اعلم حبيبي في الله عزَّ وجلَّ أنَّ تعلُّم أدلة علم العقيدة النقلية والعقلية فرض كفاية وذلك لردِّ شبه وتمويهات الفرق الضالة على اختلاف مشاربها ومذاهبها ، وكلُّ من تأهَّل لذلك يجب عليه أن يتمكَّن في هذا العلم إلى أن تحصلَ الكفاية في هذا الباب نصرةً لدين الله وصيانة لعقيدة العامَّة من التزلزل ودفاعا عن الحقِّ ودفعا لتشكيك المشككين من ملاحدة ومشبهة ومعتزلة وغيرهم .
وقد ذكرت في منشور سابق أن إقحام كل عامي ممن لا يصل فهمه إلى هذا القدر من التوسع مما لا ينبغي كي لا تختلط عليه المسائل ويفسد فهمه لها لضعف عقله عن استيعابها وهذا الذي يحمل عليه كلام من نهى عن الخوض فيه ولكن من الناس إما أنه أوتي شهوة الردِّ من غير أن يقرأ ما قلته وهذه مصيبة لأن هذا يدعوه إلى التحامل واتهام غيره بعدم الفهم مع كونه لم يقرأ ما ذكرته سابقا أو أنه يقرأ ولا يفهم ما في دلالات الألفاظ فالمصيبة عندئذ أعظم ثم أزيد فأقول لو كان نهيهم منصبَّا على كل عاميِّ فكيف سيبرز منهم من يسدُّ الفرض الكفائي في الدفاع عن العقيدة الإسلامية بتوسع فإن المؤهَّل للخوض في التفاصيل كان عاميا قبل هذه الأهلية لذا ينبغي أن يُحملَ نهيُهُم عن الخوض فيه على ما سبق وذكرته أنه محمول على من لم يؤت عقلا راجحا ليفهم التفاصيل خوفا عليه من سوء الفهم في أمر جلل عظيم كالعقائد ولكن من تحكمه شهوة الرد والدفاع عن نفسه فربما تحمله على أن لا يرى هذا القيد المذكور ءانفا .
ولكن على أي حال لا يجوز للعامي التقصير في تعلم مبادئ علم العقيدة كتنزيه الله عن الشبيه والشريك وتعلُّم صفات الله الواجبة له عقلا وشرعا وتنزيه كلامه عن الحرف والصوت واللغة ولا يعد هذا خوضا في علم الكلام الذي قد يتيه في فهمه من لم يؤت عقلا راجحا وفهما لتفاصيل علم العقائد بل هذا مما يلزم المكلف العلمُ به ولا يجوز جهله بحال كما سبق وبينت في منشور سابق أنه يجب على أولياء أمور الصبيان والصبيات فضلا عن البالغين من العوامِّ تعليمهم مبادئ علم العقيدة الشامل لصفات الله الواجبة له سبحانه مع تبسيط العبارات ليحفظها ويفهمها وما يستحيل في حق الله كالشبه بالمخلوقين و النقائص كالظلم والزوجة والولد وهذا ما نص عليه سيدي الإمام الغزالي والنووي وابن الجوزي وعبد الغني النابلسي في كفاية الغلام والمرزوقي في عقيدة العوام وغيرهم .
وأما كتاب إلجام العوامِّ عن علم الكلام للغزالي فإني أعرفه وقرأته من سنين حرفا حرفا فإنه تضمَّن وجوب تعلِّم هذه المبادئ في العقيدة للعوامِّ ولم ينه عن تعليمهم ذلك لان الغزالي قرر في قواعد العقائد تعليمها للصبيان فضلا عن البالغين من العامة بل نهى عن الخوض في غمار هذا العلم ممَّن ليس مؤهلا من العوامِّ وأما من تأهل لذلك واستطاع أن يسدَّ ثغرة الفرض الكفائي فيلزمه التوسع فيه إلى أن يتمكن من معرفة دلائل العقائد تفصيلا وكيفية ردِّ شبه الفرق الضالة وإلا كان مقصِّرًا ولا يعدُّ من علَّمه ذلك من الأئمة الضالين ولا من البدعيين لأنه ساعد في إتمام الواجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب أجارنا الله من زيغ الفرق الضالة وحفظ علينا عقولنا وأدبنا بآداب البيان في الخطاب لا كأولئك الذين همهم الطعن في الغير والله حسيبهم.
وهذا نهاية الكلام في هذا الأمر والمراد بيان المسئلة لمن شرح الله صدره للفهم وأما من لم يفهم فقلبه ليس بيدي بل بيد خالقه اللهِ ربِّ العالمين
****************************
بيان الإجماع على كفر من قال إن الله جسم من شيخ جامع الزيتونة في زمانه رحمه الله :
قال شيخ جامع الزَّيتونة إبراهيم المارغني التُّونُسيُّ في [طالع البُشرَى على العقيدة الصُّغرَى] ما نصُّه: “وخرج -بالمطابق للواقع- الجزم الغير المطابق له ، ويُسمَّى الاعتقاد الفاسد، كاعتقاد قدم العالم أو تعدُّد الإله أو أنَّ الله تعالَى جسم، وصاحب هذا الاعتقاد مُجمع على كُفره> انتهَى
وقولُه: (مُجمع على كُفره) يعني لا خلاف في كونه كافرًا.
