التناقضات الوهابية والبدع السلفية -p18

تصحيح المفاهيم 

أما الحديث    لا تجعلوا قبري وثنا     يعني” يصلى إليه ” لا  كما يحاول المتشددون أن يطلقه لما ثبت في مصنف ابن أبي شيبة رقم  11819   ومصنف عبد الرزاق رقم  1587   قالا: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن  عجلان، عن زيد بن أسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:    

اللهم لا تجعل قبري وثنا يصلى له، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد     

قلت: هذا صحيح مرسل؛ ومرسل زيد قوي مؤتمن لما ثبت في تهذيب الكمال  ج10 ص16  : قال العطاف بن خالد: حدث زيد بن أسلم بحديث، فقال له رجل: يا أبا أسامة، عن من هذا؟ قال: يا ابن أخي، ما كنا نجالس السفهاء ولا نحمل عنهم الأحاديث.! وفي هذا يتبين أن اليهود والنصارى يبنون مساجدهم على قبور أنبيائهم وصوروهم فيه يصلون لهم! أما دفن الصالحين حول مسجد أو وراء مسجد لا يصلون لهم  فعكس ذلك؛  هذا ظاهر ليس فيه شبهة . 

وأما حديث   اجعلوا فِ بيوتكم من صلاتكم ولا 

تتخذوها قبورا       أي لا تجعلوها مهجورة من الصلاة  كالقبور.  قال ذلك جميع الشراح. أما دفن في الدور قد اختلف الفقهاء فيه للأحاديث الآتية:  

دفن في البيوت 

وفي طبقات ابن سعد  ج2 ص224   أخبرنا يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة أن أبا بكر وعمر دفنوا جميعا في بيتها! . 

أخبرنا موسى بن داود: سمعت مالك بن أنس يقول: قسم بيت عائشة باثنين: قسم كان فيه القبر. وقسم كان تكون فيه عائشة. وبينهما حائط. فكانت عائشة ربما دخلت حيث القبر فضلا. فلما دفن عمر لم تدخله إلا وهي جامعة عليها ثيابها. 

وفيه  ج2 ص224   بإسناد صحيح مرسل أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:    إنما تدفن الأجساد حيث تقبض الأرواح    .  

قلت: لو أخذنا ظاهر هذا الحديث يكون الدفن في الدور أولى!   

في الموطأ رقم  795   عن هشام بن عروة، عن أبيه؛ أنه قال: ما أحب أن أدفن بالبقيع. لأن أدفن في غيره أحب إلي من أن أدفن فيه. إنما هو أحد رجلين. إما ظالم ،فلا أحب أن أدفن معه. وإما صالح، فلا أحب أن تنبش لي عظامه. 

وفي الكبير للطبراني  3618   حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا محمد بن عبد الملك الواسطي، ثنا معلى بن عبد الرحمن، ثنا منصور بن أبي الأسود، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، قال: سرنا معه يعني عليا حين رجع من صفين حتى إذا كان عند باب الكوفة إذا نحن بقبور سبعة عن أيماننا، فقال علي: «ما هذه القبور؟» ، فقالوا: يا أمير المؤمنين إن خباب بن الأرت توفي بعد مخرجك إلى صفين وأوصى أن يدفن في ظهر الكوفة وكان الناس إنما يدفنون موتاهم في أفنيتهم وعلى أبواب دورهم، فلما رأوا خبابا أوصى أن يدفن بالظهر دفن الناس .، 

رجاله ثقات إلا معلى بن عبدالرحمن ضعفه الجمهور. ولن تجد حديثا ولوضعيفا صرح بمنع دفن في البيوت!   

معرفة القبور من المهم في صحيح البخاري  3407   حدثنا يحيى بن موسى ،حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ابن طاؤوس، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله 

صلى الله عليه وسلم:   لو كنت ثَمَّ لأريتكم قبره، إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر       أي قبر نبي الله موسى   

قلت: لو لم يكن في معرفته منفعة لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال . 

في الكبير للطبراني  10370   حدثنا محمد بن جعفر بن أعين البغدادي، ثنا عاصم بن علي، ثنا قيس بن الربيع ،عن سماك بن حرب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، قال عبد الله: «فلو كنت برميلة مصر لأريتكم قبورهم» يعني قبور بعض الصالحين من بني إسرائيل يصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم» وأخرجه أحمد رقم  4312   حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا المسعودي عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه به. 

قلت: رجاله ثقات والمسعودي مختلط إلا ما روى وهو ببغداد وهذا منه لأن يزيد بن هارون بغدادي وروى عنه قبل اختلاطه واتفقوا أن عبد الرحمن سمع عن أبيه إلا يحيى بن معين!  فعلى هذا حكمنا الحديث بالصحة فلله الحمد . فاطمة تصلح قبرا وصلت فيه 

وفي طبقات ابن سعد  ج3 ص13   أخبرنا عبد الله بن نمير قال: أخبرنا زياد بن المنذر عن أبي جعفر قال:  كانت فاطمة تأتي قبر حمزة ترمه وتصلحه . 

قلت: زياد بن المنذر ضعيف ولكن له شاهد أخرجه البيهقي في الكبرى  رقم  7208   أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو حميد أحمد بن محمد بن حامد العدل بالطا بران, ثنا عثمان بن محمد، ثنا أبو مصعب الزهري، حدثني محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، أخبرني سليمان بن داود ،عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أبيه: أن فاطمة بنت النبي، صلى الله عليه وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده. ورواه الح اكم في المستدرك  4319   بإسناد آخر إلى سليمان بن داود. 

