم يقولوه ليوهمَ غيرَهم أن الأنبياء قالوا ذلك الكلامَ الفاسد، وليس معناهُ أن الشيطانَ يتكلَّمُ على لسان النبي صلى الله عليه وسلم.

إن كل نبيّ كان يقرأ على قومه ثم الشيطان يُلقي إلى الناس كلاما غير الذي يقرؤونه أي يزيد للناس من كلامه على ما قاله النبي ليوهم الناس أن النبي قال ذلك أي ليفتنهم، فينسخ الله ما يلقي الشيطان ويثبت ما يقرؤونه – أي الأنبياء – وذلك ابتلاء من الله تبارك وتعالى، وليس في أي كتاب معتبر أن الشيطان يلقي على ألسنة الأنبياء كلامًا وإلا لارتفعت الثقة في كلامهم ولقال الناس لعل هذا من إلقاء الشيطان فلذلك استحال حصول ذلك فلا أصل لما في كتاب «تفسير الجلالين» في الجزء الثاني ففيه غلط وكلام باطل، في تفسير سورة الحج عند قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِّيٍ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ… *} [سورة الحج] .

يقول الكاتب: وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في سورة النجم بمجلس من قريش بعد {أَفَرَأَيْتُمُ اللاََّّتَ وَالْعُزَّى *وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى *} بإلقاء الشيطان على لسانه من غير علمه صلى الله عليه وسلم: «تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى» ففرحوا بذلك وكانوا بالقرب منه مع المسلمين، وقالوا ما ذكر ءالهتنا بخير قبل اليوم فجاء جبريل وقال له: هذا ليس من القرءان فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله الآية تسلية له {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ} .

الرد:

هذه الرواية غير صحيحة، وحصول قراءة شىء غير القرءان على ظن أنه قرءان مستحيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو معصوم من ذلك، فقد قال الفخرُ الرازي في «التفسير الكبير»[(626)]: «يكفر من اعتقد أن الشيطان أجرى كلاما على لسان النبي صلى الله عليه وسلم هو مدح الأوثان الثلاثة اللات والعزى ومناة، بهذه العبارة: «تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى» إذ يستحيل أن يمكّن اللهُ الشيطانَ من أن يُجري على لسان نبيه مدحَ الأوثان».

وإيضاح هذه القضية أن الرسولَ صلى الله عليه وسلم كان يقرأُ ذات يومٍ سورةَ النجمِ فلما بلغَ {أَفَرَأَيْتُمُ اللاََّّتَ وَالْعُزَّى *وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى *} انتهز الشيطانُ وقفةَ رسولِ صلى الله عليه وسلم وسَكْـتَـتَـهُ فأسمعَ الشيطانُ المشركينَ الذينَ كانوا بقرب النبي مُـوهمًا لهم أنه صوت النبي هذه الجملة: «تلكَ الغرانيقُ العُلى وإن شفاعتهن لتُرتجى» ففرحَ المشركون وقالوا ما ذكرَ محمدٌ ءالهـتنا قبل اليوم بخير، فأنزل الله لتكذيبهم هذه الآية التي في سورة الحج: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِّيٍ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ… *} أي يكشفُ الله ما يقوله الشيطانُ ويُبينُ أنه ليس من الأنبياء، وذلك ابتلاءٌ من الله وامتحانٌ ليتميّزَ من يتبعُ ومن لا يتبعُ، فيهلك هذا ويسعد هذا.

قال النسفي في تفسيره ما نصه[(627)]: ولأنه تعالى قال في صفة المنزل عليه – أي على النبي صلى الله عليه وسلم – (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه).

وقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *} فلما بطلت هذه الوجوه – حيث ذكر احتمالات وردّها – لم يبق إلا وجه واحد وهو أنه عليه السلام سكت عند قوله: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى *} فتكلم الشيطان بهذه الكلمات متصلا بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم فوقع عند بعضهم – من المشركين – أنه عليه الصلاة والسلام هو الذي تكلم بها فيكون هذا إلقاء في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم_وكان الشيطان يتكلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ويُسمَعُ كلامه، فقد رُوي أنه نادى يوم أحد ألا إن محمدا قد قتل، وقال يوم بدر: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم».اهـ.

