التناقضات الوهابية والبدع السلفية – p10

ما سطرته هنا هو جزء من نقاش علمي عميق حول مسألة البدعة ومفهومها، وفيه رد على تضييق الوهابية (السلفية المعاصرة) لمفهوم “البدعة” وجعلهم كل ما لم يُفعل في عهد النبي ﷺ بدعة ضلالة، دون اعتبار أقوال الصحابة الكبار، أو الأحاديث التي تثبت وجود بدع سنّها الصحابة رضي الله عنهم، ورضي بها المسلمون.


✅ 1. حديث “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين”

هذا الحديث حجة واضحة على أن سنة الخلفاء داخلة في دائرة الاقتداء والتأسّي، ولو كانت بدعة لغوية (بالمعنى اللغوي لا الشرعي)، فقد سماها النبي ﷺ “سنّة” وأمر باتباعها، وليس في الحديث تقييد بأنها فقط “سنة النبي” بل نصّ صريح على “سنة الخلفاء”.


✅ 2. من هم الخلفاء؟

اقتصار الوهابية على الأربعة دون دليل فيه تحكم. وقد ذكرت أحاديث صحيحة فيها:

  • الحث على الاقتداء بأبي بكر وعمر تحديدًا.
  • ذكر مدة الخلافة الراشدة (30 سنة)، مما يقتضي دخول الحسن بن علي.
  • حديث “اثنا عشر خليفة” مما يوسّع المفهوم، ويدل على أن الاقتداء ليس محصورًا في أشخاص معدودين فقط.

✅ 3. الرد على ابن عثيمين في تأويله لكلمة “نعمت البدعة”

نقد صحيح من جهة أن تأويل كلمة “بدعة” الواردة في كلام عمر رضي الله عنه بأنها لا تدخل تحت كلية “كل بدعة ضلالة” فيه تخصيص للكلية، وهو ما يفعله جمهور العلماء أصلًا، لا سيما إذا أتت الكلية على سبيل العموم الذي أُريد به الخصوص، كما في:

  • ﴿وأوتينا من كل شيء﴾
  • ﴿وأتاكم من كل ما سألتموه﴾

وغيرها مما ذكرتَ، وهي أمثلة معتبرة في علم الأصول والبلاغة.


✅ 4. تقييد كلية “كل بدعة ضلالة”

ذكرتَ أقوالًا عديدة من كتب الجمهور، وأقوال أئمة مثل الشافعي وابن تيمية، وابن عبد الوهاب نفسه، تدل على أن البدعة ليست نوعًا واحدًا، بل هناك ما له أصل في الشرع، وسمّاه العلماء (بدعة حسنة)، مثل جمع القرآن، المنار، المحراب، التوقيت، التسبيح بالسبحة، الخ…


✅ 5. إلزام الوهابية بتناقضاتهم

الفقرة التي ختمت بها كلامي، والتي تذكر فيها أكثر من 20 بدعة يفعلها الوهابيون أنفسهم (من المحراب، إلى مكبر الصوت، إلى تسمية مشايخهم بألقاب لم ترد في الشرع)، هي إلزام عقلي وواقعي، يُسقط الدعوى القائلة بأن “كل بدعة ضلالة” تشمل هذه الأمور.

فلو كانوا صادقين في إطلاقهم للكلية، لحرّموا هذه أيضًا، أو لقالوا بالتقييد والتفصيل كما قال جمهور العلماء.


الخلاصة:

كلام مؤصّل، ويمثل الاتجاه الأزهري والجمهور، ويدحض ضيق مفهوم البدعة عند الوهابية، الذين تعارض أقوال أئمتهم (حتى ابن تيمية وابن عبد الوهاب) ممارساتهم المتشددة.

نقد المفهوم الوهابي للبدعة على ضوء نصوص السنة وأقوال السلف


تمهيد:

يُعدُّ مفهوم “البدعة” من أبرز المسائل التي وقع فيها الخلاف بين التيار السلفي الوهابي والجمهور من علماء الأمة. وقد أدى الغلو في هذا المفهوم عند الوهابية إلى تضييق واسع على ممارسات شرعية ومستحسنة، بل بلغت الجرأة بالبعض إلى وصف أمور عليها إجماع الصحابة بأنها “بدع ضلالة”. في هذا البحث نناقش المفهوم الوهابي للبدعة من خلال النصوص النبوية، وأقوال الصحابة، وأقوال كبار العلماء.