فسطاط وعلامة على قبر 

في طبقات ابن سعد  ج3 ص304   أخبرنا وكيع بن الجراح عن أسامة بن زيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: رأيت قبر عثمان بن مظعون وعنده شيء مرتفع. يعني كأنه علم . 

قلت: فيه أسامة بن  زيد ضعفه بعض وله شواهد كثيرة كما يأتي: ثبت في سنن أبي داود رقم  3206   والبيهقي في الكبرى رقم  6744   قال : أخبرنا أبو علي الروذباري ،أنبأ محمد بن بكر، ثنا أبو داود، ثنا عبد الوهاب بن نجدة ،ثنا سعيد بن سالم، ح قال: وحدثنا يحيى بن الفضل السجستاني، ثنا حاتم بن إسماعيل، بمعناه عن كثير بن زيد المدني، عن المطلب قال: ” لما مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازته فدفن ،وضع رسول الله صلى الله عليه حجرا  عند رأس القبر ، وقال: أتعلم بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي”  

قلت: إسناده حسن. وأخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة   ج1 ص102   حدثنا فليح بن محمد اليماني قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل الخ . 

وفي الأوسط للطبراني  3886   حدثنا علي بن سعيد الرازي قال: نا عمرو بن خلف بن إسحاق بن مرسال الخثعمي قال: نا أبي قال: نا عمي، إسماعيل بن مرسال ،عن الزهري، عن أنس بن مالك به . 

وفي طبقات ابن سعد  ج5 ص469   أخبرنا معن بن عيسى. قال: رأيت الفسطاط على قبر مالك بن أنس وكان مالك ثقة مأمونا ثبتا ورعا فقيها عالما حجة . 

ننتهي هنا وصلى الله على سيدنا محمد الفاتح الخاتم وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين. 


📌 تصحيح المفاهيم حول القبور والصلاة والدفن

الموضوعالنص أو الأثرالمصدرالدلالة أو الرد والتعليق
النهي عن اتخاذ القبر وثنًا«اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُصلى له، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»مصنف ابن أبي شيبة 11819، مصنف عبد الرزاق 1587المراد الصلاة له لا عنده، والحديث مرسل صحيح، وزيد بن أسلم ثقة. الخطأ في فهم “وثنًا” على إطلاقها يشير إلى التشدد الزائد.
تفسير “لا تجعلوا بيوتكم قبورًا”«اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تجعلوها قبورًا»الشراح كافةالنهي عن ترك الصلاة في البيت، لا عن دفن فيه. القبور لا تُصلّى فيها، فشبّه البيت المهجور بها.
دفن النبي وأبي بكر وعمر في البيتدفنوا جميعًا في بيت عائشة، وكان بين القسم الذي فيه القبر والقسم الآخر حائططبقات ابن سعد ج2 ص224فعل الصحابة يدل على الجواز، ولم يُنقل عنهم نهي، مما يسقط الاعتراض.
أفضلية الدفن في مكان الوفاة“إنما تُدفن الأجساد حيث تُقبض الأرواح”طبقات ابن سعد، مرسل صحيحلو أخذنا بظاهره، لكان الدفن في البيوت أولى، وليس بدعة.
رأي هشام بن عروة في البقيع«ما أحب أن أُدفن في البقيع… الظالم لا أحب أن أدفن معه، والصالح لا أحب أن تُنبش لي عظامه»موطأ مالك رقم 795اجتهاد شخصي لا يمنع دفن البيوت، بل يوضح وجهات نظر فقهية.
عادة الصحابة في الدفن«كان الناس يدفنون موتاهم في أفنيتهم وعلى أبواب دورهم»الكبير للطبراني 3618لم يكن الدفن في البيوت مستنكرًا، بل عُرفًا في عهد الصحابة.
معرفة مواضع القبور«لو كنت ثمّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر»صحيح البخاري 3407يدل على جواز تعيين القبور للعلم بها، وليس طمسها.
فائدة معرفة قبور الصالحين«فلو كنت برميلة مصر لأريتكم قبورهم»الطبراني 10370، أحمد 4312يفيد أن تحديد القبور فيه مصلحة، لا منكر.
زيارة فاطمة لقبر حمزة“كانت فاطمة تزور قبر عمها حمزة كل جمعة، فتصلي وتبكي عنده”البيهقي 7208، المستدرك 4319، ابن سعد ج3 ص13تقوي الجواز وترد على من ينهى عن الزيارة والصلاة عند القبر.
علامة على القبر“وضع رسول الله حجرًا على قبر عثمان بن مظعون وقال: أتعلم بها قبر أخي”سنن أبي داود 3206، البيهقي 6744، ابن سعد ج3 ص304يدل على جواز تمييز القبر بعلامة.
وجود الفسطاط على القبر“رأيت الفسطاط على قبر مالك بن أنس”ابن سعد ج5 ص469الفسطاط (خيمة) علامة على القبر، دلالة أخرى على مشروعية التمييز وعدم الطمس.

✅ استنتاجات كلية

  • الصلاة عند القبر جائزة إن لم تكن له.
  • الدفن في البيوت ليس ممنوعًا شرعًا، بل مشروع بعمل النبي وأصحابه.
  • معرفة القبور وزيارتها ليست بدعة بل فعلها السلف.
  • تمييز القبر بعلامة أو حجر جائز بفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
  • حديث “لا تجعلوا قبري وثنًا” لا يعني تحريم الدفن قرب المسجد أو زيارته، بل تحريم العبادة للقبر.