وقال المحدث عبد الله الغماري في كتابه «بدع التفاسير»[(628)] عن القصة المكذوبة التي يزعمون فيها أن الشيطان تكلم على لسان النبي بغير علمه، ما نصه: «فهذه القصة وتسمى قصة الغرانيق باطلة»، وقال: «وأول نكارة في تلك القصة: تسلط الشيطان على النبي صلى الله عليه وسلم بإلقاء شىء على لسانه وهو لا يعلم، مع أن من البديهيات العقلية عصمة النبي من الشيطان، فكيف تمكن منه في هذه الحادثة؟!»،ثم قال «ثم كيف خفي عليه الفرق بين إلقاء الملك وإلقاء الشيطان؟! ولئن جاز الاشتباه عليه في هذه الحادثة، جاز الاشتباه في غيرها، فترتفع الثقة بالوحي ثم كيف خفي تناقض الكلامين! إذ (الأخرى) صفة ذم، وكلام الشيطان المقحم مدح، وهل يجوز في عقل أن يمتزج كلامان متناقضان على لسان أفصح العرب وأعلمهم بكلام الله تعالى، ثم لا يشعر بتنافيهما!! ثم بعد هذا كله كيف يسلّي الله نبيه بأن جميع الرسل تمكن الشيطان أن يُلقي على لسانهم ما لم يوحَ إليهم وما معنى العصمة الواجبة في حقهم عقلا؟!» اهـ.

وقال الشيخ محمد بن درويش الحوت في كتابه «أسنى المطالب»[(629)]: «فهذه القصة – أي قصة الغرانيق – كذب مفترى كما ذكر هذا غير واحد ولا عبرة بمن قوَّاها وأوَّلَها إذ لا حاجة لذلك»،ثم قال «وليس فيه ذكر قصة الغرانيق أصلا»، وقال[(630)]: «وقول ابن عباس رضي الله عنه في تفسيره أن (تمنى) معناه تلا وقرأ» اهـ.

ـ[611]       مجرد مقالات أبي الحسن الأشعري (دار المشرق ص44).

ـ[612]       الأسماء والصفات (الطبعة الأولى 1985 دار الكتاب العربي، الجزء الثاني ص179).

ـ[613]       الأسماء والصفات (ص/181).

ـ[614]   و[(835)] الأسماء والصفات (ص/187).

ـ[615]       الأسماء والصفات (ص/188).

ـ[616]       الشامل في أصول الدين (الطبعة الأولى 1999، دار الكتب العلمية صحيفة 329).

ـ[617]       الأسماء والصفات ص400).

ـ[618]       المقاصد الحسنة (رقم86/ص342).

ـ[619]       الشذرة في الأحاديث المشتهرة (2/72).

ـ[620]       الأسماء والصفات (ص/400).

ـ[621]       عارضة الأحوذي (12/184).

ـ[622]       سنن النسائي (1/576).

ـ[623]       إتحاف السادة المتقين» (2/105).

ـ[624]       الجامع لأحكام القرءان (11/333 – 334)، و(15/124).

ـ[625]       التفسير الكبير (المجلد الثاني عشر الجزء23 من ص44 إلى ص47).

ـ[626]       تفسير النسفي (3/107).

ـ[627]       بدع التفاسير (مكتبة القاهرة، الطبعة الثالثة 1426هـ ص74).

ـ[628]       أسنى المطالب (دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية 1403هـ ص209).

ـ[629]       أسنى المطالب (ص/210).

ـ[630]       المسمى معالم التنزيل (طبع دار المعرفة، الطبعة الثالثة 1413هـ الجزء الرابع ص254).

قال الله تعالى: {…مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ… *} [سورة ص]

يجوز أن يقال المراد باليدين العناية والحفظ، كما في فتح الباري[(559)] للحافظ ابن حجر العسقلاني.