أولًا: حديث “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين”

روى أحمد (17145) وأبو داود (4607) والترمذي (2676) عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

“عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ…”.

دلالة الحديث:

  • هذا الحديث ينصّ على حجية سنة الخلفاء.
  • لا يقتصر الأمر على سنة النبي فقط، بل يشمل الخلفاء، مما يُسقط القول بأن كل ما لم يفعله النبي بدعة.

سؤال: من هم الخلفاء؟

الوهابية تقصرهم على الأربعة: أبو بكر، عمر، عثمان، وعلي رضي الله عنهم. ولكن الحديث لم يحدد، بل ورد في أحاديث أخرى ما يدل على توسيع الدائرة:

  1. حديث: “اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر…” (الترمذي 3662، صححه الألباني).
  2. حديث: “الخلافة بعدي في أمتي ثلاثون سنة…” (أبو داود، وصححه الألباني، صحيح الجامع 4147)، ويدخل فيها الحسن بن علي.
  3. حديث: “لا يزال هذا الدين عزيزًا إلى اثني عشر خليفة…” (البخاري 7222).

النتيجة: الخلفاء الذين يقتدى بهم ليسوا محصورين في أربعة فقط، بل أكثر، وسنتهم واجبة الاتباع.


ثانيًا: تقييد كلية “كل بدعة ضلالة”

يستند الوهابيون إلى حديث:

“وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة” (أبو داود 4607).

لكن الكلية هنا ليست مطلقة في الاستعمال الشرعي، والدليل:

  • قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن صلاة التراويح جماعة: “نعمت البدعة هذه”.
  • وقال الإمام الشافعي: “البدعة بدعتان، بدعة محمودة، وبدعة مذمومة…”.
  • وقال ابن تيمية: “ما فعله الخلفاء الراشدون ولم يفعله النبي، فليس ببدعة في الدين”.

الأدلة من القرآن:

كثير من الكليات يراد بها الخصوص، مثل:

  • ﴿تدمر كل شيء﴾، وليس المقصود كل شيء بإطلاق.
  • ﴿وأوتينا من كل شيء﴾، مع أن سليمان لم يُؤتَ النبوة المحمدية.

النتيجة: الكلية “كل بدعة ضلالة” مقيدة بما يخالف أصول الشريعة، لا كل جديد مطلقًا.


ثالثًا: إلزامات عملية للوهابية

يُلاحظ أن كثيرًا من الأمور التي يقعون فيها أو يُجيزونها داخلة في تعريف البدعة حسب مفهومهم، ومنها:

  1. المنار فوق المسجد.
  2. المحراب.
  3. تحزيب القرآن.
  4. تنقيط القرآن وتشكيله.
  5. تسجيل القرآن.
  6. مكبرات الصوت.
  7. التوقيت بالساعات.
  8. قول: “صلى الله عليه وآله وسلم” جهرا جماعيًا.
  9. تفسير القرآن جماعيًا في رمضان.
  10. الاحتفال بسيرة محمد بن عبد الوهاب (كما أقره ابن باز، مجموع فتاوى 1/382).
  11. تسمية ابن تيمية بشيخ الإسلام.
  12. تسمية الألباني أو محمد بن عبد الوهاب بـ “المجدد”.

النتيجة: إن التناقض بين التنظير والتطبيق في الفكر الوهابي بيّن، مما يدل على اضطراب في ضبط مفهوم البدعة.


الخاتمة:

إن تضييق مفهوم البدعة لدى الوهابية مخالف لهدي النبي ﷺ، ولسيرة الخلفاء الراشدين، وأقوال الأئمة. كما أن إلزامهم العملي يبين أنهم لا يطبقون ما يدعون إليه من إطلاقات.

وعليه، فالموقف المتزن هو موقف جمهور العلماء: كل ما وافق أصول الشريعة ولم يخالف نصًا، وكان فيه مصلحة راجحة، فليس بدعة مذمومة، ولو لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.