المرأة المسلمة بين الحجاب والنقاب

المرأة المسلمة بين الحجاب والنقاب

الحمد لله أحل الحلال جعله صافيا كماء زلال والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الرجال وعلى ءاله وأصحابه إلى يوم المآل، أما بعد:

فإن القرءان يحرم الاختلاط غير المشروع بين الذكر والأنثى، ففي سورة الإسراء يقول الله سبحانه: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} كما حرم ما يفضي إلى الزنا من وسائل ومقدمات، وحرم الإسلام الخلوة بين رجل وامرأة لم يربط بينهما زواج أو محرمية بحيث لا يراهما ثالث يستحى منه.

ففي الحديث المروي في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم” وفي رواية أحمد عن عامر بن ربيعة: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها فإن ثالثهما الشيطان”.

إن الشىء الذي يشد كلا من الرجل والمرأة إلى الآخر هي الأمور التي تثير الفتنة في المرأة بالنسبة للرجل وفيه بالنسبة لها، ففي الحديث المروي في الصحيحين: “ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء”.

وكان من علاج الإسلام ووصاياه لدرء هذه الفتنة ما جاء في القرءان من أوامر واقية دافعة لهذه الفتنة لا سيما الآيات التي وردت في سورتي النور والأحزاب حيث بينت الآداب في دخول البيوت وغض البصر وستر الجسد، ومن يباح لهم الخلوة بالمرأة والنظر إليها أو الدخول عليها، وكانت ءايات الحجاب سترا واقيا من الوقوع في شرور الفتنة.

ولقد جاءت مادة الحجاب في عدة مواضع في القرءان الكريم وكلها تشير إلى أن معناه المنع والستر أي ما يمنع الفتنة ويدفع وقوعها بين الرجال والنساء.

ولقد نبهت ءايتان في القرءان الكريم على ما يجب أن تكون عليه ثياب المرأة، إحداهما قول الله سبحانه في سورة النور: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءابَائِهِنَّ أَوْ ءابَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} والآية الأخرى قول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}.

فهاتان الآيتان حددتا ما يجب أن ترتديه المرأة المسلمة فلا ينكشف منه إلا الوجه والكفان عملا بقول الله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} وحد الوجه من منبت الشعر إلى أسفل الذقن وما بين وتدي الأذنين بحيث لا يظهر شىء من الشعر ولا القرط يعني الحلق ولا الأذن ولا شىء من العنق ولا يكون الثوب مظهرا لما تحته أي ساترا يكون للون.

فالمطلوب من المرأة المسلمة بمقتضى هاتين الآيتين أن تستر رأسها ورقبتها وصدرها، قال تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} وأن يكون ثوبها ساترا لجميع جسدها إلا الوجه والكفين: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ}.

بذلك فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله سبحانه في ءاية سورة النور السابقة: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}.

فقد روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في لباس دقيق يشف عن جسدها فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه صلى الله عليه وسلم.

وقد تكلم في هذا الحديث غير واحد لكن أحاديث أخرى صحاحا تقويه وردت في إباحة كشف الوجه والكفين لحاجة التعامل. ويؤيد هذا أن المرأة تكشف وجهها في الصلاة وكذلك في الإحرام بالحج وفي العمرة، ولو كان الوجه والكفان عورة لما أبيح لها كشفهما لأن ستر العورة واجب إذ لا تصح صلاة الإنسان إذا كان مكشوف العورة، كما يؤيده حديث الخثعمية الذي رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف الفضل بن العباس يوم النحر خلفه وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فعاد الفضل ينظر إليها ثلاث مرات والرسول صلى الله عليه وسلم يحول وجهه، فقال العباس أي أبو الفضل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لم لويت عنق ابن عمك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: “رأيت شابا وشابة فلم ءامن الشيطان عليهما” فلو كان الوجه عورة يجب سترها لما أقر النبي صلى الله عليه وسلم هذه المرأة على كشفه بحضرة الناس، ولو كان وجهها مغطا ما عرف الفضل أحسناء هي أم شوهاء، وفيه دليل أيضا على أن ستر المرأة وجهها ليس فرضا لإجماعهم على أن المرأة أن تبدي وجهها في الصلاة ولو رءاها الغرباء.

وقال القرطبي عند تفسير قول الله تعالى: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة في الصلاة والحج صلح أن يكون الاستثناء راجعا إليهما، وقد صرح بهذا جماعة من الصحابة ومن التابعين، وهو اختيار الطبري والرازي وغيرهما من المفسرين.

فلذلك كان لزاما على المرأة المسلمة بمقتضى هاتين الآيتين أن تستر جسمها من قمة رأسها إلى ظاهر قدميها، وليس لزاما أن تخفي وجهها وكفيها بنقاب أو قفاز وما أشبههما وباعتبار أنه لم يقم دليل صريح من القرءان ولا من السنة بوجوب إخفاء الوجه والكفين.

أما أن بعض النساء كن يخفين الوجوه والأكف على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فإن ذلك كان من باب الحياء والاعتياد لا على سبيل الإلزام بحكم تشريعي يدل لهذا ما رواه الحاكم عن أسماء رضي الله عنها قالت: كنا نغطي وجوهنا من الرجال حياء، أي حياء منهن وخجلا، فتغطية الوجه والكفين عمل غير واجب إلا على نساء النبي وهذا حكم خاص بهن.

والحمد لله رب العالمين.