وهذا تأويل تفصيلي ذهب إليه بعضُ الخلف، فدلَّ قولُهُ تعالى: {…مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ… *} على أن ءادم خُلِقَ مُشَرَّفًا مكرَّمًا بخلافِ إبليس، ولا يجوز أن نحملَ كلمةَ بيديَّ على معنى الجارحة، لو كانت له جارحة لكان مثلنا ولو كان مثلنا لما استطاع أن يخلُقنا، لذلك نقول كما قالَ بعضُ الخَلَفِ أي خلقتُهُ بعنايتي بحفظي، معناه على وجه الإكرام والتَّعظيم لهُ، أي على وجهِ الخصوصيَّة خَلَقَ ءادم، أي أرادَ له المقامَ العالي والخيرَ العظيمَ. أما إبليسُ ما خلقَه بعنايتِهِ، لأنَّ الله عالمٌ في الأزل أنه خبيثٌ.

قال شافعي زمانه ورفاعي أوانه الحافظ المحدث الشيخ عبد الله الهرري في كتابه «الصراط المستقيم»[(560)]: «مثل قوله تعالى في توبيخ إبليس {…مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ… *} فيجوز أن يقال المراد باليدين العِنآية والحفظ» اهـ.

ومن التحريفات لمعنى هذه الآية ما قاله يوسف القرضاوي في كتابه المسمى «الإسلام والغرب»: «بل أعجب من هذا من أعداء أعدائه إبليس فيسأل الله إبليس أن يحاوره قال: {…مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ *} [سورة ص] ، فهذا يدلنا أن للحوار مجالاً رحبًا ومجالاً واسعًا في الفكر الإسلامي» اهـ.

الرد:

أولاً: قال القرضاوي «فيسأل الله إبليسَ أن يحاوره» أي أن الله طلب من إبليس الحوار وهذا كذب وافتراء ومن تلبيس إبليس عليه.

ثانيًا: إن هذا الحوار المزعوم لم يحصل إنما بكّت الله الله إبليس وقرعه بما ورد في القرءان وهل يعتبر محاكمة القاضي للمجرم حوار بينهما فهذا لا يعتبر حوارًا فمن باب أولى أن لا يعتبر الذم واللعن من الله لإبليس وأمره بالخروج من الجنة بقوله: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ *وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ *} [سورة ص] .

والحوار عادة يكون بين شخصين حول فكرة أو قضية وكل من الطرفين يحاول إثبات الحق إلى جانبه ومن أصول الحوار أن يتمسك صاحب الحق بحقه وأن يتراجع صاحب الباطل عن باطله وليس كما قال القرضاوي في كتابه «الإسلام والغرب» ما نصه[(561)]: «من صفات هذا الحوار الذي ندعو إليه نحن نتحاور وكل منا يتمسك بمنهجه»، إذا كان كل من الفريقين يتمسك بمنهجه إذًا فماذا قيمة الحوار ولماذا؟ إذًا هو للمجاملة الفاسدة والتدجيل.

ـ[559]       فتح الباري (13/394).

ـ[560]       الصراط المستقيم (طبع شركة دار المشاريع، الطبعة الثانية عشرة 1431ه ص78).

ـ[561]       الإسلام والغرب (ص/86).

معنى الآية: {يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} – أي عهدُ اللهِ ثبتَ عليهم

قولُ اللهِ عزّ وجلّ: {يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}، هذه الآية ليس معناها يدُ الله العضو الجارحة، لا، ليس معناها الجسم، لا، اليَد إذا أُضيفَتْ إلى الله في القرآن أو في السنّةِ الثابتة فهذا له معنًى يليقُ بالله، ليس على معنى الجارحة، ليس على معنى العضو هذه اليد المُشتَمِلة على الشَّعر والجلد والعَظُم والعروق والعصب والدم والأظافر، هذا في حقِّ المخلوق، هذا في حقِّ الأجسام.

لاحظوا كمْ ذكرنا من صفات المَخلوق، شعر جلد عظم عروق عصب دم لحم، هذا صفةُ مَن؟ المخلوق، صفةُ الأجسام، صفةُ البشر، صفةُ البهائم. أمّا الله سبحانه وتعالى إذا أُضيفَتْ إليه اليَد في القرآن الكريم أو في السّنة الثابتة فليس بمعنى العضو، ليس بمعنى الجارحة، ليس بمعنى الشكل ليس بمعنى الكيفية، ليس بمعنى الهيئة ليس بمعنى الأعضاء، ليس بمعنى الأدوات.

ما معنى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}؟ إذا بيَّنا سبب النُّزول يتَّضِح المعنى بسرعة.

انتبهوا معي جيدًا. الرسولُ صلى الله عليه وسلم كان ذهب من المدينة إلى مكةَ المكرمة، في مكان قبل أن يدخل إلى الحَرَم، قبل أنْ يدخلَ إلى الكعبة في مكانٍ يُقالُ له الحُدَيْبية، هناك وصلَه خبر أنَّ المشركينَ لا يريدونَه أنْ يدخلَ إلى مكةَ إلى الحَرمِ إلى الكعبة، صدُّوهُ عن عمل العمرة.

ماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الرسول يَتصرّف بالوَحي، الرسول ينتظرُ الأمر. وكان معه عددٌ من الصحابة في تلك الأرضِ في الحُدَيْبيَة. جمعهَم وأخذَ عليهم العهد بأمرٍ من الله تعالى. فهؤلاء الصحابة الكرام أعطَوْا العهدَ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم أن يثبتوا معه وأن لا يَفِرُّوا عنه وأنْ لا يُسْلِمُوه إلى العدو، بل يثْبُتوا في الدفاع عنه صلى الله عليه وسلم.

ومبايعةُ الصحابةِ للرسول على هذا الأمر وإعطائِهم العهدَ هو في المعنى عهدٌ منهم لله، يعني كأنهم قالوا “نُعاهِدُ اللهَ على أنْ لا نَفِرَّ عنك يا رسول الله، على أنْ نبقى معك، على حمايتك، على أنْ نُقدِّمَك في الحمايةِ على أرواحِنا وأجسادِنا”، أنْ لا يُسْلِموه إلى العدوّ أنْ لا ينكشِفوا عنه. في المعنى عاهَدوا اللهَ على ذلك.

فلمّا أخذَ منهم العهدَ وأعْطَوا المَواثيق نزَلت الآية: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} عهدُ اللهِ ثبَتَ عليهم، عهدُ اللهِ وجَب عليهم.

ما هو الذي وجَب؟ أنْ يَثْبتوا، أنْ يُنَفِّذوا، أنْ لا يهرُبوا.

عهدُ اللهِ وجبَ عليهم، عهدُ اللهِ ثبَتَ عليهم. هذا معنى الآية: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} عهدُ اللهِ الذي عاهَدوكَ بأمرٍ منَ اللهِ صارَ واجبًا عليهم أنْ يثبُتوا.

وليس معنى اليد الجارحة، وليس معنى اليد هنا العضو وليس معنى اليد هنا الجسم. {يدُ اللهِ} أي العهد الذي أعطَوْكَ ثبَتَ عليهم ووجبَ عليهم.

وأما الذي يقول <<إنّ اليد بمعنى الجسم>>، الذي يقول <<لا تأويل وعلى الحقيقة>>، هكذا تقول المشبهة المجسمة يقولون <<على الظاهر>>، يقولون <<التأويل تعطيل>>.

يقال لهم: بزعمكم إنْ حمَلتم الآية {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} على الظاهر فقد جعلتم جِنسَ اليدِ التي أضَفتُمُوها إلى الله بزعمِكم كجنسِ أيدي هؤلاء الصحابة لأنكم قلتُم على الظاهر بِلا تأويل، وإذا كان كذلك فقد شبّهتُمُ اللهَ بالصحابةِ وبالتالي بكلّ البشر، فقد شبّهتمُ اللهَ بمخلوقاتِه، تنزّه الله.

إذًا عهدُ اللهِ وجبَ عليهم، عهد الله ثبتَ عليهم. {النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} هذا معنى الآية. عهدُ اللهِ وجبَ عليهم وليس الجارحة فوق جوارحِ الصحابة. تنزّه اللهُ عنْ ذلك.